الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
17 - بابٌ {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5]
(باب: فإن تابوا)
أي: عن الشِّرك؛ لقوله في الحديث: "حتى يَشْهَدُوا أنْ لا إِلَهَ إلا الله".
25 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُسْنَدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو رَوْحٍ الْحَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الإسْلَامِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ".
(م).
(الحرمي) بفتح المهملتين، وتشديد آخِره: علَمٌ على الرَّاوي، وغَلِطَ (ك) فيجعلَه مَنْسوبًا.
وسيأتي بيان ذلك في نوع الأسماء.
(واقد) بالقاف.
(سمعت أبي)؛ أي: محمَّد بن زَيْد بن عبد الله بن عُمر، أي: سَمعه يحدِّث عن جَدِّه ابن عُمر.
(أُمرت)؛ أي: أَمرَني اللهُ؛ لأنَّه الذي يَأْمُر خلْقَه، وإنما لم يذكر الفاعل لتعيُّنه كما في:{وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 28]، فأحالَه على شهادةِ العقْل، ونحوه قَول الصَّحابي:(أُمِرْنا)، أي: أَمرَنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم.
(أن أُقاتل)؛ أي: بأَنْ، فهي مما يطَّرِد حذْف حرف الجرِّ فيه.
(الناس) قيل: المراد عبَدة الأَوثان؛ لأنَّ الذِّمِّيَّ يُقَرُّ بالجِزْية، ولا يُقاتَل بدليل:{حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة: 29].
وقال الطِّيْبِي: هو من العام الذي خُصَّ؛ إذ قَول: لا إله إلا الله هو المقصود؛ لقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، كما إذا هُودِن عبَدة الأَوثان، فإنَّهم لا يقاتَلون، غايتُه يخصَّص لعارِضٍ، والتخصيص لا يُخرِجُ العامَّ عن عُمومه.
قال: ويجوز أن يُراد بقوله: (حتى يشهدوا) إلى آخره إِعلاءَ كلمة الله، وإِذْعان المُخالفين: إما بالإسلام، وإلا بما يَسُوغ مِن بذْل الجِزْية، أو المُهادَنة.
قال: ويحتمل أنَّ ضَرْبَ الجِزْية إنما كان بعدَ ذلك.
قال (ك): أو أنَّ ضرْب الجِزْية سبَبٌ لاضطِرارهم إلى الإسلام، وسبَب السَّبَب سبَبٌ، فكأنَّه قال: حتى يُسلِموا، أو يُعطوا الجِزْية، فاكتفَى بما هو المقصود الأَصلي من الخَلْق، أو أنَّ القَصْد من المُقاتَلة هي أو ما يقُوم مَقامها، وهي الجِزْية أو المقاتَلة على الإسلام، أي: أو ما يقُوم مَقامه.
والغاية في: حتى إما للقِتال، أو للأَمر به.
(وأن محمدًا رسول الله) التَّصديق به يتضمَّن التصديق بكلِّ ما جاءَ به حتى لو كذَّبه في شيءٍ مما جاء به كفَر وقُوتلَ، ولهذا في روايةٍ:(ويُؤمِنُوا بي، وبما جِئْتُ به).
ويحتمل رواية عدَمِ التَّصريح بذلك أنَّه لم يذكُر؛ لتأَخُّره عن هذا الحديث.
(ويقيموا الصلاة) إقامتها إما تعديلُ أركانها، وهيئتها المُعتبرة فيها؛ مِن أَقامَ العُودَ، وقوَّمَه، فهي عبادةٌ مفتتحةٌ بالتَّكبير مختتمةٌ بالتَّسليم، فيكون المراد بإقامتها أداؤها، وإما إدامتُها؛ مِن قامت السُّوق: إذا نفَقت، أو التجلُّد والتَّشمر في أدائها مِن قامت الحرْبُ على ساقِها (1).
(ويؤتوا الزكاة) وهي القَدْر المُخرَج من النِّصاب للمستحِقِّ، فيُقاتَل مانعها كما فعَل الصدِّيق، ولا يختصُّ بالصلاة والزكاة بل سائر الواجبات كذلك، فالاقتِصار في الحديث عليهما لأنَّ العبادة إما بدَنيةٌ أو ماليةٌ، فلذلك تُسمى الصلاة عِماد الذين، والزكاة قَنْطرة الإسلام، نعَمْ، القِتال على الإسلام في الحال، وعلى ما بعدَه في وقْته.
(فإذا فعلوا ذلك) المراد بالفعل الأَعمُّ من القَول؛ لأنَّه عمَل اللِّسان، أو من باب التَّغليب إلا أنَّهم إذا أقَرُّوا بالشَّهادتين أولًا حصلتْ
(1)"على ساقها" ليس في الأصل.
لهم العِصْمة، ثم إذا فعَلوا الصلاة عصَموا أنفُسهم من القِتال (1) عليها، وكذا الزكاة وسائر الأَركان.
(عصموا) حفِظوا، وحقَنوا.
(دماءهم) جمع: دَمٍ، وأصله: دَمَوٌ؛ كحَمَلٍ وأَحْمال.
(إلا بحق الإسلام) هو استثناءٌ مفرَّغٌ؛ لتضمُّن (عصَم) معنى النَّفي، أي: لا يهدر الله دماءهم بعد عِصْمتهم بالإسلام بسببٍ من الأسباب إلا بحقٍّ من حُقوق الإسلام مِن قتْل النفْس، أو ترْك الصَّلاة، أو منعْ الزكاة.
فإن قيل: الصلاة والزكاة داخلان تحت: (بحقِّها)، فلِمَ أُفردا بالذِّكر؟
قيل: تعظيمًا لهما، واعتناءً بشأنهما، وإشعارًا بأنَّهما في حُكم الشهادتين، أو أنَّ المراد العِصْمة مُطلَقًا بحيث لا يتجدَّد مع ذلك إهدارٌ، وذلك إنما هو عند فِعْل المَجموع، وكذا فعل غيرهما من الأركان إلا أنَّهما أَعظَم كما سبَق، فنُزِّلا منزلتها في كونها غايةً للمُقاتَلة إيذانًا بأنَّهما أُمُّ العبادات، ويُؤيده إسقاطها في رواية أبي هريرة.
وإضافة (حقٍّ) إلى الإسلام يحتمل معنى: اللام، ومِنْ، وفي، والحقُّ الذي يتعلَّق بالدَّم هو كالقِصاص، وبالمال هو كالضَّمان.
(1)"من القتال" ليس في الأصل.
(وحسابهم على الله)؛ أي: يجب أن يقَع، لا أنَّه -تعالى- يجب عليه شيءٌ كما زعَمه المعتزلة عقْلًا، فهو من التَّشبيه له بالواجِب على العِباد في أنَّه لا بُدَّ من وُقوعه، والمراد: أنَّ سَرائرهم إلى الله، وأما نحن فنَحكُم بالظَّاهر، أي: بمقتضَى ظاهر أَقْوالهم وأَفعالهم، أو أنَّ المراد أنَّ هذا القتال باعتبار أحكام الدنيا المُتعلِّقة بنا، وأما الأُمور الأُخروية من الجنَّة والنَّار، والثَّواب والعقاب؛ فمُفوَّضٌ إلى لله تعالى.
واعلم أنَّ تعلُّق هذا الباب بـ (كتاب الإيمان) دلالة على أنَّ من آمَن عُصم، أو أنَّ الصلاة والزكاة مِن الإيمان.
قال (ن): وفي الحديث قِتال مانِع الزكاة وغيرها من واجبات الإسلام، وأنَّ تارك الصلاة عَمْدًا مع اعتقاده وُجوبها يُقتَل، وهو قول الجمهور، قيل: بعد ثلاثة أيامٍ، والأصحُّ على الفَور، وأنَّه يُقتَل بترك صلاةٍ واحدةٍ إذا خرَج وقتُ الضَّرورة لها، ويُقتل بالسَّيف حدًّا خلافًا لأحمد حيث قال: كُفْرًا، ولأبي حنيفة حيث قال: يُحبَس ولا يُقتَل، وأما الصَّوم فيُحبس ويُمنع الطَّعامَ والشَّراب، والزكاة تُؤخَذ منه قَهْرًا، وأنَّ مَن يُظهر الإسلام يُكفُّ عنه، وأنَّ الزِّنديق تُقبل توبته وإنْ تكرَّر ارتداده، وهو الصحيح من الخلاف الآتي، وأنَّ المعتبَر التلفُّظ بالشهادتين لا يُكَفُّ عن قتالهم إلا بذاك.
* * *