الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإنما نكَّر (مالًا)، وعرَّف:(الحِكْمة)؛ لأنَّ المراد بها معهودٌ، وهو ما جاء الشَّرع به، فهو كمالٌ عِلميٌّ يُفضي إلى الكمال العَمَلي بخلاف المال، فإنَّ المراد العُموم حتى يدخل مَن أنفق أَيَّ قدرٍ كان.
وفي إِيْراد الحكمة أيضًا مبالغة؛ لأنَّها العلْم الدَّقيق، ومبالغةٌ أخرى في قوله:(يَقْضِي بها)، فإنَّ القضاء بين الناس، وتعليمهم من أخلَاق النُّبوَّة.
قال (خ): ففي الحديث: التَّرغيب في التصدُّق، وتعلُّم العِلم.
وقال (ط): وفيه أنَّ الغنيَّ إذا قام بشُروط المال، وفعَل فيه ما يُرضي ربَّه كان أفضَل من الفَقير العاجز عن ذلك.
* * *
16 - بابُ مَا ذُكرَ فِي ذَهابِ مُوسَى صَلى اللهُ عَلَيهِ فِي البحْرِ إِلَى الْخَضِرِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} [الكهف: 66]
(باب ما ذكر في ذهاب موسى في البحر إلى الخضر)، بفتح الخاء، وكسر الضاد، وقد تُسكَّن، وقد تُكسر الخاء مع ذلك كما في نظائره، وهو لقَبٌ له؛ لأنَّه جلَس على فَروةٍ بيضاءَ؛ أي: وجْه الأَرض اليابِس، فاهتزَّتْ من خَلْفه خضراءَ كما سيأتي ذلك في (كتاب الأنبياء) مرفوعًا، أو أنَّه كان إذا صلَّى اخضرَّ ما حولَه.
وكُنيته أبو العبَّاس، وفي اسمه أقوالٌ، أشهرها: بَلْيَا بمُوحَّدةٍ مفتوحةٍ، ولامٍ ساكنةٍ، وياءٍ، ابن مَلْكان بفتح الميم، وسُكون اللام، وبالكاف.
قلتُ: وقيل: إِلْيَاس، واليَسَع، وعامِر، وأحمد فيما حكاه القُشَيري، ووهَّاه ابن دِحْية بأنَّه لم يُسمَّ قبل نبيِّنا صلى الله عليه وسلم أحدٌ بأحمد، وقيل غير ذلك.
واختُلف أيضًا في نبوَّته.
قيل: نبيٌّ، وجزم به جمعٌ؛ لقوله:{وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} [الكهف: 82]، ولكونه أعلَم من موسى، والوليُّ لا يكون أعلَم من النبيِّ.
وأجيبَ: بأنَّه يجوز أنْ يكون قد أَوحى الله إلى نبيِّ ذلك العصر أنْ يأتي الخَضِرَ بذلك.
وفي "الكشاف": كان الخَضِرُ في أيامِ أَفْريدُون قبل مُوسى، وكان على مُقدِّمة ذِي القَرنين الأكبر، وبقِيَ إلى أيام موسى.
قال: والمراد بالرَّحمة في قوله تعالى: {آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا} [الكهف: 65] هي الوَحْي.
وقيل: نبيٌّ مرسَل، وقيل: مَلَكٌ، وقيل: وليٌّ.
واختُلف في حياته، فقال ابن الصلاح: جمهور العلماء والصالحين على أنَّه حيٌّ، والعامة معهم في ذلك.
وكذا قال (ن): أَنَّ الأكثر عليه، واتفاق الصُّوفية، وإجماع كثيرٍ
من الصالحين عليه.
وذكر الثَّعلَبي ثلاثةَ أقوالٍ في أنَّه هل كانَ في زمَن إبراهيم عليه السلام أم بعدَه بقليلٍ أم بكثيرٍ؟، وقال: إنَّه نبيٌّ معمَّرٌ على جميع الأقوال محجوبٌ عن الأبصار.
وقيل: لا يموت إلا في آخِر الزمان حين يُرفع القرآن، وفي أَواخر "مسلم" في حديث الدَّجَّال:"أنَّه يَقتُل رجُلًا ثم يُحييهِ"، قال إبراهيم بن سُفْيان صاحبُ مسلم: إنَّه الخَضِر.
ولا إشكالَ في اقتِباس موسى منه؛ لأنَّه إما نبيٌّ مثلُه، فلا امتناعَ من ذلك، وإما بإرادة الله فلا نقْصَ.
(الآية) فيه النصب والرفع والجر.
* * *
74 -
حَدَّثَنَي مُحَمَّدُ بْنُ غُرَيْرٍ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ صالحٍ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ حَدَّثَ: أَنَّ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ عَبْدِ اللهِ أَخْبَرَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أنَّهُ تَمَارَى هُوَ وَالْحُرُّ بْنُ قَيْسِ بْنِ حصْنٍ الْفَزَارِيُّ فِي صَاحِبِ مُوسَى، قَالَ ابْنُ عَبَّاس: هُوَ خَضِرٌ، فَمَرَّ بِهِمَا أُبَيُّ بْنُ كعْبٍ، فَدَعَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ: إِنِّي تَمَاريتُ أَناَ وَصَاحِبِي هذَا فِي صَاحِبِ مُوسَى الَّذِي سَأَلَ مُوسَى السَّبِيلَ إِلَى لُقِيِّهِ، هلْ سَمِعْتَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ شَأنهُ؟ قَالَ: نعم، سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "بَيْنَمَا مُوسَى فِي ملإ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، جَاءَهُ
رَجُلٌ فَقَالَ: هلْ تَعلَمُ أَحَدًا أَعلَمَ مِنْكَ؟ قَالَ مُوسَى: لَا، فَأوْحَى اللهُ إِلَى مُوسَى: بَلَى، عَبْدُناَ خَضِرٌ، فَسَأَلَ مُوسَى السَّبِيلَ إِلَيْهِ، فَجَعَلَ اللهُ لَهُ الحُوتَ آيَةً، وَقِيلَ لَهُ: إِذَا فَقدتَ الحُوتَ فَارجع، فَإِنَّكَ سَتَلْقَاهُ، وَكَانَ يتَّبعُ أثَرَ الحُوتِ فِي البَحرِ، فَقَالَ لِمُوسَى فَتاهُ: أَرَأَيْتَ إِذْ أَوينَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الحُوتَ، وَمَا أَنْسَانِيهِ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ، قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نبغِي، فَارتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا، فَوَجَدَا خَضِرًا، فَكَانَ مِنْ شَأنِهِمَا الَّذِي قَصَّ اللهُ عز وجل فِي كِتَابِهِ".
سنَده كله مَدَنيُّون.
(تمارى)؛ أي: تجادلَ واختلَف.
(هو والحر بن قيس) لابن عبَّاسٍ في القصَّة مما رآه مع اثنين مع هذا.
(في صاحب موسى)؛ أي: الذي ذهب إليه، ومع نَوْف البِكالي في موسى: أَهُو ابن عِمْران أو غيرُه؟
(فدعاه) قال السَّفَاقُسي، أي: قامَ إليه؛ فإن ابن عبَّاس: آدب من أنْ يدعو أُبَيَّ بن كعب مع جلالته إليه، وقيل: المراد نادَاه، وهو واضحٌ.
قلتُ: في روايةٍ: (فمَرَّ بهما أُبَيُّ بن كَعْب، فدَعاه ابن عبَّاسٍ، فقال: يا أَبا الطُّفَيْل، هلُمَّ إلينا، فإِنِّي تماريتُ أَناَ وصاحِبي هذا) الحديثَ، وليس في دُعائه أن يجلِسَ عندهما لفَضل الخُصومة ما يُخل بالأَدب.
(لقيه) بضم اللام، وكسر القاف، وتشديد الياء مصدرٌ، يُقال: لقيَه لقاءً، ولُقِيًّا بالتشديد، ولُقًى بوزْن: هُدًى -بالقصر والمد أيضًا-.
(ملأ) -بالقصر-: الجَماعة.
(بني إسرائيل)؛ أي: أولاد يعقوب.
(عبدنا) الأصل أنْ يُقال: عبد الله، ولكنْ هذا على سبيل الحِكاية عن قوله تعالى.
(خضر) وفي بعضها: (الخَضِر). قال (ك): دخلتْ عليه اللام مع أنَّه عَلَمٌ؛ تنْزيلًا له مَنْزلة الجنْس كفرَس، فتأْويله بواحدٍ من الأمة، فتدخلُه اللام والإضافة.
قلتُ: إنما يُعدل لمثْله إذا حسُن التَّكبير كقوله:
علا زَيدُنا يومَ النقاءِ رأْسَ زَيدِكُم
والأحسن أنْ يُقال: دخلت اللام هنا لِلَمْح الأصل كالعبَّاس، وإنما لم يُعطف على كلام موسى؛ لأنَّه من متكلمٍ غير الأول.
(قال موسى)؛ أي: قال: فادلُلْني عليه.
(فجعل الله له الحوت آية)؛ أي: علامةً، وقال له: اطلُبْه على السَّاحل عند الصَّخْرة، قال: كيفَ لي به؟ قال: تأْخُذ حُوتا في مِكْتَل، فحيثُ فقدتَه فهو هنالك.
قيل: فأَخَذ سمكةً مملُوحةً، فقال لفَتاه: إذا فَقدتَ الحوتَ فأخبِرني، فاضطَرب الحوتُ ووقَع في البحر، وقيل: نزل على شاطئ
عينٍ من عين الحياة، فلمَّا أَصابَ السَّمكةَ رَوح الماء وبَرده عاشتْ.
وقيل: توضَّأَ يُوشَع من تلْك العَين، فانتضَح الماءَ على الحُوت، فعاشَ، ووقَع في الماء.
(فتاه)؛ أي: صاحبه يُوشَع، بضم الياء وفتح المعجمة، والعين المهملة، ابن نون، وهو مصروفٌ كنوح، وإنما قيل فتاه؛ لأنَّه كان يخدمه ويتبعه، أو يأخذ العلم عنه.
(نسيت)؛ أي: نسيتُ تفقُّد أمره مما جُعل أمارةً.
(قال ذلك)؛ أي: قال موسى: فُقدان الحوت هو القصْد والبِغْية.
(نبغي)؛ أي: نطلُب، و (نَبْغِ) حُذفت ياؤه تخفيفًا نحو:{وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} [الفجر: 4]، وكان ذلك بمَجْمَع البحرين: فارِس والرُّوم مما يلي الشَّرق.
(فارتدا)؛ أي: رجعا.
(قصصًا)؛ أي: يقُصَّان قَصَصًا؛ أي: يتبَعان آثارهما اتباعًا.
(من شأنهما)؛ أي: الخَضِر وموسى، والإشارة إلى قوله تعالى:{قَالَ لَهُ مُوسَى} [الكهف: 66] إلى آخر القصة.
قال (ط): في الحديث: جواز التَّماري في العِلْم إذا كان كلٌّ يطلب الحق لا التَّعنُّت، والرُّجوعُ إلى قول أَهل العلم عند التَّنازع، والرغْبة في المزيد من العِلْم، والحِرْص عليه، ولا يقنع بما عنده كما