المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌24 - باب من أجاب الفتيا بإشارة اليد والرأس - اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح - جـ ١

[شمس الدين البرماوي]

فهرس الكتاب

- ‌1 - كِتابُ بَدء الوحْي

- ‌باب كيف كان بَدْءُ الوَحْي إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وَقَوْلُ الله جَلَّ ذِكْرُهُ: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} [النساء: 163]

- ‌2 - كِتَابُ الإِيمَانِ

- ‌1 - بابُ الإِيمَانِ، وقوْلِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: "بُنِيَ الإِسلَامُ عَلَى خَمْسٍ

- ‌2 - بابٌ دُعَاؤكُمْ إِيمَانُكُمْ (باب: دعاؤكم إيمانكم)

- ‌3 - بابُ أُمُورِ الإِيمَانِ

- ‌4 - بابٌ الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ

- ‌5 - بابٌ أيُّ الإِسْلَامِ أَفْضَلُ

- ‌6 - باب إِطْعَامُ الطَّعَامِ مِنَ الإِسْلَامِ

- ‌7 - بابٌ مِنَ الإِيمَانِ أَنْ يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبَّ لِنَفْسِهِ

- ‌8 - بابٌ حُبُّ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الإِيمَانِ

- ‌9 - بابُ حَلَاوَةِ الإِيمَانِ

- ‌10 - بابٌ عَلَامَةُ الإِيمَانِ حُبُّ الأَنصَارِ

- ‌11 - بابٌ

- ‌12 - بابٌ مِنَ الدِّينِ الْفِرَارُ مِنَ الْفِتَنِ

- ‌13 - بابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِاللهِ"، وَأَنَّ الْمَعْرِفَةَ فِعْلُ الْقَلْبِ؛ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: 225]

- ‌14 - بابٌ مَنْ كَرِهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌15 - بابُ تَفَاضُلِ أَهْلِ الإِيمَانِ فِي الأَعْمَالِ

- ‌16 - بابٌ الْحَيَاءُ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌17 - بابٌ {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5]

- ‌18 - بابٌ مَنْ قَالَ: إِنَّ الإِيمَانَ هُوَ الْعَمَلُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف: 72]، وَقَالَ عِدَّةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْم فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر: 92، 93]، عَنْ قَوْلِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} [الصافات: 61]

- ‌19 - بابٌ إِذَا لَمْ يَكُنِ الإِسْلَامُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وكان على الاستسلام أو الخوف من القتل لِقَوْلهِ تَعَالَى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14]، فَإذَا كَانَ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَهُوَ عَلَى قَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19]

- ‌20 - بابٌ إِفْشَاء السَّلَامِ مِنَ الإِسْلَامِ

- ‌21 - بابُ كُفْرَانِ الْعَشِيرِ، وَكُفْرِ بعد كُفْرِ فِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌22 - بابٌ الْمَعَاصِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيةِ، وَلَا يُكَفَّرُ صاحِبُهَا بارْتِكَابِهَا إِلَّا بالشِّرْك لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "إنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّة"، وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48]

- ‌22 / -م - بابٌ {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9]، فسَمَّاهُمُ الْمُؤْمِنِينَ

- ‌23 - بابٌ ظُلْمٌ دُونَ ظُلْمٍ

- ‌24 - بابُ عَلَامَةِ المُنَافِقِ

- ‌25 - بابٌ قِيَامُ لَيْلَةِ القَدْرِ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌26 - بابٌ الجِهَادُ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌27 - بابٌ تَطَوُّعُ قِيَامِ رَمَضَانَ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌28 - بابٌ صَوْمُ رَمَضَانَ احْتِسَابًا مِنَ الإِيمَانِ

- ‌29 - بابٌ الدِّينُ يُسْرٌ وَقَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "أَحَبُّ الدِّينِ إِلَى اللهِ الحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ

- ‌30 - بابٌ الصَّلَاةُ مِنَ الإِيمَانِ وَقَوْلُ اللهِ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143]؛ يَعْنِي: صَلَاتَكُمْ عِنْدَ البَيْتِ

- ‌31 - بابُ حُسْنِ إِسْلَامِ المَرْءِ

- ‌32 - بابٌ أَحَبُّ الدِّينِ إِلَى اللهِ أَدْوَمُهُ

- ‌33 - بابُ زِيَادَةِ الإِيمَانِ وَنُقْصَانِهِ وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف: 13]، {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} [المدثر: 31]، وَقَالَ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3]، فَإِذَا تَرَكَ شَيْئًا مِنَ الكَمَالِ فَهُوَ نَاقِصٌ

- ‌34 - بابٌ الزَّكَاةُ مِنَ الإِسْلَامِ وَقَوْلُهُ: ({وَمَا أُمِرُوا إلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5]

- ‌35 - بابٌ اتِّبَاعُ الجَنَائِزِ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌36 - بابُ خَوْفِ المُؤْمِنِ مِنْ أَنْ يَحْبَطَ عَمَلُهُ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ

- ‌37 - بابُ سؤَالِ جِبْرِيلَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَنِ الإِيمَانِ، وَالإِسْلَامِ، وَالإِحْسَانِ، وَعِلْمِ السَّاعَةِ وَبَيَانِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَهُ، ثُمَّ قَالَ: "جَاءَ جِبْرِيلُ عليه السلام يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ"، فَجَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ دِينًا، وَمَا بيَّنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِوَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ مِنَ الإيمَانِ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85]

- ‌38 - باب

- ‌39 - بابُ فَضْلِ مَنِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ

- ‌40 - بابٌ أَدَاءُ الخُمُسِ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌41 - بابُ مَا جَاء أَنَّ الأَعمَالَ بِالنِّيَّةِ وَالحِسْبَةِ، وَلِكُلِّ امرِئٍ مَا نَوَى

- ‌42 - بابُ قَوْلِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: "الذين النَّصِيحَةُ، لِلهِ وَلِرَسولِهِ وَلأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِم" وَقَوْلهِ تَعَالَى: {إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 91]

- ‌3 - كتاب العلم

- ‌1 - بابُ فَضْلِ العِلْمِ وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة: 11]، وَقولهِ عز وجل: {رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114]

- ‌2 - بابُ مَنْ سُئِلَ عِلْمًا وَهُوَ مُشْتَغِلٌ فِي حَدِيثِهِ فَأَتَمَّ الحَدِيثَ ثم أَجَابَ السَّائِلَ

- ‌3 - بابُ مَنْ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالعِلْمِ

- ‌4 - بابُ قَوْلِ المُحَدِّثِ: (حَدَّثَنَا) أوْ (أَخْبَرَنَا) و (أَنبأَنَا)

- ‌5 - بابُ طرح الإِمَامِ المَسْئَلَةَ عَلَى أصحَابِهِ لِيَخْتَبِرَ مَا عِنْدَهم مِنَ العِلْمِ

- ‌6 - بابُ مَا جَاء فِي العِلْمِ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} القِرَاءَةُ وَالعَرضُ عَلَى المُحَدِّثِ

- ‌7 - بابُ مَا يُذْكَرُ فِي المُنَاوَلَةِ، وَكِتَابِ أَهْلِ العِلْمِ بالعِلْمِ إِلَى البُلْدَانِ

- ‌8 - بابُ مَنْ قَعَدَ حَيْث ينتهي بِهِ المَجْلِسُ، وَمَنْ رَأَى فُرجَةً فِي الحلْقَةِ فَجَلسَ فِيها

- ‌9 - بابُ قَوْلِ النبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "رُبَّ مُبَلغٍ أوْعَى مِنْ سَامِعٍ

- ‌10 - بابٌ العِلْمُ قَبْلَ القَوْلِ وَالعَمَلِ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إلا اللَّهُ} [محمد: 19]

- ‌11 - بابُ مَا كانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَتَخَوَّلُهم بِالمَوْعِظَةِ وَالعِلْمِ كَيْ لَا يَنْفِرُوا

- ‌12 - بابُ مَنْ جَعَلَ لأَهْلِ العِلْمِ أَيَّامًا مَعلُومَةً

- ‌13 - بابٌ مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقّهْهُ فِي الدِّينِ

- ‌14 - بابُ الفَهْمِ فِي العِلْمِ

- ‌15 - بابُ الاِغْتِبَاطِ فِي العِلْمِ وَالحكمَةِ

- ‌16 - بابُ مَا ذُكرَ فِي ذَهابِ مُوسَى صَلى اللهُ عَلَيهِ فِي البحْرِ إِلَى الْخَضِرِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} [الكهف: 66]

- ‌17 - بابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "اللهُمَّ عَلِّمْهُ الكتَابَ

- ‌18 - بابٌ مَتَى يَصح سَمَاعُ الصَّغيِر

- ‌19 - بابٌ الخُرُوجِ فِي طَلَبِ العِلْمِ

- ‌20 - بابُ فَضْلِ مَنْ عَلِمَ وَعَلّمَ

- ‌21 - بابُ رَفْعِ العِلْمِ، وَظُهُورِ الجَهْلِ

- ‌22 - بابُ فَضْلِ العِلْمِ

- ‌23 - بابُ الفُتيَا وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى الدَّابَّةِ وَغَيْرِهَا

- ‌24 - بابُ مَنْ أَجَابَ الفُتيَا بِإِشَارَةِ اليَدِ وَالرَّأْسِ

- ‌25 - بابُ تَحْرِيضِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى أَنْ يَحْفَظُوا الإِيمَانَ وَالعِلْمَ ويُخْبِرُوا مَنْ وَرَاءهُمْ

- ‌26 - بابُ الرِّحْلَةِ فِي المَسْأَلَةِ النَّازِلَةِ وَتَعْلِيمِ أَهْلِهِ

- ‌27 - بابُ التَّنَاوُبِ فِي العِلْمِ

الفصل: ‌24 - باب من أجاب الفتيا بإشارة اليد والرأس

ليُشرف على الناس، ولا يخفَى عليهم كلامُه.

* * *

‌24 - بابُ مَنْ أَجَابَ الفُتيَا بِإِشَارَةِ اليَدِ وَالرَّأْسِ

(باب من أجاب الفتيا بإشارة)

84 -

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ فِي حَجَّتِهِ فَقَالَ: ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ، فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ قَالَ:"وَلَا حَرَجَ"، قَالَ: حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ، فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ:"وَلَا حَرَجَ".

سنَده بصريون.

(قال: لا حرج) هو بيانٌ لقوله: (أَوْمَأَ) تنْزيلًا للإشارة منزلة القَول، ولهذا لم يذكُره بحرف عطْفٍ، ويحتمل أنَّه حالٌ.

قلت: فيه نظَرٌ، وفي نُسخٍ:(فقال: وقالَ حلقتُ)؛ أي: قال سائلٌ آخَر ذلك، ويحتمل أنَّه الأوَّل كأنَّه يقول: لو فعلت كذا، وفي نسخة:(فأَومأَ بيَدِه أنْ لا حَرَجَ)، فتكون تفسيريةً؛ لتقدُّم معنى القول دون حروفه، والمراد أنَّ تلْك الإشارة أَفهمتْ نفيَ الحرَج، وفي نسخةٍ:(ولا حَرَج)، كأنَّه قيل: صَحَّ فعْلُك ولا حرَج، أي: قائلًا: ولا حرَجَ، أو أنَّ ذلك من قول رائي الإشارة، أي: علم بذلك

ص: 412

لما فهم مِن الإشارة.

* * *

85 -

حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ سَالِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"يُقْبَضُ العِلْمُ، وَيَظْهَرُ الجَهْلُ وَالفِتَنُ، وَيَكْثُرُ الهَرْجُ"، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَمَا الهَرْجُ؟ فَقَالَ: هَكَذَا بِيَدِهِ، فَحَرَّفَهَا، كَأنَّهُ يُرِيدُ القَتْلَ.

(يقبض) بالبناء للمفعول.

(الهرج) بفتح الهاء، وسُكون الراء، وبالجيم: الفِتْنة والاختِلاط، وأصله كثْرة الشرِّ.

(فحرفها) تفسيرٌ لقوله: (فقال هكذا)، وتُسمَّى هذه الفاء تفسيريةً، نحو:{فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 54] على أحد التفاسير.

(يريد القتل) لأنَّه مِن لازم الهَرْج، فهو مجازٌ، ويحتمل أنَّه لغةً اسمٌ للقتْل، فيكون حقيقةً.

* * *

86 -

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ فَاطِمَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ: أَتَيْتُ عَائِشَةَ وَهِيَ تُصَلِّي فَقُلْتُ: مَا شَأْنُ النَّاسِ؟ فَأَشَارَتْ إِلَى السَّمَاءَ، فَإِذَا النَّاسُ قِيَامٌ، فَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللهِ، قُلْتُ: آيَةٌ؟ فَأَشَارَتْ بِرَأْسهَا، أَيْ نعمْ، فَقُمْتُ

ص: 413

حَتَّى تَجَلَّانِي الغَشْيُ، فَجَعَلْتُ أَصُبُّ عَلَى رَأْسِي المَاءَ، فَحَمِدَ اللهَ عز وجل النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأثنَى عَلَيهِ، ثُمَّ قَالَ:"مَا مِنْ شَيءٍ لَم أَكُنْ أُرِيتُهُ إِلَّا رَأَيتُهُ فِي مَقَامِي حَتَّى الجَنَّةَ وَالنَّارَ، فَأُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي قُبُورِكُمْ، مِثْلَ، أَوْ قَرِيبَ لَا أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ -مِنْ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ، يُقَالُ: مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ؟ فَأَمَّا المُؤْمِنُ -أَوِ المُوقِنُ لَا أَدْرِي بأَيِّهِمَا قَالَتْ أَسْمَاءُ- فَيَقُولُ: هُوَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، جَاءَناَ بِالبَيِّنَاتِ وَالهُدَى، فَأَجَبْنَا وَاتَّبَعْنَا، هُوَ مُحَمَّدٌ، ثَلَاثًا، فَيُقَالُ: نَمْ صَالِحًا، قَدْ عَلِمْنَا إِنْ كُنْتَ لَمُوقِنًا بِهِ، وَأَمَّا المُنَافِقُ -أَوِ المُرْتَابُ لَا أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ- فيَقُولُ: لَا أَدْرِي، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُه".

(فاطمة)؛ أي: بنْت المُنْذِر بن الزُّبير.

(ما شأن الناس)؛ أي: في قيامهم، واضطِرابهم، وفَزَعهم.

(إلى السماء)؛ أي: إلى أنَّ الشمس في السَّماء انكسَفت، والناس يصلُّون لذلك.

(قيام) جمع: قائِم.

(سبحان) علَم على التَّسبيح، أي: التَّنزيه، ولكنه نُكِّر، فأُضيفَ.

قال ابن الحاجِب: إنما هو عَلَمٌ حيث لم يُضَف، ونصبَه على المفعول المطلَق الذي التزم إِضمارَ فِعْله.

(آية) مقدَّرٌ فيه همزة الاستفهام، وهو خبر مبتدأ، أي: أَهيَ آيةٌ؟ أي: علامةٌ لعذاب الناس مقدِّمةٌ له، قال تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إلا

ص: 414

تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59]، أي: علامةً على قُرب الساعة، أو على أنَّ الشَّمس مخلوقةٌ داخلةٌ تحت النَّقْص لا تقدِر على الدَّفْع عن نفْسها، فكيف تتصرَّف في غيرها؟

فأما قول أهل الهيئة: إنَّ سبَب الكُسوف حَيلُولة القمَر بينها وبين الأرض، فلا يُرى حينئذٍ إلا لَون القمَر، وهو كَمِدٌ لا نُورَ له، وذلك إنما هو آخِر الشَّهر في إحدى عُقْدتي الرأْس والذنَب، وله آثارٌ في الأرض = ممنوعٌ كلُّه، إلا أنْ يُقال: إن الله أَجرى سنَّته في مثل ذلك، فيكون كإحراق الحطَب بالنَّار، أما أنَّه واجبٌ عقلًا، وله تأْثيرٌ = فباطلٌ، بل لا يُؤثِّر إلا الله، وجميع الحوادث بمشيئته.

(أن نعم)، (أنْ) تفسيريَّةٌ لسَبْق ما هو بمعنى القَول دُون حُروفه.

(قمت)؛ أي: للصلاة.

(عَلَاني) في بعضها: (تَجَلَّاني).

(الغشي) بمعجمتين، إما بكسر الشِّين، وتشديد الياء، وإما بسُكون الشين، وتخفيف الياء، روايتان بمعنى: الغِشاوة، وهي الغِطاء، وأصله مرَضٌ معروفٌ يحصُل بطول القِيام في الحرِّ ونحوه، وفي الطِّبِّ أنَّه يُعطِّل القِوى المُحركة والحسَّاسة؛ لضعف القَلْب، واجتماع الرُّوح كلِّه إليه، فإنْ صحَّ ذلك؛ فصبُّها الماء لكونها أطلقَت الغَشْي للحالة القَريبة منه مجازًا، والصَّبُّ بعد الإفاقة منه، أما روايته بعينٍ مهملة؛ فقال (ع): ليس بشيءٍ.

(أُريته) بضم الهمزة، إما رؤية عينٍ بأَنْ كشَف الله له عن ذلك، فلا

ص: 415

حِجابَ يمنعَ مثْل ما كشَفه عن المسجد الأَقصى حتى وصفَه للناس، فالرُّؤية أمرٌ يخلقُه الله في الرَّائي لا بشَرْط مقابلةٍ، ولا مُواجهةٍ، ولا خُروج شُعاعٍ؛ لأنَّ هذه شُروطٌ عاديَّةٌ يمكن انفِكاكها عقلًا، وإما رُؤية عِلم ووحي بإِطْلاعه وتعريفه مِن أُمورها تفصيلًا بما لم يكُن يعرفُه قبل ذلك.

(ألا أُريته) الاستثناء متصلٌ؛ لأنَّه مفرَّغٌ، قال النُّحاة: وكلُّ مُفرَّغٍ متصِلٌ، والتفريغ من الحال، أي: لم أكُن أُريتُه كائنًا في حالةٍ من الأحوال إلا حالَ رُؤيتي إيَّاه، ولذلك جاز استثناء الفعل بهذا التَّأْويل، نعَمْ، العُموم في قوله: ما مِنْ شيءٍ، وشيءٌ أعمُّ العامِّ، ووقَع في نفيٍ، وبعض الأشياء لا تصحُّ رُؤيته؛ لأنَّه قد خُصَّ؛ إذ ما مِن عامٍّ إلا وخُصَّ إلا في نحو:{وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282]، والمخصص يكون عقليًّا وعُرفيًّا، فهذا خصَّصه العقْل بما يصحُّ، أو الحسُّ كما في:{وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النمل: 16]، أو العُرف بما يَليق إبصارُها به مما يتعلَّق بأَمْرِ الدِّين والجَزاء ونحوهما، نعَمْ، يَدخُل في العُموم أنَّه رأَى الله تعالى.

(مقامي) يحتمل المصدر، والمكان، والزمان.

(حتى الجنة) إن كانت عاطفةً فما بعدها منصوبٌ عطْفًا على المفعول في (رأَيته)، أو ابتدائيةً فمرفوعٌ، أو جارَّةً فمخفوضٌ؛ نحو: أَكلْتُ السَّمَكَةَ حتَّى رأْسِها.

(يفتنون)؛ أي: يُمتَحنون.

ص: 416

(مثل أو قريب، لا أدري أي ذلك قالت أسماء) لا تنوينَ في (مثْل) أو (قَريب)؛ لإضافتهما إلى (فتْنة) لا على أنَّهما أُضيفتا معًا له بل أَحدُهما، والمضاف إليه في الآخَر محذوفٌ دلَّ عليه المضاف الآخَر كما في قوله:

بَينَ ذِراعَي وجَبهةِ الأَسَد

ولا يضرُّ الفَصْل بينهما بجملةِ (لا أَدري)؛ لأنَّها معترضةٌ مؤكِّدةٌ بمعنى الشكِّ المُستَفاد مِن (أو) لا أجنبيةٌ محضةٌ، فكان ذلك كما في نحو:

يا تَيْمَ تَيْمَ عَدِيٍّ

و (أيُّ): مرفوع على الأشهر بالابتداء، والخبرُ:(قالت) لأنَّها استفهامية، علقت (لا أدري) عن العمل، ومفعول (قالت) محذوف، أي: قالته.

قال (ك): (أيُّ): مبنيٌ على الضم على تقدير أنَّها موصولةٌ حُذف صَدْر صِلَتها، والتقدير: أيُّ ذلك هو قالتْه.

قلتُ: لا يخفَى بُعد ذلك.

ويُروى بالنَّصب على أنَّه مفعول (أَدْرِي) إنْ جُعلت موصولةً، أو (قالت) إذا كانت استفهاميةً.

قال: أو يُقال: فإنَّه من شريطة التفسير بأنْ تَشتغل (قالَ) بضميره المَحذوف، وهو عجيبٌ، فالاشتغال شَرْطه بُروز الضمير الذي اشتغَل

ص: 417

به، وفي بعض النُّسَخ:(مِنْ فتْنة) بزيادة (من)، ولا يخرج بذلك عن الإضافة، لأنَّ الحرف المقدَّر في الإضافة قد يَبْرز مثل: لا أَبا لَكَ، أو يُقال: الإضافة إلى محذوفٍ دلَّ عليه المذكور، لا أنَّه مضافٌ إلى المَذكور، ويُروى:(قَريْبًا)، واستَحسنه (ع)، وقال ابن مالك: إنَّه المشهور، ووجَّهه بما سبَق، لكنْ أبو البَقاء قال: إنَّ (قَريبًا) نعتٌ لمصدرٍ محذوفٍ، أي: إتيانًا قَريبًا، ولذلك قال: أو مِثْل، فأضافَه إلى الفتْنة، فيُجعل (مِن) متعلقةً به، و (مثْل) مضافٌ لمحذوفٍ كما قرَّرنا، ويُروى:(مِثْلًا، أو قَريبًا) بتنوينهما.

(المسيح) سُمي بذلك لأنَّه يمسَح الأرضَ، أو مَمسُوح العَين.

(الدجال) -بالتشديد-: مِن الدَّجَل، وهو الكَذِب والتَّمْويه، وخَلْط الحقِّ بالباطِل، ووُصِف بالمَسيح أيضًا عيْسى بن مَريم على معنى أنَّه مَسِيْحٌ في الخَير، وفيه أقوالٌ مشهورةٌ.

ووجْه الشَّبه بين فِتْنة القبر والدجَّال الشّدَّة، والهَوْل، والغَمُّ، ولكنْ {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} [إبراهيم: 27].

(فيقال) هو بيانٌ لـ (يُفتَنون)، ولهذا لم يُعطف.

(ما علمك) الخطاب للمَفتُون، وأفرد بعد أنْ قال:(في قُبُوركم) بالجمع؛ لأنَّه تفصيلٌ لهم، أي: كلُّ واحدٍ يُقال له ذلك؛ لأنَّ السُّؤال عن العِلْم يكون لكلِّ واحدٍ، وكذا الجَواب بخلاف الفتنة.

وسمى بعض البيانيين الانتقالَ من جمعٍ لمفردٍ وعكسُه التفاتًا حيث عمَّم الانتقال من صنْفٍ من الضَّمائر إلى صنفٍ من ذلك النَّوع،

ص: 418

كما قال المرزوقي في "شرح الحماسة" في قوله:

أَحْيَا أَبا كُنَّ يا لَيْلَى الأَمادِيْحُ

أنَّه التفاتٌ، وكما في نحو:{وَإِذَا طَلَّقْتُمُ} [البقرة: 231] ونحوه، ولكنَّ الجمهور على خلافه.

(بهذا الرجل)؛ أي: النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وإنما لم يقُل: بي؛ لأنَّه حكايةُ قول الملَك، ولم يقُل: رسول الله؛ لأنَّه تلقينٌ لحجَّته.

(أو الموقن) شكٌّ من فاطمة، ومعناه: المصدِّق بنُبوَّته.

(بالبينات)؛ أي: المعجزات الدالَّة على نبوَّته.

(والهدى)؛ أي: الدلالة الموصلة إلى البِغْية، أي: قبلنا مُعتقدِين مُصدِّقين.

(واتبعناه)؛ أي: فيما جاء به، أو الإجابة تتعلَّق بالعِلْم، والاتباع بالعمَل.

(ثلاثًا)؛ أي: يقول: هو محمدٌ ثلاثًا، مرتين بلفْظ: محمد، وثالثةٌ بصفة: رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يَلزم أنْ يقول مجموعَ ذلك ثلاثًا حتى يَلزم أنْ يكون قوله:(ذلك محمَّد) تسعَ مراتٍ؛ لأنَّ ثلاثًا إنما ذُكر للتوكيد، فلا يكون القَول إلا ثلاث مراتٍ.

(صالحًا)؛ أي: منتفعًا بأعمالك وأحوالك؛ إذ الصلاح كون الشيء في حدِّ الانتفاع.

(إن كنت)، (إن) هي المخفَّفة من الثَّقيلة، أي: إنَّ الشأْن.

ص: 419

(لموقنًا) اللام فيه للفَرْق بين المخفَّفة وبين النافية، وحكَى السَّفَاقُسي فتْح (أَن) مصدرَيَّةً، أي: كونَكَ، وردَّه بدُخول اللام، ثم قيل: المعنى: إنك مُوقنٌ كما في: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} [آل عمران: 110]؛ أي: أنتم.

قال (ع): والأظهر أنَّها على بابها، أي: أنَّك كنتَ مُوقنًا في دار التكليف.

(المنافق)؛ أي: غير المصدِّق بقلْبه بنبوَّته، وهو مقابِلٌ للمُوقِن.

(أو المرتاب)؛ أي: الشاكُّ، وهو مقابِلُ المؤقِن.

(فقلته)؛ أي: قُلتُ ما كان الناس يقولونه، وفي بعض النُّسَخ عقب ذلك:(وذكَرَ الحديثَ إلى آخِرهِ) إشارةً إلى ما في الرِّوايات: (يُقال له: لا دَرَيْت، ولا تلَيْتَ، ويُضرَبُ بمطَارِقَ مِنْ حديدٍ ضَرْبةً، فيَصيحُ صَيْحةً يَسمعُها مَن يَليهِ غيرَ الثَّقلَين).

وفي الحديث: أنَّ الجنَّة والنار مَخلُوقتَانِ اليَومَ، وإثْبات عَذابِ القَبْر، وسُؤال مُنكَر ونكَير، وخُروج الدَّجَّال، وأنَّ الرُّؤية لا تُشترط فيها ما يُشترط عُرفًا كما سبَق وُقوع رُؤيةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم للهِ عز وجل، وكُفر مَن ارتابَ في صِدْق الرَّسول، وتعدُّد المرتابين، ووُجود حرفٍ لمعنى الإضافة كما سبَق، وسُنِّية صلاة الكُسوف، وتطويل القِيام فيها، واستحبابُ فعْلها في المَسجد بالجماعة خلافًا للعراقيِّين، ومَشروعيتها للنِّساء، وحُضورُهنَّ وراءَ الرِّجال في الجَماعات، والسُّؤال من المصلِّي، وامتِناع الكلام في الصلاة، وجواز الإشارة فيها بلا كراهةٍ إذا كانت لحاجةٍ، وجواز التَّسبيح للنساء في الصلاة،

ص: 420