الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: وأنشدني له أيضاً:
جَلا مسواكُ ثغرك خيرَ درّ
…
فجلّ بذاك واكتسبَ المَزايا
وأنشد صحبهُ تيهاً وفخراً
…
أنا ابن جلا وطلاعُ الثّنايا
يوسف بن أسعد
بن علم السعداء
القاضي الرئيس صلاح الدين ابن القاضي سعد الدين بن العسّال.
شاب أنبته الزمان في رياض السؤدد وغرس، وفرح به الجودُ لما نبغ ورأس، لم أر في سنّة من حاز رياسته، ولا من ملك سعادته وسيادته، واتصف بلزوم المكارم، وحمل عن رفاقه الكلف والمغارم، هذا الى صورة أبدعها الجمال، وقامةٍ كالغصن إذا هبّت عليه الصّبا فماد ومال، يجلس في ديوانه، ويُرى إذا احتبى في إيوانه:
بوجهٍ يملأ الدنيا جمالاً
…
وكفٍّ تملا العليا نَوالا
قصف غصنه، وأسلمه الى الحِمام حصنُه.
وتوفي - رحمه الله تعالى - في سنة تسع وثلاثين وسبع مئة.
كان قد زوّجه الصاحب شمس الدين غبريال بابنته، واحتفل بأمره ودخل به الى ديوان الإنشاء بدمشق، وأحضر له توقيعاً من السلطان بمعلوم جيّد من العين والغلة والخبز واللحم والعَليق والكسوة. وكان مطبوعاً ظريفاً خيّراً كريماً رئيساً فيه حشمة، وتودد وحسن صحبة.
ولم يزل في خير وسعادة الى أن أُمسك الصاحب شمس الدين، فأُمسك هو أيضاً جملة جماعته، وصودر وناله بعض أذى وعصر، ثم طُلب الى مصر، وعاد بطالاً من كتابة الإنشاء.
وكان قد عمّر قاعة صغيرة، فصنعتُ أنا له أبياتاً كتبت فيها وهي:
دار يدرُّ نَداها
…
إذا رأت زائريها
وينزل الضيفُ منها
…
بجنّة يرتضيها
تكاد من فرط جود
…
تهتزّ بالضّيف تيها
فكلُ طالع سعدٍ
…
تراه من نازليها
وللورى في بناها
…
أزاهرٌ تجتنيها
وكم بدورٍ تمامٍ
…
من أهلها تجتليها
والشّمسُ في أُفقها من
…
بنائها وبنيها
لا غروَ إن أدهشَتنا
…
وحُسن يوسف فيها
يوسف بن أسعد
الأمير صلاح الدين الدوادار.
كان في مبدأ أمره نصف عامل في بيروت على ما قيل، ثم إنه بطّل الكتابة وتوصّل بالجندية الى أن صار دوادار الأمير سيف الدين قبجق، ثم آل أمره الى أخذ الأمرة بحلب، وولي بها الحجوبية في أيام الأمير علاء الدين ألطنبغا الحاجب، ثم ولي بها شدّ الدواوين، ثم طلب الى مصر مرات، ثم إن السلطان ولاه ثغر الاسكندرية عوضاً عن بكتمر والي الولاة في شهر رمضان سنة أربع وعشرين وسبع مئة، ثم إنه ولي منفلوط بالصعيد، ثم إنه جُعل مشدّ الدواوين بالقاهرة أيام وزارة الجمالي.
ثم عزل وبقي في مصر أميراً، ثم إن السلطان جهّزه رسولاً الى القان بوسعيد، فعاد وقد أشاع الناس أنه يكون وزيراً، فلما وصل الى مصر سُعي علي، فبطل ذلك، فسعى له الأمير سيف الدين بكتمر الساقي لما مات الأمير شهاب الدين المهمندار، فرسم له السلطان بالمهمندارية، فأقام فيها قليلاً.
ولما توفي الأمير سيف الدين ألجاي الدوادار جعله السلطان دواداراً مكانه، وكان القاضي شرف الدين أبو بكر بن الشهاب محمود قد رُسم له بعده بيويميات يسيرة بكتابة السر بمصر، فقاسى شرف الدين منه شدائد، وأنكاداً كثيرة، وتوجها صحبة السلطان الى الحجاز سنة اثنتين وثلاثين وسبع مئة، وهما في ذلك، النكد والشرّ، ولما حضرا من الحجاز أقام القاضي شرف الدين قليلاً وهو يعمل عليه الى أن عُزل وأُخرج الى دمشق، وبقي صلاح الدين في الدوادارية، وقد استطال على الناس أجمعين، واستطار شرّه خصوصاً على الكُتّاب، فحسّنوا للسلطان أن يخرج كاشف الثغور الحلبية، فتعلّل، وانقطع في بيته مدة شهرين، ولما قام ودخل الى السلطان عزله في ثاني عشر شهر رمضان سنة ثلاث وثلاثين وسبع مئة، وحضر الى صفد أميراً، فأقام بها، ونقل الى طرابلس، ثم نقل الى حلب، وجُعل بها والي البر فيما أظن، ثم إنه حج بعدما نقل من حلب الى طرابلس.
وورد الخبر الى دمشق بوفاته في جمادى الأولى سنة خمس وأربعين وسبع مئة.
وكان يكتب خطاً حسناً، وله مشاركة كثيرة في تواريخ وتراجم الناس، وكان كافياً ناهضاً فيما يتولاه، خبيراً بما يفوّض إليه، إلا أنه كان مفرط الشّح الى الغاية.
لو مات من عطشٍ والكوزُ في يده
…
وكان ممتزجاً بالشّهدِ ما شرِبا
إلا أنه رحمه الله تعالى، وقف داره وهي عظمى بحلب مدرسة على فقهاء المذاهب الأربعة، ووقف كتّاب أيتام بالمدينة.