الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من الرؤساء الفضلاء النبلاء فلم يسمع عنه بسبب ذلك كلمة واحدة، ولا أعاد ولا أبدأ، لحشمته ورياسته وفضله ومروّته.
محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن يوسف
الشيخ الإمام العلامة المفنّن المحقق المدقق جامع أشتات الفضائل ركن الدين أبو عبد الله بن القَوْبع، بالقاف والواو الساكنة وبعدها باء موحدة مفتوحة وعين مهملة، الجعفري التونسي المالكي.
فاضلٌ إذا قلت فاضل، ونظّار لم يثبت له مناظر ولا مناضل، قد جمع الفضائل وأتقن ما لمفرداتها من البراهين والدلائل.
إن فسّر القرآن العظيم خضع له وأذعن ابن مُقاتل وفتح على السُّديّ باباً لا يخاتر فيه ولا يخاتل.
وإن ذُكر الحديث فنهايةُ ابن الأثير له بداية، وصاحب الغريبين معروف بأنه لا يصل الى هذه الغاية.
وإن ذكر أسماء الرجال فما يذكر مع بحره الزاخر ابن نقطة ولا ابن عبد البرّ في استيعابه مما يوافق شرطه.
وإن ذكر الفقه فدونه صاحب المدوّنة، وابن أبي زيد نقص قدره عنه وهوّنه.
وإن ذكر الأصول فالغزالي ليس من هذا البزّ، والحُليمي سفِه رأيه واغتر بما اعتز.
وإن ذكر النحو فالشلوبين شلوٌ بين ماضغيه، وابن عصفور يطير وما يقع إلا بين يديه.
وإن ذكرت اللغة فصاحب المحكم تشابهت أقواله، والقزاز سَدى وألحم وما أفادته أحواله.
وإن ذكر العروض فالخليل ضاقت معه دائرته، والجوهري غام جو جواه وما أفادته مغامرته.
وإن ذكر التاريخ فالخطيب لا يرقى درجته، وابن عساكر يبذل في اعترافه له مهجته.
وإن ذكر الطب فجالينوس ما تجالس أنسه، وابن زُهر كسف نور هذا من ذاك شمسه. هذا الى غير هذه المعارف، وسوى هذه النقود التي لا تبهرجها الصيارف:
إليه انتمت فينا الفضائل كلها
…
فدعوى سواه للفضائل زور
إليه كأن الفضل في كل ليلة
…
بكف الثريا في السماء يشير
يقول كذا فليسمُ للعلم من سما
…
ويفخر بإدراك العلا فخور
وكان يتودد الى الناس ويتعهد الأكابر بالبشر والإيناس من غير حاجة الى رب جاه أو صاحب وظيفة يترجاه، لأنه كان في غُنيةٍ من دنياه، ورفعة من ذاته في علياه.
وولي نيابة الحكم بالقاهرة مدةً فملأ المنصب عدلاً وإنصافاً، ومال على المظالم وإن صادق وإن صافى، ثم إنه سأل الإعفاء، ورجع الى العطلة وفاء.
ولم يزل في رياسة علمه وفضائله الباهرة وسيادته الباطنة والظاهرة الى أن تولى العلم بركنه، وطال من القبر على إنسانه إغماض جفنه.
وتوفي رحمه الله تعالى ليلة الإثنين في سابع عشر ذي الحجة سنة ثمان وثلاثين وسبع مئة بالقاهرة.
ومولده بتونس سنة أربع وستين وست مئة.
وسمع الحديث من أبي إسحاق ابراهيم بن علي الواسطي، وأبي الفضل أحمد بن هبة الله بن عساكر، وأبي العسا أحمد بن محسن بن ملّي، وأبي القاسم الخضر بن عبد الرحمن الدمشقي، وأبي عبد الله محمد بن حمزة بن أبي عمر المقدسي، وجماعة كثيرة. وكتب على سورة " ق " مجلدة جيدة، وعلى آيات من القرآن تفاسير جيدة.
ولما تولى إعادة الناصرية علق على قوله تعالى: " إن أولَ بيتٍ وُضع للناس للذي ببكّة " الآية. وكتب على بعض ديوان المتنبي كلاماً جيداً، واختصر أفعال
ابن الحاج. وتولى الإعادة في الفقه بالمدرسة الناصرية والجامع الطولوني. ودرس بالمدرسة المنكوتمرية، وكان طبيباً بالبيمارستان، ويلقي الدرس فيه نيابة عن رئيس الطب.
وكان قد تأدّب بابن حبيش، وقرأ المعقول على ابن الدارس.
وكان يستحضر جملة من شعر العرب والمولدين والمتأخرين، ويعرف خطوط الأشياخ، لاسيما أهل الغرب.
وكان نقده جيداً، وذهنه يتوقد ذكاءً، قد مهر في كل ذلك، إذا تحدث في شيء من هذه العلوم تكلم على دقائقه وغوامضه ونكته حتى يقول القائل: إنما أفنى عمره في هذا الفن.
وكان قد قرأ النحو على يحيى بن الفرج بن الزيتون، والأصول على محمد بن عبد الرحمن قاضي تونس، وقدم مصر عام تسعين وست مئة.
قال لي شيخنا العلامة قاضي القضاة تقي الدين السبكي رحمه الله تعالى وهو ما هو: أنا ما أعرف أحداً مثل الشيخ ركن الدين، وقد رأى من رآه من الفضلاء.
وأخبرني شيخنا الحافظ فتح الدين بن سيد الناس قال: قدم الى الديار المصرية وهو شاب فحضر سوق الكتب والشيخ بهاء الدين بن النحاس حاضر، ومع المنادي ديوان ابن هانئ، فأخذه الشيخ ركن الدين وأخذ يترنّم بقول ابن هانئ:
فتكاتِ لحظك أم سيوفَ أبيكِ
…
وكؤوسَ خمرك أم مراشفَ فيك
وكسر التاء وفتح الفاء والسين والفاء، فالتفت إليه الشيخ بهاء الدين وقال: يا مولانا ذا نصب كثير. فقال له الشيخ ركن الدين بتلك الحدة المعروفة منه والنفرة: أنا ما أعرف الذي تريده أنت من رفع هذه الأشياء على أنها أخبار لمبتدآت مُقدّرة، أي: أهذه فتكات لحظك أم كذا أم كذا، وأنا الذي أريده أغزلُ وأمدحُ، وتقديره: أأقاسي فتكات لحظك أم أقاسي سيوف أبيك، وأرشف كؤوس خمرك أم مراشف فيك. فأخجل الشيخ بهاء الدين وقال له: يا مولانا فلأي شيء ما تتصدر وتشغل الناس. فقال استخفافاً بالنحو واحتقاراً له: وأيش النحو في الدنيا، النحو علم يذكر؟ أو كمال قال.
وأخبرني أيضاً قال: كنت أنا وشمس الدين بن الأكفاني نأخذ عليه في المباحث المشرقية فأبيت ليلتي أفكّر في الدرس الذي نصبح نأخذه عليه وأجهد قريحتي وأعمل تعقُّلي وفهمي الى أن يظهر لي شيء أجزم بأن المراد به هذا، فإذا تكلم الشيخ ركن الدين كنت أنا في واد في بارحتي وهو في واد. أو كما قال.
وأخبرني الشيخ تاج الدين المراكشي قال: قال لي الشيخ ركن الدين: لما أوقفني الشيخ فتح الدين ابن سيد الناس على السيرة التي عملها علّمت فيها على مئة وأربعين موضعاً أو مئة وعشرين موضعاً - السهو مني - أو كما قال.
ولقد رأيته أنا مرات يواقف الشيخ فتح الدين في أسماء رجال ويكشف عليها فيظهر الصواب مع ركن الدين.
وكنت يوماً أنا وهو عند الشيخ فتح الدين فقال: قال الشيخ تقي الدين بن تيمية: عمل ابن الخطيب أصولاً في الدين أصول الدين أعوذ بالله من الشيطان الرجيم - بسم الله الرحمن الرحيم - " قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد " فنفر الشيخ ركن الدين وقام وقال: قل له يا عُرّة، عمل الناس وصنفوا وما أفكروا فيك، ونفر مغضباً.
وأخبرني الشيخ فتح الدين قال: جاء إليه إنسان يصحح عليه في أمالي القالي، فأخذ الشيخ ركن الدين يُسابقه الى ألفاظ الكتاب، فبهت ذلك الرجل فقال له: لي عشرون سنة، ما كررت عليها.
وكان إذا أنشده شيئاً في أي معنى كان أنشد فيه جملة للمتقدمين والمتأخرين، كأن الجميع كان يكرر عليه البارحة.
وتولى نيابة الحكم بالقاهرة لقاضي القضاة المالكي مدة، ثم إنه تركها تديّناً منه وقال يتعذر فيها براءة الذمة، وكانت سيرته فيها حميدة، ولم يُسمع عنه أنه ارتشى في حكومة ولا حابى أحداً.
وكان كثير التلاوة وكان ينام أول الليل ثم يستفيق وقد أخذ راحة، وأخذ كتاب الشفاء لابن سينا ينظر فيه لا يكاد يخل بذلك.
قال لي الشيخ فتح الدين: قلتُ له يوماً: يا شيخ ركن الدين الى متى تنظر في هذا الكتاب؟ فقال: أريد أن أهتدي.
وكان فيه سأمٌ وضجر حتى في لعب الشطرنج، يكون في وسط الدست وقد نفضه وقطع لذة صاحبه ويقول: سئمت سئمت. وكذلك في بعض الأوقات يكون في بحث وقد حرر لك المسألة وكادت تنضج وتتضح فيترك الكلام ويمضي.
وكان حسن الودّ، جميلَ الصحبة، يتردد الى الناس ويُهنّيهم بالشهور والمواسم من غير حاجة لأحد، لأنه كان معه مالٌ له صورة ما يقارب الخمسين ألف درهم، وكان يتصدق سراً على أناس مخصوصين، وكان مع هذه العلوم لثغته بالراء قبيحة يجعلها همزة، وكنت أنا وهو قد طلعنا الى القلعة فجاء في الطريق ذكر الراء واللثغة بها، فأخذ يسرد عليّ ما يمكن من اللثغة بها وعدّ أنها تغير لغالب حروف المعجم، وأخذ يذكر أمثلة ذلك.
وكان إذا رأى أحداً يضرب كلباً أو يؤذيه يخاصمه وينهره ويقول له: ليس تقفل هذا أمَا هو شريكك في الحيوانية؟ وكان خطه مغربياً وليس بجيد، وكنت كثيراً ما أجتمع به وآخذ من فوائده الغامضة، وكتبت له استدعاء في سنة ثمان وعشرين وسبع مئة، ونسخته: المسؤول من إحسان سيدنا الشيخ الإمام العلامة جامع شتات الفضائل، وارث علوم الأوائل، حجة المناظرين سيف المتكلمين:
سبّاق غايات الورى في بحثه
…
فالبرقُ يسري في السحاب بحثّه
ويهبّ منه بالصواب صبا لها
…
بردٌ على الأكباد ساعة نفثه
ويضوع من تلك المباحث ما يُرى
…
أشهى من المسك السحيق وبثه
المتكلم الذي ذهلت بصائر أولي المنطق نحوه، وأنتجت مقدماته المطلوب عنوة ووقف السيف عند حدّه فما للآمدي في مداه خطوه، وحاز رتب النهاية فما لأبي المعالي بعدها خطوه، فهو الرازي على الرازي، لأن قطب علومه من مصره ومحصوله ذهب قبل دخول أوانه وعصره، والفقيه الذي رفع لصاحب الموطأ أعلام مذهبه مُذهبة، فمالكٌ عنه رضوان، وأسفر وجوه اختياره خالية من كلف التكلف حالية بالدليل والبرهان، وأبرزها في حلاوة عبارته فهو جلاّب الجُلاّب، وأظهر الأدلة من مكامن أماكنها، وطالما جمحت تلك الأوابد على الطُلاّب.
والنحوي الذي تركت لُمعهُ الخليل أخفش، وأعرت الكسائي ثوب فخره الذي بهر به سيبويه وأدهش، فأبعد ابن عصفور حتى ضار عن مُقرّبه، وأمات ابن يعيش لمّا أخلق مُذهب مَذهبه.
والأديب الذي هو روضٌ جمع زهر الآداب وحبْرٌ قلّد العقد أجياد فنّه الذي هو لبّ الألباب، وكامل أخذ عنه كتّاب الأدب أدب الكُتاب، فإذان نظم قلت: هذه الدّراري في أبراجها تتّسق، أو خِلْتَ الدُرر تتنضدّ في ازدواجها وتنتسق، أو
نثر فالزهر يتطلع من كمامه غبَّ غمامه، والأَلفات غصون ترنّح معاطفها بحمائم همزه التي هي كهمز حمامه.
والطبيب الذي تحلى منه أبقراط وسقط عن درجته سُقراط، فالفارابي ألفاه رابياً، وابن مسكويه أمسك عنه مُحاشياً لا محابياً، وابن سينا انطبق قانونه على جميع جزئياته وكلياته، وطلب الشفاء والنجاة من إشاراته وتنبيهاته، فلو عالج نسيم الصبا لما اعتلّ في سحره، أو الجفن المريض لزانه وزاده من حوَره، ركن الدين أبي عبد الله محمد بن محمد عبد الرحمن الجعفري المالكي:
لا زال روض العلم من فضله
…
في كل وقت طيّب النَشْر
وكل ما يبدعُه للورى
…
تطويه في الأحشاء للنشر
وتزدهي الدنيا بما حازَهُ
…
حتى تُرى دائمة البشر
إجازة كاتب هذه الأحرف ما له من مَقول منظوم أو منثور، وضع أو تأليف، جمع أو تصنيف، الى غير ذلك على اختلاف الأوضاع وتباين الأجناس والأنواع.
وذكرت أشياء مذكورة في الاستدعاء.
فأجاب بخطه رحمه الله تعالى: يقول العبد الفقير الى رحمه ربه وعفوه عما تعاظم من ذنبه محمد بن عبد الرحمن القُرشي الجعفري المعروف بابن القُوبع: بعد حمد الله ذي المجد والسّناء والعظمة
والكبرياء، الأول بلا ابتداء، والآخر بلا انتهاء، خالق الأرض والسماء، وجاعل الإصباح والإمساء، والشكر له على ما مَنّ به من تضاعفِ الآلاء وترادفِ النعماء، نحمده ونذكره، ونعبده ونشكره لتفرده باستحقاق ذلك وتوفر ما يستغرق الحمد والشكر هنالك، مع ما خصّنا به من العلم وأضاء به بضيائها من نور الفهم.
ونصلي على نبيه محمد سيد العُرب والعُجم، وعلى آله وأصحابه الذين فازوا من كل فضل بعظم الحظ ووفور القُسم، أجزت لفلان وذكرني:
جمّاع أشتات الفضائل والذي
…
سبق السّراع ببطئه وبمكثه
فكأنهم يتعثّرون بجدولٍ
…
ويسير في سهل الطريق وبرثه
أزرى بسحب بيانهم في هطلها
…
فيما يبين بطلّه وبدثّه
جميع ما يجوز لي أن أرويه مما رويته من أصناف المرويات أو قلته نظماً أو نثراً، أو اخترعته من مسألة علمية مُفتتحاً، أو اخترته من أقوال العلماء واستنبطت الدليل عليه مرجّحاً مما لم أضعه في تصنيف ولا أجمعه في تأليف على مشرط ذلك عند أهل الأثر:
وفّقه الله لما يرتضي
…
في القول والفعل وما يدري
وزاده فضلاً الى فَضله
…
بما به يأمن في الحشر
فهذه الدار بما تحتوي
…
دارُ أذىً ملأى من الشرّ
ذلّت بينهم بغرور فهم
…
في عمَهٍ عنه وفي سكر
قد خدعَتْهم بزخاريفها
…
معقبة للغدر بالغدر
تريهم بشراً ويا وَيحهم
…
كم تحت ذاك البشر من مَكر
بينا ترى مبتهجاً ناعماً
…
ذا فرج بالنهي والأمر
آمن ما كان وأقصى مُنىً
…
فاجأه قاصمة الظهر
فعدِّ عنها واشتغل بالذي
…
يوليك خيراً آخر الدهر
فإنما الخير خصيصٌ بما
…
تلقاه بعد الموت والنشر
هذا إذا مَنّ الذي ترتجي
…
رحماه بالصفح والغفر
وزاد رضواناً فهذا الذي
…
يُدعى به لأطول العمر
ويؤيد هذا ما أخبرناه الشيخ الإمام العالم العامل الزاهد الورع المُسند تقي الدين أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن الواسطي، قراءة عليه ونحن نسمع بدمشق في شوال سنة إحدى وتسعين وست مئة، قيل لي: أخبركم أبو البركات داود بن أحمد بن ملاعب البغدادي قراءة عليه بدمشق، وأبو الفرج الفتح بن عبد الله بن عبد السلام البغدادي قراءة عليه ببغداد قالا: أخبرنا الخطيب أبو منصور أنوشتكين بن عبد الله الرضواني، قراءة عليه: أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد البُسري. ح وأخبرنا ابن ملاعب وأبو عليّ الحسن بن إسحاق ابن الجواليقي، قالا: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبيد الله بن الزاغوني، أخبرنا الشريف أبو نصر محمد بن محمد بن علي
الزينبي، قالا: أخبرنا أبو الطاهر محمد بن عبد الرحمن المخلّص الذهبي، حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي حدثنا خلف بن هشام البزاز سنة ست وعشرين ومئتين حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه، عن سهل بن سعد، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نحفر الخندق، وننقل التراب على أكتافنا:" اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة " مختصر.
وهذا الحديث من أعلى ما أرويه، نسأل الله حالاً يرضاها ونرضاها، إنه سميع الدعاء، فعّالٌ لما يشاء، وله الحمد والمنّة. كتبه محمد القوبع ليلة التاسع والعشرين من رجب سنة ذ ك ج.
وأنشدني لنفسه إجازة، ومن خطه نقلت:
جوى يتلظّى في الفؤاد استعارُهُ
…
ودمعٌ هتونٌ لا يكفّ انهماره
يحاول هذا بَردَ ذاك بصوبه
…
وليس بماء العين تطفأ ناره
وُلوعاً بمن حاز الجمال بأسره
…
فحاز الفؤاد المستهام إسارُه
كلِفْتُ به بَدريّ ما فوق طوقه
…
ودعصيّ ما يثني عليه إزاره
غزال له صدري كناسٌ ومرتع
…
ومن حب قلبي شيحه وعراره
من السُمر عُدمي الصبر أحمر خده
…
إذا ما بدا ياقوته ونضاره
جرى سابحاً ماء الشباب بروضه
…
فأزهر فيه وردُه وبهارُه
يشبّ ضراماً في حشاي نعيمه
…
فيبدو بأنفاس الصعاد شراره
وينثر دمعي منه نظم مؤشر
…
كنور الأقاحي حفّه جُلّناره
يُعَلّ بعَذْبٍ من برود رضابه
…
تفاوح منه مسكه وعقاره
وسهد أجفاني بوسنان أدعجٍ
…
يحيّر فكري غنجه واحوراره
حكاني ضعفاً أو حكى منه موثقاً
…
وخصراً نحيلاً عال صبري اختصاره
معنىً بردف لا ينوء بثقله
…
فيا شدَّ ما يلقى من الجار جاره
على أنّ ذا مُثرٍ وذلك معسِرٌ
…
ومن محنتي إعساره ويساره
تألّف من هذا وذا غُصنُ بانة
…
توافت به أزهاره وثماره
تجمّع فيه كلُ حُسن مُفرّق
…
فصار له قطباً عليه مداره
زلال ولكنْ أين مني وروده
…
وكدْنٌ ولكن أين مني اهتصاره
وسَلسال راحٍ صدّعني كأسه
…
وغودر عندي سكرُه وخماره
وبدر تمام مشرق الضوء باهرٌ
…
لأفقي منه مَحْقُه وسراره
دنا ونأى فالدارُ غيرُ بعيدة
…
ولكنّ بُعْداً صدُّه ونفاره
وحين درى إن شد أسري حبُّه
…
أحلّ بي البلوى وساء اقتداره
ومنها:
حكت ليلتي من فقدي النوم يومها
…
كما قد حكى ليلي ظلاماً نهاره
كتمت الهوى لكنْ بدمعي وزفرتي
…
وسقمي تساوى سرُّه وجهاره
ثلاث سجلات عليّ بأنني
…
أمام غرام قلّ فيك استتاره
أورّي بنظمي في العذار وتارةً
…
بمن إن تفنّى القرط أصفى سواره
وجلّ الذي أهوى عن الحلي زينة
…
ولما يقارب أن يدب عذاره
أراحةَ نفسي كيف صرت عذابها
…
وجنة قلبي كيف منك استعاره
ونقلت منه يمدح الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد:
ولو غيرُ الزمان يكون قرني
…
للاقى الحتف من ليثٍ جريّ
تحاماه الكماة إذا ادلهمّت
…
دُجى الهبوات في ضنك حميّ
وطبّقتِ الفضاء فلا ضياء
…
سوى لمعان أبيض مشرفيّ
وأرمدتِ العيون وكل طرف
…
عمٍ إلا لأسمر سمهري
بحيثُ عبابُ بحر الموت يرمي
…
بموج من بنات الأعوجي
عليها كل أروع هبرزيّ
…
يغالب كل أغلب شمّري
تراه يرى الظُّبى ثغراً شنيباً
…
من الإفرند في ظَلْم شهيّ
ويعتقد الرماح قدود هيفٍ
…
فيمنحها معانقة الهديّ
هنالك ترى الفتى القرشي يحمي
…
حماة المجد والحسب السنيّ
وتعلم أن أصلاً هاشمياً
…
تفرع بالنضار الجعفريّ
ولو أن الجعافرة استبدّت
…
به يمنى الهُمام القوبعي
منها في المديح:
الى صدر الأئمة باتّفاق
…
وقدوةِ كل حَبْر ألمعيّ
ومَن بالاجتهاد غدا فريداً
…
وحاز الفضل بالقدح العليّ
وما هو والقداح وذاك تخت
…
وهذا نال بالسقي الرضيّ
صَبا للعلم صبّاً في صباه
…
فأعْلِ بهمّة الصبّ الصبي
فأتقن والشبابُ له لباسٌ
…
أدلة مالكٍ والشافعي
منها:
ونور جلالة يرتدّ عنه
…
رسول الطرف بالحسن العيي
ومن كثرت صلاة الليل منه
…
سيحسن وجهه قول النبي
منها:
بعدْلٍ عمّ أصناف البرايا
…
تساوى فيه دان بالقصيّ
ضممتَ ندىً وجوداً حاتمياً
…
الى رأي وحلم أحتفيّ
لديك دعائم المجد استقرت
…
فحط بنو الرضى ملقى العصيّ
بحيث طوامح الآمال مهما
…
رمت لم تُخطِ شاكلة الرميّ
أيا قمر الفهوم إذا ادْلهمّت
…
دُجى الإشكال في غوص خفيّ