المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌محمد بن عمر بن مكي - أعيان العصر وأعوان النصر - جـ ٥

[الصفدي]

فهرس الكتاب

- ‌محمد بن عمر بن مكي

- ‌محمد بن عمر بن إلياس

- ‌محمد بن عمر بن سالم

- ‌محمد بن عمر بن محمد

- ‌محمد بن عمر بن محمد بن عمر

- ‌‌‌محمد بن عمر

- ‌محمد بن عمر

- ‌محمد بن عمران بن عامر القطناني

- ‌محمد بن عنبرجي

- ‌محمد بن عيسى بن مهنّا

- ‌محمد بن عيسى بن عيسى

- ‌محمد بن غالب بن سعيد

- ‌محمد بن أبي الفتح

- ‌‌‌محمد بن فضل الله

- ‌محمد بن فضل الله

- ‌محمد بن فضل الله بن أبي الخير

- ‌محمد بن فضل الله بن أبي نصر

- ‌محمد بن أبي القاسم بن جميل

- ‌محمد بن أبي القاسم بن محمد

- ‌محمد بن قايماز بن عبد الله

- ‌محمد بن قطلوبك بن قراسُنقر

- ‌محمد بن قلاوون

- ‌محمد بن كجكن

- ‌محمد بن كشتغدي

- ‌محمد بن كوندك

- ‌محمد بن ليث العِدى

- ‌محمد بن مجاهد بن أبي الفوارس

- ‌محمد بن محمد بن أحمد بن علي

- ‌محمد بن محمد بن بهرام

- ‌محمد بن محمد بن الحسين

- ‌محمد بن محمد بن علي

- ‌محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله

- ‌محمد بن محمد بن أبي بكر

- ‌‌‌محمد بن محمد

- ‌محمد بن محمد

- ‌محمد بن محمد بن الحسين

- ‌محمد بن محمد بن علي

- ‌محمد بن محمد بن أحمد أبي القاسم

- ‌محمد بن محمد بن علي

- ‌محمد بن محمد بن عبد القاهر

- ‌محمد بن محمد بن محمود بن مكي

- ‌محمد بن محمد بن أحمد

- ‌محمد بن محمد بن سهل

- ‌محمد بن محمد بن المفضّل

- ‌محمد بن محمد بن هبة الله

- ‌محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن يوسف

- ‌محمد بن محمد بن علي

- ‌‌‌محمد بن محمد بن عبد الله بن مالك

- ‌محمد بن محمد بن عبد الله بن مالك

- ‌محمد بن محمد بن عبد الرحمن

- ‌محمد بن محمد

- ‌محمد بن محمد بن عبد المنعم

- ‌محمد بن محمد بن عبد الله بن صغير

- ‌محمد بن محمد بن علي بن أبي طاهر

- ‌محمد بن محمد بن عثمان

- ‌محمد بن محمد بن عيسى بن نجّام

- ‌‌‌‌‌محمد بن محمد

- ‌‌‌محمد بن محمد

- ‌محمد بن محمد

- ‌محمد بن محمد

- ‌محمد بن محمد بن الحسن

- ‌محمد بن محمد بن مينا

- ‌محمد بن محمد بن يعقوب

- ‌محمد بن محمد بن عطايا

- ‌محمد بن محمد بن إبراهيم

- ‌محمد بن محمد بن الحارث

- ‌‌‌محمد بن محمد بن محمد

- ‌محمد بن محمد بن محمد

- ‌محمد بن محمد بن محمد بن أحمد

- ‌‌‌‌‌محمد بن محمد بن محمد

- ‌‌‌محمد بن محمد بن محمد

- ‌محمد بن محمد بن محمد

- ‌محمد بن محمد بن محمد بن محمود

- ‌محمد بن محمد بن محمد بن أحمد

- ‌محمد بن محمد بن يوسف

- ‌‌‌‌‌محمد بن محمد بن محمد

- ‌‌‌محمد بن محمد بن محمد

- ‌محمد بن محمد بن محمد

- ‌محمد بن محمود

- ‌محمد بن محمود بن محمد

- ‌محمد بن محمود بن ناصر

- ‌محمد بن محمود بن سلمان

- ‌محمد بن محمود بن معبد

- ‌محمد بن مختار

- ‌محمد بن مسعود

- ‌محمد بن مسعود، صلاح الدين

- ‌محمد بن مسعود بن أوحد بن الخطير

- ‌محمد بن مسكين

- ‌محمد بن مسلم

- ‌محمد بن مصطفى بن زكريا

- ‌محمد بن مظفر بن عبد الغني

- ‌محمد بن معالي بن فضل الله

- ‌محمد بن المفضل

- ‌محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج

- ‌محمد بن مكرَّم

- ‌محمد بن مكي بن

- ‌محمد بن مكي

- ‌محمد بن المنجا

- ‌محمد بن المنذر

- ‌محمد بن منصور بن موسى

- ‌‌‌محمد بن منصور

- ‌محمد بن منصور

- ‌محمد بن موسى

- ‌محمد بن ناصر بن علي

- ‌محمد بن نبهان

- ‌محمد بن نجيب

- ‌محمد بن نصر الله

- ‌محمد بن نصر الله بن محمود

- ‌محمد بن نصر الله بن يوسف

- ‌محمد بن هاشم

- ‌محمد بن الهمام

- ‌محمد بن أبي الهيجاء بن محمد

- ‌محمدالأمير الكبير بدر الدين

- ‌محمد بن يحيى

- ‌محمد بن يحيى بن عبد الرحمن بن أحمد

- ‌محمد بن يحيى بن أحمد

- ‌محمد بن يحيى بن موسى

- ‌محمد بن يحيى بن محمد بن عبد الرحمن

- ‌محمد بن يحيى بن أحمد بن سالم

- ‌محمد بن يحيى بن فضل الله

- ‌‌‌محمد بن يحيى

- ‌محمد بن يحيى

- ‌‌‌محمد بن يعقوب

- ‌محمد بن يعقوب

- ‌محمد بن يعقوب بن زيد

- ‌محمد بن يعقوب بن عبد الكريم

- ‌محمد بن يوسف بن عبد الله

- ‌محمد بن يوسف

- ‌محمد بن يوسف بن محمد

- ‌محمد بن يوسف بن يعقوب

- ‌محمد بن يوسف

- ‌محمد بن يوسف بن عبد الغني

- ‌محمد بن يوسف بن علي

- ‌محمد بن يوسف بن عبد الله

- ‌محمد بن يونس بن فتيان

- ‌محمود بن أحمد

- ‌محمود بن أوحد بن الخطير

- ‌محمود بن أبي بكر بن أبي العلاء

- ‌محمود بن أبي بكر بن حامد

- ‌محمود بن رمضان

- ‌محمود بن طي

- ‌محمود بن شروين

- ‌محمود بن عبد الرحمن بن أحمد

- ‌محمود بن محمد بن إبراهيم بن جملة

- ‌محمود بن علي بن محمود

- ‌محمود بن عزّي بن مشعل

- ‌محمود بن محمد بن عبد الرحيم

- ‌محمود بن محمد بن محمد

- ‌محمود بن مسعود بن مصلح

- ‌محمود بن مسعود

- ‌محمود بن ديوانا

- ‌المحوجب

- ‌مختارالأمير الكبير الطواشي

- ‌اللقب والنسبابن مخلوف

- ‌ابن مراجل

- ‌المرداوي

- ‌ابن المرحّل

- ‌والمغربي

- ‌وزين الدين

- ‌المَرجاني

- ‌ابن المخرمي

- ‌ابن المرواني

- ‌المراكشي

- ‌وتاج الدين

- ‌المريني

- ‌‌‌والمريني

- ‌والمريني

- ‌مريم بنت أحمد

- ‌ابن مزهر

- ‌وشرف الدين

- ‌ابن مُزَيْز

- ‌وعز الدين

- ‌‌‌والمزي

- ‌والمزي

- ‌مسعود بن أحمد

- ‌مسعود بن أوحد بن الخطير

- ‌مسعود بن سعيد

- ‌مسعود بن أبي الفضائل

- ‌مسعود بن قراسنقر

- ‌مسعود بن محمد بن محمد

- ‌الألقاب والأنسابابن المشهدي

- ‌ابن مصدّق

- ‌ابن مُصعب

- ‌المطروحي

- ‌المطعّم

- ‌ابن المطهّر

- ‌ابن معبد

- ‌المظفر بن محمد

- ‌مظفر بن عبد الله

- ‌الألقاب والأنسابابن المعلم

- ‌ابن معضاد

- ‌ابن المغازي

- ‌‌‌‌‌‌‌مغلطاي

- ‌‌‌‌‌مغلطاي

- ‌‌‌مغلطاي

- ‌مغلطاي

- ‌مغلطاي بن قليج

- ‌‌‌مغلطاي

- ‌مغلطاي

- ‌اللقب والنسبابن المغيث

- ‌ابن مكتوم

- ‌ابن المكرّم

- ‌ابن مكي

- ‌المقصّاتي المقرئ

- ‌المقدسي

- ‌المقريزي

- ‌المقاتلي

- ‌ابن مقاتل الزجّال

- ‌ابن مقلّد

- ‌بني المُغَيزل

- ‌ملك آص

- ‌ملِكْتَمُر

- ‌‌‌ملكتمر

- ‌ملكتمر

- ‌اللقب والنسبابن الملاق

- ‌ابن ملّي

- ‌المنجّا بن عثمان

- ‌‌‌‌‌اللقب والنسب

- ‌‌‌اللقب والنسب

- ‌اللقب والنسب

- ‌ابن منتاب

- ‌منتصر بن الحسن بن منتصر

- ‌بنو المنجا

- ‌ابن المنذر

- ‌منصور بن جمّاز

- ‌منصور بن عبد الكريم

- ‌المنصور

- ‌‌‌والمنصور

- ‌والمنصور

- ‌والمنصور الكبير

- ‌ابن منعة

- ‌المنفلوطي

- ‌‌‌منكلي بُغا

- ‌منكلي بُغا

- ‌منكلي بغا

- ‌منكبرس

- ‌منكوتمر

- ‌الألقاب والأنسابابن مُنيّر

- ‌ابن مهاجر

- ‌ابن المهتار

- ‌ال‌‌مهدي

- ‌مهدي

- ‌مهلهل بن سعيد

- ‌ابن مهمندار العرب

- ‌مهنا بن عيسى بن مهنا

- ‌ابن المهندس

- ‌ابن الموازيني

- ‌موسى بن إبراهيم

- ‌موسى بن أحمد

- ‌موسى بن أحمد بن محمد

- ‌موسى بن أحمد

- ‌موسى بن أبي بكر

- ‌موسى بن أبي بكر

- ‌موسى بن رافع

- ‌موسى بن عبد الرحمن بن سلامة

- ‌موسى بن علي بن موسى

- ‌موسى بن علي بن قلاوون

- ‌موسى بن علي

- ‌موسى بن علي بن بيدو

- ‌موسى بن علي بن أبي طالب

- ‌موسى بن علي بن منكوتمر

- ‌موسى بن محمد

- ‌موسى بن محمد بن أبي الحسين

- ‌موسى بن محمد بن أبي بكر

- ‌موسى بن محمد بن يحيى

- ‌‌‌موسى

- ‌موسى

- ‌موسى بن يحيى بن فضل الله

- ‌موفقية

- ‌اللقب والنسب‌‌‌‌الموفّقي

- ‌‌‌الموفّق

- ‌الموفّق

- ‌ابن المولى الحموي

- ‌المؤيّد صاحب حماة إسماعيل بن علي

- ‌المؤيّد صاحب اليمن داود بن يوسف

- ‌والمؤيد ابن خطيب عقربا

- ‌ابن ميسّر

- ‌ابن مينا

- ‌حرف النون

- ‌ناصر بن منصور

- ‌ناصر بن أبي الفضل

- ‌ابن نبهان

- ‌نجم الحطيني

- ‌نجمة التركماني

- ‌‌‌الألقاب والأنساب

- ‌الألقاب والأنساب

- ‌ابن النجار

- ‌ابن النّحاس

- ‌وابن نحلة

- ‌ابن النحوية

- ‌نسب خاتون

- ‌ابن النشابي

- ‌‌‌النشائي

- ‌النشائي

- ‌النشّو ناظر الخاص عبد الوهاب

- ‌ابن النشو محمد بن عبد الرحيم

- ‌نصر بن سلمان بن عمر

- ‌نصر بن محمد بن محمد

- ‌نصير بن أحمد بن علي

- ‌ابن النصيبي

- ‌النصيبي القوصي

- ‌ابن النصير

- ‌نُضار

- ‌الألقابابن نفيس

- ‌ابن النقيب

- ‌النعمان بن دولات شاه

- ‌نعمون بن محمود

- ‌النسب واللقبالنمراوي

- ‌ابن نوح

- ‌النهاوندي

- ‌نوروز

- ‌نوروز

- ‌اللقب والنسبالنور الحكيم

- ‌‌‌نوغاي

- ‌نوغاي

- ‌الألقاب والنسبابن أبي النوق

- ‌النويري

- ‌حرف الهاء

- ‌هارون بن موسى بن محمد

- ‌اللقب والنسبابن هارون المغربي

- ‌هاشم بن عبد الله بن علي

- ‌الهاشمي

- ‌هبة الله بن عبد الرحيم

- ‌هبة الله بن علي

- ‌هبة الله بن محمود

- ‌هبة الله بن مسعود بن أبي الفضائل

- ‌هدية بنت علي بن عسكر

- ‌الألقاب والأنسابالهذباني

- ‌الهكاري

- ‌ابن هود

- ‌الهرغي

- ‌ابن الهمام

- ‌أولاد ابن هلال

- ‌ابن الهيتي

- ‌حرف الواو

- ‌ابن والي الليل

- ‌الوتار القوّاس

- ‌وحيد الدين إمام الكلاسةيحيى بن أحمد

- ‌ابن ورّيدة

- ‌وهبان بن علي

- ‌الألقاب والأنسابابن واصل

- ‌الواني

- ‌‌‌والواني

- ‌والواني

- ‌الواسطي

- ‌ابن الواسطي

- ‌الوادعي

- ‌الوردي

- ‌ابن الوردي

- ‌وليّ الدولة

- ‌ابن الوحيد الكاتب

- ‌ابن الوزيري

- ‌أبو الوليد المالكي

- ‌الوطواط الوراق

- ‌حرف الياء

- ‌يحيى بن إبراهيم

- ‌يحيى بن أحمد بن يوسف

- ‌يحيى بن أحمد بن عبد العزيز

- ‌يحيى بن أحمد بن نعمة

- ‌يحيى بن إسحاق

- ‌يحيى بن إسماعيل

- ‌يحيى بن سليمان

- ‌يحيى بن صالح

- ‌يحيى بن عبد الله

- ‌يحيى بن عبد الرحمن

- ‌يحيى بن عبد الرحيم

- ‌يحيى بن عبد الرحيم بن زكير

- ‌يحيى بن عبد اللطيف

- ‌يحيى بن عبد الوهاب

- ‌يحيى بن علي

- ‌يحيى بن علي بن أبي الحسن

- ‌يحيى بن فضل الله

- ‌‌‌يحيى بن محمد بن علي

- ‌يحيى بن محمد بن علي

- ‌يحيى بن محمد بن سعد

- ‌يحيى بن محمد بن عبد الرحمن

- ‌يحيى بن مصطفى

- ‌يحيى بن يوسف

- ‌يحيى الملك

- ‌يزدار

- ‌يعقوب بن إبراهيم

- ‌يعقوب بن عبد الكريم

- ‌يعقوب

- ‌يعقوب بن مظفر

- ‌يلبسطي

- ‌يلبغا

- ‌اليلداني

- ‌يلقطلو

- ‌اليمني

- ‌ابن يمن

- ‌ينجي

- ‌ينغجار

- ‌يوسف بن إبراهيم بن جملة

- ‌يوسف بن أحمد

- ‌يوسف بن أحمد بن جعفر

- ‌يوسف بن أحمد بن إبراهيم

- ‌يوسف بن أحمد بن أبي بكر

- ‌‌‌يوسف بن أحمد بن محمد

- ‌يوسف بن أحمد بن محمد

- ‌يوسف بن أحمد بن يوسف

- ‌‌‌يوسف بن أسعد

- ‌يوسف بن أسعد

- ‌يوسف بن إسماعيل

- ‌يوسف بن إسماعيل بن عثمان

- ‌يوسف بن أبي بكر

- ‌يوسف بن أبي البيان

- ‌يوسف بن حمّاد

- ‌يوسف بن دانيال

- ‌يوسف بن داود بن عيسى

- ‌يوسف بن رزق الله

- ‌يوسف بن سليمان

- ‌يوسف بن سيف الدولة

- ‌يوسف بن شاذي

- ‌يوسف بن عبد الله

- ‌يوسف بن أبي عبد الله

- ‌يوسف بن عبد الرحمن

- ‌يوسف بن عبد الغالب

- ‌يوسف بن عبد المحمود

- ‌يوسف بن عمر بن الحسين

- ‌يوسف بن محمد

- ‌‌‌يوسف بن محمد

- ‌يوسف بن محمد

- ‌يوسف بن محمد بن عثمان

- ‌يوسف بن محمد بن منصور

- ‌يوسف بن محمد بن يعقوب

- ‌يوسف بن محمد بن عبيد الله

- ‌يوسف بن محمد بن محمد

- ‌يوسف بن محمد بن منصور

- ‌يوسف بن محمد بن أحمد

- ‌يوسف بن محمد بن نصر

- ‌يوسف بن محمد بن سلميان

- ‌يوسف بن مظفر

- ‌يوسف بن موسى

- ‌يوسف بن موسى بن أحمد

- ‌يوسف بن أبي نصر

- ‌يوسف بن هبة الله

- ‌يوسف بن هلال

- ‌يوسف بن يوسف

- ‌يوسف حَوْك

- ‌يونس بن إبراهيم

- ‌يونس بن إبراهيم

- ‌يونس بن أحمد

- ‌يونس بن أحمد بن صلاح

- ‌يونس بن حمزة

- ‌يونس بن عبد المجيد

- ‌يونس بن عيسى

- ‌اليونيني

الفصل: ‌محمد بن عمر بن مكي

الجزء الخامس

بسم الله الرحمن الرحيم

بقية حرف الميم

‌محمد بن عمر بن مكي

ابن عبد الصمد بن عطية بن أحمد، القرشي الأموي العثماني، الشيخ الإمام المفسر المحدث الأصولي النحوي الأديب الفاضل المفتن:

علامة العلماء واللّج الذي

لا ينتهي ولكل بحر ساحلُ

صدر الدين أبو عبد الله الشافعي الأشعري المعروف بابن الوكيل وبابن المرحّل وبابن الخطيب.

أفتى وهو ابن اثنتين وعشرين سنة، وتفقه بوالده وبالشيخ شرف الدين المقدسي، وبالشيخ تاج الدين عبد الرحمن الفزاري، وقرأ الأصولين على الشيخ صفي الدين الهندي، والنحو على بدر الدين بن مالك.

وكان له عدّة محافيظ، وحفظ المُفصّل في مئة يوم، وكتب له عليه الشيخ شرف الدين: قرأه في مئةٍ لا أراني الله له يوماً، وحفظ ديوان المتنبي في جمعة، والمقامات في خمسين يوماً، وكان لا يمر بشاهد من كلام العرب إلا حفظ القصيدة التي ذلك البيت منها.

وسمع الحديث من القاسم الإربلي، والمسلّم بن علان. وسمع الكتب الستة على أشياخ عصره.

ولما باشر مشيخة دار الحديث روى قطعة كبيرة من صحيح مسلم عن الأمين

ص: 5

الإربلي والعامري والمزي.

وكان ذكياً نظّاراً حافظاً، يسرد في كل فن أسفاراً، لا يقوم أحد لجداله، ولا يُرى في عصره أحد من رجاله، مكثراً من جميع الفنون، يستحضر الأسانيد والمتون. ولم يكن يقوم بمناظرة العلامة تقي الدين بن تيمية سواه، ولا يعترض كالشجى في حلقه فيما أورده ورواه، ولما بلغته وفاته قال: أحسن الله عزاء المسلمين فيك يا صدر الدين. وتناظرا يوماً بالكلاّسة خلف العزيزية، فأخذ الشيخ تقي الدين يستشهد ببعض الحاضرين، فقال الشيخ صدر الدين:

إن انتصارك بالأجفان من عجب

وهل رأى الناس منصوراً بمنكسر

ولم يقم أحد بمناظرته، ولا قام الى منافرته.

أما التفسير: فابن عطية عنده مُبخّل، والواحدي شارك العيّ لفظه فتميّل.

وأما الحديث: فلو رآه ابن عساكر لانهزم وانضم في زوايا تاريخه وانجزم، أو ابن الجوزي لبس من الغيرة غياراً، وانكسر قلبه لمّا خرج من قشوره ولم يجد لله عياراً.

وأما الفقه: فلو أبصره المحاملي محا ما تحمل من غرائب فاض النقلُ عنه وما نضب، ورجع عما قال به من استحباب الوضوء من الغيبة وعند الغضب، أو القفّال لما فُتح له

ص: 6

من الفقه باب، ولرجع من أول الأمر الى الاعتدال عن الاعتزال وتاب، أو الروياني لما عبر له رؤيا، ورأى أن بحره قد صار وشلا واستحيا:

كم مُقْفَلٍ ضلّ فيه العَقلُ فانفرجتْ

أرجاؤه لحجاه عن معانيهِ

يفتي فيروي غليل الدين من حصَرٍ

أدناه نقلاً وقد شطت مراميه

ومونقٍ قد سقاه غيث فطنته

مُزناً أيادي رياح الفكر تَمْريه

وأما الأصول: فلو رآه ابن فُوْرك لفرك عن طريقته، وقال بعدم المجاز الى حقيقته، وإمام الحرمين لتأخر عن مقامه، ورأى الرجوع عن الإرشاد من كلامه.

وأما النحو: فلو عاصره عنبسة الفيل لكان مثل ابن عصفور، أو أبو الأسود لكان ظالماً، وذنبه غير مغفور.

وأما الأدب: فلو رآه الجاحظ لأمسى لهذا الفن وهو جاحد، أو الثعالبي لراغ عن تصانيفه، وما اعترف منها بواحد.

وأما الطب: فلو شاهده ابن سينا لما أطرب قانونه، أو ابن النفيس لعاد نفيساً قد ذهب نونه.

وأما الحكمة: فالنّصير الطوسي عنه مخذول، والكاتبي دبيران أدبر عنه وحدّه مفلول.

ص: 7

وأما الشعر: فلو جاراه ابن سناء الملك فنيتْ ذخيرة مجاراته وحقائقه، أو ابن الساعاتي ما وصل الى درجه، وانتهى الى دقائقه.

وأما الموشحات: فلو وصل خبره الى الموصلي لأصبح مقطوع الذّنب، أو ابن زهر لما رأى له في السماء نجماً إلا هوى، ولا برجاً إلا انقلب.

وأما البلاليق: فابن كلفة عنده يتكلّف، وابن مُدَغليس يغلس للسعي في ركابه وما يتخلّف.

هذا الى غير ذلك من معارف وفنون كان لحواصلها عنده مصارف.

وكان رحمه الله تعالى محظوظاً، وبعين المحبة ملحوظاً، قلّ أن وقع بينه وبين أحد وما عاد له ولياً، وأصبح لمسامرته نجياً. وقع بينه وبين الأعسر، وكان إذا رآه ينسر، ووقع بينه وبين الأفرم، ثم أصبح عنده وهو الأعز الأكرم، وغضب السلطان الملك الناصر محمد عليه غضباً لا يقوم له غير سفك دمه، ثم أصبح عند رؤيته وهو لا يمشي إلا على قدمه.

ولم يزل على حاله الى أن رحل ابن المرَحّل الى دار القرار، وأصبح سيف لسانه وهو مفلول الغرار.

وتوفي رحمه الله تعالى في بكرة نهار الأربعاء رابع عشري ذي الحجة سنة ست عشرة وسبع مئة، ودفن بالقرب من الشيخ محمد بن أبي جمرة بتربة القاضي فخر الدين ناظر الجيش بالقرافة.

ص: 8

ومولده في شوال سنة خمس وستين وست مئة بدمياط، وقيل: بأشموم.

ورثاه جماعة من الأفاضل، وتأسف الناس عليه.

وأنشدني من لفظه لنفسه القاضي شمس الدين محمد بن داود ابن الحافظ ناظر جيش صفد يرثيه:

ما مات صدرُ الدين لكنه

لما غدا جوهرةً فاخره

لم تعرفِ الدنيا له قيمةً

فعجّل السير الى الآخره

قلت: وهو مأخوذ من قول الأول:

قد كان صاحبُ هذا القبر جوهرةً

غرّاء قد صاغها الباري من النُطَف

عزّت فلم تعرف الأيامُ قيمتها

فردّها غيرةً منه الى الصَّدف

ونشأ الشيخ صدر الدين رحمه الله تعالى بدمشق، ونبغ وظهر واشتهرت فضائله ومناظراته، ودرّس بالمدارس الكبار، واشتهر صيته. ولما دخل الناس في الجفل أيام غازان وعلماء الشام كبارهم وصغارهم، فلم يقعد صدر الدين ثلاثة أيام حتى أعطي تدريس المشهد فيما أظن.

وكانت له وجاهة وتقدّم عند الدولة، ونادم الأفرم وغيره، وركب البريد الى مصر في أيام الجاشنكير، واجتمع هو وابن عدلان وأفتوا بأن الملك الناصر محمد لا يصلح للملك، ورُمي بأنه نظم قصيدة هجا بها السلطان، ومن جملتها:

ص: 9

ما للصبي وما للملك يطلبه

إن المراد من الصبيان معلوم

وعمل أعداؤه الى أن أوصلوا القصيدة الى السلطان، فكانت في سولفه يخرجها كل يوم، ويقرؤها، وأراد الصاحب فخر الدين بن الخليلي القبض عليه تقرّباً الى الملك الناصر، فلما أحسّ بذلك هرب هو الى السلطان، وجاء إليه وهو على غزة، حكى قاضي القضاة جلال الدين القزويني، قال: بينما أنا جالس عند السلطان بغزة فإذا بالأمير سيف الدين بكتمر الحاجب قد دخل، وقال: يا خوند صدر الدين بن الوكيل فقال: يحضر فلما دخل به بكتمر الحاجب قال له: بُس الأرض، فقال: مثلي ما يبوس الأرض إلا لله تعالى. فقال: فجمعت ثيابي لئلا تلحقني طراطيش دمه، لما نعلمه من أنفاس السلطان فيه، فقال له: والك، أنت فقيه تركب على البريد، وتروح من دمشق الى مصر لتدخل بين الملوك وتغير الدول وتهجوني؟ فقال: حاشى لله يا خوند، وإنما أعدائي وحسّادي نظموا ما أرادوا على لساني، ولكن هذا الذي قلته أنا، وأخرج قصيدة تجيء مئة بيت، وأنشدها في وزن تلك ورويّها، فأعجب السلطان وعفا عنه.

قال جلال الدين: ولما أصبحنا وسارت العساكر والجيوش والسلطان رايح والى جانبه صدر الدين بن الوكيل، فتعجبنا من ذلك، ولما عاد الى مصر، وطلبه من

ص: 10

حلب، عظّمه السلطان، كان إذا رآه وعليه الخلعة يقول: الله، إن هذا صدر الدين إلا شكل مليح مُجمّل التشاريف التي يلبسها.

وقد جرى له مع السلطان في قضية البكري ما جرى، وخلصه منه بعدما أمر بقطع لسانه. وقد ذكرت ذلك في ترجمة البكري.

وباشر بدمشق مدارسها الكبار، ودار الحديث الأشرفية والشامية البرّانية والجوانية والعذراوية، والخطابة بالجامع الأموي، ولكنه لم يصلّ في المحراب إلا يومين، حتى قام الشيخ تقي الدين بن تيمية وغيره من المتعصبين عليه حتى عزل، وأثبت قاضي القضاة شمس الدين الحريري محضراً بعدم أهليته للخطابة.

وكان الشيخ صدر الدين في القاهرة لما توفي زين الدين الفارقي خطيب الجامع الأموي في تاريخ وفاته على ما يأتي في ترجمته، وكان الأفرم غائباً في الصيد، فلما عاد عيّن الشامية ودار الحديث للشيخ كمال الدين بن الشريشي، وعيّن الناصرية للشيخ كمال الدين بن الزملكاني عوضاً عن ابن الشريشي، وعيّن الخطابة للشيخ شرف الدين الفزاري، وأمره بالإمامة والخطابة، فباشر وخطب جمعتين، ولازم الإمامة عشرة أيام، فوصل البريد يوم الإثنين منتصف شهر ربيع الأول سنة ثلاث وسبع مئة ومعه توقيع بجميع جهات الشيخ زين الدين للشيخ صدر الدين بن الوكيل مضافاً الى ما بيده من المدرستين، فشق على الناس خروج الشيخ شرف الدين من الخطابة بعد مباشرته وكماله وصلاحه وجودة قراءته وحُسن أدائه، ووصل الشيخ صدر الدين بعد ذلك على البريد، وسلّم على الأفرم بالقصر، وحضر الى الجامع، ودخل الى دار الخطابة، وهنأه

ص: 11

الناس على العادة، وصلى بالناس العصر، وبقي يومين يباشر الإمامة، فأظهر جماعة التألم من خطابته، واجتمعوا بالأفرم، فمنعه من الخطابة، وأقرّه على المدارس الثلاث. ثم إنه وصل توقيع بالخطابة للشيخ شرف الدين من القاهرة. ثم إن الشامية البرانية انتُزعت منه أيضاً للشيخ كمال الدين ابن الزملكاني.

وفي أيام قراسنقر ونيابته على دمشق قام على صدر الدين جماعة من الفقهاء، ونازعوه في المدارس التي بيده، وحصل له من قراسنقر أذى كثير، وخاف على نفسه منه، فتوجه الى قاضي القضاة تقي الدين الحنبلي، وطلب منه الحكم بإسلامه، وحقن دمه، وإسقاط التعزيز عنه، والحكم بعدالته واستحقاقه المناصب فحكم له بذلك، ثم ورد المرسوم من مصر بعزله من سائر جهاته، وبقي بطالاً.

ولما فرغ شهر رمضان سنة عشر توجّه الى حلب، وأقبل عليه أسندمر نائب حلب إقبالاً زائداً، وطلبه يوماً قبل صلاة الجمعة، وسأله عن تفسير قوله تعالى:" والنّجم إذا هَوى " فقال: الوقت يضيق عن هذا، لأن هذه الآية يحتمل تفسيرها ثلاثة أيام، فوهبه نسخة مليحة بأسد الغاب في ذكر الصحاب لابن الأثير، وأقام بحلب عشرة أشهر فقال: الذي حصل لي من مكارمات الحلبيين في هذه المدّة أربعون ألف درهم. ولما جاء أرغون الدوادار الى حلب كان عنده ربعة مليحة الى الغاية فقدّمها له، فقال أرغون: يا شيخ هذه ما تصلح إلا للسلطان، وإذا عدتُ الى مصر

ص: 12

ذكرتُها للسلطان الملك الناصر، وطلبتك فوفي له بما وعده، ودرّس بمصر بالمشهد الحسيني وبالزاوية المعروفة بابن الجميزي، ولما قدم مصر في الجفل أفهم أمراء الدولة أنه ليس في مصر مثله، وادّعى علماً كبيراً، وطلب المناظرة، وحضر الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد، وكان صدر الدين قد رتب شيئاً، فلما شرع فيه قال الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد: هذا كلامٌ معبّأ، وقال: يقرأ شخص آية فقرأ شخص آية، وذكر الشيخ سؤالاً، فشرع صدر الدين يتكلم، فانتدب له عز الدين النمراوي، فقال له الشيخ تقي الدين: التزم هذا يا غرّ، هذا جيد. وانفصل المجلس، والشيخ صدر الدين مغلوب.

ولما عاد الى القاهرة بعد مجيء الناصر من الكرك ولاه السلطان الملك الناصر تدريس الناصرية بين القصرين، وهو أول من درّس بها، وجهّزه السلطان الملك الناصر رسولاً الى مهنّا، فقال: حصل لي في هذه السفرة ثلاثون ألف درهم. وأظنه توجه إليه مرتين في سنة ثلاث عشرة، وجمع كتاب الأشباه والنظائر ومات ولم يحرره، فلذلك ربما وقعت فيه أغلاط. قال مولانا قاضي القضاة تاج الدين السبكي مثل حكايته عن بعض الأئمة وجهين فيما إذا كشف عورته في الخلاء زائداً على القدر المحتاج هل يأثم على كشف الجميع أو على القدر الزائد. وهذا لم نره في كتاب ويشبه أن تكون زلة قلم الى غير ذلك.

ص: 13

وكان شيخنا العلامة قاضي القضاة تقي الدين السبكي الشافعي رحمه الله تعالى يثني عليه ويقول: فاضل عصره. قال: دخلت عليه في المرض الذي توفي فيه رحمه الله تعالى، فقلت له: كيف تجدك؟ وكيف حالك؟ فأنشدني:

ورجعت لا أدري الطريق من البكا

رجعتْ عداك المبغضون كمرجعي

وكان ذلك آخر عهدي به.

وقال القاضي شهاب الدين بن فضل الله: كان ابن الوكيل عارفاً بالطب علماً لا علاجاً، فاتفق أن شكا إليه الأفرم سوء هضم، فركّب له سفوفاً، وأحضره، فلما استعمله أفرط به الإسهال جداً، فأمسكه مماليك الأفرم ليقتلوه، فأُحضر أمين الدين سليمان الحكم لمعالجة الأفرم، فعالجه باستفراغ بقية المواد التي اندفعت، وحركها الشيخ صدر الدين، وأعطاه أمراق الفراريج، ثم أعطاه المُقبّضات حتى صلحت حاله. ولما عاد الأفرم الى وعيه سأل عن الشيخ صدر الدين بن الوكيل، فأخبره المماليك ما فعلوه به، فأنكر ذلك عليهم، وقال: أحضروه، فلما حضر قال: يا شيخ صدر الدين جئت أروح معك غلطاً، وهو يضحك. فقال له سليمان الحكيم: يا صدر الدين اشتغل بفقهك، ودع الطب فغلط المفتي يُستدرك، وغلط الطبيب ما يستدرك، فقال الأفرم: صدقٌ لك لا تخاطر. ثم قال لمماليكه: مثلُ صدر الدين ما يُتهم: والله الذي جرى عليه منكم أصعب من الذي جرى عليّ، وما أراد والله إلا الخير. فقبّل يده، وبعث إليه الأفرم لما انصرف جملة من القماش والدراهم.

ص: 14

وأخبرني أيضاً قال: كان الشيخ تقي الدين بن تيمية يقول عنه: ابن الوكيل ما يرضى لنفسه أن يكون في شيء إلا غاية، ثم يُعدد أنواعاً من الخير والشر فيقول: كان في كذا غاية، وفي كذا غاية. انتهى.

قلت: وكان فيه لعب ولهو، ومع ذلك فحكى لي عنه جماعة ممن صحبه ونادمه في خلواته أنهم إذا فرغوا من حالهم قام وتوضأ ولبس قماشاً نظيفاً وصلى وبكى ومرّغ وجهه على الأرض والتراب، وبكى حتى بلّ لحيته بدموعه، واستغفر وسأل الله التوبة والمغرفة، حتى قال بعضهم: لقد رأيته قد قام من سجوده ولصق بجدار الدار كأنه أسطوانة ملصقة. وكان إذا مرض غسل ديوانه.

وكان قادراً على النظم من القريض والموشح والزجل والبلّيق والدوبيت والمواليّا والكان وكان، لا يفوته شيء ولا يعجزه، وهو في جميع هذه الأنواع مطبوع، له غوص على المعاني، ومع ذلك فكان ينتحل أشياء ويدّعيها.

حكى لي شيخنا الحافظ ابن سيد الناس، أنشدني مرة قصيدةً عينية منها قوله:

يا ربّ جفني قد هجاه هجوعه

ومنها:

يا ربِّ بدرُ الدين غاب عن الحمى

فمتى يكون على الخيام طلوعه

ص: 15

قال: ثم إني اجتمعت بالشهاب العزازي، وأنشدته إياها، فقال: هذه لي، وأنشدني إياها من أولها الى آخرها. انتهى.

قلت: ولما عمّر السلطان الملك الناصر محمد القصر الأبلق بقلعة الجبل دخل إليه الشيخ صدر الدين، وأنشده:

لولاك يا خير من يمشي على قدم

خاب الرجاء وماتت سُنّةُ الكرم

منها:

بنيتَ قصراً قضى بالسعد طالعه

فقامت لهيبته الدنيا على قدم

وهذه القصيدة بمجموعها لابن التعاويذي، وهي في ديوانه، وإنما ابن التعاويذي قال: بنيت داراً، فغيّره ابن الوكيل، وقال: بنيت قصراً.

وشاع عنه أنه كان ينظم الشاهد على ما يدّعيه في الوقت وينشده، من ذلك قال شيخنا العلامة قاضي القضاة تقي الدين السبكي رحمه الله تعالى عمّن أخبره قال: ادعى ابن الوكيل يوماً في الطائفة المنسوبة الى ابن كرّام أنهم الكرامية - بتخفيف الراء - فقال الحاضرون: المعروف فيهم بتشديد الراء، فقال: التخفيف، والدليل عليه قول الشاعر:

الفقه فقه أبي حنيفة وحده

والدين دين محمد بن كرام

واستمرت هذه الحكاية في ذهني، وأنا لا أشك في أنه وضعه، فما كان بعد مدة ظفرت ببيتين من شعر المتقدمين وأولهما:

إن الذين بجهلهم لم يقتدوا

في الدين بابن كرام غير كرام

ص: 16

فاستغفرت الله تعالى من ذلك الخاطر، وسألت الله تعالى له المغفرة والرحمة، وكان ظفري بهذين البيتين في سنة أربع وأربعين وسبع مئة، وما يبعد أنه كان يجازف في النقل وأخذه.

قيل: إنه دخل الى الأفرم يوماً، وقال: يا خُوند أنا أنقل للأسد ثلاثة آلاف اسم.

قلت: وهذا مبالغة عظيمة، والذي وقفت عليه في مجموع للأسد خمس مئة اسم، ولولده الشبل ثلاث مئة اسم الجملة ثمان مئة اسم.

والجيّد من شعره طبقة عليا، على أن شعره يقع في اللحن الخفي، على أنه بلغني عن مجد الدين التونسي أنه قال يوماً: ما اجتمعت بالشيخ صدر الدين إلا واستفدت منه فائدة في العربية، ولما توجه الى حلب وجد شيخنا علم الدين طلحة مستحضراً للعربية جيداً، لكنه كان يعرف الحاجبية وشروحها، وهي دائرة ضيّقة، فأخذ الشيخ صدر الدين شرح السيرافي لكتاب سيبويه، وأخذ يطالعه وينقل منه ما طمّ طلحة، وغطاه. وسبب اللحن الخفي الذي كان يقع له إنما اشتغل بالنحو وهو كبير السن، والنحو علم صغر يحتاج الى أن يمتزج باللحم والدم، وأنشدني كثيراً من شعره الشيخ شهاب الدين العسجدي، وقال: كنت معه. وكانت ليلة عيد، فوقف له فقير، وقال: شيء لله؟ فالتفت إليّ وقال: إيش معك؟ فقلت: مئتا درهم. فقال ادفعها الى هذا الفقير. فقلت له: يا سيدي الليلة العيد، وما معنا ما ننفقه غداً. فقال لي: امض الى القاضي كريم الدين، وقل له: الشيخ يهنئك بهذا العيد. فدفع إليّ ألفي درهم، وقال: هذه للشيخ، وكأنه يعوز نفقة في هذا العيد، ولك أنت

ص: 17

ثلاث مئة درهم، فلما حضرت بالدراهم من عند كريم الدين الى الشيخ، قال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، الحسنة بعشرة، هذه مئتان بألفين.

وكان هذا شهاب الدين العسجدي والقاضي علم الدين سليمان بن ابراهيم المستوفي، وكانا به خصيصين، وحكيا لي عن مكارمه وعن صدقاته وبره للفقراء والصالحين أمراً عظيماً، وحكى لي عن أوائل عشرته أنها تكون في غاية اللطف والإقبال الزائد على صاحبه، ثم إذا طالت استحال، ولهذا قال فيه بعضهم:

وداد ابن الوكيل له مثال

كلبا دين جُلّق في المسالك

فأوّله حلي ثم طيبٌ

وآخره زجاج مع لوالك

وجميع موشحاته، وسماه طراز الدار، وهذه تسمية بديعة، قلب فيها تسمية موشحات ابن سناء الملك، لأنه سمي ديوانه دار الطراز: ومن شعره - وهي من غرر قصائده:

ليذهبوا في ملامي أيةً ذهبوا

في الخمر لا فضةً تبقى ولا ذهب

والمال أجمل وجه فيه تصرفه

وجهٌ جميل وراحٌ في الدجى لهب

لا تأسفن على مال تمزقه

أيدي سقاةِ الطلا والخرَّد العرب

ص: 18

فما كسَوا راحتي من راحها حللاً

إلا وعرّوا فؤادي الهمَّ واستلبوا

راح بها راحتي في راحتي حصلت

فتمّ عُجْبي لها وازداد لي العجب

أن ينبع الدر من حلوٍ مذاقته

والتبر منسبك في الكأس ينسكب

وليست الكيميا في غيرها وُجدت

وكل ما قيل في أوصافها كذب

قيراط خمرٍ على القنطار من حزن

يعود في الحال أفراحاً وينقلب

عناصر أربع في الكأس قد جُليَت

وفوقها الفلك السيّار والشهب

ماءٌ ونار هواء أرضها قدح

وطوفها فلك والأنجم الحبَب

ما الكأس عندي بأطراف الأنامل بل

بالخمس تقبض لا يحلو لها الهرب

شَجَجْتُ بالماء منها الرأس موضحةً

فحين أعقلها بالخمس لا عجب

قلت: لو لم يقل الشيخ صدر الدين من الشعر إلا هذا البيت لكان قد أتى بشيء غريب نهاية في البديع، لقد غاص فيه على المعنى، ودق تخيّله فيه، وهذا شعرُ فقيه.

وما تركت بها الخمس التي وجبت

وإن رأوا تركها من بعض ما يجب

وإن أقطب وجهي حين تبسم لي

فعند بسط الموالي يحفظ الأدب

قلت: وهذا البيت أيضاً بديع المعنى دقيقه، وقد اعتذر عن تقطيبه بأحسن عذر، وأوضحه، وقد أشار الى ذلك الشعراء وقبحوا فعله قال ابن أبي الحديد:

بالراح رح فهي المنى

وعلى جماع الكاس كسْ

لا تلْقَها إلا ببش

رِكَ، فالقطوب من الدَّنس

ما أنصف الصهباء من

ضحكت إليه وقد عبس

ص: 19

وإذا سكرت فغنّ لي

ذهب الرّقاد فما يُحَسّ

وما أحسن قول ابن رشيق:

أحب أخي وإن أعرضت عنه

وقلّ على مسامعه كلامي

ولي في وجهه تقطيب راضٍ

كما قطبتُ في وجه المُدام

رجع القول الى تتمة أبيات ابن الوكيل:

عاطيتها من بنات الترك عاطية

لحاظها للأسود الغُلب قد غلبوا

هيفاء جارية للراح ساقية

من فوق ساقيةٍ تجري وتنسكب

من وجهها وتَثنيها وقامتها

تُخشى الأهلّة والقضبان والكثب

يا قَلب أردافها مهما مررت بها

قف لي عليها، وقل لي هذه الكثب

تريك وجنتها ما في زجاجتها

لكنْ مذاقته للريق تنْتسب

تحكى الثنايا الذي أبدته من حَبَبٍ

لقد حكيت ولكن فاتك الشنب

قلت: في هذه الأبيات تضمين أعجاز أبيات من القصيدة البائية التي لابن الخيمي، وأولهما:

يا مَطلباً لي في غيره أرب

إليك آل التقصّي، وانتهى الطلب

وقد ذكرت القصيدة وما قيل في وزنها، وواقعتها بين ابن الخيمي وابن إسرائيل في

ص: 20

ترجمة ابن الخيمي في تاريخي الكبير.

ومن شعره صدر الدين رحمه الله تعالى:

سرى وسُتور الهمّ بالكاس تُهتكُ

وساكن وجدي بالغِناء يحرك

فعاطيته كاساً، فحيّا بفضلها

ومازج ذاك الفضل ريق مُمَسّك

أرقتُ دم الراووق حِلاً لأنني

رأيت صليباً فوقه، فهو مشرك

وسالت دموع العين منه وكلما

بكى بالدّما مما جرى منه أضحك

وزوّجت بنت الكرم بابن غَمامة

فصحّ على التعليق والشرط أملك

وهذه القصيدة طويلة، ولكن هذا أحسن ما فيها.

وقال أيضاً:

يا ليلة فيها الأمان والمنى

وكلما أطلبه تهيّا

لا تقصري فالصبح قد شربته

مدامة عنقودها الثريّا

وقال أيضاً:

غازِلْ وخُذ من نرجسٍ من لحظه

منشور دمع كلهنّ نظامُ

واحذرْ إذا بعث السلام إليك من

نبت العِذار فإنه نمّامُ

قلت: أخذه من قول الأول:

لافتضاحي في عوارضه

سببٌ والناس لُوّام

كيف يخفى ما أكابده

والذي أهواه نمّام

ص: 21

وقال دوبيت:

كم قال معاطفي حكتها الأسلُ

والبيض سرقن ما حوته المقل

الآن أوامري عليها حكمت

البيض تُحسد والقنا تُعتقل

وقال أيضاً:

عانقت وبالعناق يُشفى الوجد

حتى شُفي الصبّ ومات الصّدُ

من أخمصه لثما الى وجنته

حتى اشتكت القضب وضجّ الورد

وقال أيضاً:

بكفّ الثّريا وهي جَذْما تقاس لي

شقاق دجًى مُدت من الشرق للغرب

ولو ذرعوها بالذراع لما انتهت

فما تنقضي يا ليل أو ينقضي نحبي

قلت: أخذه من قول الأول:

كأن الثريا راحة تشبُر الدجي

ليعلم طال الليل أم قد تعرّضا

فليلٌ تراه بين شرق ومغرب

يُقاس بشبرٍ كيف يُرجى له انقضا

وقال:

راحٌ بها الأعمى يرى مع العمى

وهاك بُرهاناً على هذي المنَح

الخمر للأقداح قلب دائماً

والحدَق انظرها تجد قُلْبَ القدح

وقال:

كأنما البدر خلال السما

من فوق غيم ليس بالكاب

طراز تِبْر في قبا أزرق

من تحته فروة سنجاب

ص: 22

وقال:

وعارضٌ قد لام في عارض

وطاعن يطعن في سنّه

وقائل قد كبرت ذقنه

فقلت: لا أفكر في ذقنه

وقال:

شب وجدي بشائب

من سنا البدر أوجَهُ

كلما شاب ينحني

بيّض الله وجهه

وقال في مليح به يرقان:

رأيت في طَرفه اصفراراً

سَبى فؤادي فقلت: مهلا

أيا مليك الملاح حسناً

العفو من سيفك المحلا

قلت: هو مثل قول الوَداعي، وفيه زيادة:

قال قوم: قد شانه يرقان

قلت: أخطأتم وحاشى وكلا

إنما الخدّ واللواحظ منه

مصحف مُذهب، وسيف محلّى

ذكرت أنا هنا باليرقان ما قلته، وقد حصل لي يرقان، وطوّل في مدته في سنة خمس وخمسين وسبع مئة:

يا يرقاناً زاد في مكثه

أمرضْتَ مني الجسم والنفسا

أبدلتني بالدال سيناً وما

أقبح ورداً قد غدا ورسا

وقلت أيضاً:

ص: 23

صفّرني ذا اليرقان الذي

بمثله الأسقام لم تظهر

ينفر من يبصرني مُقبلاً

حتى كأني من بني الأصفر

وقلت:

تصدّق خلاني عليّ بصحة

تسر وأعفاني زماناً وعافاني

ومرّ على غيري سقامٌ وصحة

ولم يُر قان مثل ذا يرقاني

وقلت من أبيات:

ما ترى علّتي التي قد عرتني

وبرتني بري المُدى القاطعات

فصفاري هذا وأبيض شيبي

نرجس للنفوس غير موات

ثم عندي تشبيه شيبي بتمٍ

قد غدا ناظراً بعين البُزاةِ

ومن شعر الشيخ صدر الدين - وهو عجيب:

وبي مَن قسا قلباً ولان معاطفاً

إذا قلت أدناني يضاعف تبعيدي

أقرّ برقٍّ أقول أنا لهُ

وكم قالها أيضاً ولكن لتهديدي

قلت: من أعجب ما مر بي أنا الباخرزي في دمية لقصر لما ذكر في ترجمة الفقير أبي نصر عبد الوهاب المالكي أورد فيها قول الشيخ أبي عامر الجرجاني:

عذيري من شادن أغضبوه

فجرّد لي مُرهفاً فاتكا

وقال أنا لك يا بن الوكيل

وهل لي رجاء سوى ذلكا

أيها الواقف أنعم النظر فيما أوردته، وتعجب من هذا الاتفاق، كون صدر الدين بن الوكيل أخذ هذا المعنى الذي له من قول الجرجاني، والجرجاني أتى بالقول الموجب في بيتيه خفياً، لأنه قال: غضب، وجرّد المرهف، وقال: أنا لك

ص: 24

يا بن الوكيل، وهذا بقرينة تجريد المرهف تهديد، فقلب الجرجاني، وقال بموجبه، ونقله الى التمليك، فأخذه صدر الدين، وأتى به واضحاً جلياً صريحاً ظاهراً، ومحل التعجّب قوله: أنا لك يا بن الوكيل، كأن هذا المعنى قال: أنا لك يا بن الوكيل تنظمني فتجيء أحسن وأبين، وتكون أنت أحق بي من الجرجاني، وهذا اتفاق غريب الى الغاية، ما مر بي مثله، والظاهر أن الشيخ صدر الدين لما وقف على هذا المعنى تنبّه له فكان له، وهو به أحق، وهذا المعنى قد ابتكره الجرجاني أبو عامر، وترك فيه فضلة، فجاء الشيخ صدر الدين رحمه الله تعالى، وأخذه وجوّده، ولم يبق لأحد معه مطمع الى زيادة، ولا مطمح في إفادة، وما بقي إلا الاختصار فقط، فلهذا قلت أنا فيه مختصراً:

قال حبي أنا له

ولكم قلتُ سرمدا

أنا للملك قلتها

وهو للغيظ هدّدا

وقال الشيخ صدر الدين رحمه الله تعالى:

معطّف على مهجة ظاميه

وتقذفها عَبْرة هاميه

فقد طال سقمي، فقل لي متى

تجيء الى عبدك العافيه

وأرخصتَ دمعي يوم النوى

لأجل سوالفك الغاليه

فصبراً على ما قضى لم أقل

فيا ليتها كانت القاضيه

ص: 25

ونحن عبيدك ذُبنا أسىً

فرفقاً على رقة الحاشيه

فقال: بعيني أقيك الردى

فقلت: على عينك الواقيه

فشنّف سمعي بهذا الحدي

ث فما ذكرت قرطها ماريه

فيا عاذلي لو دعاك الهوى

لقد كنت تسمع يا ساريه

واشتهر شعر الشيخ صدر الدين في حياته كثيراً، وتناقله الناس، وتداولوه، ومما اشتهر له من الموشحات قوله يعارض السرّاج المحّار، وهو:

ما أخجل قدّه غُصون البانْبين الورقإلا سلب المها مع الغزلانسود الحدق

قاسوا غلطاً من حاز حُسن البشر

بالبدر يلوح في دياجي الشَّعر

لا كيد ولا كرامة للقمر

الحبّ جمالُه مدى الأزمانمعناه بقيوازداد سناً وخُصّ بالنقصانبدر الأفق

الصحة والسقام من مقلته

والجنة والجحيم في وجنته

مَن شاهده يقول من دهشته:

هذا وأبيك فرّ من رضوانتحت الغسقللأرض يُعيذه من الشيطانربُّ الفلق

قد أنبته الله نباتاً حسنا

ص: 26

وازداد على المدى سناء وسنا

من جادلَه بروحه ما غُبِنا

قد زيّن حسنه مع الإحسانحسن الخلقلو رمت لحسنه مليحاً ثانيلم يتّفق

في نرجس لحظه وزهر الثغر

روض نضر قطافه بالنظر

قد دبّج خده نبات الشعر

فالورد حماه ناعم الريحانبالطل سُقيوالقد يميل ميلة الأغصانللمُعتَنق

أحيا وأموت في هواه كمدا

من مات جوىً في حبه قد سُعدا

يا عاذلُ لا أترك وجدي أبدا

لا تعذلي فكلما تلحانيزادت حُرقييستأهل من يهمّ بالسلوانضرب العنق

القدّ وطرفه قناة وحسام

والحاجب واللحاظ قسي وسهام

والثغر مع الرضاب كاس ومُدام

والدر منظّم مع المرجانفي فيه نقيقد رُصّع فوقه عقيق قانينظم النسق

قلت: لا يخفى على الفطن ما فيه من اللحن الخفي والألفاظ النازلة، وقد تكررت من لفظة ثان. ولمّا وقف الشيخ تقي الدين بن تيمية على هذا الموشح وانتهى الى قوله: يستأهل من يهم بالسلوان ضرب العنق قال: لا يا شيخ صدر الدين، يستأهل من يقول بالصبيان.

ص: 27

وأما موشحة السراج المحّار فهي:

مذ شِمت سنا البروق من نعمانباتت حدقيتذكي بمسيل دمعها الهتاننار الحرق

ما أومض بارق الحمى أو خفَقا

إلا وأهاج لي البُكا والأرقا

هذا سبب لمحنتي قد خُلقا

أمسي لوميضه بقلبي العانبادي القلقلا أعرف في الظلام ما يغشانغير الأرق

أضنى جسدي فراقُ إلفٍ نزحا

أفنى جلدي ودمع عيني نزَحا

كم صِحتُ وزند لوعتي قد قدحا

لم تُبق يد السقام من جثمانيغير الرمقما أصنع والسلوّ مني فانوالصبر بقي

أهوى قمراً حلو مذاق القُبل

لا يُكحل طرفه بغير الكحل

تركيّ اللحظ بابلي المقل

زاهي الوجنات زائد الإحسانحلو الخُلقعذبُ الرشفات ساحرُ الأجفانساجي الحدق

ما حط لثامه وأرخى شعرَه

ص: 28

أو هز معاطفاً رشاقاً نضره

إلا ويقول كل راءٍ نظره

هذا قمر بدا بلا نقصانتحت الغَسقأو شمس ضحى في غُصنٍ فَيْنانغض الورق

ما أبدع معنىً لاحَ في صورته

إيناع عذاره على وجنته

لما سُقي الحياة من ريقته

فاعجب لبنات خدّه الرّيحانيمن حيث سُقييضحى ويبيت وهو في النيرانلم يحترق

قلت: لا يخفى على الناظم أن هذا أجزلُ ألفاظاً، وأحكم من موشحة صدر الدين.

والسرّاجُ المحّار عارض بموشحته موشحة أحمد بن حسن الموصلي صاحب الموشحات المشهورة، وهي:

مُذ غرّدت الوُرق على الأغصانبين الورقأجرت دمعي وفي فؤادي العانيأذكت حرقي

لما برزت في الدوح تشدو وتنوح

أضحى دمعي بساحة السفح سفوح

والفكر نديمي في غُبوق وصبوح

قد هيّجت الذي به أضنانيمنه قلقيوالقلب له من بعد صبري الفانيوالوجد بقي

ما لاح بريق رامةٍ أو لمعا

إلا وسحاب عبرتي قد هَمَعا

والجسم على المزمع هجري زَمَعا

بالنازح والنازح عن أوطانيضاقت طوقيما أصنع قد حملتُ من أحزانيما لم أطق

قلبي لهوى ساكنه قد خفقا

ص: 29

والوجد حبيسٌ واصطباري طلقا

والصامت من سري بدمعي نطقا

في عشق منعّم من الولدانأصبحت شقيمن جفوته ولم يَزُر أجفانيغيرُ الأرق

فالورد مع الشقيق من خدّيه

قد صانهما النرجس من عينيه

والآس هو السياج من صدغيه

واللفظ وريق الأغيد الروحانيعند الحدقحلوان على غصن من المرانغضٍّ رشِقِ

الصّاد من المقلة من حققه

والنون من الحاجب من عَرّقه

واللام من العارض من علقه

قد سطّره بالقلم الريحانيربّ الفلقبالمسك على الكافور كالعنوانفوق الورق

الملحة لمع الصلت بالإيضاح

والغُرّة بالتبيان كالمصباح

والمنطق نثر الدرّ بالإصلاح

والثغر هو الصحاح كالعقبانكالعقد بقيوالرّد مع الخلاف كالسلوانعنه خُلقي

ما أبدع وضع الخال في وجنته

خطّ الشكل الرفيع من نقطته

قد حيّر إقليدس في هيئته

كالعنبر في نار الأسيل الفانِللمنتشقفاعجب لعبير وهو في النيرانلم يحترق

قلت: في هذه الموشحة ألفاظ تحتاج معانيها الى مشاحّة، وموشحة الشيخ صدر الدين على كل حال خير منها، وموشحة المحّار خير من الاثنين.

ص: 30

وقد خطر لي أنا نظم موشحة في هذه المادة، وقد زدت الحشوات توشيحاً، وهي:

ما هزّ قضيب قدّه الريّانللمُعتَنِقإلا استترت معاطف الأغصانبين الورق

أفدي قمراً لم يُبق عندي رَمَقاً

لما رَمَقا

قد زاد صبابتي به والحُرَقا

شوقاً وشَقا

لو فوّق سهم جفنه أو رشقا

في يوم لُقا

أبطال وغىً تميس في غُدْراننسج الحَلَقأبصرتهم في مَعرَك الفرسانصرعى الحدق

بدر منعتهُ قسوةُ الأتراك

رُحمى الشاكي

من ناظره حبائل الأشراك

والإشراك

كم ضلّ بها قبلي من النُسّاك

والفتّاك

قاني الوجنات ينتمي للقانِصعب الخُلقإن قلت أموت في الهوى نادانيهذا يَسَقي

كم جا جبينه الدجا فاقترضا

صُبحاً فأضا

كم جرّد جفنُه حساماً ونضى

والصبّ قضى

كم أودع ريقه فؤاداً مَرِضاً

من جمر غضا

فاعجب لرُضابه شفا الظمآنيذكي حرقيوالخدّ به الخال على النيرانلم يحترق

يا خجلةَ خدّ الورد في جنته

من وجنته

يا كسرة غصن البان في حضرته

من خطرته

يا حيرة بدر التمّ من عزّته

في طُرّته

لا تعتقد الأقمار بالبهتانوسط الأفقأن تشبهه فليس في الإمكانما لم تُطِق

ما أسعد من أصابه بالحَوَر

سهم النظر

ص: 31

ما أنعم من يصليه نار الفكر

طول العُمرِ

أو قيّده الحب بقيد الشَّعَر

عند السَّحَر

أو طوقه بذلك الثعبانفوق العنقأو بات بقفل صُدغه الريحانيتحت الغَلق

قلت: والشيخ صدر الدين رحمه الله تعالى قد عارض المحّار في أكثر موشحاته، فيندر له المطلع أو حشوه، ثم إنه يسقط من الثريا الى الثرى كقوله:

قالوا: سلا واستردّ مضناهقلباً أخذالا والذي لا إله إلا هوما كان كذا

عشقته كوكباً من الصّغر

أأترك الوجد وهو كالقمر

ديباج ديباجته بالشعر

زيدت طرازاً كالرقم الإبر

لا والذي زانه وأعطاهحسناً وشذىعلى البرايا وإنه اللهما كان كذا

ولو تقاس الكؤوس بالثغر

وبالثنايا الحباب كالدّرر

لفضّل الثغر صحة النظر

والصّرف في مطعم وفي عطر

لو قيس ما فاق من حُميّاهأو ما نُبذاالى رُضابٍ حوته عيناهما كان كذا

كل دمّ الناس فوق وجنته

قد سفكتها سهام مُقلته

العفو من نبلها وحدّته

لو صبّ بهرامُ كل جعبته

ص: 32