الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
21 - بابُ كُفْرَانِ الْعَشِيرِ، وَكُفْرِ بعد كُفْرِ فِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
-.
(باب: كفران العشير)
الكُفْران مِن الكَفْر -بالفتح-، وهو السَّتْر، ولهذا يُقال للزَّارع كافِرٌ؛ لأنَّه يُغطِّي البِذْر، والكُفر الذي هو ضِدُّ الإِيمان من هذا لأنَّه سَتْرٌ على الحق، وهو توحيدُ الله تعالى، وما يجبُ له، وعلى نِعَمه؛ فإنَّ الكُفْر يُطلَق أيضًا على جَحْد النِّعمة ضِدُّ الشُّكر، إلا أنَّ الأكثَر في هذا كُفرانٌ، وفي مُقابِل الإيمان كُفْرٌ.
والعَشِيْر المُعاشِر؛ كأَكِيْل بمعنى: مُؤَاكِل، والمُعاشَرة المُخالَطة، وقيل: المُلازَمة.
(وكفر دون كفر) إشارةٌ إلى ما يُطلَق عليه اللَّفْظ من الأَنواع الآتية، وفي نُسخةِ:(وكُفْرٌ بَعدَ كُفْرٍ)؛ أي: بعدَه في المَرتَبة.
(فيه عن أبي سعيد)؛ أي: في الباب روايةُ أبي سَعيد الخُدْري، وقد ذكَرها البخاري في (باب الحَيْض)، وهو حديث:"يَا مَعْشَر النِّسَاء! تَصدَّقْنَ"، وفي (باب الزكاة) أيضًا كذلك.
وزعَم بعضهم أنَّه في (باب العِيدَين)، ولم أَرَه بهذا اللَّفْظ فيه، فلعلَّ مُرادَهم أَصْل الحديث.
* * *
29 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "أُرِيتُ النَّارَ، فَإِذَا أَكثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ يَكْفُرْنَ"، قِيلَ: أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ؟ قَالَ: "يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الإحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ".
(م د س).
وإسناد الحديث المَذكُور عن ابن عبَّاس كلُّه مَدَنيُّون.
(أُريت) بضمِّ الهمزة بمعنى: التَّبصِير، وتاء المتكلِّم أحَد مفعولَيه أُقيمَ مُقام الفاعِل.
(النار) مَفعولُه الثَّاني، وبعدَه في نسخةٍ:(فَرأَيْتُ أَكثَرَ أَهلِها النِّسَاءَ)، وفي أُخرى:(فَإِذا أَكَثَرُ أَهلِها النِّساءُ)، وفي أُخرى -وعليها شرح (ك) - (النار التي أكثَر أهلِها النِّساء)، فقال:(التي) صفةٌ للنَّار مُوضِّحةٌ؛ لأنَّها لازِمةٌ.
(أكثر أهلها النساء) جُملةٌ هي صِلَة الموصول، وفي نُسخةٍ بدُونِ (التي) مع نَصْب (أكثَر) و (النِّساء) مفعولَين ثانيًا وثالثا لـ (أُريتُ)، على أنْ تكون عِلْميَّةً، ورفعِهما على أنَّ الجُمَل حالٌ بدُون الواو على حَدِّ:{اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [البقرة: 36]، أو صِفةٌ؛ لأنَّ ما بعد المُحلَّى بلام الجِنْس فيه الوَجْهان، أو استئنافيةٌ، فهي جوابُ السُّؤال عن عِلَّةِ ذلك.
وفي رواية: (بكُفْرِهِنَّ)، والباء للسَّببيَّة مُتعلِّقةٌ بـ (أكثَر)، أو بفِعْل الرُّؤْية.
(أيكفرن بالله) الاستِفسار دَليلٌ على أنَّه محتمِل؛ لاحتِماله الكُفْرَ بالله تعالى، وكُفْرانِ النِّعمة.
(يكفرن العشير) لم يُعَدِّه بالباء كما عَدَّى الكُفْر بالله؛ لأنَّه ليس مُتضمِّنًا لمعنى الاعتِراف بخلافِه.
والعَشِيْر هنا الزَّوْج بدلالة السِّياق، ويحتمِل العُمومَ، ويحتمل الجِنْسَ، بل هو الأَرجَح؛ لأنَّه الأَصْل في اللام.
(ويكفرن الإحسان) كالبَيان لمَا سبَقَ؛ لأن المَقصودَ كُفْران إحسانِ العَشير لا كُفْر ذاتِه.
(إن أحسنت)، في روايةٍ:(لَو أَحْسَنْتَ)، على أنَّ (لو) بمعنى:(إنْ) لا بمعناها الأَصليِّ، وهو الامتِناع لامتِناعٍ.
ويحتمل أنْ يكون مِن قَبيل: (نِعْمَ العَبدُ صُهيبٌ، لو لَم يخَفِ اللهَ لم يَعصِهِ)، حتى يكون الحكمُ ثابتًا على النَّقيضَين؛ لكون الطَّرَف المَسكُوت عنه أَولى من المذكور.
والخِطاب ليس خاصًّا بل كلُّ مَن يتألَّى أنْ يكون مُخاطَبًا حُكمه ذلك، فهو مجازٌ؛ لأنَّ الحقيقة أَنْ يكون المُخاطَب خاصًّا، فهو على حَدِّ:{وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ} [السجدة: 12]، على أنَّه قد اختُلف في نحو الضَّمير والإِشارة هل هو موضوعٌ لجزئيٍّ أو لكُليٍّ نظَرًا إلى أنَّه لا يكُون إلا لخاصٍّ في الاستِعمال، والوَضْع لمَا فيه يُستعمَل، أو أنَّه
لمَّا كان يُستعمل فيما تغشاه المتكلِّم لم يتعيَّن.
قلتُ: ورجَّحَ كثيرٌ أنَّه كُلِّيٌّ وَضْعًا، جُزئيٌّ استِعمالًا، وهو حسَنٌ.
(الدهر) نصبٌ على الظَّرفيَّة معناه: الأَبَد، والمراد هنا: دَهْر الرجل، أي: عمُره، أو الدَّهر مطلقًا بتقدير: لو بَقِيَ، فهو أبَدٌ بالفرَض مبالغةً في كفرانهنَّ، وسُوء مِزاجِهنَّ.
(شيئًا) تنوينُه للتَّحقير، أو للتقليل، أو لهما فقط.
(قط) بفتح القاف، وتشديد الطاء مضمومةً في الأفْصح: ظرف زمانٍ لاستِغراق ما مضَى.
قال بعضهم: الكُفر أربعة أنواعٍ: إنْكارٌ، وجُحودٌ، ومُعاندةٌ، ونفاقٌ.
فالإنكار ما بقلْبه ولسانه، فلا يَعرف ما يُذكر له من التوحيد، والجحود أنْ يَعرف بقلْبه، ولا يُقِرَّ بلسانه ككُفر إبليس، والمعانَدة أنْ يعرِف بقلْبه، ويُقِرَّ بلسانه، ويَأْبى أن يُظهره، ككُفر أبي طالِب، وكُفْر النِّفاق ظاهرًا، وأما كُفران النِّعَم فخارجٌ عن الأَربعة كما في هذا الحديث، وفي حديث:"لا تَرجِعُوا بَعدي كُفَّارًا يَضرِبُ بعضُكم رِقَابَ بعضٍ".
وفي الحديث: وَعْظ الرَّئيس المَرؤُوس، وتحريضُه على الطاعة، ومُراجعة المتعلِّم العالمَ، والتابعِ المتبوعَ فيما لا يَظهر له معناه، وتَحريمُ كُفْران الحُقوق والنِّعم وإلا لَمَا دخَل النار، وأنَّ النار مَخلوقةٌ