الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اليوم كما هو مذهب أهل السنَّة.
وفيه أنَّ هذا كبيرةٌ عند مَن يَعرفها لما توعَّد عليه.
قال (ط): كُفرُ نِعْمة الزَّوج هو كفرُ نِعْمة الله؛ لأنَّها من الله تعالى أَجراها على يَده، وفيه أنَّ المَعاصي تُنقص الإيمان؛ لأنَّه جعله كُفرًا، وأنَّ إيمانهنَّ يَزيد بشُكر نِعمة العَشير، فثبَت أنَّ الأعمال من الإيمان.
* * *
22 - بابٌ الْمَعَاصِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيةِ، وَلَا يُكَفَّرُ صاحِبُهَا بارْتِكَابِهَا إِلَّا بالشِّرْك لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"إنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّة"، وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48]
.
(باب: المعاصي من أمر الجاهلية)
المَعاصي جمع: مَعصيةٍ، وهي تَرْك واجبٍ، أو فِعْل حرامٍ كبيرة كانت أو صغيرةً، والجاهلية زمان الفَتْرة قبل الإسلام، سُمي بذلك لكثْرة الجَهالة فيه.
(ولا يكفر صاحبها)؛ أي: خلافًا لقَول الخَوارج: إنَّه بالكبيرة يكفر، وقول المعتزلة: إنَّه بين منْزلتين، لا مؤمنٌ ولا كافرٌ.
(بارتكابها)؛ أي: الإتْيان بها، فعبَّر عنه بالارتكاب مجازًا.
قال (ن): احِرازًا عن الاعتقاد، فإنَّه لو اعتقَد ما هو حرامٌ من المَعلوم من الدِّين بالضَّرورة حلالًا كُفرٌ بلا خِلافٍ.
(جاهلية)؛ أي: شيءٌ من أَخلاق الجاهلية، ففي استِدلاله بالحديث والآيةِ على شِقَّي التَّرجمة لَفٌّ ونشرٌ.
نعَمْ، وجْه الاستدلال بنفْي الغُفران على الكُفر كونُه يستلزمه إلا عند المُعتزلة القائلين: يخلد ولا يُكفر، وإلا فليس في الآية إلا نفْي الغُفران، وفي بعض النُّسَخ تعقيبُ آية:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 48] بقوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات: 9] الآيةَ، ثم بحديثِ الأَحْنَف بن قَيْس الآتي ذِكْره، وفي بعضها ذِكْرهما في ترجمةٍ أُخرى، وعليها شَرَح (ك)، فتَبعناه.
* * *
30 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ وَاصِلٍ الأَحْدَبِ، عَنِ الْمَعْرُورِ قَالَ: لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ، وَعَلَى غُلَامِهِ حُلَّةٌ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا، فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ، فَقَالَ لِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"يَا أَبَا ذَرٍّ! أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ، إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، إِخْوَانكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ".
(م).
(بالربذة) بحركاتٍ، ومُوحَّدة، ثم معجمةٍ: موضعٌ على ثلاث مَراحِل من المدينة.
(حُلة) بضم المهملة: إِزارٌ ورِداءٌ، ولا تكون حُلَّةً حتى تكون ثَوبَين، وذلك إشارةٌ إلى تَساويهما في لُبْس الحِلَّة.
(فسألته) سبَب السُّؤال أنَّ عادة العرَب وغيرهم أنْ تكون ثِياب المَملوك دُون ثيابِ سيِّده.
(ساببت)؛ أي: شاتَمتُ، أو شتَمتُ.
(رجلًا) هو عبدٌ بدليل السِّياق.
(فعيرته بأمه)؛ أي: عِبْتُه، ونَسبتُه للعار، وهو معنى: سابَبتُه إلا أنَّ بينهما تغايرًا بحسَب المفهوم، فلذلك عطَف عليه بالفاء التَّفسيرية كقوله تعالى:{فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 54]، ورواه البخاري في (الأدب):(كانَ بَيْني وبين رجلٍ كلامٌ، وكانتْ أُمُّه عجَميَّةً، فنِلْتُ منها) الحديثَ، ويُروى أنَّه قال لأَبي ذَرٍّ:"ارفَعْ رأْسَكَ، ما أَنْتَ أفْضَلَ ممَنْ تَرى مِن الأَحمرِ والأَسوَدِ إلا أنْ تَفضُلَ في دِيْنِ اللهِ"، ورُوي: أنَّ هذا الرَّجل الذي عَيَّرَه أَبو ذَر هو بِلالُ بن حَمَامَة، وبها اشتُهر، وكانتْ نُوبيَّةً، وفي روايةٍ: أَنَّه قال له: يا بنَ السَّوداءِ! ويُروى: أنَّه لمَّا شَكاهُ بِلالٌ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم قال له: "شَتَمتَ بِلالًا وعَيَّرتَه بسَوادِ أُمِّه"، قال: نعمْ، قال: "أَحسِب أنَّه بَقِيَ فيك شيءٌ من
كِبْر الجاهليَّة"، فأَلقَى أبو ذَرٍّ خَدَّه على التُّراب، ثم قال: لا أَرفَع خَدِّي منها حتى يَطَأَ بلالٌ خَدِّي بقَدَمه.
(يا أبا ذر) وفي روايةٍ: (أَبا ذَرٍّ) بحذْف حرف النداء.
(أعيرته) الاستِفهام فيه للإنْكار التَّوبيخي.
(خولكم) بفتح المعجمة، والواو: الواحد خائِلٌ، وقد يُطلَق الخَوَل على الواحد، ومعنى الخَوَل: الحشَم من التَّخويل، وهو التَّمليك، وقيل: الخَوَل الخَدَم، وسُموا به لأنَّهم يَتخوَّلون الأُمور؛ أي: يُصلحونها.
قال (ش): إِخوانُكم خوَلَكم -بالنَّصب-؛ أي: احفَظوا، ويجوز الرفْع على معنى: هم إِخوانُكم، قال: أبو البَقاء: والنَّصب أَجوَد، نعَمْ، رواه البخاري في (كتاب حُسْن الخُلُق):(هُمْ إِخوَانكمْ)، وهو يُرجِّح الرَفْع.
فإنْ قيل: القَصْد الإِخبار عن الخَوَل بالأُخوَّة لا العَكْس؛ قيل: تَقديم إخوانكم إما للاهتِمام بشأْن الأُخوَّة، وإما لحصْر الخَوَل في الإِخْوان؛ لأنَّ تقديم الخبَر يُفيد الحصْر، أي: ليسُوا إلا إِخوانًا، وللحَصْر مُقتضَى آخَر؛ لأنَّ تعريف المبتدأ والخبر يُفيد ذلك، وإما أنَّه من باب القَلْب تَلْميحًا للكلام كقوله:
نَمْ وإِنْ لَم أَنَمْ كَرايَ كَراكا
…
شَاهِدِي الدَّمْعُ إِنَّ ذاك كَذَاكَا
وقال التَّيْمِي: كأنَّه قال: هُم إِخوانكم، ثم أَراد إِظْهار هؤلاء
الإِخْوان، فقال: خَوَلَكم.
قلتُ: لا يَخفَى ما في كلِّ ذلك [مِنْ نَظرٍ، وأُخوَّة الخَوَل للمَخول إما مجازٌ عن القُدرة، أو الملْك، أو المراد مُطلَق القَرابة؛ لأنَ الكلَّ](1) من آدَم، أو أُخوَّة الإسلام، فالمماليك الكفَّار إما أنْ يُجعلوا في ذلك تبَعًا للمؤمنين، وإما أنْ يُقيَّد الخَوَل بالإيمان.
(تحت يده) إمَّا مِن إطلاق اليَد على القُدرة، أو المُلْك مجازًا.
(فليطعمه) وكذا ليُلبسه -بضم أَوَّلهما-، وإنما قال: مما يَأكل، ولم يقل مما يَطعَم كما في:(وليلبسه مما يلبس) بفتح أوَّل يَلبَس؛ لأنَّ الطَّعم الذَّوق كما في قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} [البقرة: 249]، فلو قال: مما يَطعَم لتُوهِّم أنه تجب الإذاقةُ مما يذُوق، وذلك غير واجبٍ، والأمر في هذَين للاستحباب عند الأكثر وإنْ كان الأصل في الأَمر الوُجوب.
(ولا تكلفوهم) نهيُ تحريمٍ.
(ما يغلبهم)؛ أي: ما تَعجَز قدرتُهم عنه؛ لعظَمته، أو لصُعوبته.
(كلفتموهم)؛ أي: ما يَغلبُهم، فحذف المفعول الثاني؛ لدلالةِ ما سبَقَ عليه.
قال (ط): يُريد أنَّك في تعييره بأُمه على خلُقٍ من أخلاق الجاهلية؛ لأنَّهم كانوا يَتفاخرون بالأَنْساب، فجَهلتَ وعصَيتَ الله تعالى، ولم
(1) ما بين معكوفتين ليس في الأصل.