المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌40 - باب أداء الخمس من الإيمان - اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح - جـ ١

[شمس الدين البرماوي]

فهرس الكتاب

- ‌1 - كِتابُ بَدء الوحْي

- ‌باب كيف كان بَدْءُ الوَحْي إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وَقَوْلُ الله جَلَّ ذِكْرُهُ: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} [النساء: 163]

- ‌2 - كِتَابُ الإِيمَانِ

- ‌1 - بابُ الإِيمَانِ، وقوْلِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: "بُنِيَ الإِسلَامُ عَلَى خَمْسٍ

- ‌2 - بابٌ دُعَاؤكُمْ إِيمَانُكُمْ (باب: دعاؤكم إيمانكم)

- ‌3 - بابُ أُمُورِ الإِيمَانِ

- ‌4 - بابٌ الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ

- ‌5 - بابٌ أيُّ الإِسْلَامِ أَفْضَلُ

- ‌6 - باب إِطْعَامُ الطَّعَامِ مِنَ الإِسْلَامِ

- ‌7 - بابٌ مِنَ الإِيمَانِ أَنْ يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبَّ لِنَفْسِهِ

- ‌8 - بابٌ حُبُّ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الإِيمَانِ

- ‌9 - بابُ حَلَاوَةِ الإِيمَانِ

- ‌10 - بابٌ عَلَامَةُ الإِيمَانِ حُبُّ الأَنصَارِ

- ‌11 - بابٌ

- ‌12 - بابٌ مِنَ الدِّينِ الْفِرَارُ مِنَ الْفِتَنِ

- ‌13 - بابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِاللهِ"، وَأَنَّ الْمَعْرِفَةَ فِعْلُ الْقَلْبِ؛ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: 225]

- ‌14 - بابٌ مَنْ كَرِهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌15 - بابُ تَفَاضُلِ أَهْلِ الإِيمَانِ فِي الأَعْمَالِ

- ‌16 - بابٌ الْحَيَاءُ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌17 - بابٌ {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5]

- ‌18 - بابٌ مَنْ قَالَ: إِنَّ الإِيمَانَ هُوَ الْعَمَلُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف: 72]، وَقَالَ عِدَّةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْم فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر: 92، 93]، عَنْ قَوْلِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} [الصافات: 61]

- ‌19 - بابٌ إِذَا لَمْ يَكُنِ الإِسْلَامُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وكان على الاستسلام أو الخوف من القتل لِقَوْلهِ تَعَالَى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14]، فَإذَا كَانَ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَهُوَ عَلَى قَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19]

- ‌20 - بابٌ إِفْشَاء السَّلَامِ مِنَ الإِسْلَامِ

- ‌21 - بابُ كُفْرَانِ الْعَشِيرِ، وَكُفْرِ بعد كُفْرِ فِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌22 - بابٌ الْمَعَاصِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيةِ، وَلَا يُكَفَّرُ صاحِبُهَا بارْتِكَابِهَا إِلَّا بالشِّرْك لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "إنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّة"، وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48]

- ‌22 / -م - بابٌ {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9]، فسَمَّاهُمُ الْمُؤْمِنِينَ

- ‌23 - بابٌ ظُلْمٌ دُونَ ظُلْمٍ

- ‌24 - بابُ عَلَامَةِ المُنَافِقِ

- ‌25 - بابٌ قِيَامُ لَيْلَةِ القَدْرِ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌26 - بابٌ الجِهَادُ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌27 - بابٌ تَطَوُّعُ قِيَامِ رَمَضَانَ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌28 - بابٌ صَوْمُ رَمَضَانَ احْتِسَابًا مِنَ الإِيمَانِ

- ‌29 - بابٌ الدِّينُ يُسْرٌ وَقَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "أَحَبُّ الدِّينِ إِلَى اللهِ الحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ

- ‌30 - بابٌ الصَّلَاةُ مِنَ الإِيمَانِ وَقَوْلُ اللهِ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143]؛ يَعْنِي: صَلَاتَكُمْ عِنْدَ البَيْتِ

- ‌31 - بابُ حُسْنِ إِسْلَامِ المَرْءِ

- ‌32 - بابٌ أَحَبُّ الدِّينِ إِلَى اللهِ أَدْوَمُهُ

- ‌33 - بابُ زِيَادَةِ الإِيمَانِ وَنُقْصَانِهِ وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف: 13]، {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} [المدثر: 31]، وَقَالَ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3]، فَإِذَا تَرَكَ شَيْئًا مِنَ الكَمَالِ فَهُوَ نَاقِصٌ

- ‌34 - بابٌ الزَّكَاةُ مِنَ الإِسْلَامِ وَقَوْلُهُ: ({وَمَا أُمِرُوا إلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5]

- ‌35 - بابٌ اتِّبَاعُ الجَنَائِزِ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌36 - بابُ خَوْفِ المُؤْمِنِ مِنْ أَنْ يَحْبَطَ عَمَلُهُ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ

- ‌37 - بابُ سؤَالِ جِبْرِيلَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَنِ الإِيمَانِ، وَالإِسْلَامِ، وَالإِحْسَانِ، وَعِلْمِ السَّاعَةِ وَبَيَانِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَهُ، ثُمَّ قَالَ: "جَاءَ جِبْرِيلُ عليه السلام يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ"، فَجَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ دِينًا، وَمَا بيَّنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِوَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ مِنَ الإيمَانِ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85]

- ‌38 - باب

- ‌39 - بابُ فَضْلِ مَنِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ

- ‌40 - بابٌ أَدَاءُ الخُمُسِ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌41 - بابُ مَا جَاء أَنَّ الأَعمَالَ بِالنِّيَّةِ وَالحِسْبَةِ، وَلِكُلِّ امرِئٍ مَا نَوَى

- ‌42 - بابُ قَوْلِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: "الذين النَّصِيحَةُ، لِلهِ وَلِرَسولِهِ وَلأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِم" وَقَوْلهِ تَعَالَى: {إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 91]

- ‌3 - كتاب العلم

- ‌1 - بابُ فَضْلِ العِلْمِ وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة: 11]، وَقولهِ عز وجل: {رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114]

- ‌2 - بابُ مَنْ سُئِلَ عِلْمًا وَهُوَ مُشْتَغِلٌ فِي حَدِيثِهِ فَأَتَمَّ الحَدِيثَ ثم أَجَابَ السَّائِلَ

- ‌3 - بابُ مَنْ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالعِلْمِ

- ‌4 - بابُ قَوْلِ المُحَدِّثِ: (حَدَّثَنَا) أوْ (أَخْبَرَنَا) و (أَنبأَنَا)

- ‌5 - بابُ طرح الإِمَامِ المَسْئَلَةَ عَلَى أصحَابِهِ لِيَخْتَبِرَ مَا عِنْدَهم مِنَ العِلْمِ

- ‌6 - بابُ مَا جَاء فِي العِلْمِ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} القِرَاءَةُ وَالعَرضُ عَلَى المُحَدِّثِ

- ‌7 - بابُ مَا يُذْكَرُ فِي المُنَاوَلَةِ، وَكِتَابِ أَهْلِ العِلْمِ بالعِلْمِ إِلَى البُلْدَانِ

- ‌8 - بابُ مَنْ قَعَدَ حَيْث ينتهي بِهِ المَجْلِسُ، وَمَنْ رَأَى فُرجَةً فِي الحلْقَةِ فَجَلسَ فِيها

- ‌9 - بابُ قَوْلِ النبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "رُبَّ مُبَلغٍ أوْعَى مِنْ سَامِعٍ

- ‌10 - بابٌ العِلْمُ قَبْلَ القَوْلِ وَالعَمَلِ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إلا اللَّهُ} [محمد: 19]

- ‌11 - بابُ مَا كانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَتَخَوَّلُهم بِالمَوْعِظَةِ وَالعِلْمِ كَيْ لَا يَنْفِرُوا

- ‌12 - بابُ مَنْ جَعَلَ لأَهْلِ العِلْمِ أَيَّامًا مَعلُومَةً

- ‌13 - بابٌ مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقّهْهُ فِي الدِّينِ

- ‌14 - بابُ الفَهْمِ فِي العِلْمِ

- ‌15 - بابُ الاِغْتِبَاطِ فِي العِلْمِ وَالحكمَةِ

- ‌16 - بابُ مَا ذُكرَ فِي ذَهابِ مُوسَى صَلى اللهُ عَلَيهِ فِي البحْرِ إِلَى الْخَضِرِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} [الكهف: 66]

- ‌17 - بابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "اللهُمَّ عَلِّمْهُ الكتَابَ

- ‌18 - بابٌ مَتَى يَصح سَمَاعُ الصَّغيِر

- ‌19 - بابٌ الخُرُوجِ فِي طَلَبِ العِلْمِ

- ‌20 - بابُ فَضْلِ مَنْ عَلِمَ وَعَلّمَ

- ‌21 - بابُ رَفْعِ العِلْمِ، وَظُهُورِ الجَهْلِ

- ‌22 - بابُ فَضْلِ العِلْمِ

- ‌23 - بابُ الفُتيَا وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى الدَّابَّةِ وَغَيْرِهَا

- ‌24 - بابُ مَنْ أَجَابَ الفُتيَا بِإِشَارَةِ اليَدِ وَالرَّأْسِ

- ‌25 - بابُ تَحْرِيضِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى أَنْ يَحْفَظُوا الإِيمَانَ وَالعِلْمَ ويُخْبِرُوا مَنْ وَرَاءهُمْ

- ‌26 - بابُ الرِّحْلَةِ فِي المَسْأَلَةِ النَّازِلَةِ وَتَعْلِيمِ أَهْلِهِ

- ‌27 - بابُ التَّنَاوُبِ فِي العِلْمِ

الفصل: ‌40 - باب أداء الخمس من الإيمان

وقال أبو حنيفة: العقل في الدِّماغ، وحُكي الأول أيضًا عن الفَلاسفة، والثاني عن الأطبَّاء احتجاجًا بأنَّه إذا فسَد الدماغ فسَد العقل، ورُدَّ بأنَّ الدِّماغ آلةٌ عندهم، وأنَّ فَساد الآلة يقتضي فسادَه، وعلى قاعدتنا أنَّ الله تعالى أَجرى العادةَ بذلك.

قال (ط): هذا الحديث أصلٌ لحماية الذَّرائع.

وقال (ن): فيه دلالةٌ على أنَّ مَن حلَف: لا يأْكُلُ لحمًا فأَكلَ قَلْبًا حَنِثَ، ومَن منعَ قال: في العُرف لا يُسمَّى لحمًا.

* فائدة: قال الغَزالي: السَّلاطين في زماننا ظلَمةٌ، قلَّما يأْخذون شيئًا على وجْهه بحقِّه، فلا تحلُّ مُعاملتهم، ولا من يتعلَّق بهم حتى القُضاة، ولا التجَّار في الأَسواق التي يعمرها بغير حقٍّ، واستِبراء الدِّين والورع اجتِناب الرُّبُط والمَدارس والقَناطر التي أَنشؤوها بالأموال التي لا يُعلم مالكُها، عافانا الله منها.

* * *

‌40 - بابٌ أَدَاءُ الخُمُسِ مِنَ الإِيمَانِ

(باب أداء الخمس من الإيمان)

رُوي بفتح الخاء وضمِّها، ففي الحديث شاهدٌ لهما، فإنَّ فيه ذِكْر تأْدية خُمس الغَنيمة، وذِكْر قواعد الإسلام الخَمْسة، نعَمْ، في نُسخةٍ:(أَداء الخمُس)، وهو يُرجِّح الأول.

ص: 300

53 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجعدِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ شُعبَةُ، عَنْ أَبِي جَمرَةَ قَالَ: كنْتُ أَقْعُدُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ، يُجْلِسُنِي عَلَى سَرِيرِهِ فَقَالَ: أَقِم عِنْدِي حَتَّى أَجْعَلَ لَكَ سَهْمًا مِنْ مَالِي، فَأقمتُ مَعَهُ شَهْرَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا أتوُا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنِ القَوْمُ؟ أَوْ مَنِ الوَفْد؟ "، قَالُوا: رَبِيعَةُ، قَالَ:"مرحَبًا بِالقَوْمِ -أَوْ بِالوَفْدِ- غَيْرَ خَزَايَا وَلَا نَدَامَى"، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّا لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَأتِيكَ إلا فِي شَهْرِ الحَرَامِ، وَبَيْنَنَا وَبَيْنَكَ هذَا الحَيُّ مِنْ كفَّارِ مُضَرَ، فَمُرنَا بِأمر فَضل، نُخْبِرْ بِهِ مَنْ وَرَاءَناَ، وَندخُلْ بِهِ الجَنَّةَ، وَسَألوهُ عَنِ الأَشرِبَةِ، فَأَمَرَهُم بِأربَعٍ، وَنهاهُم عَنْ أربَعٍ، أَمَرَهُم بِالإيمَانِ بِاللهِ وَحدَهُ، قَالَ:"أترُونَ مَا الإيمَانُ بِاللهِ وَحدَه؟ "، قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعلَمُ، قَالَ:"شَهادَةُ أَنْ لَا إِلَه إلا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامُ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصِيَامُ رَمَضَانَ، وَأَنْ تعطُوا مِنَ المَغْنَم الخُمُسَ"، وَنهاهُم عَنْ أَربَعٍ؛ عَنِ الحَنْتَمِ وَالدُّبَّاء وَالنَّقِيرِ وَالمُزَفَّتِ، وَرُبَّمَا قَالَ: المُقَيَّرِ، وَقَالَ:"احفَظُوهُنَّ وَأَخْبِرُوا بِهِنَّ مَنْ وَرَاءكم".

(م ت د س).

(عن أبي جمرة) بالجيم، وإنْ كان شُعبة يَروي عن سبعةٍ بالحاء المهملة عن ابن عبَّاس، ولكن لا يُطلق إلا هذا، والكلُّ مقيَّدون بما يدلُّ عليهم.

(أقعد) أتى به مضارعًا؛ لحكاية الحال الماضية استحضارًا لتلك الصورة للحاضرين.

ص: 301

(فيجلسني)؛ أي: يَرفعني بعد أن أَقعُد، فلذلك عطفَه على (أَقعُد) بالفاء؛ لأن الجُلوس على السَّرير قد يكون بعد القُعود في غيره.

(سريره) جمعه: أَسِرَّةٌ وسُرُرٌ -بضمتين-، وجاء فتح الراء، قيل: هو من السُّرور؛ لأنَّه مجلس السُّرور.

وفي ذلك استحباب إكرام العالم ورفْعه.

(أقم عندي)؛ أي: تَوطَّن لتُساعدني بالتَّرجمة عن الأَعجمي وله، أو لتبليغ مَن لم يسمع لزَحمةٍ أو نحوها، وقيل: قال له ذلك لرُؤيا تأْتي إنْ شاء الله تعالى في (باب التمتُّع).

(سهمًا)؛ أي: نَصيبًا، وجمعه: سُهْمان -بالضم-.

(فأقمت معه)؛ أي: عنده بمكة، عبَّر بالمعيَّة المشعِرة بالمصاحبة مبالغةً.

(وفد)؛ أي: وَرَد، فهو وافدٌ، والجمع وَفْدٌ، وجمع الوَفْد: أَو فادٌ ووُفودٌ، والمراد جمعٌ يتقدَّمون للقاء العُظماء.

قلتُ: كذا شَرح (ك)؛ لكن لفْظ الحديث: (أنَّ وَفْد عبْد القَيْس لمَّا أتوا).

(عبد القيس) أبو قَبيلةٍ، وهو ابن أَفْصَى بفتح الهمزة، وسكون الفاء، وبصادٍ مهملةٍ، ابن دُعْمِي بضمِّ الدال، وسكون العين المهملتين، وياء النَّسَب، بن جَدِيْلَة بفتح الجيم، بن أسَد بن ربيعة بن نِزار، وكان

ص: 302

الوفْد أربعة عشَر رجلًا بالأَشجِّ كما سيأتي، ويُروى: أنَّهم كانوا أربعين، فإما أنْ تكون لهم وِفادتان، وإما أنَّ الأَشراف أربعةَ عشرَ، والباقي تبَعٌ، ومنهم مَن سَمَّى الأربعين.

(أو من الوفد) شكٌّ من الرَّاوي، والظاهر أنَّه من ابن عبَّاس.

(ربيعة)؛ أي: ابن نِزَار بن مَعَدِّ بن عدنان؛ لأن عبْد القَيس من ولده.

(مرحبًا) نصبٌ على المصدر بعاملٍ محذوفٍ وجوبًا، أي: صادفتَ سَعَةً، فاستأْنِس ولا تَستوحش.

(غيرَ) نصبٌ على الحال على المَعروف كما قال (ن)، ويُروى بالجرِّ صفةً للقوم، وإنْ كان بأل؛ لأن مثْله قريبٌ من النكرة.

(خزايا) بفتح المعجمة، والزاي، جمع: خَزْيَان كسكران، وهو المُستَحِي، وقيل: الذَّليل، وقيل: المفتضح.

(ندامى) جمع: نَدمان، أي: نادِم، وقيل: جمع: نادم وإنْ كان ندمان في الغالب من المنادَمة، وكان قياسه: نادِمين، ولكنه جُمع على نَدَاما؛ لمناسبةِ خَزايا تحسينًا، كما في:"لا دريتَ ولا تَليتَ"، والقياس: لا تلَوت، والغَدايا والعَشايا، والقياس: غُدوات.

والمراد: أنَّه لم يقع منكم سوءٌ، ولا أصابكم قتالٌ ولا سبيٌ ونحو ذلك فتستحيوا منه وتَذلُّوا، ورواه مسلم:(ولا النَّدامى) باللام، ورُوي أيضًا:(الخَزايا والنَّدامى)، ولا يُشكل ذلك على النصب على

ص: 303

الحال؛ لأن (غير) إضافتُها غير محضةٍ إما لتوغُّلها في الإبهام، أو أن الشرط في تعريفها أن تقَع بين ضِدَّين، أو غير ذلك.

(الشهر) سمي بذلك لشُهرته، أو المراد الجنس، فيشمل الأربعة الحرم.

(الحرام) لحُرمة القتال فيه ونحوه، ويُروى:(شَهْرُ الحَرام)؛ أي: شهر الوقْت الحرام، كذا عند البصريين؛ لأنَّهم يمنعون إضافة الموصوف إلى صِفَته، وأما الكوفيُّون فيُجيزونه.

وإنما تمكَّنوا في هذه الأَشهر؛ لأنَّ العرَب لا تُقاتل فيها.

(الحي) أصله: مَنْزِل القوم، سُموا به توسُّعًا، لأنَّ بعضهم يَحيَى ببعضٍ.

(مضر) بفتح الميم، وفتح المعجمة، غير منصرفٍ، هو: ابن نزار بن مَعدِّ بن عدنان، ويُقال له مُضَر الحَمْراء، ولأخيه رَبيعة الفَرَس، لأنَّهما لما اقتسَما مِيراثًا أُعطي مُضَر الذَّهب، وربيعة الخَيْل، وكُفَّار مُضَر كانوا في رَبيعة والمَدينة، ولا يُمكنُهم الوصول إلى المدينة إلا عليهم.

(بأمر فصل) بلفْظ الصِّفة لا بالإضافة، والأمر يحتمِل أنَّه واحدُ الأوامر ضِدِّ النَّواهي، وواحدُ الأُمور، وهو الشَّأْن، ومعنى الفَصل: الفاصِل، كعدل بمعنى: عادِل، أي: يَفصِل بين الحقِّ والباطِل، وإما بمعنى: المفصَّل، أي: واضحٌ يتضح به المُراد.

(من وراءنا)؛ أي: من البِلاد البَعيدة، أو من الأَزمنة المستقبَلة،

ص: 304

أي: أولادنا وأَخلافنا لكنَّ الظاهر أنَّه أَراد قَومَهم، ويُروى بكسر ميم مِنْ جارَّةً لـ (وراءنا).

(وندخل) كذا الرِّواية، ويُروى أيضًا بحذف الواو، وقال القُرطُبي: قيَّدنا على من يُوثَق به برفْع (يدخُل) و (نُخبِرُ) على أنَّهما صفةٌ لأمرٍ، وبالجزم فيهما على جواب الأمر.

(أمرهم بالإيمان) إنما ذكَره بعد أَمرهم بأربع؛ لاشتمال الإيمان على الأربعة الأركان الآتية.

(شهادة) إما بدلٌ فتُجرُّ، أو خبر مبتدأ، أي: هو كذا، فيُرفع، وهو دليلٌ على أن الإسلام والإيمان بمعنًى واحدٍ؛ لأنَّه فسَّر الإسلام فيما مضى بما فسَّر به الإيمان ها هنا، ولم يَذكُر الحج؛ لأنَّه لم يُفرض إلا في سنة تسعٍ، ووِفادتهم في سنة ثمانٍ، أي: على أحد الأَقْوال في وقْت فَرضه، ولكنَّ الأرجح سنة خمسٍ على اضطِرابِ في التَّرجيح لأصحابنا مبيَّنٍ في الفقه، أو لأنَّه صلى الله عليه وسلم عَلِم أنَّهم لا يستطيعون الحجَّ إما بسبب كُفَّار مُضَر، أو لغيره.

(وأن تؤدوا) إنما أتى بالمَصدر مُؤوَّلًا لا صَريحًا؛ للإشعار بالتجدُّد بخلاف بقيَّة الأركان، فإنَّها كانت ثابتةً.

(من المغنم)؛ أي: من الغَنيمة؛ لأنَّ خمُسها يُخمَّس، وأربعة أخماسها للغانمين.

قال (ن): استُشكل عدُّ أربعةٍ مع ذِكْر خمسة، والأصحُّ في الجواب كما أجابَ به (ط): أنَّه عدَّ الأربع التي وعدَهم بها، ثم زادَهم

ص: 305

خامسةً، وهي أداء الخُمُس؛ لأنَّهم كانوا مُجاوِرين لكفَّار مُضَر، فهم أهل جهادٍ وغنائم.

وقال ابن الصَّلاح: أنَّه عطْفٌ على أربع، أي: وبأَنْ تُؤدُّوا.

قال (ك): ليس الصَّحيح ذلك هنا؛ لأنَّ البخاري عقد الباب على أَنَّ أَداء الخمُس من الإيمان، فلا بُدَّ أنْ يكون داخلًا تحت أَجْزاء الإيمان؛ لأنَّ أَحرف العطْف تقتضي ذلك، بل الصَّحيح ما قيل: إنَّه لم يجعل الشَّهادة بالتوحيد والرِّسالة من الأربع؛ لعِلْمهم بذلك، وإنما أَمرَهم بأربعٍ لم يكُن في عِلْمهم أنَّها دعائم الإيمان.

ونحوه قَول الطِّيْبِي: مِن عادة البُلَغاء إذا أمضَت الكلام لغرَضٍ وُجِّه الكلام له دُون غيره، والشَّهادتان كانوا مُقرِّين بهما بدليلِ قوله: إنَّ الله ورسوله أَعلم، وكانوا يُظنُّون أنَّ الإيمان مقصورٌ عليهما كافيتان لهم، وكان الأَمر أوَّل الإسلام كذلك، ووجه إِعطاء الخمُس منها؛ لأنَّهم أصحاب غَزْو.

وقال البَيْضاوي: الظَّاهر أنَّ الأُمور الخمسة تفسيرٌ للإيمان، وهو أحد الأُمور الأَربعة المأْمور بها، فالثلاثة إما حذَفها الرَّاوي نِسيانًا أو اختصارًا، أو يحتمِل أنَّ قوله:(أمرهم بالإيمان) ليس تفْسيرًا لقوله: (أمرهم بأربعٍ) بل مُستأنَفٌ، وتفصيله الأربعة بعد الشَّهادة، فإقامة خبر مبتدأ محذوفٍ، وفي الكلام تقديمٌ وتأْخير، أي: أمرَهم بالإيمان إلى آخره، ثم أمرَهم عقِبَه بأربعٍ، ونهاهم عن

ص: 306

أربعٍ، والمأْمور إنْ أقام

إلى آخره، فهذه أجوبةٌ خمسةٌ.

(عن أربع)؛ أي: عن ظُروف الأَشربة، أو عن الأَشربة التي في أَوانٍ مختلفةٍ، أو عن الانتباذ فيها بأنْ يُلقَى في الماء تمراتٌ.

(الخمس) بضم الميم وسُكونها، وكذا في أَخواتها من الثَّلاث إلى العشْر.

(الحنتم) بفتح المهملة، وسُكون النون، وفتح المُثنَّاة، وقال أبو هريرة: الجِرَار الخُضْر، وابن عُمر: الجِرَار كلُّها، وأنسَ: جِرارٌ يُؤتى بها من مِضر مُقيَّرات الأَجْواف، أي: مَطليةٌ بما يَسدٌّ مَسام الخزَف، ولها تأْثيرٌ في النَّبيذ، وعائشة: جِرارٌ حمراء عِنَاقها من جُنوبها يُجلَب فيها الخمْر من الطَّائف، وكان ناسٌ يَنتبذون فيها، وقال عَطاءٌ: جِرارٌ تُعمل من طِينٍ وأَدمٍ وشَعرٍ.

(الدباء) بضم الدال، وتشديد المُوحَّدة، والمدِّ: القرْع، أي: وِعاء اليَقْطين اليابِس.

(النقر) بفتح النون، وكسر القاف، فسَّره مسلم بأنَّه جِذْعٌ يَنقُرون وسطَه، ويَنبذون فيه.

(المزفت) بتشديد الفاء، أي: المطليِّ بالزِّفْت، وربَّما قال ابن عبَّاس:(المُقيَّر) بدَل (المزفَّت)، والمراد بالكل الأَوعية، والنَّهي عما فيها، فهو من إطلاق المَحلِّ على الحالِّ.

قال (ح) وغيرُه: والمعنى الانتِباذ فيها، فهو المنهيُّ عنه؛ لأنَّ

ص: 307

الشَّراب فيها يُسرع إليه التَّخمير، فيَصير مُسكِرًا وهو لا يَشعر.

قال (ن): كان ذلك في أوَّل الأمر، ثم نسُخ بقوله صلى الله عليه وسلم:"كُنْتُ نهيتُكُم عنِ الانتِباذِ إلا في الأَسقِيَة، فانتَبِذُوا في كلِّ وِعاءٍ، ولا تَشربُوا مُسكِرًا"، وقال مالك وأحمد: التحريم باقٍ.

قال: وكأنَّ ابن عبَّاس لم يَبلغه هذا النَّهي حين استُفتي فيه، وإنما أُخرجت الأسقية لأنَّها إذا حصل التَّخمير فيها تشقَّقت، فيَعلم صاحبُها بذلك، فيَجتنبُه.

(من ورائكم) بفتح ميمِ (مَنْ) في رواية البخاري، وبكسرها في رواية ابن أبي شَيبة.

قال (ن): في الحديث أنواعٌ من العِلْم: وِفادةُ الرُّؤساء إلى الأئمة عند الأُمور المُهمة، واستِعانةُ العالم في تفهيم الحاضِرين، والفَهْم عنه، واستِحبابُ قول: مَرحبًا للزوَّار، وحثُّ الناس على تبليغ العِلْم، وأنَّ الترجمة في الفَتوى والخبَر يُكتفى فيها بواحدٍ، ووُجوب تخميس الغَنيمة.

قال: وأما القِصَّة فسبَب وِفادتهم: أنَّ مُنْقِذ -بكسر القاف- بن حَيَّان -بفتح المُهملة، والمُوحَّدة- كان مَتْجَره إلى يثرب، فبينا هو قاعدٌ إذ مرَّ به النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فنهض إليه، فقال له: كيف قَومُك؟، ثم سأله عن أشرافهم رجُلًا رجُلًا، فأَسلَم مُنْقِذ، وتعلَّم الفاتحة، و (اقرأ باسم ربِّك)، ثم رحَلَ إلى هجَر، فكتب معه النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى جماعة عبْد القَيس كتابًا، فذهب، وكتمَه أيامًا، ثم اطَّلعتْ عليه امرأتُه، وهي بنت

ص: 308