الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(امرأتك)؛ أي: فتُؤجر على ذلك؛ لأنَّ قيد المعطوف عليه قيدُ المعطوف، أو يجعل (حتى) ابتدائيةً، و (ما) مبتدأٌ، وخبره محذوفٌ، أي: فأنت مأْجورٌ، ويَخرج من مفهومه أنَّ المرائي بعمل الواجب لا يُؤجر وإنْ سقَط عقابه بفِعْله.
قال (ن): فيه قاعدةٌ مهمةٌ، وهي أنَّ ما أُريد به وجْه الله يثبُت فيه الأَجر، وإنْ حصَل لفاعله في ضمنه حظُّ نفْسٍ من لذَّةٍ أو غيرها، كوضْع اللُّقمة في فمِ الزوجة، وهو غالبًا لحظِّ النفْس والشَّهوة، فإذا كان هذا فيه الأَجر، فالأَجر فيما يُراد به وجه الله فقط أَولى.
ثم هذا في الزَّوجة غير المضطَرَّة للُقمةٍ، فكيف اللُّقمة لمحتاجٍ؟ والكسوة، أو الرغيف، أو كل فعلٍ مما في معنى ذلك ما مشقَّته فوق مشقَّة ثمن اللُّقمة التي في الحقارة بالمحل الأدنى.
42 - بابُ قَوْلِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: "الذين النَّصِيحَةُ، لِلهِ وَلِرَسولِهِ وَلأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِم" وَقَوْلهِ تَعَالَى: {إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 91]
.
(باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة)
علَّقه البخاري؛ لأنَّ رواته في أشهر الطُّرُق عن تميم الدَّاري:
سُهيل بن أبي صالح، وليس مِن شرطه، ورواه مسلم بزيادةِ:(ولكِتَابهِ)، وليس فيه: عن تميم غيرُه، ولا رَوى البخاري عن تميم شيئًا في "صحيحه".
والحديث عظيم الشَّأْن، وعليه مَدار الإسلام.
قال (ح): النَّصيحة كلمةٌ جامعةٌ معناها حيازة الحظِّ للمَنْصوح له، وهو من بَليغ الكلام، قيل: ليس في كلام العرَب مُفردٌ يُوفي معنى هذه الكلمة كالفَلاح، ولا أَجمع لخيري الدُّنيا والآخِرة منه، والنَّصيحة مِنْ نَصَحَ الرجل ثوبَه: إذا خاطَه؛ لأنَّ فيه عِلاجه وسدَّ خَلله، وقيل: من نَصحتُ العسَل: صفَّيته من الشَّمع، ووجهه تخليص قول الناصح من الغِشِّ، يُقال: نصحَه نُصحًا، ونَصاحه، ونصحتُ له، وهو أفْصح، والاسم النَّصيحة.
قال الأصمعي: الناصح الخالِص مِن كلِّ شيءٍ، ونصحتُه صدَقتُه.
ومعنى الحديث: قِوام الدِّين وتعظيمه النَّصيحة كـ: "الحجُّ عرَفة".
(لله) بأنْ يُؤمن به، ويعتقد نفْي الشِّركِ عنه، والإلحادِ في صفاته، ويعتقد وُجوب الجلال والكمال، وتنزهه عن النقائص، ويقوم بطاعته، ويجتنب معاصيَه، ويوالي أولياءه، ويُعادي أعداءه، ويعترف بنعمه، ويشكره عليها، ويُخلص له، وحقيقةُ ذلك يرجع إلى نُصْح العبد بذلك نفْسَه؛ فإنَّ الله غنيٌّ عن نصحه، وعن العالمين.
وأما النَّصيحة لكتابه: فالإيمان بأنَّه كلامه عز وجل، لا يُشبه كلامَ الخلْق، ولا يقدر أحدٌ منهم عليه، وتعظيمُه، وتلاوته حقَّ تلاوته، والتصديق بما فيه، وبفهم علومه، والعمَل بما فيه، والبحث عن ناسخه ومَنْسوخه، وعامِّه وخاصِّه، وسائر وجوه علومه.
قلتُ: قد صنَّف شيخنا (ش) كتابًا حافلًا في تفْصيل عُلوم القرآن سماه: "البُرهان".
والنصح لكتابه والدُّعاء إلى كتاب الله ليَحكم بينهم.
(ولرسوله) بتصديقه على رسالته، والإيمان بجميع ما جاء به، وطاعته في أوامره ونواهيه، ونُصرته حيًّا وميتًا، وإعظام حقِّه، وإحياء سنَّته، والتخلُّق بأخلاقه، والتأدُّب بآدابه، ومحبَّة أهل بيته وأصحابه.
(ولأئمة المسلمين)؛ أي: بمعاونتهم على الحقِّ، وطاعتهم فيه، ويذكرهم برفقٍ، وترك الخُروج عليهم، والجهاد معهم، والصلاة خلفَهم، وأداء الصدقات إليهم، وهذا كلُّه على المشهور في تفسيرهم بالحُكَّام، فإنْ أُوِّل بعُلماء الدِّين؛ فبقَبول ما روَوه، وتقليدهم في الأحكام، وحُسن الظنّ بهم.
(وعامتهم) إنما لم يُعد اللام فيهم؛ لأنَّهم كأَتْباع الأئمة لا مُستقلُّون، والنُّصح لهم إرشادُهم لمصالحهم في آخرتهم ودنياهم، وكفُّ الأذى عنهم، وتعليمهم ما جهلوه، وإعانتهم على البرِّ والتقوى، وستر عوراتهم، والنَّفقة عليهم، وأنْ يُحبَّ لهم ما يحبُّ لنفْسه من الخير.
وعضَد البخاري الاستدلالَ بالحديث بآيةِ: {إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 91].
57 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنِي قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: بَايعتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى إِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءَ الزَّكاةِ، وَالنُّضح لِكُلِّ مُسْلِم.
الحديث الأول (م س):
من اللَّطيف في سنَده أنَّ فيه ثلاثةً بَجَليِّين كوفيِّين كُنية كلٍّ: أبو عبد الله؛ وهم إسماعيل، وقَيْس، وجَرير.
(بايعت)، أي: عاقدتُ.
(إقام) أصله: إقامة، فحُذفت التاء تعويضًا عنها بالمضاف إليه.
وسبق بيان معنى الإقامه، واكتفَى هنا من الأركان بذِكْر الصلاة والزكاة؛ لأنَّ العباده بدَنيةٌ أو ماليةٌ.
فإنْ قيل: الترجمه عامةٌ، والحديثُ بعضها؟.
قيل: لاستلزام الكلِّ؛ لأنَّ النُّصح للمُسلم كوصف الإسلام، وهو فَرع الإيمان بالله وبرسوله وكتُبه.
قال (خ): جعَل صلى الله عليه وسلم نُصح المسلمين شرطًا في الدِّين حيث بايَع عليه، فنزَّله منزلتَه، فلذلك قرنها بذِكْر الصلاة والزكاة.
قال (ط): في الحديث تسمية النَّصيحة دِينًا وإسلامًا، فإنَّ الدِّين يقَع على العمل كما يقع على القَول، قال: وهي فرض كفايةٍ مَن قام به سقَط الفرض عن غيره، وهي لازمةٌ قدْر الطَّاقة إذا عَلم الناصح أنَّه يقبل نُصحه، ويُطاع أمرُه، وأَمِنَ على نفْسه، وإلا فهو في سَعةٍ، وقيل: لا يكون النُّصح لله ولرسوله حتى يَبدأَ الناصِح بنفْسه، ويجتهد في طلَب العِلْم ليَعرف ما يجبُ عليه.
وسبَب تحديث جَريرٍ بذلك فيما روى الطَّبراني: أنَّ مولاه اشترى له فَرَسًا بثلاث مئةٍ، وجاء لصاحبها لينقدُه الثَّمن، فقال جَريرٌ للبائع: فَرسُك خيرٌ من ثلاث مئةٍ، أتبيعُه بأربع مئةٍ، ثم لم يَزَل يقول له: فَرسُك خيرٌ من كذا حتى بلغ ثمان مئةٍ، فاشتراه بها، فقيل له في ذلك، فقال: إني بايعتُ
…
، الحديثَ، وكان إذا قوَّم السِّلعة يُعرِّف المشتري عُيوبَها، ثم خيَّره، فقيل له: إذا فعلتَ ذلك لم ينعقد لك بيعٌ، فقال: إنا بايَعنا النبيَّ صلى الله عليه وسلم على النُّصح لكلِّ مُسلمٍ.
* * *
58 -
حَدَّثَنَا أبُو النُّعْمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ قَالَ: سَمِعْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ يَوْمَ مَاتَ المُغِيرَهُ بْنُ شُعْبَةَ، قَامَ فَحَمِدَ الله وَأثنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: عَلَيْكُم بِاتِّقَاءَ اللهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَالوَقَارِ وَالسَّكِينَةِ حَتَّى يَأتِيَكُم أَمِيرٌ، فَإِنَّمَا يَأْتِيكُمُ الآنَ، ثُمَّ قَالَ: اسْتَعْفُوا لأَمِيرِكُم، فَإِنَّهُ كَانَ يُحِبُّ العَفْوَ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أتيْتُ
النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قُلْتُ: أُبَايِعُكَ عَلَى الإسْلَامِ، فَشَرَطَ عَلَيَّ:"وَالنُّضح لِكُلِّ مُسْلِم"، فَبَايَعتُهُ عَلَى هذَا، وَرَبِّ هذَا المَسْجدِ! إِنِّي لَنَاصِحٌ لَكُم، ثُمَّ استَغْفَرَ وَنزَلَ.
الحديث الثاني (م س):
(سمعت جريرًا)؛ أي: سمعتُ كلامه؛ لأنَّ الذات لا تُسمع.
(قام) ليس في خبر (سَمِع)؛ إذ لا دخل له فيه، وإنما التقدير سمعتُ جَريرًا حمِدَ الله، فحُذف، ثم فسَّر ذلك بقوله: (قامَ
…
) إلى آخره، ولا محلَّ لـ (قام)؛ لأنَّه استئنافٌ.
قال الزَّمَخْشَري في: {سَمِعْنَا مُنَادِيًا} [آل عمران: 193]: تقُول: سمعتُ رجلًا يتكلَّم، فتُوقِع الفعل على الرجل، وتحذِف المَسموعَ؛ لأنَّك وصفته بما يسمع، أو جعلته حالًا عنه، فأَغناك عن ذِكْره، ولولا الوَصف أو الحال لم يكُن منه بُدٌّ من أنْ تقول: سمعتُ كلامَه.
(فحمد الله وأثنى عليه) الأُولى بالجَميل، والثاني بالخَير، أو الأوَّل بإثْبات الكمال، والثاني بنفْي النَّقائص، فالأول إشارةٌ إلى الصِّفات الوُجوديَّة، والثاني إلى الصِّفات العدَميَّة، أي: التَّنْزيهات.
(عليكم) اسم فعلٍ بمعنى: الزموا.
(وحده) حالٌ بتأويله بنكرةٍ، أي: واحدًا، أو أنَّه مصدر وَحَد يَحِد كوَعَدَ يَعِدُ.
(والوقار) بفتح الواو: الحِكْمة والرَّزانة.
(والسكينة) السُّكون والدَّعة، فأَشار بالوَقار إلى مَصالح الدِّين، وبالسَّكينة إلى مصالح الدُّنيا؛ لأن الاتقاء مِلاك الأمر، والسُّكون لازمٌ عن وِقاية الأمر المؤدِّي غالبًا إلى الفِتْنة والاضطِراب والهرْج والمَرْج.
(حتى يأتيكم أمير)؛ أي: بدَلَ هذا الذي ماتَ، ولا يُؤخذ من مفهومِ (حتى) أنَّ بعد مجيء الأَمير لا يكون اتقاءً ووقارًا؛ لأنَّ (حتى) مخالفة ما بعدها لما قبلها، إما لمنع أنَّ ما بعدها مُخالفٌ لما قبلها، وإما أنَّه غايةُ الأمر بالاتقاء للأُمور الثلاثة، أو غاية الوَقار والسُّكون لا للاتقاء، وغاية الثلاث، ولكنْ بعد مجيء الأَمير يَلزم ذلك بالأَولى؛ لأنَّ في الأُصول: شرطُ مفهومِ المُخالفة فقْدُ الموافقة.
(يأتيكم)؛ أي: الأَمير.
(الآن) يحتمل حقيقةً، فيكون الأمير جَريرًا نفْسه؛ لما رُوي أنَّ المُغيرة استَخلف جَريرًا على الكُوفة عند مَوته، وقيل: ابنه عُروة بن المُغيرة، ويحتمل أنَّ المراد قُرب المُدَّة من الحال، فيكون الأمير زيادًا؛ إذ ولاه مُعاوية بعد وفاته الكوفة.
(استغفروا)، في روايةٍ:(استَعْفُوا)، أي: اسأَلوا له العَفْوَ، فإنَّه كان يُحبُّ العفوَ عن ذُنوب الناس كما في المثَل السائر: كما تَدينُ تُدانُ.
قال (ط): جعَل الوسيلةَ إلى عَفْو الله الدُّعاء بأَغلب خِلال الخير عليه، فلذلك يُجزى كلُّ أَحدٍ يومَ القيامة بأحسَن أَخلاقه وأَعماله.
(قلت: أُبايعك) تَركَ حرف العطْف؛ لأنَّه بدَلٌ من (أَتيتُ)، أو استئنافٌ.
(فشرط علي) بتشديد الياء على أصحِّ الرِّوايات.
(والنصح) بالخفْض عطْفٌ على الإسلام، ومثْله يُسمى العطْف التَّلْقيني، أي: لقِّنْه أن يعطف: والنُّصح، ومثله:{قَالَ وَمِن ذُرِّيتيِ} [البقرة: 124]، وفي روايةٍ:(والنُّصحَ) بالنصب عطْفًا على مقدَّرٍ، أي: شرَط الإسلامَ والنُّصحَ.
وفي الحديث: استحبابُ البَيعة، وكمال شفَقة الرسول صلى الله عليه وسلم على أُمته.
(على هذا)؛ أي: على المَذكور من الإسلام والنُّصح.
(المسجد)؛ أي: مَسجد الكُوفة، نبَّه به على شرَفه مكانُ القسَم، وموضع النَّصيحة ليَكون أقْربَ إلى القَبول.
(إني لناصح) إشارةٌ لا إلى وفائه بما بايعَ به النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وأنَّ كلامه صادقٌ خالصٌ من الأغراض الفاسدة.
(ونزل)؛ أي: من المِنْبَر، أو معناه: قَعَد؛ لأنَّه مقابِلٌ لـ (قَامَ)، والله أعلم.