الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بخلاف زمَن النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّهم لم يكونوا قبل ذلك أَسلموا، بل المنافِق حينئذٍ مُقيمٌ على كُفره.
أما مُناسبة الحديث لـ (كتاب الإيمان)؛ فهي أنَّ هذا علامة عدَم الإيمان، أو أنَّ بعض النِّفاق كُفرٌ.
وقال (ن): ومُراد البخاري بهذا الحديث أنَّ المعاصي تنقُص الإيمان كما أنَّ الطاعة تزيده.
(تابعه) سبَق معنى المُتابعة، وهي هنا مُقيَّدةٌ حيث قال:(عن الأَعمَش)، وناقصةٌ حيث ذكَرها في وسَط الإسناد لا مِن أوَّله.
(شعبة) وصلَها في (كتاب المَظالم).
* * *
25 - بابٌ قِيَامُ لَيْلَةِ القَدْرِ مِنَ الإِيمَانِ
(باب: قيام ليلة القدر من الإيمان)
(قيام) مبتدأٌ، (من الإيمان) خبره، وسُميت ليلة القَدْر؛ لمَا تكتُب فيها الملائكةُ من الأَقْدار والأَرْزاق والآجال في تلك السنَة، أي: يُظهرهم الله على ذلك، فيَفعلُ كلٌّ وظيفتَه، وقيل: لعِظَم قدْرها، أو: مَن أتى فيها بالطاعات له قدْرٌ، أو: أنَّ نفْس الطاعات فيها له قدْرٌ زائدٌ على غيرها.
قال (ن): واختُلف في وقْتها، فقيل: تنتقل في السنَة، وبذلك
يجمع بين الأحاديث الدالَّة على اختلاف أوقاتها، وبه قال مالك، وأحمد، وقيل: إنما تنتقِل في العشر الأخير من رمضان، وقيل: في كلِّه، وقيل: مُعيَّنةٌ لا تنتقِل، وقيل: هي في السنَة كلِّها، وبه قال أبو حنيفة وصاحباه، وقيل: في رمضان، وهو قول ابن عُمر، وقيل: في العشْر الأَوسط والآخِر، وقيل: في الآخِر فقط، وقيل: في أَوتاره، وقيل: في أَشْفاعه، وقيل: في ثلاثٍ وعشرينَ، وقيل: فيه أو في أربعٍ وعشرين، وبه قال ابن عبَّاس، وقيل: في إحدى وعشرين، أو ثلاث وعشرين، وقيل: ليلة أربعٍ وعشرين، وتُحكى عن بلال، وابن عبَّاس، وقيل: في سبعٍ وعشْرين، وقيل: ليلة سبْع عشَرةَ، وقيل: تسع عَشْرة، وقيل: آخِر ليلةٍ، وشذَّ مَن قال: رُفعت لحديث: "فتَلاحَى رجُلانِ؛ فرُفِعتْ"، ورُدَّ بأنَّه عقَّبه بقوله:"التمِسُوها في السَّبعْ أو التِّسْع"، فالمراد برفْعها: رفْع العِلْم بها، انتهى.
وقال الرافعي: مالَ الشَّافعيُّ إلى أنَّها ليلة الحادي، أو الثالث والعِشْرين، ومذهب أبي حنفية خلافًا لصاحبيه أنَّها دائرةٌ في الشَّهر.
قال صاحب المَنْظومة:
وليلةُ القَدْرِ بكُلِّ الشَّهْرِ
…
دائِرةٌ وعيَّناها فادْرِ
قال (ك): فهو مخالفٌ لما سبَق مِن نقْل (ن) عنه.
قال (ن): أجمع مَن يُعتدُّ به على وجودها ودَوامها إلى آخِر الدَّهر، يَراها، ويحقِّقها مَن شاء الله تعالى في رمضان كلَّ سنةٍ، وأخبارُ
الصَّالحين بها، ورؤيتهم لها أكثر من أنْ تُحصر، فقول المُهَلَّب: لا يُمكن رؤيتُها حقيقةً = غلطٌ.
وفي "الكشَّاف ": لعلَّ الدَّاعي إلى إخفائها أن يُحيي الذي يُريدها اللَّياليَ الكثيرةَ طلَبًا لموافقتها، وأنْ لا يتكِلَ مَن يراها، فيُفرِّط في غيرها.
* * *
35 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".
(م).
قيل في سنَده: إنَّه أصحُّ أسانيد أبي هُريرة، وهو: أَبو الزِّناد، عن الأَعرَج، عنه.
(من يقم) إلى آخِره، فيه مَجيء فِعْل الشَّرط مُضارِعًا، وجوابُه ماضيًا، وهو قليلٌ، وقد استُنبط من قوله تعالى:{إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ} [الشعراء: 4]؛ لأنَّ تابع الجواب جوابٌ، فإنَّ مجيئه ماضيًا محقَّق الوُقوع، وإنما قال هنا:(يَقُمْ)، وفي الحديث الآتي:(مَن قَامَ رمَضانَ)؛ لأنَّ ذلك مُحقَّق الوُقوع، وقيام ليلة القَدْر ليس متيقَّنًا.
ثم المراد بقيام اللَّيالي، أي: الطَّاعة في قوله: {وَقُومُوا لِلَّهِ
قَانِتِينَ} [البقرة: 238]، فهو حقيقةُ القِيام شرعًا يُكتفى فيه بما يُسمَّى قياما لإتمام اللَّيلة حتى قيل: إنَّ مَن أدَّى العِشاء فقد قام، لكنْ في العُرف لا يصدُق القيام إلا بقيام الكُلِّ أو الأَكثَر.
(إيمانًا واحتسابًا)؛ أي: تصديقًا بأنَّه حقٌّ وطاعة، وإرادةَ وجْه الله تعالى بذلك لا للرِّياء أو الخوف أو نحو ذلك.
ففيه الحثُّ على القِيام والإخلاص.
والاحتِساب حُسبة الأَجْر عند الله تعالى، قال التَّيْمِي: إنَّه بعد تحقُّقها يقومها، أو أنَّه يقوم اللَّيالي الغالب أنَّ ليلة القَدْر فيها مؤُمنًا؛ بأن صلاته فيها سبَب المغفرة مُحتسبًا بفعل ذلك أجرًا، فجعل المؤمن به أنَّه سببٌ للمغفرة.
ونصبهما على المفعول له، أو التَّمييز، وجوَّز أبو البَقاء مع وجه التَّمييز أن يكون حالًا مصدرًا بمعنى الوَصْف، أي: مؤمِنًا محتسِبًا كما في قوله تعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا} [سبأ: 13].
قال (ك): على الحاليَّة لا يُطابق الحديثُ الترجمةَ؛ لأنَّه لا يبقى فيه إلا القيام في حال الإيمان إلا أنْ يُقال: كونه في حال الإيمان، وفي زمانه مشعرٌ بأنَّه من جُملته ولكنه بتكلُّفٍ.
لا يُقال: فالتَّمييز والمفعول له لا يدلَّانِ أيضًا على أنَّه مِن الإيمان؛ لأنا نقول: (مِن) في: (مِن الإيمان) إما للابتداء، أي: مَنْشأ القيام الإيمان، أو مِن جهة الإيمان.