الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
35 - بابٌ اتِّبَاعُ الجَنَائِزِ مِنَ الإِيمَانِ
(باب اتباع الجنائز من الإيمان)، بتشديد اتّباع، والجنائز جمع -جِنازة- بجيم تكسر في الأفْصح، مِنْ جَنَز، أي: سَتَر، ويُقال: إنَّه بالفتح: الميِّت، وبالكسر: النَّعش عليه الميت، وقيل: بالعكس، وقال الجَوْهَري: بالكسر، والعامة تفتحه، قال: وهو الميِّت على السَّرير، وإلا فهو سَريرٌ ونعشٌ.
47 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَلِيٍّ الْمَنْجُوفيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ وَمُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنِ اتَّبَعَ جَنَازَةَ مُسْلِم إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، وَكَانَ مَعَهُ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا، وَيَفْرُغَ مِنْ دَفْنِهَا، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ مِنَ الأَجْرِ بِقِيرَاطَيْنِ، كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ تُدْفَنَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيرَاطٍ".
تَابَعَهُ عُثْمَانُ الْمُؤَذِّنُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْث، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، نَحْوَهُ.
(م ت س ق).
سنَده بصريون إلا أبا هريرة، نعَمْ، قيل: الحسَن لم يسمع من أبي هريرة، فيكون:(عن أبي هريرة) راجعًا إلى (محمد) فقط، أو هو من حديث الحسَن مُرسَلًا.
(تبع) في رواية: (اتبَعَ)، وهو الموافق للترجمة، وظاهره يقتضي المشيَ وراءَ الجنازة، وهو قول أبي حنيفة، وقال الأئمة غيرُه: قُدَّامَها؛ للعُرف في معنى الاتباع؛ إذ المراد عُرفًا أن يُنسب إليها ويُعدَّ من شِيْعتها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم والشيخين كانوا يمشون أمامَها، وأيضًا فالشَّفيع إنما يكون قُدَّام المشفوع له، وهم شُفعاء بدليلِ:"وقد جئْناكَ شُفعاءَ له"، وقال الثوري: الكلُّ سواءٌ.
(إيمانًا) مرَّ بيانه في الأحاديث المُتعلِّقة برمضان.
ووجه دخوله في الترجمة سبَق نظيره.
(معه)؛ أي: مع المسلم، أو صاحب الجنازة، وفي بعضها:(معها)، أي: الجنازة.
(يصلي عليها ويفرغ) الأحسَن في الفعلين البناء للفاعل، ويجوز البِناء على المفعول، والجارُّ والمجرور فيهما هو النائب عن الفاعل، ومع ذلك يُقيَّد بأنْ يُصلِّي هو عليها، ويتبعَها إلى أن يُفرغ من دفنها جمعًا بين الرِّوايتين بحمل المطلَق على المقيَّد، فإنْ صلَّى فقط فليس له القِيراطان، وكذا لو صلَّى وذهب إلى القبر، ومكَث حتى جاءتْ، وحضر الدَّفن، أو حضَر الدَّفْن ولم يُصلِّ، أو تَبِعَها ولم يُصلِّ.
(يرجع) من الرُّجوع لا من الرَّجع.
(بقيراطين) القِيْراط لغةً: نِصْف دانقٍ، وأصله قِرَّاط -بتشديد الراء- بدليل جمعه على قَراريط، فأُبدل من أحد حرْفي تضعيفه ياء كما في دِيْنار، والمقصود من القِيْراط هنا الحِصَّة.
قلتُ: فهو إشارةٌ إلى أَجْرٍ معلومٍ عند الله، ونحو ذلك حديث:"مَنْ يَعمَل لي على قِيْراطٍ"، فلعلَّ العُرف كان في ذلك العهد عليه.
وقال الطِّيْبِي: هو جزءٌ من الدِّينار نِصْف عُشره في أكثر البلاد، وجزء من أربعةٍ وعشرين في الشام، وقد يُطلق على بعضِ الشيء.
(كل قيراط مثل أُحد) تفسيرٌ للمقصود من الكلام لا للفْظ القِيْراط، والمعنى: يَرجع بحصَّتين من الأَجْر، فبيَّن الجنسَ بقوله:(مِنَ الأَجْر)، والمقدارَ بقوله:(بمِثْل أُحُدٍ)، وكلاهما صفةٌ لقيراطين، لكن الأُولى قُدِّمت فصار حالًا.
(ثم رجع) يدلُّ على أنَّه كان معه ومُتبِعَه؛ لأن الرُّجوع يقتضي ذهابًا حتى لا يحصل القيراطان على الصلاة فقط.
(تابعه) سبَق بيان المتابعة أول الكتاب، والضَّمير لـ (رَوْح)؛ لأنَّ عُثمان في مَرتبته لا لأحمد، وإنْ كان البخاري قد يَروي عن عثمان بلا واسطةٍ، وربَّما روى عن محمَّد، أي: الذُّهْلي عنه.
(عن محمد)؛ أي: ابن سِيْرين، أي: ولم يَروه عن الحسَن.
فإنْ قيل: هل قول البخاري: (تابعه)، يَجزم بأنَّه سمعَه منه كما إذا قال:(عن فُلانٍ) حيث أمكَن السَّماعُ؟
قيل: قياس المُتابعة على العَنْعنة تقتضي ذلك، لكنْ صرَّحوا به في المُعَنعن، ولم يُصرِّحوا به فيها.
وهذه المتابعة وصلَها أبو نُعيم في "المُستخرَج".