الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال شيخنا علم الدين البرزالي: ووالد جمال الدين المذكور سبط الشيخ مجد الدين الإخميمي خطيب مصر.
محمد بن محمد بن علي
ابن محمد بن سليم، الصاحب تاج الدين أبو عبد الله ابن الصاحب فخر الدين ابن الوزير بهاء الدين ابن حنا.
سمع من سبط السّلفي جزء الذهلي، ومن الشرف المُرسي. وبدمشق من ابن عبد الدايم وابن أبي اليسر، وحدّث بدمشق وبمصر.
رأى من العز والوجاهة ما لا رآه جدّه، وساعده على الرئاسة حظه وجدّه.
كان ذا تصوّن ورياسة وسيادة، وتفنن في المكارم بلغ من العلياء ما أراده، وانتهت إليه رياسة مصره في عصره، وسيادة دهره في سرّه وجهره.
وكان شكله حسناً، وبزّته إذا رآها الناظر لم يذق معها وسنا، لأنه تفنن في مطعمه وملبسه، ومركوبه ومجلسه، وراحة قلبه وبدنه، وسكنه ومسكنه، مع كثرة صدقاته على الفقراء. ومبراته للأمراء، وتواضعه الذي ملك به قلوب الأصاغر والعظماء.
وزاده زينة والبدر أحسن ما تراه في طرف السّماء، وعزم تلاه الحزم، ولم يدخل عليه من العوامل إذا ذوات الجزم.
مستبدّ بهمةٍ جعلته
…
في علوّ المرمي شريك النّجومِ
وخلال لو استردّت إليها
…
مثلُها ما وجدْتها في الغيوم
وكان ممدّحاً معظّماً، يختار الشعراء لأمداحه الدرّ الكبار منظّماً.
وولي الوزارة مرتين، وتجمّلت به كرّتين. ثم إن الوزراء بعده كانوا له غلماناً، ولأوامره كفلاء وضمّاناً.
ولم يزل على حاله الى أن سكن ابن حنّا زوايا ضريحه، وخرج فقده من معمّاه الى صريحه.
وتوفي رحمه الله تعالى ليلة السبت خامس جمادى الآخرة سنة سبع وسبع مئة.
ومولده في يوم الخميس سابع شعبان سنة أربعين وستّ مئة.
وهو الذي اشترى الآثار النبوية على ما قيل بمبلغ ستين ألف درهم، وجعلها في مكانه بالمعشوق، وهو المكان المنسوب إليه بمصر، وقد زرت هذه الآثار ورأيتها مرتين، وهي قطعة من العنزة ومِرْوَد ومِخْصَف وملقط وقطعة من القصعة، وكحّلت ناظري برؤيتها، وقلت أنا:
أكرِم بآثار النبيّ محمدٍ
…
من زارها استوفى السعودَ مزارُهُ
يا عين دونَكِ فالحظي وتمتّعي
…
إن لم تَريه فهذه آثارُه
وحكى لي الإمام العلامة شيخنا شهاب الدين أبو الثّناء محمود وغير واحد أن الصاحب فخر الدين بن الخليلي لما لبس تشريف الوزارة وتوجّه الى القلعة بالخلعة
الى عند الصاحب تاج الدين، وجلس بين يدين وقبّل يده، فأراد الصاحب تاج الدين أن يُجبره ويعظّم قدره، فالتفت الى بعض غلمانه الواقفين أو عبيده وطلب منه توقيعاً بمرتب يختص بذلك الشخص، فأخذه وقال: مولانا يعلّم على هذا التوقيع، فأخذه وقبّله وعلّم عليه قدّامه.
وكان شيخنا الحافظ فتح الدين إذا حكى ذلك يقول: هذه الحالة من الصاحب تاج الدين بمنزلة الإجازة والإمضاء لوزارة ابن الخليلي.
ومن أحسن حركة اعتمدها ما حكاه لي القاضي شهاب الدين بن فضل الله قال: اجتزت بتربة فرأيت في داخلها مكتباً للأيتام، وهم يكتبون القرآن في ألواحهم، فإذا أرادوا مسحَها غسلوا الألواح وقلبوا الماء على قبره، فسألتُ عن ذلك فقيل لي: هذا شرطٌ في هذا الوقف، وهذا مقصدٌ حسن وعقيدة صحيحة.
وكان جدّه الصاحب بهاء الدين يؤثره على أولاده لصُلبه ويعظّمه عليهم. أخبرني القاضي شهاب الدين بن فضل الله قال: أخبرني قاضي القضاة جلال الدين القزويني رحمه الله تعالى، قال: وقفتُ على إقرار الصاحب بهاء الدين بأنه في ذمّته للصاحب تاج الدين ولأخيه مبلغ ستين ألف دينار مصرية.
ومن وجاهته وعظمته في النفوس أنه لما نُكب على يد الشجاعي جرّده من قماشه وضربه مقرعةً واحدةً من فوق قميصه، ولم يدعه الناس يصل الى أكثر من ذلك مع جبروت الشجاعي وعتوّه وتمكّنه من السلطان.
وكنان قد رُتّب في الوزارة بعد ابن السّلعوس وقتل الأشرف في أول دولة الناصر
محمد بن المنصور وقتل الشجاعي، وذلك في صفر سنة ثلاث وتسعين وست مئة الى أن عُزل بابن الخليلي فخر الدين في جمادى الأولى سنة أربع وتسعين وست مئة.
وكان الصاحب يتعاطى الفروسية ويحضر الغزوات ويتصيّد بالجوارح والجوامي، ولما قدم من غزوة حمص امتدحه الحكيم شمس الدين محمد بن دانيال وذلك في سنة ثمانين وست مئة، وأول القصيدة:
تذكّرت سُعدى أم أتاك خيالُها
…
أم الريحُ قد هبّت إليك شمالُها
منها:
لقد أقبل الصّدر الوزيرُ محمّد
…
فأقبلَتِ الدنيا وسُرَّ وصالُها
منها:
بغى أبغا لما تصرّع أهله
…
بدار هَوانٍ قد عراهُم نكالُها
وألقوا عن الأفراس حيثُ رؤوسهم
…
أكاليلُها فوق التّراب نعالُها
وكان لها تلك الذوائبُ في الثّرى
…
شكالاً وثيقاً حين حلّ وثالُها
فأمْسَوا فراشاً والأسنّة شُرّعٌ
…
ذِبالٌ الى أن أحرقتهُم ذبالُها
وأنشدني إجازة لنفسه شيخنا العلامة أبو الثناء يمدحه بقصيدة تزيد على الثمانين بيتاً أولها:
أعليَّ في ذكر الدّيار مَلامُ
…
أم هل تذكُّرُها عليَّ حرامُ
أم هل أُذَمّ إذا ذكرتُ منازلاً
…
فارَقْتُها ولها عليّ ذِمامُ
دار الأحبة والهوى وشبيبة
…
ذهبت وجيرانٌ عليّ كِرام
فارقتُهم فأرقْتُ من وجدي بهم
…
أفَهَل لهم أو للكرى إلمام
كانوا حياتي وابتُليتُ بفقدهم
…
فعلى الحياة تحيّةٌ وسلام
أشتاقُها شوقَ الغريب مزاره
…
سَفهاً وإلا أين مني الشام
وتروقني خِدعُ المُنى منها وقد
…
بعُدَ المدى وتمادت الأيام
وتلذّ لي سُنّة الكرى لا رغبةً
…
في النوم بل لتعيدَها الأحلام
وتمثّل الأوهام لي أني بها
…
ثاوٍ ولذّات الهوى أوهام
وكأن دمعَ تشوّفي وخيالَها
…
دِمَنٌ ألمّ بها فقال سلام
منها:
وله بظلِّ محمد بن محمدٍ
…
حرمٌ يُطاف بركنه ومقامُ
الصاحب المولى الوزيرُ ومن به
…
بُعثتْ عِظام المجد وهي رمام
متفرّدٌ دون الورى بمناقبٍ
…
أمسى لها بين النجوم مقامُ
خُلُق كنشر الروض حُلَّ لنوره
…
بيد الصَّبا عند الصباح لثام
وبديهة أسرى وأسرعُ من سَنا
…
برقٍ بَدا فكأنّها إلهامُ
من خاطر كالنار يجري ماؤه
…
عذباً وهل تُجري المياهُ ضرام
من كل مغنى لو تمثّل جوهراً
…
فرداً أقرّ له بها النظام
وشجاعة ما عامرٌ فيها له
…
قدم ولا عمرٌو له إقدام
ثبْتَ الجِنان إذا الفوارسُ أحجمتْ
…
خوفَ الرّدى لم يُثنه إحجام
وبكفّه في جحفلٍ أو محفل
…
تُزجى الرِّماح السمرُ والأقلام
وهذه قصيدة غرّاء طنانة، وقد أثبتها بكمالها في الجزء التاسع عشر من التذكرة التي لي.
وحكى لي عنه سيادةً كثيرة شاهدها منه، من ذلك أنه قال: دخلت يوماً إليه، فلقيني إنسان من الشعراء - نسيت أنا اسمه - ومعه قصيدة قد امتدحه بها، فقال: يا مولانا لي مدّة ولم يتفق لي إلى الصاحب وصول، فأخذتها منه ودخلت بها إليه وقلت: بالباب شاعرٌ وقد مدح مولانا، فقال: يدخل. فأعطاه القصيدة، ولم يمتنع من إسماعها كما يفعله بعض الناس، فلما فرغت أخذها منه، ووضعها الى جانبه، ولم يتكلم ولا أشار. فحضر خادم ومعه مبلغ مئتي درهم وتفصيلة، فدفعها لذلك الشاعر.
قلت: وهذه غاية في السيادة والرئاسة من سماعها وعدم قوله: أعطوه كذا، أو إشارة الى من يحضر فيشير إليه.
وقيل عنه: إنه كانت أحواله كلُّها كذا لا يشير بشيء ولا يتكلم به في بيته، وكل ما تدعو الحاجة إليه يقع على وفق المراد، وحكى لي أنه أضاف جدّه يوماً ووسّع فيه، فلما عاد الى بيته أخذ الناس يعجبون منه ومن همّته وكرم نفسه، فقال الصاحب بهاء الدين: ليس ما ذكرتموه بعجيب، لأن نفسه كريمة ومُكْنتُهُ متّسعة، والعجب العجب كونه طول هذا النهار وما حضر فيه من المأكول والمشروب والطعام والفاكهة والحلوى وغير ذلك على اختلاف أنواعه، ما قام من مكانه، ولا دعا خادماً فأسرّ إليه بشيء، ولا أشار بطرفه ولا بيده، ولم يجئ إليه أحد من خدمه ولا إشار إليه. وقيل: إن الناس تعجّبوا من كثرتهم وتشربهم الماء البارد في كيزان عامّة
النهار، فسُئل عن ذلك فيما بعد، فقال: اشترينا خمس مئة كوز، وبعثنا الى الجيران قليلاً، برّدوا ذلك في الباذهنجات التي لهم.
ولا شكّ في أنه كان عالي الهمّة ممجَّداً مسوّداً، ولكن لم يكن له سعادة جدّه ولا دربته في تنفيذ الوزارة، فإنه وليها مرّتين وما أنجب فيها، وكان له إنسان مرتب معه حمام كحمام البطايق مدرَّب، إذا خرج من باب القرافة أطلق ما معه من الحمام، فيروح الى الدار التي له فيعلم أهله أنه قد خرج من القلعة، فيرمون الطُّطماح والملوخية وغير ذلك من أنواع الطعام ومن المطجَّن وما شابهه، حتى إذا جاء وجد الطعام حاصلاً والسماط ممدوداً.
وله ديوان شعر لطيف سمعه منه ابن شامه وابن الصابوني.
أخبرني شيخنا العلامة أثير الدين قال: اجتمعت به وسمعت عليه شيئاً من الحديث، وأنشدني من لفظه لنفسه:
ولقد أتيت على أغرّ أدهمٍ
…
عبل الشّوى كالليل إذ هو مظلمُ
وبكفي اليُمنى قَناةٌ لدْنةٌ
…
كالأُفعوان سنانها منه الفمُ
متقلّداً غضباً كأن متونه
…
برقٌ تلألأ أو حريقٌ مضرم
وعليّ سابغةُ الذّيول كأنها
…
سلخٌ كسانيه الشجاع الأرقم
وعلى المفارق بيضة عاديّةٌ
…
كالنّجم لاح وأين منها الأنجم
فالرّعد من تِصهال خيلي والسّنا
…
برقُ الأسنّة والرّذاذ هو الدّمُ
وكان قد اشترى فرساً من العرب، فأقامت عنده مدة في الحاضرة، ثم إنه عبر بها على بيوت العرب، فجفلت به، فقال:
نسيتِ بيوت الشّعرِ يا فرسي وقد
…
ربيتِ بها والحُر للعهد ذاكرُ
ولكن رأيتيها بنجدٍ وأهلُها
…
على صفةٍ أخرى فعُذرك ظاهرُ
قلت: أثبت الياء في قوله: رأيتها وإنما هي بكسر التاء، فأشبع، فنشأت ياء.
قال شيخنا أثير الدين: ونظمتُ أنا هذا المعنى فقلت:
عجبتُ لمهري إذ رأى العُرب نُكّبا
…
كأنْ لم يكن بين الأعاريب قد رَبا
أجل ليس نكراً للفريق وإنما
…
تخوّف عُتباً منهم فتجنّبا
وقد سمع منه شيخنا الذهبي وجالسه، وأنشده من شعره، واعتكف مرة في مئذنة عرفات بجامع مصر ثلاثة أيام، فقال السّراج الورّاق، ونقلت ذلك من خطه:
ثلاثة أيام قطعتَ كطولها
…
ثلاث شديدات من السنوات
حجبْن مُحيّا الصاحب بن محمد
…
ليجمع بين الحُسن والحَسناتِ
وما كاد قلبي أن يقرَّ قراره
…
لأني بمصر وهو في عرفات
ولما عمّر الصاحب تاج الدين جامع دير الطين قال السرّاج الوراق، ومن خطه نقلت:
بنيتم على تقوى من الله مسجداً
…
وخيرُ مباني العابدين مساجدُ
وأعلن داعيه الأذان فبادرت
…
إجابته الصمُّ الجبالُ الجلامِدُ
ونالت نواقيسَ الدّيارات وجْمةٌ
…
وخوفٌ فلم يمدد إليهنّ ساعد
تبكي عليهنّ البطاريق في الدجى
…
وهنّ لديهم مُلقَياتٌ كواسد
بذا قضتِ الأيام ما بين أهلها
…
مصائب قوم عند قوم فوائد
قلت: البيتان الأخيران لأبي الطيب المتنبي من قصيدة مشهورة.
وأهدى إليه الصاحب تاج الدين عسلاً مسعودياً فقال، ومن خطه نقلت:
من الظّرف ردّ الطّرف ممتلئاً حمدا
…
كما جاء من نعماكَ ممتلئاً رَفدا
وكنتُ لَسيعاً من زماني وصرفِه
…
فبدّلني من سمّه القاتل الشُّهَدا
منها:
أتاني مسعودٌ به لون عِرضه
…
بياضاً جَلا من حالِك الحال ما اسودّا
فأدْنيتُ مَن أبعدتُها لا قِلًى لها
…
ولكن من الأشياء ما يوجب البُعدا
فإن رفع الدّاعي يديه فهذه
…
بأربعها تدعو فتستفْرِغُ الجُهدا
وأرسل إليه الصاحب يوماً ديوكاً مخصية، فاستبقاهنّ، فأرسل إليه دجاجة كبيرة، ومن خطه نقلت ما قاله في ذلك:
فديتُ الدّيوكَ بذبحٍ عظيمٍ
…
وأنقذتُها من عذاب أليمْ
فناري لهم مثلُ نار الخلي
…
ل ونارُك لي مثل نار الكليمْ
وذو العرف بالله في جنة
…
فكُن واثقاً بالأمان العظيم
لقد أنسَتْ لي دارٌ بهم
…
ومن قبلها أصبحت كالصّريم
مشَوا كالطّواويس في ملبسٍ
…
بهيِّ البرود بهيج الرّقوم
كأني أشاهدُهم كالقُضاة
…
بسمتٍ عليهم كسمتِ الحليم
وإلا أزمّة دارٍ غدت
…
بهم حرَماً آمناً كالحريم
ولا فرقَ بيني وبين الخَصيّ
…
فلمَ لا أراهم بعين الحميمِ
ونعمَ الفِداُ لهم قد بعثت
…
من الفاتنات ذوات الشّحوم
أعدتَ الشباب الى مطبخي
…
وقد كان شابَ بحمل الهُموم
وعادت قُدوري زنجيةً
…
فأعْجبْ بزنجية عند رومي
وطال لسانٌ لناري به
…
خصمتُ خُطوباً غدت من خصومي
وأمسيتُ ضيفَك في منزلي
…
ومن فيه ضيفٌ لضيف الكريمِ
قلت: قوله: زنجية عند رومي ظرّف فيه الى الغاية، لأن السّراج رحمه الله تعالى كان أشقر أزرق، ولذلك قال، ومن خطه نقلت:
ومن رآني والحمار مَركبي
…
وزرقتي للروم عِرقٌ قد ضربْ
قال وقد أبصر وجهي مُقبلاً
…
لا فارسَ الخيل ولا وجهَ العربْ
ونقلت من خطّ السراج الوراق قصدة مدح بها الصاحب تاج الدين أولها:
أترومُ صبري دون ذاك الرّيم
…
هيهاتَ لمتُ عليه غير ملومِ
لو شاهدَت عيناكَ ما شاهدتُه
…
لرجعتَ في أمري الى التّسليم
مُخضرُّ آسٍ واحْمِرارُ شقائقٍ
…
أنا منهُما في جنة وجحيمِ
ومعاطفٌ من دونهنّ روادفٌ
…
أنا منهما في مقعد ومُقيم
سَلْ طرفَه عن شعره الدّاجي فلن
…
يُخبرك عن طول الدُجى كسقيم
يا غُصن قامته إليك تحيتي
…
مع كل ماطرةٍ وكل نسيم
إن الجمال له بغير مُنازع
…
والوجدُ لي فيه بغير قسيم
وكذا العُلا لمحمّد بن محمّد ب
…
ن عليّ بن محمد بن سليم
نسبٌ كمطّرد الكُعوب فلا تَرى
…
إلا كريماً ينتمي لكريم
منها:
وشبيبة حرس التُقى أطرافها
…
فلها محلّ الشيب في التعظيمِ
وإذا تحرّمتِ المسائلُ باسْمه
…
جلّى عن التحليل والتحريم
إن قال لا يخلو فما من علةٍ
…
تبقى لصحةِ ذلك التقسيم
أما إذا جارى أخاهُ أحمداً
…
شاهدتَ بحري نائلٍ وعُلومِ
بحرانِ إن شئتَ النّدى، نجمان إن
…
شِئتَ الهُدى، غَوثانِ في الإقليم
وكتب الصاحب تاج الدين الى الورّاق يعزيه في حمار له سقط في بئر فنفق:
يَفديك جحشُك إذ مضى متردّياً
…
وبتالدٍ يُفدى الأديبُ وطارفِ
عدم الشّعير فلا رآه ولا يرى
…
تَبناً وراح من الظّمأ كالتّالف
ورأى البُويرةَ غير خافٍ ماؤها
…
فرأى حُشاشةَ نفسه لمخاوف
فهو الشهيد لكم بوافرِ فضلُكُم
…
هذي المكارم لا حمامة خاطِفِ
قومٌ يموت حمارُهُم عطشاً لقد
…
أزرَوا بحاتم في الزّمان السّالف
قلت: قوله: لا حمامة خاطف يشير فيها الى أبيات ابن عنين التي مدح بها
الإمام فخر الدين الرازي وهو على المنبر فجاءت إليه حمامة وراءها جارح، فقال ابن عنين أبياتاً منها:
جاءت سليمان الزّمان حمامةٌ
…
والموتُ يلمع من جناحَيْ خاطفِ
مَن أعلمَ الورقاءَ أن محلّكم
…
حرمُ وأنك ملجأُ للخائفِ
وأجاب الوراق للصاحب تاج الدين بقصيدة طويلة، ومن خطّه نقلت:
أذنَتْ قُطوف ثمارها للقاطف
…
وثنت بأنفاس النّسيم معاطفي
منها، فيما يتعلّق بالحمار:
ولكمْ بكيتُ عليه عهدِ مرابع
…
ومراتع رُشّت بدمعي الذارفِ
يُمسي على يُسري وعُسري صابراً
…
بمعارفٍ تلهيه دون معالفِ
وقد استمرّ على القناعة يقتدي
…
بي وهي في ذا الوقت جلّ وظائفي
ودعاهُ للبئر الصّدى فأجابه
…
واعتاقَهُ صرفُ الحمام الآزِفِ
وهو المُدلُّ بألْفةٍ طالت وما
…
أنسى حقوق مرابعي ومآلفي
وموافقي في كل ما حاولته
…
في الدهر غير مواقفي ومخالفي
دورانُ طاحونٍ لساقية لنق
…
لِ الماء في شاتٍ ويوم صائفِ
لكنْ بماء البئر راح بنقلةٍ
…
فثلاثُ شاماتٍ بموتٍ جارِفِ
ونظم الصاحب يوماً بيتا وهو:
توفي الجمال الفائزيّ وإنه
…
لخَيرُ صديقٍ كان في زمنِ العُسرِ
وأمر الوراق بإجازته فقال:
فيا ربّ عاملْهُ بألطافك التي
…
يكونُ بها في الفائزين لدى الحشرِ
ومما ينسب الى الصاحب تاج الدين:
توهّم واشينا بليلٍ مزارنا
…
فجاء ليسعى بيننا بالتّباعد
فعانقته حتى اتّحدْنا تلازُماً
…
فلم يرَ واشينا سوى فرد واحدِ
قلت: هو مأخوذ من قول الأول:
كأنني عانقْتُ ريحانَة
…
تنفّستْ في ليلها الباردِ
فلو تَرانا في قميص الدُجى
…
حسبتَنا في جسدٍ واحد
وقلت أنا وقد كنا بمرح الغسّولة في يوم من الربيع، فورد علينا برد شديد الى الغاية:
أتانا فجأة بردٌ شديد
…
أنا للمدح فيه غير جاحدْ
لأني كنتُ عن إلفي بَعيداً
…
فصيّرني ومَن أهواه واحِدْ
وكتب شيخنا العلامة شهاب الدين أبو الثناء محمود الى الصاحب تاج الدين مع رأس فانوس أهداه وفيه صورة الفلك:
أيا مولى أعوذ مجْد
…
هـ بالروح والمُلكِ
ومَن بِسَنا مفاخره
…
تُضيء غياهبُ الحلكِ
بعثتَ بما أبَوه إذا
…
يصحّف من كُنى مَلك
يُريك الشّمس في جُنح الدجا
…
في قبّة الفلكِ
فكتب الصاحب تاج الدين الجواب:
أتَتني من الحبر الكريم هديةٌ
…
بها من أبي فانوسَ نسبةَ ناسِبْ
وما أبعدَ الفانوس إلا لريبةٍ
…
مَطالبها مرجوة في الغباهِبْ
شياطينُها ترجو انقضاضَ شِهابها
…
وتأمَلُ منه أن تفوزَ بثاقِبْ
وكان شيخنا العلامة شهاب الدين محمود رحمه الله تعالى في يوم عند الصاحب تاج الدين، فقام الى الصلاة، ورمى إليه بخاتم فضة فصّه زبرجد، ولما انفتل من الصلاة أنشده الشيخ شهاب الدين محمود لنفسه:
يا سيّد الوزراء يا مَن كفُّه
…
أربى نَداهُ على سماح حاتمِ
أشبهتَ في الخلق الوصيّ وفعله
…
لما تصدّق في الصلاة بخاتم
ومن شعر الصاحب تاج الدين مُلغزاً في الورد:
ومعركة أبطالُها قد تخضّبت
…
أكفُهم من شدة الضّرب عندما
لهم عندها ثأرٌ وللنار عنبرٌ
…
تأجج حتى يترك الوردَ أدهما
ومنه يمدح الشيخ خضر المكّاري:
وجُزت بميدان العبادة غاية
…
تُذكرني يومَ السّباقِ ابنَ أدهَما
ونظم يوماً بيتاً وهو:
ألا قاتل الله الحمامة إنها
…
أذابت فُؤاد الصّبّ لما تغّنَت
وقال للوراق: أجزه. فقال قصيدة أولها:
أطارحُها شكوى الغرام وبثّه
…
فما صدحتْ إلا أجبتُ بأنّة
ومما ينسب الى الصاحب تاج الدين هذه الموشّحة وقد التزم فيها الحاء قبل اللام وهي:
قد أنحلالجسم أسمرْ أكحلْوأوحلْالقلبُ فيه مُذ حلْ
يميلُ
…
وعنه لا أميلُ
يحول
…
وعنه لا أحول
أقول
…
إذ زاد بين النُحولُ
أما حلّعِقدَ الصَّدود ينحلّويرحلْعن جسمي المُزَحّلْ
برَغمي
…
كم يستبيحُ ظُلمي
ويرمي
…
بحربه لسلمي
وجسمي
…
مع التزام سُقمي
منحّلْوقد غدا مرحّلْفكم حلسفكَ دمي وما حلْ
متوّجْ
…
بالحُسن هذا الأبهَجْ
مدبّجْ
…
عِذاره بالبنفسجْ
مفلَّجْ
…
يرنو بطَرفٍ أدعجْ
مكحّلْوريقه المنحّلْمُفحّلْبالعنبر المحَلحَل
كم أبعَدْ
…
وكم أبيتُ مُكمَدْ
ويعمَد
…
بهجرِهِ لا يفقَدْ
ويجهَدْ
…
في ارتضاء مَن قَدْ
تمحّلْوالحاسدون وحّلْومحّلوالوعد منهُ أمْحَلْ