الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نُسخةٍ فإنَّ فيها هنا: (يكره)، وهناك:(يُحبَّ المَرءَ)، وهنا:(عَبْدًا)، وهنا زيادة:(بعدَ أَنْ أَنقذَهُ اللهُ منهُ)، وهنا:(يُلقى)، وهناك:(يُقذَف)، وأيضًا فهناك بيان أنَّ للإيمان حلاوةً، وهنا بيان أنَّ كراهة العَود في الكُفر من الإيمان، وبينهما فرقٌ.
* * *
15 - بابُ تَفَاضُلِ أَهْلِ الإِيمَانِ فِي الأَعْمَالِ
(باب: تفاضل أهل الإيمان في الأعمال)
(في) متعلِّقةٌ بـ (تفاضُل)، أو الجارُّ والمجرور صفةٌ له، فيتعلَّق بمحذوفٍ، أي: الحاصِل أو نحوه، وهي للسَّببيَّة على حَدِّ قوله صلى الله عليه وسلم:"في النَّفْس المُؤمنةِ مئةٌ من الإبِلِ".
قال (ك): ويحتمل أنْ يُرفع (تفاضُل) على الابتداء، وفي الأعمال الخبَر، وباب مضافٌ إلى الجُملة.
قلتُ: أي: على تقدير محذوفٍ، أي: بَيان ونحو ذلك؛ لأنَّ (باب) لا يُضاف للجُمل، فلا بُعدَ.
فإنْ قيل: الحديث يدلُّ على تفاضُلهم في ثَواب العمَل لا في نفس العمَل من حيث إنَّ بعض المؤمنين يدخُل الجنة أولًا، وبعضهم يتأَخَّر دُخوله؟
فالجواب: إما لأن التفاوُت في الثَّواب بحسَب التفاوُت في
العمَل؛ لأن حبَّة الخَرْدل من الإيمان المراد بها أقلُّه الذي لا يُمكن أقلُّ منه، وما بعدَه إما زيادةٌ فيه، أو باعتبار العمَل إذا قُلنا: الإيمان التصديق والعمَل، وإما أنَّ تفاوُت الثواب يَستلزم تفاوُت العمَل شرعًا، وإما أنَّ المراد بقوله:(في الأَعمَال): في ثَواب الأَعمال، فحَذَف المضاف، أو عَبَّر بالسَّبب عن المُسبَّب.
* * *
22 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَخْرِجُوا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدلٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَيُخْرَجُونَ مِنْهَا قَدِ اسْوَدُّوا، فَيُلْقَوْنَ فِي نهرِ الْحَيَا -أَوِ الْحَيَاةِ، شَكَّ مَالِكٌ- فَينبُتُونَ كَمَا تنبُتُ الْحِبَّةُ فِي جَانِبِ السَّيْلِ، أَلَمْ تَرَ أَنَّهَا تَخْرُجُ صَفْرَاءَ مُلْتَوِيةً".
قَالَ وُهَيْبٌ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو: "الْحَيَاةِ"، وَقَالَ:"خَرْدلٍ مِنْ خَيْرٍ".
الحديث الأول (م):
سنَده مَدَنيُّون.
(أَخْرِجُوا) بقطع الهمزة، فالخِطاب للمَلائكة، وجوَّز (ك) أنْ تكون من الخُروج، أي: ثُلاثيًّا، فالخِطاب لمن يُؤدي بما بعدَه، أي: يا مَنْ كان في قلْبه.
(من النار) كذا في بعض النُّسَخ، ولا يُوجَد في الكثير.
(مِثْقَالُ) مِفْعالٌ مِن الثِّقَل، أي: مِقْدار، وربَّما يُراد به في غير هذا الموضع العظيم الثِّقَل، وأما المِثْقال مِن الذَّهب مثَلًا، فقَدْر مُعيَّنٌ، وهو اثنان وسبْعون شعيرةً.
(حَبَّةٍ) -بفتح الحاء-: واحد الحَبِّ مِن الحنْطة ونحوها.
(من خردل) صفةٌ لـ (حبَّة)، أي: حاصلةٍ أو كائنةٍ مِن خَرْدَل، وهو نباتٌ معروفٌ يُشبَّه به البالِغ في القِلَّة.
والمراد: القَدْر الذي لا يكُون مُؤمِنًا بأقلَّ منه كما سبَق.
(من إيمان) صفةٌ لـ (مِثْقال)، أي: كائنٍ من إيمانٍ، وإنما نكَّره تنبيهًا على أنَّ أقلَّ ما يكون به مُؤمنًا ذلك، فالقِلَّة باعتبار انتِفاء الزِّيادة على ما يكفِي، لا لأنَّ الإيمان ببعْضِ ما يجبُ الإيمانُ به كافٍ.
قال (خ): إنَّه مثَلٌ، فيكون عِيَارًا في المعرفة لا في الوَزْن حقيقة؛ لأنَّ الإيمان ليس بجسمٍ فيُوزَنَ، ولكنْ ما يُشكل من المَعقول قد يُردُّ إلى المَحسوس ليُفهم، ويُشبَّه به ليُعلَم.
قال (ن): قال العُلماء: المراد بحبَّة الخَرْدَل زيادةً على أصل التوحيد، ففي روايةٍ في "الصحيح":(أَخرِجُوا مَنْ قالَ: لا إِلَهَ إِلا الله، وعَمِلَ مِن خَيْرٍ ما يَزِنُ كَذا).
ثم بعد هذا يُخرج منها من لم يعمَل خيرًا قطُّ، أي: غير التوحيد، ويَجعل الله لهم علاماتٍ يُعرفون بها كما يُعرفون أنَّهم من أهل التَّوحيد،
قال: ففيه أنَّ ما زادَ يُسمَّى إيمانًا؛ لأنَّه قال: (مِن إيمانٍ).
(اسودوا)؛ أي: صاروا سُودًا كالحُمَم من تأْثير النار.
(فيلقون) بفتح القاف.
(الحيا) -بالفتح والقصر-: المَطَر، ووقع للأَصِيْلِي بالمَدِّ.
ولا وجْهَ له.
(أو الحياة)؛ أي: النَّهر الذي مَن غُمِسَ فيه حَيِيَ.
(شك مالك)؛ أي: في أَيِّهما الرِّواية.
(الحبة) بكسر الحاء: بِزْر العُشب، جمعه: حِبَب كقِرْبةٍ وقِرَب.
قال الجَوْهَري: بِزْر الصحراء مما ليس بقُوت، وتُسمى: الرِّجلة -بكسر الراء، وبالجيم- وهي حبَّة الحَمْقاء؛ لأنَّها لا تنبُت إلا في السَّيل.
وقال الكسائي: هي حبُّ الرَّياحين، أما الحَبَّة -بفتح الحاء- مما ليس كذلك من حبِّ الحنْطة ونحوها مما سبَقَ، وإنما شُبه بالأوَّل لسُرعة نبَاته، وخُروجه من الأرض.
(في جانب السيل)، ويُروى:(في حَمِيْلِ السَّيْل)، أي: ما يحمله من طِينٍ ونحوه، قيل: فإذا اتفَق فيه الحِبَّة فاستقرَّتْ على شَطِّ مَجرى السَّيل نبتتْ في يومٍ وليلةٍ، والمراد: أنَّها إذا كثُر عليها السَّيل أينعتْ وطلعتْ، وغيرها من الحبوب لا ينبُت كذلك.
(صفراء) ذكَر هذا اللَّون لأنَّه يسرُّ الناظِرين، ولهذا كان سيِّد
رياحين الجنَّة الحِنَّاء، وهو أصفَر.
(ملتوية)؛ أي: مُنعطِفة مُنْثنيةً؛ لأنَّ ذلك أيضًا يزيد الرَّيحان حُسنًا باهتِزازه وتميُّله، فمن في قلْبه حبةٌ من إيمان يخرج نَضِرًا حسَنًا منبسِطًا متبختِرًا كخُروج هذه الرَّيحانة من جانب السَّيل، وهذا يؤيد أن اللام في الحبَّة للجِنْس لا للعَهْد للبَقْلة الحمْقاء؛ لأنَّها ليستْ صَفراء إلا أنْ يُريد الشَّبه في مُجرَّد الحُسْن والطَّراوة.
قال (ن): الشَّبه وقَع من حيث الإِسْراع، وضعْف النَّبات، والطَّراوة، والحُسْن، فوجه الشَّبه مُتَعَدِّدٌ، ويُسمَّى هؤلاء عُتَقاء الله.
وفي الحديث: الردُّ على المُرجئة الذين يقولون: لا يضرُّ مع الإيمان معصية، فلا يدخُل العاصي النَّارَ، وعلى المُعتزلة في قولهم بتخْليد أهل الكبائر.
(وهيب)؛ أي: ابن أَبي خالِد البَاهِلي، علَّقه عنه لأنَّه لم يُدركه، والمراد: أنَّه جزَم في روايته بكونه: (الحياة) بالهاء، وهو بالجرِّ على الحِكاية، أي: لم يشكَّ كما شكَّ مالكٌ، وأيضًا فقال: بدَل (مِن الإيمان): (مِنْ خَير)؛ لأنَّ الإيمان هو الخير، وأصل كلِّ خيرٍ.
وقد وصلَه مسلم بالإسناد، ولم يسُق لفْظه بل أحالَه على حديث مالكٍ، نعم، في "مسند ابن أبي شيبة" روايتُه موافِقًا للفْظ البخاري المعلَّق، ووصلَه البخاري من حديث وُهَيْب بلفْظ مالك.
* * *
23 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ: أَنَّهُ سَمعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "بَيْنَا أنا ناَئِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ عَلَيَّ، وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثَّدِيَّ، وَمِنْهَا مَا دُونَ ذَلِكَ، وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّه"، قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "الدِّينَ".
الحديث الثاني (م ت س):
سنده أيضًا مَدَنيُّون.
(بينا) أصله: (بين)، أُشبعت الفتحة فصارتْ ألفًا، والجُملة بعده مضافٌ إليها؛ لأن الظُّروف تُضاف إلى الجُمل.
(رأيت) يحتمل أنَّها حُلُميَّة من الرُّؤيا، وهو الأظهر، وأنَّها بصَريةٌ من الرُّؤية، وأنَّها عِلْمية من الرأْي، وكلام (ك) يُشعر بأنَّ مصدر هذه أيضًا رُؤيا، ولا يُعرَف، وإنما الخلاف هل هو مصدرٌ مقصورٌ على الحُلُمية كما زعمَه الحَريريُّ، أو يكون في البَصَريَّة أيضًا كما هو قول الجُمهور؛ لقوله تعالى:{وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء: 60]، فجَعْل (ك) الرُّؤية للحُلُمية، والرُّؤيا للبصَرية معكوسٌ.
(يعرضون) في موضع نصب حالٌ إنْ جُعلت (رأَى) بصرية.
قال (ك): أو حُلُميَّةً، وفيه نظَرٌ؛ فإنَّها تَنصب الجزأين كما في قوله:
أَراهُمْ رِفْقَتي حتى إِذا مَا
…
تَجافَى اللَّيلُ وانْخَزَلَ انخِزَالا
فتكون مفعولًا ثانيًا كما لو جُعلت (رأَى) عِلْمية.
قال (ك): ويحتمل رفْع (النَّاس) كقوله:
سَمعتُ النَّاسُ ينْتَجِعُون غَيْثًا
وفيه نظَرٌ؛ لأن البيت ليس فيه (رأَى) حتى يُستشهد به على الرفْع بعدها، إنما هو (سمعتُ النَّاس) كما رواه الحسَن بن أَسَد وغيره، أي: سمعتُ هذا الكلامَ، أي: قَولَه، والقَول يُحذف كثيرًا كما في قوله تعالى:{فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ} [آل عمران: 106]، فيقال لهم: أكفرتُم.
فإن أراد أنْ يكون ذلك من باب إلْغاء فعْل القَلْب مع تأَخُّر المفعولَين فممتنعٌ، أو يُؤوَّل إما على أن المفعول الأول ضمير الشَّأْن، أو أنَّه من تقدير لامٍ معلَّقةٍ عن العمل.
(قمص) بضم القاف، وسُكون الميم أو ضمها.
(الثدي) بضم المُثلَّثة أو كسرها، والدال مكسورةٌ فيهما: جمع ثَدْي.
(ما دون ذلك)؛ أي: لم يَبلُغ إلى الثدي لقِلَّته.
(أولت) التأويل: التَّفسير بما يَؤُول إليه الشيءُ، والمراد هنا تعبير الرُّؤيا، وأما التأْويل في الاصطِلاح الأُصولي: فهو حَمْل الشيء على احتِماله المَرجوح لدليلٍ يصير به راجِحًا.
(الدين) بالنَّصب مفعولُ (أَوَّلتَ)، ويجوز الرفْع مشاكلةً للمبتدأ، فالدِّين للإنسان كالقَميص يَستره، ويَقيه من المكروه، فلهذا فسَّره به.
قال (ن): من فوائد الحديث: أنَّ العمل من الإيمان، وأنَّ الإيمان والدِّين بمعنًى، وتفاضُل أهل الإيمان، وعِظَم فضْل عُمر رضي الله عنه، وتعبيرُ الرُّؤيا، وسُؤال العالم بها عنها، وثَناء العالم على بعض أَصحابه حيث لا يخشى فِتْنةً بإعجابٍ أو نحوه، بل لِيُعْلِم بمنزلته، فيُعامَل بمقتضاها، ويُقتدى به، ويُتخلَّق بأخلاقه.
قال أهل التَّعبير: القَميص في النَّوم: الدِّين، وجرُّه هو آثارُه الجميلة بعد وَفاته ليُقتدى بسُنَّته.
واعلم أن البخاري قد أَعادَ هذا الحديث في (المناقِب) إلا أنَّ هناك: (عُرِضُوا) بدَل (يُعرَضُون)، و (اجتَرَّه) بدل (يَجُرُّه)، [وهناك:(ما يَبلُغ دُون ذلك)، وهنا:(ومنْها ما دُونَ)، وأعادَه في (التَّعبير) أيضًا بلفْظ:(يَجتَرُّه)].
ولا يُفهم من هذا الحديث: أنَّ عُمر أفْضل من أبي بكر باعتِبار أنَّ الفضْل بكثْرة الثَّواب، وكثْرة الثَّواب بكثْرة العمل؛ لأنَّه لم يحصر ذلك، ولو حصَره، فأَحاديث أفضليَّة أبي بكر متواترةٌ تواترًا معنويًّا، فلا يُعارضها آحادٌ، وأيضًا فالإجماع على أَفْضلية أبي بكر، وهو قطعيٌّ، فلا يُعارضه ظنيٌّ.