الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج
أقضى القضاة، الإمام العالم شمس الدين القاقوني، نسبة الى قاقون الساحل، الحنبلي نائب قاضي القضاة جمال الدين المرداوي الحنبلي وزوج ابنته.
كان قد برع في الفروع ونال الغاية فيها من الشروع، ومهد في الأحكام وبهر في الأحكام، يستحضر فروعاً كثيرة من مذهبه كلها غرائب، ويرسل منها في أغراضه سهاماً صوائب.
ولم يزل على حاله الى أن خاب الأمل في ابن مفلح، وانقطع الرجاء فيه من المفسد والمصلح، وكانت له جنازة حافلة، وساعة بالتعجب كافلة، وتوفي رحمه الله تعالى يوم الخميس ثاني شهر رجب الفرد سنة ثلاث وستين وسبع مئة.
ومولده تقريباً بعد عشر وسبع مئة.
محمد بن مكرَّم
بتشديد الراء، ابن علي بن أحمد الأنصاري الرويفعي الأفريقي، ثم المصري، القاضي الفاضل جمال الدين أبو الفضل، من ولَدِ رُويفع بن ثابت الصحابي رضي الله عنه.
سمع من يوسف بن المخيلي، وعبد الرحيم بن الطفيل، ومرتضى بن حاتم، وابن المقيّر، وطائفة. وتفرد وعُمّر وكبر وأكثروا عنه، وكان فاضلاً وعنده تشيّع بلا رفض. خدم في ديوان الإنشاء بالقاهرة، وأتى في عمله بما يخجل النجوم الزاهرة، وله شعر غاص على معانيه وأبهج به نفسَ من يعانيه. وكان قادراً على الكتابة لا يمل من مواصلتها، ولا يولّي عن مناصلتها. لا أعرف في الأدب وغيره كتاباً مطولاً إلا وقد اختصره، وزوّق عنقوده، واعتصره، تفرد بهذه الخاصة البديعة، وكانت همته بذلك في بُرْد الزمان وشيعه.
ولم يزل على حاله الى أن خبا من عمره مصباحه ونُسخ بدجا الموت من الحياة صباحه.
وتوفي رحمه الله تعالى في شعبان سنة إحدى عشرة وسبع مئة.
ومولده في أول سنة ثلاثين وست مئة.
وكان قد ولي نظر طرابلس، وهو والد القاضي قطب الدين بن المكرم، وقد تقدم ذكره.
وكتب عنه شيخنا الذهبي.
وأخبرني من لفظه شيخنا العلامة أثير الدين قال: ولد المذكور يوم الإثنين
الثاني والعشرين من المحرم من السنة المذكورة، وهو كاتب الإنشاء الشريف، واختصر كتباً، وكان كثير النسخ، ذا خط حسن، وله أدب ونظم ونثر، قال: وأنشدني لنفسه سادس ذي الحجة سنة إحدى وثمانين وست مئة:
ضع كتابي إذا أتاك الى الأر
…
ض وقلّبه في يديك لماما
فعلى ختمه وفي جانبيه
…
قُبلٌ قد وضعتهن تؤاما
كان قصدي بها مباشرة الأر
…
ض وكفيك بالتثامي إذا ما
قال: وأنشدني المذكور لأبيه:
الناس قد أثموا فينا بظنهم
…
وصدّقوا بالذي أدري وتدرينا
ماذا يضرّك في تصديق قولهم
…
بأن نحقّق ما فينا يظنونا
حملي وحملك ذنباً واحداً ثقةً
…
بالعفو أجملُ من إثم الورى فينا
وبه الى المكرم:
توهّم فينا الناس أمراً وصمّمت
…
على ذاك منهم أنفسٌ وقلوبُ
وظنوا وبعضُ الظن إثم وكلهم
…
لأقواله فينا عليه رقيب
تعالي نحقق ظنهم لنريحهم
…
من الإثم فينا مرة ونتوب
قلت: هذا معنى مطروق للقدماء. ومنه قول الأول:
قم بنا تفديك نفسي
…
نجعل الشك يقينا
فإلى كم يا حبيب
…
يأثم القائل فينا
وأخذ هذا من قول القائل:
ما أنس لا أنس قولها بمنى
…
ويحَك إن الوشاةَ قد علموا
ونمّ واش بنا فقلت لها
…
هل لك يا هند في الذي زعموا
قالت لماذا تُرى فقلت لها
…
كي لا تضيع الظنون والتهمُ
وقلت: أنا كأني قد حضرتهما وسمعت خطابهما:
هذا محب وما يخلّصه
…
في دينه أن وشاتُه أثموا
فواصليه واصغي لمغلطةٍ
…
يقبلها من طباعُهُ الكرمُ
يا ويح وصلٍ أتى بمغلطة
…
إن كنت لم ترع عندك الذممُ
ولكن المكرّم في معناه زيادة على من تقدمه، وقوله: ثقة بالعفو من أحسن متممات البلاغة.
وأنشدني شيخنا أثير الدين قال: أنشدنا فتح الدين أبو عبد الله البكري، قال: أنشدنا ابن المكرم لنفسه:
بالله إن جُزت بوادي الأراك
…
وقبّلَتْ عيدانُه الخضرُ فاك
ابعث الى المملوك من بعضها
…
فإنني والله ما لي سواك
وأنشدت له:
وفاتر الطرف ممشوق القوام له
…
فعل الأسنة والهندية القضبِ
في حُسنه الفرد أوصاف مركبة
…
الخَلقُ للترك والأخلاق للعرب
قلت: ما أعرف في كتب الأدب شيئاً من المطوّلات إلا وقد اختصره جمال الدين بن المكرم رحمه الله تعالى، فمما اختصره: كتاب الأغاني ورتبه على حروف المعجم، وكتاب الحيوان للجاحظ فيما أظن، واليتيمة للثعالبي، والذخيرة لابن بسام، ونشوان المحاضرة، ومفردات ابن البيطار، واختصر تاريخ ابن عساكر، وتاريخ الخطيب، وذيل ابن النجار عليه، واختصر كتاب التيفاشي وسماه سرور النفس في عشرة كبار، وجمع بين كتاب صحاح الجوهري والمحكم لابن سيده وكتاب الأزهري، فجاء في سبعة وعشرين مجلداً وسماه لسان العرب، وأراني ولده قطب الدين أول النسخة، وقد قرظه من أهل ذلك العصر جماعة يصفونه بالحسن، منهم الشيخ بهاء الدين بن النحاس، والقاضي محيي الدين بن عبد الظاهر، فيما أظن، وشيخنا العلامة شهاب الدين محمود، رحمهم الله أجمعين.
وأنشدني شيخنا العلامة أثير الدين تقريظاً لهذا الكتاب، ورأيته بخطه:
أجَلْتُ لحاظي في الرياض الدمايث
…
ونزهت فكري في فنون المباحث
وشاهدت مجموعاً حوى العلم كله
…
بأول مكتوب وثانٍ وثالث
فيا حسنه من جامع لفضائل
…
جليل على نيل المعارف باعث
لحاز لسان العرب أجمع فاغْتدى
…
نهاية مرتاد ومطلب باحث
به أزهرت للأزهري رياضُهُ
…
فأنوارها تجلو دياجي الحوادث
وصحت به للجوهري صحاحه
…
فلا كسر يعروها ولا نقد عابث
وساد به بين الأنام ابن سيده
…
فمحكمُه ما فيه عيث لعايث
وبرَّ ابن بريٍّ وصحّت بنقده ال
…
صحاح استقلّت في براثن ضابث
وللجزريّ ابن الأثير نهاية
…
إذا قرئت أزرت بسبع المثالث
وكل محل إذ تقادم عهده
…
وليس المصلّي في السباق برايث
وإن جمال الدين جمّل كتبَهم
…
بإصلاح ما قد أوهنوا من رثائث
لقد فاقهم علماً وزاد عليهم
…
وأني يباري الريح عرْجُ الأباعث
تجمّع فيه ما تفرق عندهم
…
وأربى عليهم بالعلوم الأثائث
بنثرٍ كشبه الزهر غبّ سمائه
…
ونظمٍ كمثل الزهر بالسحر نافث
له قدمٌ في ساحة الفضل راسخٌ
…
ومجد قديم ليس فيه بحادث
ونسبة علم كابراً بعد كابر
…
فمن خير موروث الى خير وارث
حفيظ لأسرار الملوك أمينها
…
عليم بتصريف الخطوب الكوارث
به افتخرت قحطان واشتد أزرها
…
وباهت به الأملاك أبناءُ يافث
سقى جدثاً قد حله ابنُ مكرّم
…
ملث من الغرّ الغوادي المواكث
ولا برحت روح الجمال مقيمةً
…
لعذرٍ لدى الغيد الحسان الأراعث