الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اليسر، ومن بعدهم. وعني بالرواية، وحصّل الأصول. وجمع وخرّج، وأتقن الفقه، وبرع في العربية، وصنف شرحاً كبيراً للجرجانية، وجوّده، وأخذ عن ابن مالك ولازمه.
وحدث بدمشق وطرابلس وبعلبك، وتخرج به جماعة، وكان إماماً متواضعاً متزهداً، ريّض الأخلاق حسن الشمائل على الإطلاق، جيّد الخبرة بألفاظ الحديث، مشاركاً في رجاله أهل القديم والحديث.
ولم يزل على حاله الى أن توجه الى القاهرة، وانتقل منها الى الآخرة.
وتوفي رحمه الله تعالى بالمنصورية ليلة السبت ثامن عشر المحرم سنة تسع وسبع مئة، ودفن بمقبرة عبد الغني.
ومولده سنة خمس وأربعين وست مئة.
وكان قد توجه من دمشق الى القدس، ومن هناك توجه الى الديار المصرية، فمرض أياماً يسيرة، ومات رحمه الله تعالى.
محمد بن فضل الله
القاضي بدر الدين الموقع، أحد الإخوة، شرف الدين عبد الوهاب ومحيي الدين بن يحيى.
كان قد أسره التتار في أيام غازان، ودخل معهم البلاد، ومنّ الله عليه بالخلاص من أسرهم، ووصل الى دمشق في يوم الأربعاء ثالث عشري جمادى الآخرة سنة أربع وسبع مئة.
قال شيخنا علم الدين البرزالي: وروى لنا الأربعين الثقفية عن العراقي بإجازته من السِّلفي، وسمع أيضاً من فرج الحبشي والشرف الإربلي. وكان ليّن الكلمة، لطيف الجانب، من أعيان الكُتّاب المتصرّفين.
وتوفي رحمه الله تعالى في رابع جمادى الأولى سنة ست وسبع مئة.
ومولده سنة أربع وثلاثين وست مئة بطبرية.
محمد بن فضل الله
القاضي الكبير الرئيس الشهير فخر الدين ناظر الجيوش بالديار المصرية.
كان عند أستاذه وجيهاً الى الغاية، ومكيناً من خاطره الى النهاية، لا يمكّن السلطان في الغالب من فعل ما يريد، ولا يدع أحداً يجتمع به من أهل السّر السريد، ومن اجتمع به بغير علمه راحت روحه، وأثخنت جروحه، فكان للناس رحمة، وبه كانت كلُ بيضاء شحمة، والناس في أمان على أموالهم وأرواحهم، وسمات القبول والإقبال تهبّ عليهم في غُدوّهم ورواحهم، نصَل عنده خضاب ابن حنّا، والوزيرُ الفائزي ما فاز مثله بما تمنى، وابن السَلعوس ما بلغ وجاهته، ولا رأى طول مدته ولا حصّل تفرّجه ونزاهته:
جمال وزارة وشهاب دَسْتٍ
…
وسائس دولةٍ وسعيد قال
تحمّل للممالك كلَّ عبءٍ
…
فقام له قدَم الكمال
فأخصَبَتِ الممالك بعد جدبٍ
…
وأُنشطت الممالك من عقال
فإن يك آخر الوزراء عصراً
…
فقد خُتمت به الرتبُ العوالي
وما برح الحيا قطراً ووبلاً
…
أواخرُه تنيف على الأوالي
ولم يزل في نصرة مظلوم وإنالة محروم، الى أن حوّمت عليه المنية، وعَظُمت فيه الزريّة.
وتوفي رحمه الله تعالى في نصف شهر رجب سنة اثنتين وثلاثين وسبع مئة. وكان عمره ثلاثاً وسبعين سنة.
وكان قد سمع من الأبرقوهي، وانتفع به خلق كثير في الدولة الناصرية من الأمراء والنوّاب والعلماء والقضاة والفقراء والأجناد وغيرهم من أهل الشام ومصر لوجاهته عند مخدومه، وإقدامه عليه، لم يكن لأحد من الترك ولا من المتعمّمين مثل إقدامه عليه.
حكى لي القاضي عماد الدين بن القيسراني أنه قال له يوم خدمة ونحن جلوس في دار العدل: يا فخر الدين تلك القضية طلعت فاشوش. فقال: ما قلت لك إنها
عجوز نحس وتكذب. قال عماد الدين: يريد بذلك بنت كوكاي زوج السلطان، لأنها كانت ادّعت أنها حُبلى.
وأما أنا فسمعت السلطان الملك الناصر يقول يوماً في خانقاه سرياقوس لجندي وقف بين يدي يطلب إقطاعاً: لا تطوّل، والله لو أنك ابن قلاوون ما أعطاك القاضي فخر الدين خبزاً يعمل أكثر من ثلاثة آلاف درهم.
وكان قد غضب عليه في وقت عندما حضر من الكرك في المرة الثانية، وطلب القاضي قطب الدين ابن شيخ السلامية من الشام، وولاه مكانه، وأخذ منه أربع مئة ألف درهم، وذلك في شهر ربيع الأول سنة اثنتي عشرة وسبع مئة، فأفرج عنه، وأعيد الى نظر الجيش شريكاً لقطب الدين في جمادى الأولى من السنة المذكورة. ولما رضي بعد قليل عليه أمر بإعادتها عليه، قال: يا خوند أنا خرجت عنها لك، فابنِ بها جامعاً، فبنى بها الجامع الذي في موردة الحَلفاء.
وكان في آخر عهده يباشر بلا معلوم، وأعرض عن الجميع، وترك الكُماجة الحمراء تحضر إليه من المخابز السلطانية، ويقول: أتبرّك بها.
وحكي عنه أنه من يوم إسلامه تسمّى بمحمد، وأعرض عن النصارى جملة كافية، فلا يقربه نصراني ولا تحوي داره نصرانياً.
وحكى لي شيخنا الحافظ فتح الدين قال: قال القاضي شرف الدين بن زنبور - وكان خال القاضي فخر الدين هذا: ابنُ أختي عمره متعبّد متألّه لأننا كنا نجتمع على
الشراب في ذلك الدّين، فيتركنا وينصرف ونفتقده إذا طالت غيبته، فنجده واقفاً يصلّي، ولما ألزموه بالإسلام امتنع، وهمّ بقتل نفسه بالسيف، وتغيّب أياماً، ثم إنه أسلم وحَسُن إسلامه الى الغاية.
وحجّ غير مرة، وزار القدس غير مرة، وفي بعض المرات أحرم من القدس، وتوجّه الى مكة مُحرماً من هناك، وبنى مساجد كثيرة بالديار المصرية وعمّر أحواضاً كثيرة في الطرق، وبنى بنابلس مدرسة، وبنى بالرملة بيمارستاناً، وأكثر من أفعال البر.
وقال لي القاضي شهاب الدين: إنه كان حنفي المذهب.
وكان إذا خدَمه الإنسان في العُمر مرة واحدة كفاه مؤونة أمره، وصحبه الى آخر الدهر، وقضى أشغاله، ونقله الى وظائف أكبر مما في يده، فكانت فيه عصبية شديدة لأصحابه. وقيل: إنه كان يتصدق في كل شهر بثلاثة ألف درهم.
وكان في أول أمره كاتب المماليك الى أن توفي القاضي بهاء الدين بن الحلي، فولاه السلطان مكانه في نظر الجيوش، وكان الأمير سيف الدين أرغون النائب يكرهه كثيراً، وإذا قعد للحكم أعرض عنه، وأدار كتفه إليه، ولم يزل فخر الدين يعمل عليه الى أن توجّه الى الحجاز، فقيل: إنه أتى يوماً بذكره، وقال له: يا خُوند، ما يقتل الملوكَ إلا نوابهم، هذا بيْدَرا قتل أخاك الأشرف، ولاجين قُتل بسبب نائبه منكوتمر، فتخيّل السلطان من أرغون، ولما جاء من الحجاز جهزه الى حلب نائباً. وهو الذي حسّن
للسلطان أن لا يكون له وزير بعد الجمالي، ولذلك بقيت أمور المملكة ترجع إليه، وهي متعلقة به من الجيش والأموال والعزل والولاية.
وسمعت أنا من قرمان شخص كان كاتباً بصفد، أنه جاء مرة الى القدس وكتب هناك وتوجه الى قمامة، وكنتُ خلفه، وهو لا يراني، وهو يمش وينظر الى تلك الآثار والمعابد، ويقول:" ربَّنا لا اُزِغ قلوبَنا بعد إذْ هدَيْتَنا ".
وعلى الجملة فكان للزمان جمال ورونق، ولما قيل للسلطان إنه مات لعنه وسبّه، وقال: له خمس عشرة سنة ما يدعني أعمل ما أريد. ومن بعده تسلّط السلطان على الناس، وصادر وعاقب وتجرأ على كل شيء. وأوصى عند موته للسلطان بأربع مئة ألف درهم، فأخذ منه ما يزيد على الألف ألف درهم.
وكتب إليه شيخنا العلامة شهاب الدين محمود ما أنشدنيه إجازة:
في دعاء الإله في كل عام
…
لك فخر تسمو به في الأنامِ
وحجيج البيت المُحرَّم أنّى
…
شئته من أسنى المزايا الجسام
كل حول تعود عن كعبة الل
…
هـ نقياً من سائر الآثامِ
عارياً من ملابس الذنب قدما
…
رافلاً في حُلى القبول الوشام
مع ما تبتنيه ثم من الطا
…
عات ما بين زمزم والمقام
قد ألفْت السرى فلو رمت في اليق
…
ظة مثوىً لسرت في الأحلام
هويتك المشاعر الزهر تختا
…
ل بها في ملابس الإحرام
فهي تشتاقك اشتياقك إيّا
…
ها فسيّان أنتما في الغَرامِ