الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(لوددت) جواب قسمٍ محذوفٍ.
(أما) بالتخفيف: حرف تنبيهٍ.
(أنَّه) الضمير للشأْن.
(إني أكره) فاعل: يمنع؛ أي: كراهةَ.
(أُملكم) بضم الهمزة؛ أي: أوقعكم في الملَل.
(فإني أتخولكم) بكسر (إنَّ).
(علينا) يحتمل تعلُّقه بالـ (مَخافة)، أي: خَوفًا علينا.
قال (ط): فيه ما كان عليه الصحابة من الاقتداء بالنبيّ صلى الله عليه وسلم، والمُحافظةِ على سُنته، وتجنّب مخالفته.
* * *
13 - بابٌ مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقّهْهُ فِي الدِّينِ
(باب من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين)
سمى بعضهُم مثل ذلك مرسلًا، والحقُّ قَول الأكثَر: أنَّه إذا وُصل سنَده بعد ذلك يصير مسندًا.
71 -
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونسُ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، قَالَ: قَالَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرّحمَنِ: سَمِعتُ مُعَاوِيَةَ خَطِيبًا يَقُولُ: سَمِعتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا
يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وإنَّمَا أَناَ قَاسِمٌ وَاللهُ يُعْطِي، وَلَنْ تَزَالَ هذه الأُمَّةُ قَائِمَةً عَلَى أَمرِ اللهِ لَا يَضُرُّهُم مَنْ خَالَفَهُم حَتَّى يَأتِيَ أَمْرُ اللهِ".
(خطيبًا) حالٌ من المفعول؛ لأنَّه أقرَب، ولأن الخطبة تليق بالولاة، لا من الفاعِل.
(يُرِد) من الإرادة، وهي: تخصيص أحد طرَفي الجائز بالوقوع.
وقيل: غير ذلك.
(خيرًا)؛ أي: منفعةً في الدنيا والآخرة، ويُكره التعميم؛ لأنَّه في سِياق الشَّرط، فيعمُّ جميع الخيرات، أو للتعظيم لاقتضاء المقام ذلك كما في قوله:
لَهُ حاجِبٌ في كُلِّ أَمرٍ يشِينُهُ
(يفقهه) من الفقه، وهو في اللُّغة الفهم، وحَملُه عليه أحسَن؛ ليشمل جميع العلوم الدينية، ويحتمل الاصطلاحي على بُعد.
وقال الحسن البصري: الفقيه: هو الزاهد في الدنيا، الراغب في الآخرة، البصير بأمر دِيْنه، المداوم على عبادة ربّه.
(قاسم)؛ أي: أقسِمُ بينكم، فأُوصل كلَّ أحدٍ بما يَليق به، والله يُوفِّق من يشاء لفهمه، والتفكُّر في معناه.
قال التُّورِبِشْتِي: إنَّه صلى الله عليه وسلم لم يفضِّل أحدًا على أحد بل عدل في القسمة وسوَّى في البلاغ، وتفاوتهم فيما منح الله من الفهم، فبعض الصحابة كان لا يفهم من الخطاب إلا الظاهر، وبعضهم يستنبط منه
كثيرًا و {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} [المائدة: 54]، انتهى.
ووجه الحصر بـ (إنما) مع أنَّه صلى الله عليه وسلم له صفاتٌ غير كونه قاسِمًا، وهو كونه بشيرًا ونذيرًا؛ إما رَدٌّ على من اعتقد فيه أنَّه يُعطي ويَقسم، فالقصر فيه قصْر إفرادٍ، أو يُعطي ولا يَقسِم، فالقصر فيه قَصْر قَلْب، وكلاهما ليس حقيقيًّا.
(والله يعطي) التقديم عند السَّكَّاكي في مثْله للتَّقْوية.
وقال الزَّمَخْشَري: يحتمل الاختصاص، أي: الله يُعطي لا غيرُه، ثم الجُملة يحتمل أنْ تكون حاليةً، والمعنى: ما أنا قاسمٌ حالَ إِعطاء اللهِ لا في حالٍ غيره، وأما حذْف مفعول أعطى؛ فلجَعْله كاللازم حتى يكون الغَرَض إيجاد الحقيقة لا بَيان المفعول.
(ولن تزال) فعلٌ ناقصٌ ملازِمٌ للنَّفْي، أو معناه بخلاف زالَ يَزول بمعنى: ذهبَ؛ أي: وزَال يزيل بمعنى: مَيَّز.
(على أمر الله)؛ أي: على الدِّين الحقِّ.
(حتى يأتي أمر الله)؛ أي: القيامة، فإنَّه لا تكاليفَ فيها حينئذٍ؛ لأنَّ المراد أنَّهم حينئذٍ على غير أمر الله من حيث مُخالفة الغاية لما قبلَها، أو أن الغاية هنا لتأكيد التأبيد لا لمخالفة ما بعدَها لما قبلَها كما في:{دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} [هود: 107]، ويحتمل أن يكون غايةً لقوله:(لا يضرهم)؛ لأنَّه أَقْرب، ويكون المعنى: حتى يأتيَ بلاءُ الله فيضرُّهم، أو أنَّه لتأكيد عدم المضرة، كأنَّه قال: لا يضرُّهم مَن خالفَهم لهذا، أو هو مثل:{لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إلا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} [الدخان: 56]؛
أي: فلا مَضرةَ يوم القيامة كما لا موتَ، أما الضرُّ بمجيء الدجَّال، فإنْ فسَّروا أمر الله بالبلاء؛ فظاهرٌ، أو بيوم القيامة؛ ففعل الدجال منفعةٌ في الآخرة، فإنَّ الشهادة لا تضره فيها بل من أعظم المنافع.
واعلم أنَّ في (حتى) يأْتيَ تنازُع فعلين.
قلتُ: لو قال: عاملَين كان أجود؛ لأن أحدهما اسمٌ، وهو قائمةً، وأما الغاية في (حتى)، فالفرق بينها وبين (إلى): أن مجرور (حتى) يجب أن يكون آخر جزءٍ من الشيء أو ما يُلاقي آخر جزءٍ منه، وإليه أَشار في "الكشاف" في قوله تعالى:{وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ} [الحجرات: 5].
وفي الحديث حُجة الإجماع.
قيل: ويدل على امتِناع خُلوِّ العصر عن المُجتهد.
قال (ط): وعلى فَضْل العُلماء على سائر الناس؛ أي: ولهذا قال البخاريُّ في موضع: إنَّ الطائفة المذكورة هم أَهل العِلْم، وقال أحمد: إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أَدري مَن هم؟.
قال القاضي: أراد أحمد أهلَ السنَّة والجماعة.
قال (ن): إنَّهم مفرَّقون في المؤمنين، منهم فُقهاء، ومنهم مُحدِّثون، ومنهم زُهَّاد إلى غير ذلك.
وفيه: فضل الفقه على سائر العُلوم، وأنَّه صلى الله عليه وسلم لم يستأثر عليهم في مال الله، وقد قال:(ما لي مما أَفاء الله عليكم إلا الخمُس، والخمُس مردودٌ فيكُم)، وطيَّب قلوبهم بقوله:(إنما أنا قاسم)، وعلى