المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌36 - باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر - اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح - جـ ١

[شمس الدين البرماوي]

فهرس الكتاب

- ‌1 - كِتابُ بَدء الوحْي

- ‌باب كيف كان بَدْءُ الوَحْي إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وَقَوْلُ الله جَلَّ ذِكْرُهُ: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} [النساء: 163]

- ‌2 - كِتَابُ الإِيمَانِ

- ‌1 - بابُ الإِيمَانِ، وقوْلِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: "بُنِيَ الإِسلَامُ عَلَى خَمْسٍ

- ‌2 - بابٌ دُعَاؤكُمْ إِيمَانُكُمْ (باب: دعاؤكم إيمانكم)

- ‌3 - بابُ أُمُورِ الإِيمَانِ

- ‌4 - بابٌ الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ

- ‌5 - بابٌ أيُّ الإِسْلَامِ أَفْضَلُ

- ‌6 - باب إِطْعَامُ الطَّعَامِ مِنَ الإِسْلَامِ

- ‌7 - بابٌ مِنَ الإِيمَانِ أَنْ يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبَّ لِنَفْسِهِ

- ‌8 - بابٌ حُبُّ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الإِيمَانِ

- ‌9 - بابُ حَلَاوَةِ الإِيمَانِ

- ‌10 - بابٌ عَلَامَةُ الإِيمَانِ حُبُّ الأَنصَارِ

- ‌11 - بابٌ

- ‌12 - بابٌ مِنَ الدِّينِ الْفِرَارُ مِنَ الْفِتَنِ

- ‌13 - بابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِاللهِ"، وَأَنَّ الْمَعْرِفَةَ فِعْلُ الْقَلْبِ؛ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: 225]

- ‌14 - بابٌ مَنْ كَرِهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌15 - بابُ تَفَاضُلِ أَهْلِ الإِيمَانِ فِي الأَعْمَالِ

- ‌16 - بابٌ الْحَيَاءُ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌17 - بابٌ {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5]

- ‌18 - بابٌ مَنْ قَالَ: إِنَّ الإِيمَانَ هُوَ الْعَمَلُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف: 72]، وَقَالَ عِدَّةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْم فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر: 92، 93]، عَنْ قَوْلِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} [الصافات: 61]

- ‌19 - بابٌ إِذَا لَمْ يَكُنِ الإِسْلَامُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وكان على الاستسلام أو الخوف من القتل لِقَوْلهِ تَعَالَى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14]، فَإذَا كَانَ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَهُوَ عَلَى قَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19]

- ‌20 - بابٌ إِفْشَاء السَّلَامِ مِنَ الإِسْلَامِ

- ‌21 - بابُ كُفْرَانِ الْعَشِيرِ، وَكُفْرِ بعد كُفْرِ فِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌22 - بابٌ الْمَعَاصِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيةِ، وَلَا يُكَفَّرُ صاحِبُهَا بارْتِكَابِهَا إِلَّا بالشِّرْك لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "إنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّة"، وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48]

- ‌22 / -م - بابٌ {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9]، فسَمَّاهُمُ الْمُؤْمِنِينَ

- ‌23 - بابٌ ظُلْمٌ دُونَ ظُلْمٍ

- ‌24 - بابُ عَلَامَةِ المُنَافِقِ

- ‌25 - بابٌ قِيَامُ لَيْلَةِ القَدْرِ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌26 - بابٌ الجِهَادُ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌27 - بابٌ تَطَوُّعُ قِيَامِ رَمَضَانَ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌28 - بابٌ صَوْمُ رَمَضَانَ احْتِسَابًا مِنَ الإِيمَانِ

- ‌29 - بابٌ الدِّينُ يُسْرٌ وَقَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "أَحَبُّ الدِّينِ إِلَى اللهِ الحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ

- ‌30 - بابٌ الصَّلَاةُ مِنَ الإِيمَانِ وَقَوْلُ اللهِ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143]؛ يَعْنِي: صَلَاتَكُمْ عِنْدَ البَيْتِ

- ‌31 - بابُ حُسْنِ إِسْلَامِ المَرْءِ

- ‌32 - بابٌ أَحَبُّ الدِّينِ إِلَى اللهِ أَدْوَمُهُ

- ‌33 - بابُ زِيَادَةِ الإِيمَانِ وَنُقْصَانِهِ وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف: 13]، {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} [المدثر: 31]، وَقَالَ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3]، فَإِذَا تَرَكَ شَيْئًا مِنَ الكَمَالِ فَهُوَ نَاقِصٌ

- ‌34 - بابٌ الزَّكَاةُ مِنَ الإِسْلَامِ وَقَوْلُهُ: ({وَمَا أُمِرُوا إلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5]

- ‌35 - بابٌ اتِّبَاعُ الجَنَائِزِ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌36 - بابُ خَوْفِ المُؤْمِنِ مِنْ أَنْ يَحْبَطَ عَمَلُهُ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ

- ‌37 - بابُ سؤَالِ جِبْرِيلَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَنِ الإِيمَانِ، وَالإِسْلَامِ، وَالإِحْسَانِ، وَعِلْمِ السَّاعَةِ وَبَيَانِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَهُ، ثُمَّ قَالَ: "جَاءَ جِبْرِيلُ عليه السلام يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ"، فَجَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ دِينًا، وَمَا بيَّنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِوَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ مِنَ الإيمَانِ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85]

- ‌38 - باب

- ‌39 - بابُ فَضْلِ مَنِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ

- ‌40 - بابٌ أَدَاءُ الخُمُسِ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌41 - بابُ مَا جَاء أَنَّ الأَعمَالَ بِالنِّيَّةِ وَالحِسْبَةِ، وَلِكُلِّ امرِئٍ مَا نَوَى

- ‌42 - بابُ قَوْلِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: "الذين النَّصِيحَةُ، لِلهِ وَلِرَسولِهِ وَلأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِم" وَقَوْلهِ تَعَالَى: {إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 91]

- ‌3 - كتاب العلم

- ‌1 - بابُ فَضْلِ العِلْمِ وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة: 11]، وَقولهِ عز وجل: {رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114]

- ‌2 - بابُ مَنْ سُئِلَ عِلْمًا وَهُوَ مُشْتَغِلٌ فِي حَدِيثِهِ فَأَتَمَّ الحَدِيثَ ثم أَجَابَ السَّائِلَ

- ‌3 - بابُ مَنْ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالعِلْمِ

- ‌4 - بابُ قَوْلِ المُحَدِّثِ: (حَدَّثَنَا) أوْ (أَخْبَرَنَا) و (أَنبأَنَا)

- ‌5 - بابُ طرح الإِمَامِ المَسْئَلَةَ عَلَى أصحَابِهِ لِيَخْتَبِرَ مَا عِنْدَهم مِنَ العِلْمِ

- ‌6 - بابُ مَا جَاء فِي العِلْمِ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} القِرَاءَةُ وَالعَرضُ عَلَى المُحَدِّثِ

- ‌7 - بابُ مَا يُذْكَرُ فِي المُنَاوَلَةِ، وَكِتَابِ أَهْلِ العِلْمِ بالعِلْمِ إِلَى البُلْدَانِ

- ‌8 - بابُ مَنْ قَعَدَ حَيْث ينتهي بِهِ المَجْلِسُ، وَمَنْ رَأَى فُرجَةً فِي الحلْقَةِ فَجَلسَ فِيها

- ‌9 - بابُ قَوْلِ النبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "رُبَّ مُبَلغٍ أوْعَى مِنْ سَامِعٍ

- ‌10 - بابٌ العِلْمُ قَبْلَ القَوْلِ وَالعَمَلِ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إلا اللَّهُ} [محمد: 19]

- ‌11 - بابُ مَا كانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَتَخَوَّلُهم بِالمَوْعِظَةِ وَالعِلْمِ كَيْ لَا يَنْفِرُوا

- ‌12 - بابُ مَنْ جَعَلَ لأَهْلِ العِلْمِ أَيَّامًا مَعلُومَةً

- ‌13 - بابٌ مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقّهْهُ فِي الدِّينِ

- ‌14 - بابُ الفَهْمِ فِي العِلْمِ

- ‌15 - بابُ الاِغْتِبَاطِ فِي العِلْمِ وَالحكمَةِ

- ‌16 - بابُ مَا ذُكرَ فِي ذَهابِ مُوسَى صَلى اللهُ عَلَيهِ فِي البحْرِ إِلَى الْخَضِرِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} [الكهف: 66]

- ‌17 - بابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "اللهُمَّ عَلِّمْهُ الكتَابَ

- ‌18 - بابٌ مَتَى يَصح سَمَاعُ الصَّغيِر

- ‌19 - بابٌ الخُرُوجِ فِي طَلَبِ العِلْمِ

- ‌20 - بابُ فَضْلِ مَنْ عَلِمَ وَعَلّمَ

- ‌21 - بابُ رَفْعِ العِلْمِ، وَظُهُورِ الجَهْلِ

- ‌22 - بابُ فَضْلِ العِلْمِ

- ‌23 - بابُ الفُتيَا وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى الدَّابَّةِ وَغَيْرِهَا

- ‌24 - بابُ مَنْ أَجَابَ الفُتيَا بِإِشَارَةِ اليَدِ وَالرَّأْسِ

- ‌25 - بابُ تَحْرِيضِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى أَنْ يَحْفَظُوا الإِيمَانَ وَالعِلْمَ ويُخْبِرُوا مَنْ وَرَاءهُمْ

- ‌26 - بابُ الرِّحْلَةِ فِي المَسْأَلَةِ النَّازِلَةِ وَتَعْلِيمِ أَهْلِهِ

- ‌27 - بابُ التَّنَاوُبِ فِي العِلْمِ

الفصل: ‌36 - باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر

(نحوه) بالنصب، والظاهر أنْ يكون بمعنى ما سبَق لا بلفْظه.

قال (ن): واعلم أنَّ الصلاة يحصل بها قيراطٌ، فإذا انضمَّ إليها الاتباع إلى الفَراغ حصل القِيْراط الثاني بالإتيان مع الأول كما هو ظاهر بعض الروايات -أي: في "مسلم"- لكنْ هذا الحديث بيَّن المراد كما في قوله تعالى: {أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت: 9] الآيةَ.

قال: ثم المراد بالدَّفن على الصَّحيح تسوية القبْر بالتَّمام، وقيل: نصب اللَّبِن عليه وإن لم يُهَل الترابُ.

* * *

‌36 - بابُ خَوْفِ المُؤْمِنِ مِنْ أَنْ يَحْبَطَ عَمَلُهُ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ

وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ: مَا عَرَضْتُ قَوْلي عَلَى عَمَلِي إِلَّا خَشِيتُ أَنْ أكُونَ مُكَذِّبًا.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَدْركتُ ثَلَاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كُلُّهُمْ يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ، مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ يَقُولُ إِنَّهُ عَلَى إِيمَانِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ.

وَيُذْكَرُ عَنِ الْحَسَنِ: مَا خَافَهُ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلَا أَمِنَهُ إِلَّا مُنَافِقٌ.

وَمَا يُحْذَرُ مِنَ الإصْرَارِ عَلَى النِّفَاقِ وَالعِصْيانِ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ؛ لِقَوْلِ

ص: 272

اللهِ تَعَالَى: {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135].

(باب خوف المؤمن أن يحبط عمله)؛ أي: يَبطُل، ومراده أن يَحبَط بكُفرٍ أو نحوه لا بمطلَق المعصية، فإنَّ ذلك من قول المعتزلة، وقال (ن): الحبط نقصُ الإيمان؛ إذ الكُفر إما باعتقاد أو فعل ما يَقتضيه عالمًا، ونازعَه (ك): بأنَّه قد يكفُر بكلمة الكُفر، وبالفعل الموجِب للكُفر وإنْ لم يَعلم أنَّه كفرٌ، وفيه نظَرٌ؛ فإنَّه أراد بالفعل الأعمَّ من القول، فيَشمل كلمة الكُفر وغيرها، وأما إذا لم يعلم أنَّ ذلك الفعل كفرٌ؛ فلا يكفر به.

(وهو لا يشعر) جملةٌ حاليةٌ، وهو مثل معنى:{وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر: 47].

ومُناسبة تعقيب هذا الباب بما سبَق: أنَّ اتباع الجنائز إيمانًا واحتسابا فيه حثٌّ على الإخلاص، فإنَّها مظِنَّة أنْ يُراعي أهلَها، أو يترك أهلها هذا القَصْد، وربَّما وقع ذلك وهو لا يشعُر، فيقَع إحباط عمَله.

(مكذبًا) بكسر الذال المُشدَّدة؛ لأنَّه خافَ التقصير في العمَل، وكأنَّه لم يُصدِّق؛ إذ لم يَجرِ على مُقتضَى التصديق، أو إني أَقول: إني مؤمنٌ، ولا أعمل عمَلهم.

وقال (ن): معناه أنَّ الله تعالى ذمَّ من أمَر بالمعروف ونهى عن المُنكَر وقصَّر في العمل، فقال: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا

ص: 273

لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3]، فخَشِيَ أنْ يكون مكذِّبًا؛ إذ لم يبلُغ غايةَ العمل، وضبَطه بعضهم بفتح الذال، أي: خشيتُ أنْ يُكذِّبني مَن يرى عمَلي مُخالفًا لقولي.

(أدركت ثلاثين) ذكَر في "تهذيب الكمال" وغيره غالبَهم.

(يخاف)؛ أي: يخشَى حُصوله في الخاتمة؛ لأن الخوف يرجع للمُستقبَل.

(ما منهم أحد

) إلى آخره، أي: يَجزِم بعدَم حُضور النِّفاق كما هو جازمٌ بذلك في إيمان جِبْريل ومِيْكائيل، ويحتمل أنَّهم كانوا يقولون بزيادة الإيمان ونقْصه، فاستفاد هذه المسألةَ من أحوالهم.

(ويذكر) إنما لم يَجزم به كالذي قبْلَه؛ لأنَّه لم يثبُت عنده ثُبوت ذلك، فأتى بصيغة التَّمريض، كذا قال (ك)، وفيه نظَرٌ؛ فإنَّ الأثَر ثابتٌ لا ضعفَ فيه، وإنما المؤلِّف اختصره، وهذه عادته كما أفاد شيخُنا العِراقيُّ: أنَّه إذا اختصر حديثًا أو أثرًا أتى فيه بصيغة التمريض، وهذه فائدةٌ مهمةٌ تنفع في هذا الكتاب.

(ما خافه)؛ أي: من الله، فحذف الجارَّ.

(وما يحذر) بالبناء للمفعول عطْفٌ على (خوف) في الترجمة، أي: وباب ما يُحذر، ويحتمل أنَّه عطفٌ على (يقول) الذي قبْله على البناء على الفاعل، و (ما) نافيةٌ، أي: ما منهم من أحدٍ ما يحذَر، وهو ردٌّ على المرجئة حيث قالوا: لا حذَرَ من المعاصي عند حُصول الإيمان،

ص: 274

فعَقَد الباب لأمرين: الخَوْف من نحوِ عُروض الكُفر، فإنَّه كالإجماع السُّكوتي بما نقل عن التابعين الثلاثة، والخوف من الإِصْرار على المعاصي بالآيةِ.

(على التقاتل) في بعضها: (على النِّفاق)، ولكن الأُولى هي المناسبة لقوله:(وقِتالُه كُفرٌ)، والثانية لما تقدَّم.

(ولم يصروا)؛ أي: لم يُقيموا ولم يُداوموا، بل استغفروا لذنوبهم، فمفهومه أنَّ عند عدَم ذلك يكون الحذَر.

قال (ك): مُراد البخاري الردُّ على المرجئة في قولهم: إنَّ الله لا يُعذِّب مَن قال: لا إله إلا الله على معصيةٍ، ولا يُحبط شيئًا من عمَله بذنْبٍ، وإنَّ إيمان المطيع والعاصي سواءٌ، فصدَّر بقول أئمة التابعين وما نقَلوه عن الصَّحابة إشارةً إلى أنَّه لا خِلافَ بينهم فيه، وأنَّهم مع اجتهادهم خافُوا أن لا يَنجُوا، وبذلك استدلَّ أبو وائل كما سيأتي، ولما سُئل: المرجئةُ أَمصيبُون أم مُخطئون في قولهم: سِباب المُسلم وقِتاله ونحو ذلك لا يضرُّ إيمانَهم = فروى الحديث ردًّا عليهم.

وقول ابن أبي مُلَيكة معناه: أنَّهم خافُوا أن يكونوا ممن داهَنَ ونافَق، فقوله:(ما منْهم أحدٌ يقول: إنَّه على إيمان جبريل) بناءً على أنَّ الإيمان يَزيد ويَنقُص، وأنَّ إيمان جبريل أكمَل من إيمان آحاد الناسِ خلافًا لقول المُرجئة: إيمانُ أفسَق الفُسَّاق وإيمانُ جبريل سواءٌ.

قال (ط): إنما خافوا لأنَّهم طالتْ أعمارهم حتى رأَوا من التغيير

ص: 275

ما لم يَعهدوه، ولم يَقدِروا على إنكاره، فخافوا أن يكونوا داهنوا ونافقوا، وقال: إنما يَحبط عمَل المؤمن وهو لا يَشعُر إذا عدَّ الذَّنب يسيرًا، وكان عند الله عظيمًا، فالحبَط نُقصانٌ لا كُفرٌ، وأما حديث:"الشِّرْك أَخْفَى فيكم مِن دَبِيْب النَّمْل"، فالمراد به أنَّ الرياء في عقْد الإيمان الشِّرك الأكبر، وهو كفرٌ؛ لأن الرياء في الأعمال، وهو الشِّرك الأصغر مع سلامة عقد الإيمان، فإنَّه لا يخرج من الإيمان.

* * *

48 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنْ زُبَيْدٍ قَالَ: سَاَلْتُ أَبَا وَائِلٍ عَنِ المُرْجِئَةِ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "سِبَابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كفْرٌ".

الحديث الأول (م ت س ق):

(المرجئة) بالهمزة بوزْن: مُرجِعَة، أي: الفِرقة الملقَّبة بذلك؛ لأنَّهم يُرجئون العمَل، أي: يُؤخِّرونه، ويُقال فيه: المُرجية؛ بلا همزٍ أيضًا، قلبت تخفيفًا، أو أنَّه من الرَّجاء من حيث قولهم: لا يضرُّ مع الإيمان معصية كما لا ينفَع مع الكُفر طاعةٌ.

قال الجَوْهَري: ويقال فيهم: مُرجئيَّة، أي: بالهمز وتشديد الياء، جمع مُرجئيٍّ بياء النَّسب، وحكى غيره: مُرجيَة بلا همزٍ مع تخفيف الياء، فصارتْ ثلاثة أوجهٍ.

(سباب) يحتمل أنْ يكون على بابه في المُفاعلة، وأن يكون

ص: 276

بمعنى: السبِّ، أي: الشَّتْم، وهو التكلُّم في عِرض الإنسان بما يَعيبه، وفسَّره الرَّاغِب بالشَّتْم الوَجيع.

وقال (ش): إنَّه مصدرٌ لـ (سبَّ)، يقول: سبَّ يسُبُّ سَبًّا وسِبابًا، انتهى.

وهو مضافٌ للمفعول.

(فسوق) وهو الخُروج عن الطاعة.

(وقتاله) يحتمِل حقيقة المقاتَلة، ويحتمل المُشاتَمة والمُخاصَمة، فإنَّ العرَب تُسمي المُخاصَمة: مُقاتلةً.

(كفر)، قال (ط): ليس المراد بالكُفر الخُروج عن المِلَّة؛ أي: لانعِقاد إجماع أَهل السنَّة على أنَّه لا يكفر بذلك، بل المراد كُفران حقِّ المسلمين؛ لأنَّ الله تعالى جعلَهم إخوةً، وأمَر بالإصلاح بينهم، ونهاهم الرسولُ صلى الله عليه وسلم عن التقاطُع والمُقاتَلة، وأخبر بأنَّ مَن فعل ذلك كفَر حقَّ أخيه المسلم، أو المراد: أنَّه يَؤُول إلى الكُفر لشُؤْمه، أو: أنَّه كفِعل الكُفَّار.

قال (خ): أو المُراد المُستحِلُّ له بلا تأْويلٍ، ووجْه إبَطال قول المرجئة بالحديث أنَّهم لا يُفسِّقون مُرتكب الكبيرة.

وفي الحديث جعْل السِّباب فُسوقًا، والقِتال كُفرًا، أي: بالمعنى السابق، وإنما عبر في الثاني بذلك مع استوائهما في أنَّهما فسقٌ؛ لأنَّه أغلَظ، وبأخلاق الكفَّار أشبَه.

* * *

ص: 277

49 -

أَخْبَرَناَ قُتيْبَة بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنسَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ يُخْبِرُ بِلَيلَةِ القَدْرِ، فتَلَاحَى رَجُلَانِ مِنَ المُسْلِمِينَ فَقَالَ:"إِنِّي خَرَجْتُ لأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ القَدْرِ، وإِنَّهُ تَلَاحَى فُلَانٌ وَفُلَانٌ، فَرُفِعَتْ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمُ، الْتَمِسُوهَا فِي السَّبع وَالتِّسْعِ وَالخَمْسِ".

الحديث الثاني (خ):

وهو من رواية صحابيٍّ عن صحابيٍّ.

(خرج)؛ أي: من الحُجْرة.

(يخبر) إما استئنافٌ أو حالٌ مقدَّرةٌ؛ لأن الخبَر بعد الخُروج نحو: {فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر: 73].

(فتلاحى)؛ أي: تَنازَعَ (رجلان) هما عبد الله بن أبي حَدْرَد -بمهملةٍ وتكرير الدال المهملة أيضًا- وكَعْب بن مالِك، كانَ له على عبد الله دَينٌ فطلبَه، فتنازعا، وارتفَع صوتُهما في المَسجِد.

قال الإِسْمَاعِيْلي: إنَّ البخاري أورد هذا الحديث في الباب تَنْبيهًا على أنَّ التلاحي غير المُشاتَمة؛ لأنَّ التلاحي مُحاورةٌ، فليس بفُسوقٍ.

(أخبركم) الإخبار يتعدَّى لثلاثةٍ، فالأخيران محذوفان، أي: أُخبركم ليلةَ القَدْر كذا، أو أنَّ بليلة القَدْر نُزِّل منزلة المفعولين؛ إذ المراد: أنَّ ليلة القَدْر كذا، ولا يصحُّ أن يكون هو الثاني، ويكون الثالث محذوفًا؛ لأنَّ الثاني والثالث مِن مفاعيله كمفعولَي عَلِمتُ.

ص: 278

(فرفعت)؛ أي: رُفع بيانُها، أو عِلْمها، وإلا فهي باقيةٌ إلى يوم القيامة، وغلِط من قال: رُفعتْ بالكلِّية؛ لأنَّ قوله آخِر الحديث: (فالتمِسُوها) يَردُّ عليه.

فإنْ قيل: كيف يُؤمر بطلَب ما رُفع عِلْمه؟

قيل: المُراد بطلَب التعبُّد في مظانِّها، وربَّما يقع العمَل مُصادِفًا لها لا أنَّه مأمورٌ بطلب العِلْم بعينها.

والأوجه أن يُقال: رُفعت من قلْبي، أي: نسيتُها.

(أن يكون)؛ أي: الرفع.

(خيرًا)؛ أي: ليَزيدوا في الاجتهاد، وَيقوموا في اللَّيالي لطلَبها؛ إذ لو كانتْ معيَّنةً لاقتصرتُم عليها، لكنْ إذا كان خيرًا فلا مذمةَ ولا حبط العمل، فيُؤوَّل (خيرًا) بأنَّه ليس للتَّفضيل بل المراد: يكون فيه خيرًا، أو إنْ كان في عدَم الرفع خيرٌ أكثَر منه، أو للتعليل بالنسبة إلى أمرٍ آخَر، وهو كونه سببًا لزيادة العمَل والاجتهاد المُستلزِم لزيادة الثواب.

(في السبع)؛ أي: السبع والعشرين من رمضان، والتسع والعشرين منه، والخمس والعشرين منه، ودليل هذا التقدير بقيَّةُ الأحاديث التي فيها ذكر العشرين مع السبْع، أو التسع، أو نحو ذلك، وفي بعض النُّسَخ: تقديم التسع على السبع.

ووجْه مُناسبة الحديث للترجمة: ذَمُّ التَّلاحي، وأن صاحبَه ناقصٌ؛ لاشتغاله عن كثيرٍ من الخير بسببه لا سيَّما إذا كان في المسجد

ص: 279