الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسيأْتي ترجمةٌ نحوَ هذه فيها حديثٌ، وأنَّ جواب ذلك: أنَّ الفضل هناك بمعنى الفَضيلة لا من الفَضْل.
{دَرَجَاتٍ} مفعولُ (يرفع)، والرفْع: كثْرة الثَّواب ونحوه.
{رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} ؛ أي: فالذي يُطلب زيادتَه دليلٌ على فضله.
* * *
2 - بابُ مَنْ سُئِلَ عِلْمًا وَهُوَ مُشْتَغِلٌ فِي حَدِيثِهِ فَأَتَمَّ الحَدِيثَ ثم أَجَابَ السَّائِلَ
(باب من سئل علمًا وهو مشتغل في حديثه)
سُئل بضم السين، وجملة:(وهو مشتِغلٌ) حاليةٌ من نائب الفاعل.
(فأتم) عطَفه بالفاء لأنَّه عَقِبه.
(ثم أجاب): عطفَه بـ: (ثم)؛ لتراخيه.
59 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا فُلَيحٌ، ح وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي هِلَالُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ عَطَاء بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: بَيْنَمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي مَجْلِسٍ يُحَدِّثُ القَوْمَ جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ فَمَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُحَدِّثُ، فَقَالَ بعضُ القَوْمِ: سَمعَ
مَا قَالَ، فَكَرِه مَا قَالَ، وَقَالَ بَعْضُهُم: بَلْ لَم يَسْمَع، حَتَّى إِذَا قَضَى حَدِيثَهُ قَالَ:"أَيْنَ -أُرَاهُ- السَّائِلُ عَنِ السَّاعَةِ؟ "، قَالَ: ها أَناَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ:"فَإِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانة فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ"، قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُها؟ قَالَ: "إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ".
(وحدثنا) وفي بعضها: (وحدَّثني)، وسبَق الفرقُ بينهما، وبالجملة فهو إسنادٌ آخَر، وربَّما يُكتب قبلَه صُورة (ح) للتَّحويل، وسبق بيانها.
(بينما) أصله: (بين) زيدت عليها (ما)، وهو ظرف زمانٍ بمعنى المُفاجأة، والأفْصح أن يُجاب بـ (إذ) أو بـ (إذا)، وكان الأَصمعي لا يَستفصِح إلا تَركَهما، وقيل: يتضمن بمعنى الشرط، فلذلك اقتضى جوابًا، وعاملُه الجواب (إذا) كان مجرَدًا منهما، وإلا فمعنى المُفاجأَة، وقد سبق.
(يحدث) خبر المبتدأ، ومفعولاه الأَخيران حُذفا.
(القوم) الرجال، قال تعالى:{لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ} [الحجرات: 11]، الآيةَ، وقال الشاعر:
أَقَومٌ آلُ حِصْنٍ أَمْ نِساءُ
وقد يدخُل النِّساء في قومٍ تبَعًا، فإنَّ قوم كلِّ نبيٍّ شاملٌ للرجال والنِّساء، وجمعه: أَقوامٌ، وجمع الجمع: أَقاوِم.
(أعرابي) واحدُ الأعراب، وهم سُكان البَوادي لا واحدَ له،
وليس الأعراب جمع: العرَب، والنَّسب للعرَب عرَبيٌّ، ولم يُسمِّ هذا الأعرابي إلا أبو العالية، فإنَّه سماه: رفيعًا.
(يحدث)؛ أي: يحدِّث القَوم، ورُوي (بحديثه) بحرف الجرِّ.
(فقال بعض
…
) إلى آخره، جملةٌ اعتراضيةٌ بين (فمضى)، وبين (حتى إذا قضى حديثه)، وعطْف:(بل لم يسمع) على ما قبْلَه لا يقدَح فيه تغايُر المتكلِّمين، فقد يكون الإضراب بين كلامَي متكلِّمَين، ولو سُلِّم منْعه؛ فلم لا يكون الكلُّ من كلام البعض الأوَّل على طريقة عطْف التَّلْقين، كأنَّه قال البعض الآخَر للبعض الأوَّل: بل لم يَسمَع، أو من كلام البعض الآخَر بأنْ تُقدِّر قبلَه: سَمعَ، أي: سمع بل لم يَسمع، كذا قال (ك)، وفيه نظَرٌ.
(أين هذا السائل) وفي نُسخةٍ: (أَيْنَ أُراهُ السَّائِلُ؟)، وهو بضم الهمزة بمعنى: أَظنُّ؛ أي: قال الرَّاوي: أظُنُّ أنَّه قال: أَين السائلُ؟.
(ها) حرف تنبيهٍ.
(أنا): مبتدأٌ خبره محذوفٌ، أي: السائل.
قال الجَوْهري: (ها) يكون جواب النِّداء تُمدُّ وتُقصر، وتكون مقصورةً للتَّقريب إذا قيل: أَين أنتَ؟، فتقول: ها ها أَنا ذا.
واعلم أنَّ العطف قد ترك في: قال سُؤالًا وجوابًا؛ لأنَّ المُقاوَلة تقتضي سؤالَ سائلٍ عما قال كلٌّ، نعَمْ، في بعض النُّسَخ:(فقالَ: كَيْفَ إِضاعَتها؟)؛ ليُفرغه عمَّا قبْله، فعقب بالفاء.
(وُسِّدَ) بالتشديد؛ أي: جعل له غيرُ أَهله وِسادةً، مِن وسَّدتُه
الشيءَ، فتوسَّدَه، أي: فُوِّض الأَمر، فـ (إلى)، بمعنى اللام، أو لتضمُّنه مع الإسناد، ورَواه القابِسي:(أُوْسِدَ) بهمزةٍ، ورواه البخاري في (باب رفْع الأَمانة):(أُسْنِدَ).
(الأمر)؛ أي: جنْس الأُمور المُتعلِّقة بالدِّين؛ مِن خلافةٍ وقضاءٍ وإفتاءٍ ونحوه، بخلاف البَواقي، وإنما أخَّر النبيُّ صلى الله عليه وسلم جوابَ السائل؛ لأنَّه سأَل عما لا يجبُ تعلُّمه، أو لأنَّ غيره أهمُّ منه، أو أَخَّره انتظارًا للوحي أو لِيُتِمَّ حديثه، حتى لا يختلط على السامعين، أو أراد التَّنبيه على فوائد: منها: تقديم القاضي، والمفتي، والمدرِّس الأسبَق، وأنَّ الأدب أنْ لا يُسأل مَن هو مُشتغلٌ بحديثٍ أو غيره، والرِّفْق بالمتعلِّم، وإنْ جَفا في سُؤاله أو جَهِل؛ إذ لم يُوبِّخه صلى الله عليه وسلم، ومُراجعة العالم فيما لم يُفهم كقوله:(كَيْفَ إِضاعتُها؟)، وإنما أجابَ بزوال الإضاعة، والسُّؤال عن الكيفيَّة؛ لتضمُّنه إياه؛ لأنَّ كيفيَّتها بالتوَسُّد المذكور.
والظاهر أنَّ (إذا) هنا ليست شرطيةً.
(فانتظر) للتفريع عما قبْله، أو جواب شرطٍ محذوفٍ.
قال (ط): معنى الحديث أنَّ الأئمة ائتَمنهم الله على عباده، وفرَض عليهم النُّصح، فإذا قلَّدوا الأمر غير أهل الدِّين، فقد ضيَّعوا الأَمانة، وفي الحديث:"إِنَّ السَّاعةَ لا تَقُومُ حتَّى يُؤتَمنَ الخائِنُ"، وهذا إنما يكون إذا غلبت الجُهَّال، وضَعُف أهل الحقِّ عن القيام به ونُصرته.
* * *