الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأنَّها خلَفٌ من حرفين، واختيار سِيْبَوَيْهِ أن لا يوصَف؛ لأن وُقوعَ خَلَفِ حرفٍ بين الموصوف والصفة كوُقوع حرف النداء فيهما.
وقال الكوفيُّون: يا اللهُ أُمَّ، أي: اقصُد بخيرٍ.
(الكتاب)؛ أي: القُرآن إما للعُرف فيه، أو اللام للعهد، أو لأن الجنْس المطلَق يُحمل على الكامِل، والمراد تعليم لفظه باعتبار دلالته على مَعانيه، أي: أحكام الدِّين، وفي:(عَلِّمْه) حذْف المفعول الثاني والثالث؛ لدَلالة السِّياق عليه، ودَعوة النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان ابن عبَّاس بَحْر العِلْم وحَبْر الأُمة.
وفي الحديث الحثُّ على تعليم القرآن، والدُّعاء إلى الله تعالى في ذلك، ورواه البخاري في (فضائل الصحابة) بلفْظ:(عَلِّمه الحِكْمَةَ)، وفي (الوضوء):(اللَّهمَّ فَقِّهْهُ في الدِّين).
وتأوَّلوا الحِكْمة بالقُرآن في قوله تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 269]، وبالسنَّة في قوله تعالى:{ويُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [آل عمران: 48]، والكلُّ صحيح، فلقد كان عالمًا بالقرآن والسنَّة.
18 - بابٌ مَتَى يَصح سَمَاعُ الصَّغيِر
(باب متى يصح سماع الصغير)
وفي بعضها: (الصَّبيِّ الصَّغير)، ومعنى صِحَّته: أنَّه إذا رواه بعد
البُلوغ يُعمَل به.
* * *
76 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُويسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالكٌ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى حِمَارٍ أتانٍ، وَأَناَ يَوْمَئِذٍ قَدْ ناَهزْتُ الاِحتِلَامَ، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِمِنًى إِلَى غيْرِ جِدَارٍ، فَمَرَرْتُ بَيْن يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ وَأرْسَلْتُ الأَتَانَ تَرتعُ، فَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ، فَلَم يُنْكَرْ ذَلِكَ عَلَيَّ.
(أتان) بالمُثنَّاة؛ أي: أنثى الحمير، ولا يُقال: أَتانَةٌ بخلاف حِمارة، وهو بالجرِّ بدَلٌ من حمار، أو وصفٌ على معنى: أُنثى، وقيل: على معنى: صُلْبٌ قويٌّ، لأن الأتان يُطلق على الحجَر الصُّلب، ويُروى بإضافة (حمارٍ) إلى (أتان)، أي: حمار هذا النوع، وهو الأَتان، وإنما لم يقُل حمارة، ويكتفي عن تعميم حمار، ثم تخصيصه؛ لأن التاء تحتمل الوَحْدة، كذا قال (ك)، وفيه نظَرٌ؛ فإن حمار مفردٌ لا اسم جنْس جمعيٍّ كتَمر.
(ناهزت) بالزاي، أي: قاربتُ.
(الاحتلام)؛ أي: البُلوغ لا خُصوص الحكم، وهو ما يَراه النائم من الماء.
قيل: وفيه دليلٌ للواقدي وغيره: أنَّه حين وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كان
عمُره ثلاثة عشر سنةً، أو خمسةَ عشرَ كما صوَّبه أحمد، لا عشرة كما هو قول ثالث.
قلتُ: مُناهَزة الاحتلام تصدُق من تَمام التِّسعة، فلا يُرَدُّ بذلك على من قال: عشرة.
(بمنى) بالصَّرف وتركه باعتبار كونه علَم البُقعة، أو المَكان، وظاهر كلام الجَوْهري أنَّه مذكَّر، فيكون مصروفًا فقط.
قال (ك): والأجود صَرْفه، وكتابته بالأَلِف لا بالياء، سُمي مِنَى لما يُمنَى فيه من الدماء، أي: يُراق.
(إلى غير جدار)؛ أي: غير سُترة بالكلِّية، وإنْ كان لا يلزم من كونه إلى غير ذلك أنْ لا يكون سُترةٌ أُخرى، لأن مع السُّترة ليس مَظِنَّة الإنكار، وهو يُريد أنْ يذكر أنَّه لم يُنكروا عليه لصِغَره مع وجود مَظِنَّة الإنكار، وأنَّ المصلِّي إذا لم يجعل سُترةً يجوز المرور بين يدَيه، فقصد ابن عبَّاس الاستدلال على ذلك لعدَم الإنكار عليه.
(بين يدي)؛ أي: قُدَّام.
(بعض الصف) يحتمل الجنْس، أي: بعض الصُّفوف، ويحتمل بعض صفٍّ ولو كان واحدًا.
(ترتع) بضم العين؛ أي: تُسرع في المشي، وقيل: تأكل، مِن رتعت الإبلُ: إذا رَعَتْ، وقيل: تأكُل ما تشاء، وقيل: إنَّه بكسر العين من الرعي.
قال (ش): وصوَّب الأولَ روايةُ البخاري في (الحج): (ثم نَزلْتُ عنها، فرتَعتْ)، وفيه نظَرٌ؛ لجواز وُقوع الأمرَين، فرُوي كلٌّ منهما.
(تنكر) بكسر الكاف، أي: لم يُنكره النبي صلى الله عليه وسلم، وبالفتح على البناء للمفعول، أي: لم يُنكره لا هو ولا غيره.
وإنما أدخل البخاري هذا الحديث في ترجمة (سماع الصبي)، وليس فيه سماعٌ لتَنْزيل عدَم الإنكار بمنزلة قوله: إنَّه جائرٌ، سمعه منه، ومراده في الترجمة بالصِّغر من هو قبْل البلوغ حتى يشمل مناهزة البُلوغ.
ففي الحديث صحة صلاة الصبي، وأنَّ مُرور الحمار لا يقطَع الصلاة، وجواز تلقِّي الصغير وتأديبه بعد البُلوغ، وكذا شهادته فيما تحمَّله قبل البلوغ، والاحتجاج بعدَم إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على جواز النقل والركوب إلى صلاة الجماعة، وأنَّ الامام يُصلي إلى غير سُترةٍ.
* * *
77 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أبَو مُسْهِرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنِي الزُّبَيْدِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَحمُودِ ابْنِ الرَّبِيعِ قَالَ: عَقَلْتُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَجَّةً مَجَّها فِي وَجْهِي وَأَناَ ابْنُ خَمسِ سِنِينَ مِنْ دَلْو.
(عقلت)؛ أي: عرَفْتُ.
(مجَّها)؛ أي: رمَى، أي: مع نفخ، وقيل: لا يكوم مَجًّا حتى
يُباعِدَ به، والضمير فيه نصبٌ على أنَّه مفعولٌ مطلقٌ، ويحتمل أنَّه مفعول به.
(من دلو)؛ أي: من ماءِ دَلْوٍ، وذلك كان في بئرٍ من دارهم.
(وأنا ابن) جملةٌ حاليةٌ من التاء في (عقَلْتُ)، أو من الياء في (وَجْهي).
وقد تعقَّب ابنُ أبي صُفْرة على البخاري ذِكْرَ حديث محمود في الترجمة، وإِغْفال حديث ابن الزُّبير: أنَّه رأَى أباه يختلِفُ إلى بني قُريظَة يوم الخنْدق وعمُره أربع سنين.
وأُجيب بأنَّه ليس في ذلك سماع علْمٍ من النبي صلى الله عليه وسلم بل مجرَّد تردُّد أبيه بخلاف ابن عبَّاس فإنَّه نقَل عنه سُنَّةً في المرور، ومحمود نقَل مُعجزةً بالمَجَّة التي أفادتْه التَّزكية، وأيضًا فحديث ابن الزُّبير قد لا يكون على شرْط البخاري، وأما قَدح الجواب بأنَّه قال لأبيه: رأَيتُك تختلِفُ، فقال له: يا بُنيَّ، إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أَمَرني أنْ آتيَه بخبرهم، ففيه نظَرٌ؛ لأنَّه لم يَنقُل عن النبي صلى الله عليه وسلم بل عن أبيه، وأيضًا فيحتمل أنَّ ذلك عن أبيه كان بعد البُلوغ.
وفي الحديث إباحة مَجِّ الرِّيق على الوجْه لمصلحةٍ، وطهارتُه، وغير ذلك، وثُبوت صحبته بذلك؛ لأنه مسلم رأَى النبيَّ صلى الله عليه وسلم.
وفيه جواز مُداعَبة الصبيِّ.
قلت: إلا أنْ يكون المَجُّ لمعنًى آخَر.
* * *