المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌15 - باب الاغتباط في العلم والحكمة - اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح - جـ ١

[شمس الدين البرماوي]

فهرس الكتاب

- ‌1 - كِتابُ بَدء الوحْي

- ‌باب كيف كان بَدْءُ الوَحْي إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وَقَوْلُ الله جَلَّ ذِكْرُهُ: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} [النساء: 163]

- ‌2 - كِتَابُ الإِيمَانِ

- ‌1 - بابُ الإِيمَانِ، وقوْلِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: "بُنِيَ الإِسلَامُ عَلَى خَمْسٍ

- ‌2 - بابٌ دُعَاؤكُمْ إِيمَانُكُمْ (باب: دعاؤكم إيمانكم)

- ‌3 - بابُ أُمُورِ الإِيمَانِ

- ‌4 - بابٌ الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ

- ‌5 - بابٌ أيُّ الإِسْلَامِ أَفْضَلُ

- ‌6 - باب إِطْعَامُ الطَّعَامِ مِنَ الإِسْلَامِ

- ‌7 - بابٌ مِنَ الإِيمَانِ أَنْ يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبَّ لِنَفْسِهِ

- ‌8 - بابٌ حُبُّ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الإِيمَانِ

- ‌9 - بابُ حَلَاوَةِ الإِيمَانِ

- ‌10 - بابٌ عَلَامَةُ الإِيمَانِ حُبُّ الأَنصَارِ

- ‌11 - بابٌ

- ‌12 - بابٌ مِنَ الدِّينِ الْفِرَارُ مِنَ الْفِتَنِ

- ‌13 - بابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِاللهِ"، وَأَنَّ الْمَعْرِفَةَ فِعْلُ الْقَلْبِ؛ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: 225]

- ‌14 - بابٌ مَنْ كَرِهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌15 - بابُ تَفَاضُلِ أَهْلِ الإِيمَانِ فِي الأَعْمَالِ

- ‌16 - بابٌ الْحَيَاءُ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌17 - بابٌ {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5]

- ‌18 - بابٌ مَنْ قَالَ: إِنَّ الإِيمَانَ هُوَ الْعَمَلُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف: 72]، وَقَالَ عِدَّةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْم فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر: 92، 93]، عَنْ قَوْلِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} [الصافات: 61]

- ‌19 - بابٌ إِذَا لَمْ يَكُنِ الإِسْلَامُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وكان على الاستسلام أو الخوف من القتل لِقَوْلهِ تَعَالَى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14]، فَإذَا كَانَ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَهُوَ عَلَى قَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19]

- ‌20 - بابٌ إِفْشَاء السَّلَامِ مِنَ الإِسْلَامِ

- ‌21 - بابُ كُفْرَانِ الْعَشِيرِ، وَكُفْرِ بعد كُفْرِ فِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌22 - بابٌ الْمَعَاصِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيةِ، وَلَا يُكَفَّرُ صاحِبُهَا بارْتِكَابِهَا إِلَّا بالشِّرْك لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "إنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّة"، وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48]

- ‌22 / -م - بابٌ {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9]، فسَمَّاهُمُ الْمُؤْمِنِينَ

- ‌23 - بابٌ ظُلْمٌ دُونَ ظُلْمٍ

- ‌24 - بابُ عَلَامَةِ المُنَافِقِ

- ‌25 - بابٌ قِيَامُ لَيْلَةِ القَدْرِ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌26 - بابٌ الجِهَادُ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌27 - بابٌ تَطَوُّعُ قِيَامِ رَمَضَانَ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌28 - بابٌ صَوْمُ رَمَضَانَ احْتِسَابًا مِنَ الإِيمَانِ

- ‌29 - بابٌ الدِّينُ يُسْرٌ وَقَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "أَحَبُّ الدِّينِ إِلَى اللهِ الحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ

- ‌30 - بابٌ الصَّلَاةُ مِنَ الإِيمَانِ وَقَوْلُ اللهِ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143]؛ يَعْنِي: صَلَاتَكُمْ عِنْدَ البَيْتِ

- ‌31 - بابُ حُسْنِ إِسْلَامِ المَرْءِ

- ‌32 - بابٌ أَحَبُّ الدِّينِ إِلَى اللهِ أَدْوَمُهُ

- ‌33 - بابُ زِيَادَةِ الإِيمَانِ وَنُقْصَانِهِ وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف: 13]، {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} [المدثر: 31]، وَقَالَ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3]، فَإِذَا تَرَكَ شَيْئًا مِنَ الكَمَالِ فَهُوَ نَاقِصٌ

- ‌34 - بابٌ الزَّكَاةُ مِنَ الإِسْلَامِ وَقَوْلُهُ: ({وَمَا أُمِرُوا إلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5]

- ‌35 - بابٌ اتِّبَاعُ الجَنَائِزِ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌36 - بابُ خَوْفِ المُؤْمِنِ مِنْ أَنْ يَحْبَطَ عَمَلُهُ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ

- ‌37 - بابُ سؤَالِ جِبْرِيلَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَنِ الإِيمَانِ، وَالإِسْلَامِ، وَالإِحْسَانِ، وَعِلْمِ السَّاعَةِ وَبَيَانِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَهُ، ثُمَّ قَالَ: "جَاءَ جِبْرِيلُ عليه السلام يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ"، فَجَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ دِينًا، وَمَا بيَّنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِوَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ مِنَ الإيمَانِ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85]

- ‌38 - باب

- ‌39 - بابُ فَضْلِ مَنِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ

- ‌40 - بابٌ أَدَاءُ الخُمُسِ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌41 - بابُ مَا جَاء أَنَّ الأَعمَالَ بِالنِّيَّةِ وَالحِسْبَةِ، وَلِكُلِّ امرِئٍ مَا نَوَى

- ‌42 - بابُ قَوْلِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: "الذين النَّصِيحَةُ، لِلهِ وَلِرَسولِهِ وَلأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِم" وَقَوْلهِ تَعَالَى: {إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 91]

- ‌3 - كتاب العلم

- ‌1 - بابُ فَضْلِ العِلْمِ وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة: 11]، وَقولهِ عز وجل: {رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114]

- ‌2 - بابُ مَنْ سُئِلَ عِلْمًا وَهُوَ مُشْتَغِلٌ فِي حَدِيثِهِ فَأَتَمَّ الحَدِيثَ ثم أَجَابَ السَّائِلَ

- ‌3 - بابُ مَنْ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالعِلْمِ

- ‌4 - بابُ قَوْلِ المُحَدِّثِ: (حَدَّثَنَا) أوْ (أَخْبَرَنَا) و (أَنبأَنَا)

- ‌5 - بابُ طرح الإِمَامِ المَسْئَلَةَ عَلَى أصحَابِهِ لِيَخْتَبِرَ مَا عِنْدَهم مِنَ العِلْمِ

- ‌6 - بابُ مَا جَاء فِي العِلْمِ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} القِرَاءَةُ وَالعَرضُ عَلَى المُحَدِّثِ

- ‌7 - بابُ مَا يُذْكَرُ فِي المُنَاوَلَةِ، وَكِتَابِ أَهْلِ العِلْمِ بالعِلْمِ إِلَى البُلْدَانِ

- ‌8 - بابُ مَنْ قَعَدَ حَيْث ينتهي بِهِ المَجْلِسُ، وَمَنْ رَأَى فُرجَةً فِي الحلْقَةِ فَجَلسَ فِيها

- ‌9 - بابُ قَوْلِ النبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "رُبَّ مُبَلغٍ أوْعَى مِنْ سَامِعٍ

- ‌10 - بابٌ العِلْمُ قَبْلَ القَوْلِ وَالعَمَلِ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إلا اللَّهُ} [محمد: 19]

- ‌11 - بابُ مَا كانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَتَخَوَّلُهم بِالمَوْعِظَةِ وَالعِلْمِ كَيْ لَا يَنْفِرُوا

- ‌12 - بابُ مَنْ جَعَلَ لأَهْلِ العِلْمِ أَيَّامًا مَعلُومَةً

- ‌13 - بابٌ مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقّهْهُ فِي الدِّينِ

- ‌14 - بابُ الفَهْمِ فِي العِلْمِ

- ‌15 - بابُ الاِغْتِبَاطِ فِي العِلْمِ وَالحكمَةِ

- ‌16 - بابُ مَا ذُكرَ فِي ذَهابِ مُوسَى صَلى اللهُ عَلَيهِ فِي البحْرِ إِلَى الْخَضِرِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} [الكهف: 66]

- ‌17 - بابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "اللهُمَّ عَلِّمْهُ الكتَابَ

- ‌18 - بابٌ مَتَى يَصح سَمَاعُ الصَّغيِر

- ‌19 - بابٌ الخُرُوجِ فِي طَلَبِ العِلْمِ

- ‌20 - بابُ فَضْلِ مَنْ عَلِمَ وَعَلّمَ

- ‌21 - بابُ رَفْعِ العِلْمِ، وَظُهُورِ الجَهْلِ

- ‌22 - بابُ فَضْلِ العِلْمِ

- ‌23 - بابُ الفُتيَا وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى الدَّابَّةِ وَغَيْرِهَا

- ‌24 - بابُ مَنْ أَجَابَ الفُتيَا بِإِشَارَةِ اليَدِ وَالرَّأْسِ

- ‌25 - بابُ تَحْرِيضِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى أَنْ يَحْفَظُوا الإِيمَانَ وَالعِلْمَ ويُخْبِرُوا مَنْ وَرَاءهُمْ

- ‌26 - بابُ الرِّحْلَةِ فِي المَسْأَلَةِ النَّازِلَةِ وَتَعْلِيمِ أَهْلِهِ

- ‌27 - بابُ التَّنَاوُبِ فِي العِلْمِ

الفصل: ‌15 - باب الاغتباط في العلم والحكمة

وقوَّى ذلك عنده قوله تعالى: {كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} [إبراهيم: 24].

* * *

‌15 - بابُ الاِغْتِبَاطِ فِي العِلْمِ وَالحكمَةِ

وَقَالَ عُمَرُ: تَفَقَّهُوا قَبْلَ أَنْ تُسَوَّدُوا.

(باب الاغتباط في العلم والحكمة)

الاغتباط افتعالٌ من الغِبْطة، وهو تمنِّي مِثْل ما للمَغبوط من غير زوالٍ عنه بخلاف الحسَد، فإنَّه مع تمني الزَّوال عنه، والافتِعال يدلُّ على التصرُّف والسَّعي.

والمراد بالحِكْمة معرفة الشَّيء على ما هو عليه، فهو بمعنى العِلْم، وعَطْفُه عليه عطف تفسيريٌّ، إلا أنْ يُفسَّر العلم بالمعنى الأعم من اليقين، أو تفسير الحكمة بما يتناول سَداد الأمر.

(وقال عمر)، قلتُ: أخرجه البيهقي في "المدخل" بسنده، وابنُ أبي شَيبة، وابن عبد البَرِّ، وليس هو من تمام الترجمة إلا أنْ يُقال: الاغتباط في الحكمة على القَضاء لا يكون إلا قبل كَون الغابِط قاضيًا، ويؤوَّل حينئذٍ بمصدرٍ؛ أي: وقولِ: (تفقهوا) في نسخةٍ: (تَفهَّمُوا).

(تُسوَّدوا) بضم التاء وتشديد الواو؛ أي: تعظُموا، وتصيروا سادةً، مِن سَادَ قومَه يسودُهم سيادةً، والمراد: تعلموا العلم صغارًا

ص: 378

قبل أن تصيروا رُؤساءَ منظورًا إليكم، فإنكم حينئذٍ تأْبَوا، فتبقُوا جُهَّالًا، فتحتاجوا أنْ تأْخذوا من الأَصاغر، فيُزْري ذلك بكم، وهو شَبيهٌ بقول ابن المُبارَك: لا يَزال الناس بخيرٍ ما أَخذوا العلم عن أكابرهم، فإذا أَتاهم من أَصاغرهم فقد هلَكُوا.

قال ابن مَعِيْن: مَن عاجل الرئاسة فاتَه عِلْمٌ كثيرٌ.

وقيل: المراد أن السيادة تحصُل بالعلم، وكلَّما زاد العلم زادت السِّيادة، فقصَد عُمر الحثَّ على الزيادة منه قبل السيادة لتعظُم السيادة به.

قال (ك): قال أبو عبد الله؛ أي: البخاري: وبعدَ أنْ تَسُودوا، وقد تعلَّم أصحابُ النبي صلى الله عليه وسلم في كِبَر سِنهم.

وأقول: ولا بُدَّ من مقدَّرٍ يتعلق به لفظ: (وبعدَ)، والمناسب أن يقدَّر لفْظ: وتفهَّموا، بمعنى الماضي، فيكون لفظ:(وتسودوا) بفتح التاء ماضيًا كما أنَّه يحتمل أن تكون: تَسودُّوا من التَّسويد الذي هو من السَّواد؛ أي: بعد أنْ تَسْوَدَّ لِحيتُهم مثلًا؛ أي: في كبَرهم، أو بعد زوال السَّواد بالشَّيب، والله أعلم، انتهى.

وكأَنَّ هذه الزيادة وقعتْ له في نسخةٍ، ولا يخلو ما قالَه فيها من نظَرٍ.

* * *

73 -

حدثنا الحُمَيْدِيُّ قالَ: حدَّثنا سُفْيانُ قالَ: حدّثنِي إِسْمَاعيلُ

ص: 379

ابنُ أبِي خالِدٍ عَلَى غَيْرِ ما حَدَّثَنَاهُ الزُّهرِيُّ قالَ: سَمعتُ قَيْسَ بنَ أَبِي حازِمٍ قالَ: سَمعتُ عبدَ الله بن مسْعُودٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالًا فَسُلِّطَ عَلَى هلَكَتِهِ فِي الحَقِّ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ الحِكْمَةَ، فَهْوَ يَقْضِي بِها وَيُعَلِّمُها".

(على غير ما حدثناه الزُّهري)؛ أي: أنّه سمع ذلك من إسماعيل على وجْهٍ غير الذي حدَّث به الزُّهري، إما لمُغايرته متْنًا أو سنَدًا، وفائدته التَّقوية بكثْرة الطُّرُق سنَدًا.

قلتُ: وقائل ذلك هو سُفْيان.

قال (ع): إنَّ البخاري أخرجه في (كتاب التوحيد).

(لا حسد) يحتمل أن المراد: لا غِبْطةَ كما أشار إليه بالترجمة.

قلت: ويُؤيده ما رواه البخاري في (باب اغتباط صاحب القرآن) في حديث: "وسَمِعَه جارٌ لَهُ فقال: لَيْتَني أُوتيتُ مِثْلَ ما أُوتيَ".

ويحتمل أنَّ الحسد على حقيقته، ويكون المستثنى مُخرَجًا من الحسَد الحرام كما رُخِّص في نوعٍ من الكذب، فالاستثناء على الأول من غير الجنس، وعلى الثاني منه.

وقال (خ): معنى الحسد هنا شِدة الحِرْص والرغبة، كنَّى بالحسد عنها؛ لأنَّه سبَبه والداعي إليه.

ومعنى الحديث الترغيب في التصدُّق بالمال، وتعليم العِلْم.

وقال عبد الله بن أحمد: أنَّه وجدَه في "المسنَد" بخطِّ أبيه بلفْظ:

ص: 380

(لا تَنافُسَ بَينَكُم إلا في اثنتَينِ)، وعلى هذا فالمراد بـ (لا حسَدَ) نفْي مَشروعيته، أو النَّهي عنه إلا في الخَصلتين المذكورتين، وإلا فقد يُوجد الحسد، فكيف يُنفَى؟

قال (ك): ويحتمل أن يكون ذلك من قَبيل: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إلا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} [الدخان: 56]، كأنَّه قيل: لا حسَد إلا في هذين، والذي فيها غِبْطة، فلا حسدَ أَصلًا.

(إلا في اثنتين)، قال (ن): فإنْ قيل: الحسَد قد يكون في غيرهما فما وجْه الحَصر؟

قيل: إما لأنَّ القصد: لا حسَدَ جائزٌ في شيءٍ إلا في اثنتين، أو لا رُخصةَ في الحسَد إلا فيهما، أو نحو ذلك.

(رجل) بالجرِّ بدَلٌ من (اثنتين) على حذْف مضافٍ؛ أي: خصلةِ رجلٍ، وبالنَّصب بإضمار: أعني، وبالرفْع بإضمارِ مبتدأ، أي: إحداهما.

(هلكته) بفتح اللام؛ أي: هلاكِه، ففيه مُبالغتان: التَّعبير بالتَّسليط المقتضِي للقِلَّة، وبالهلَكة المشعِر بفَناء الكلِّ.

(في حق) لإخراج التَّبذير، وهو صرف المال فيما لا ينبغي.

(الحكمة) قيل: القرآن، وسيأْتي في (فضائل القرآن):(عَلَّمَه اللهُ القُرآنَ، وهُو يتْلُوهُ آناءَ اللَّيلِ والنَّهارِ).

قلتُ: وربَّما يُطلق على السنَّة كما قاله الشافعي في "الرسالة" في مواضِعَ في نحو قوله تعالى: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [النساء: 113].

ص: 381