المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌محمد بن قلاوون - أعيان العصر وأعوان النصر - جـ ٥

[الصفدي]

فهرس الكتاب

- ‌محمد بن عمر بن مكي

- ‌محمد بن عمر بن إلياس

- ‌محمد بن عمر بن سالم

- ‌محمد بن عمر بن محمد

- ‌محمد بن عمر بن محمد بن عمر

- ‌‌‌محمد بن عمر

- ‌محمد بن عمر

- ‌محمد بن عمران بن عامر القطناني

- ‌محمد بن عنبرجي

- ‌محمد بن عيسى بن مهنّا

- ‌محمد بن عيسى بن عيسى

- ‌محمد بن غالب بن سعيد

- ‌محمد بن أبي الفتح

- ‌‌‌محمد بن فضل الله

- ‌محمد بن فضل الله

- ‌محمد بن فضل الله بن أبي الخير

- ‌محمد بن فضل الله بن أبي نصر

- ‌محمد بن أبي القاسم بن جميل

- ‌محمد بن أبي القاسم بن محمد

- ‌محمد بن قايماز بن عبد الله

- ‌محمد بن قطلوبك بن قراسُنقر

- ‌محمد بن قلاوون

- ‌محمد بن كجكن

- ‌محمد بن كشتغدي

- ‌محمد بن كوندك

- ‌محمد بن ليث العِدى

- ‌محمد بن مجاهد بن أبي الفوارس

- ‌محمد بن محمد بن أحمد بن علي

- ‌محمد بن محمد بن بهرام

- ‌محمد بن محمد بن الحسين

- ‌محمد بن محمد بن علي

- ‌محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله

- ‌محمد بن محمد بن أبي بكر

- ‌‌‌محمد بن محمد

- ‌محمد بن محمد

- ‌محمد بن محمد بن الحسين

- ‌محمد بن محمد بن علي

- ‌محمد بن محمد بن أحمد أبي القاسم

- ‌محمد بن محمد بن علي

- ‌محمد بن محمد بن عبد القاهر

- ‌محمد بن محمد بن محمود بن مكي

- ‌محمد بن محمد بن أحمد

- ‌محمد بن محمد بن سهل

- ‌محمد بن محمد بن المفضّل

- ‌محمد بن محمد بن هبة الله

- ‌محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن يوسف

- ‌محمد بن محمد بن علي

- ‌‌‌محمد بن محمد بن عبد الله بن مالك

- ‌محمد بن محمد بن عبد الله بن مالك

- ‌محمد بن محمد بن عبد الرحمن

- ‌محمد بن محمد

- ‌محمد بن محمد بن عبد المنعم

- ‌محمد بن محمد بن عبد الله بن صغير

- ‌محمد بن محمد بن علي بن أبي طاهر

- ‌محمد بن محمد بن عثمان

- ‌محمد بن محمد بن عيسى بن نجّام

- ‌‌‌‌‌محمد بن محمد

- ‌‌‌محمد بن محمد

- ‌محمد بن محمد

- ‌محمد بن محمد

- ‌محمد بن محمد بن الحسن

- ‌محمد بن محمد بن مينا

- ‌محمد بن محمد بن يعقوب

- ‌محمد بن محمد بن عطايا

- ‌محمد بن محمد بن إبراهيم

- ‌محمد بن محمد بن الحارث

- ‌‌‌محمد بن محمد بن محمد

- ‌محمد بن محمد بن محمد

- ‌محمد بن محمد بن محمد بن أحمد

- ‌‌‌‌‌محمد بن محمد بن محمد

- ‌‌‌محمد بن محمد بن محمد

- ‌محمد بن محمد بن محمد

- ‌محمد بن محمد بن محمد بن محمود

- ‌محمد بن محمد بن محمد بن أحمد

- ‌محمد بن محمد بن يوسف

- ‌‌‌‌‌محمد بن محمد بن محمد

- ‌‌‌محمد بن محمد بن محمد

- ‌محمد بن محمد بن محمد

- ‌محمد بن محمود

- ‌محمد بن محمود بن محمد

- ‌محمد بن محمود بن ناصر

- ‌محمد بن محمود بن سلمان

- ‌محمد بن محمود بن معبد

- ‌محمد بن مختار

- ‌محمد بن مسعود

- ‌محمد بن مسعود، صلاح الدين

- ‌محمد بن مسعود بن أوحد بن الخطير

- ‌محمد بن مسكين

- ‌محمد بن مسلم

- ‌محمد بن مصطفى بن زكريا

- ‌محمد بن مظفر بن عبد الغني

- ‌محمد بن معالي بن فضل الله

- ‌محمد بن المفضل

- ‌محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج

- ‌محمد بن مكرَّم

- ‌محمد بن مكي بن

- ‌محمد بن مكي

- ‌محمد بن المنجا

- ‌محمد بن المنذر

- ‌محمد بن منصور بن موسى

- ‌‌‌محمد بن منصور

- ‌محمد بن منصور

- ‌محمد بن موسى

- ‌محمد بن ناصر بن علي

- ‌محمد بن نبهان

- ‌محمد بن نجيب

- ‌محمد بن نصر الله

- ‌محمد بن نصر الله بن محمود

- ‌محمد بن نصر الله بن يوسف

- ‌محمد بن هاشم

- ‌محمد بن الهمام

- ‌محمد بن أبي الهيجاء بن محمد

- ‌محمدالأمير الكبير بدر الدين

- ‌محمد بن يحيى

- ‌محمد بن يحيى بن عبد الرحمن بن أحمد

- ‌محمد بن يحيى بن أحمد

- ‌محمد بن يحيى بن موسى

- ‌محمد بن يحيى بن محمد بن عبد الرحمن

- ‌محمد بن يحيى بن أحمد بن سالم

- ‌محمد بن يحيى بن فضل الله

- ‌‌‌محمد بن يحيى

- ‌محمد بن يحيى

- ‌‌‌محمد بن يعقوب

- ‌محمد بن يعقوب

- ‌محمد بن يعقوب بن زيد

- ‌محمد بن يعقوب بن عبد الكريم

- ‌محمد بن يوسف بن عبد الله

- ‌محمد بن يوسف

- ‌محمد بن يوسف بن محمد

- ‌محمد بن يوسف بن يعقوب

- ‌محمد بن يوسف

- ‌محمد بن يوسف بن عبد الغني

- ‌محمد بن يوسف بن علي

- ‌محمد بن يوسف بن عبد الله

- ‌محمد بن يونس بن فتيان

- ‌محمود بن أحمد

- ‌محمود بن أوحد بن الخطير

- ‌محمود بن أبي بكر بن أبي العلاء

- ‌محمود بن أبي بكر بن حامد

- ‌محمود بن رمضان

- ‌محمود بن طي

- ‌محمود بن شروين

- ‌محمود بن عبد الرحمن بن أحمد

- ‌محمود بن محمد بن إبراهيم بن جملة

- ‌محمود بن علي بن محمود

- ‌محمود بن عزّي بن مشعل

- ‌محمود بن محمد بن عبد الرحيم

- ‌محمود بن محمد بن محمد

- ‌محمود بن مسعود بن مصلح

- ‌محمود بن مسعود

- ‌محمود بن ديوانا

- ‌المحوجب

- ‌مختارالأمير الكبير الطواشي

- ‌اللقب والنسبابن مخلوف

- ‌ابن مراجل

- ‌المرداوي

- ‌ابن المرحّل

- ‌والمغربي

- ‌وزين الدين

- ‌المَرجاني

- ‌ابن المخرمي

- ‌ابن المرواني

- ‌المراكشي

- ‌وتاج الدين

- ‌المريني

- ‌‌‌والمريني

- ‌والمريني

- ‌مريم بنت أحمد

- ‌ابن مزهر

- ‌وشرف الدين

- ‌ابن مُزَيْز

- ‌وعز الدين

- ‌‌‌والمزي

- ‌والمزي

- ‌مسعود بن أحمد

- ‌مسعود بن أوحد بن الخطير

- ‌مسعود بن سعيد

- ‌مسعود بن أبي الفضائل

- ‌مسعود بن قراسنقر

- ‌مسعود بن محمد بن محمد

- ‌الألقاب والأنسابابن المشهدي

- ‌ابن مصدّق

- ‌ابن مُصعب

- ‌المطروحي

- ‌المطعّم

- ‌ابن المطهّر

- ‌ابن معبد

- ‌المظفر بن محمد

- ‌مظفر بن عبد الله

- ‌الألقاب والأنسابابن المعلم

- ‌ابن معضاد

- ‌ابن المغازي

- ‌‌‌‌‌‌‌مغلطاي

- ‌‌‌‌‌مغلطاي

- ‌‌‌مغلطاي

- ‌مغلطاي

- ‌مغلطاي بن قليج

- ‌‌‌مغلطاي

- ‌مغلطاي

- ‌اللقب والنسبابن المغيث

- ‌ابن مكتوم

- ‌ابن المكرّم

- ‌ابن مكي

- ‌المقصّاتي المقرئ

- ‌المقدسي

- ‌المقريزي

- ‌المقاتلي

- ‌ابن مقاتل الزجّال

- ‌ابن مقلّد

- ‌بني المُغَيزل

- ‌ملك آص

- ‌ملِكْتَمُر

- ‌‌‌ملكتمر

- ‌ملكتمر

- ‌اللقب والنسبابن الملاق

- ‌ابن ملّي

- ‌المنجّا بن عثمان

- ‌‌‌‌‌اللقب والنسب

- ‌‌‌اللقب والنسب

- ‌اللقب والنسب

- ‌ابن منتاب

- ‌منتصر بن الحسن بن منتصر

- ‌بنو المنجا

- ‌ابن المنذر

- ‌منصور بن جمّاز

- ‌منصور بن عبد الكريم

- ‌المنصور

- ‌‌‌والمنصور

- ‌والمنصور

- ‌والمنصور الكبير

- ‌ابن منعة

- ‌المنفلوطي

- ‌‌‌منكلي بُغا

- ‌منكلي بُغا

- ‌منكلي بغا

- ‌منكبرس

- ‌منكوتمر

- ‌الألقاب والأنسابابن مُنيّر

- ‌ابن مهاجر

- ‌ابن المهتار

- ‌ال‌‌مهدي

- ‌مهدي

- ‌مهلهل بن سعيد

- ‌ابن مهمندار العرب

- ‌مهنا بن عيسى بن مهنا

- ‌ابن المهندس

- ‌ابن الموازيني

- ‌موسى بن إبراهيم

- ‌موسى بن أحمد

- ‌موسى بن أحمد بن محمد

- ‌موسى بن أحمد

- ‌موسى بن أبي بكر

- ‌موسى بن أبي بكر

- ‌موسى بن رافع

- ‌موسى بن عبد الرحمن بن سلامة

- ‌موسى بن علي بن موسى

- ‌موسى بن علي بن قلاوون

- ‌موسى بن علي

- ‌موسى بن علي بن بيدو

- ‌موسى بن علي بن أبي طالب

- ‌موسى بن علي بن منكوتمر

- ‌موسى بن محمد

- ‌موسى بن محمد بن أبي الحسين

- ‌موسى بن محمد بن أبي بكر

- ‌موسى بن محمد بن يحيى

- ‌‌‌موسى

- ‌موسى

- ‌موسى بن يحيى بن فضل الله

- ‌موفقية

- ‌اللقب والنسب‌‌‌‌الموفّقي

- ‌‌‌الموفّق

- ‌الموفّق

- ‌ابن المولى الحموي

- ‌المؤيّد صاحب حماة إسماعيل بن علي

- ‌المؤيّد صاحب اليمن داود بن يوسف

- ‌والمؤيد ابن خطيب عقربا

- ‌ابن ميسّر

- ‌ابن مينا

- ‌حرف النون

- ‌ناصر بن منصور

- ‌ناصر بن أبي الفضل

- ‌ابن نبهان

- ‌نجم الحطيني

- ‌نجمة التركماني

- ‌‌‌الألقاب والأنساب

- ‌الألقاب والأنساب

- ‌ابن النجار

- ‌ابن النّحاس

- ‌وابن نحلة

- ‌ابن النحوية

- ‌نسب خاتون

- ‌ابن النشابي

- ‌‌‌النشائي

- ‌النشائي

- ‌النشّو ناظر الخاص عبد الوهاب

- ‌ابن النشو محمد بن عبد الرحيم

- ‌نصر بن سلمان بن عمر

- ‌نصر بن محمد بن محمد

- ‌نصير بن أحمد بن علي

- ‌ابن النصيبي

- ‌النصيبي القوصي

- ‌ابن النصير

- ‌نُضار

- ‌الألقابابن نفيس

- ‌ابن النقيب

- ‌النعمان بن دولات شاه

- ‌نعمون بن محمود

- ‌النسب واللقبالنمراوي

- ‌ابن نوح

- ‌النهاوندي

- ‌نوروز

- ‌نوروز

- ‌اللقب والنسبالنور الحكيم

- ‌‌‌نوغاي

- ‌نوغاي

- ‌الألقاب والنسبابن أبي النوق

- ‌النويري

- ‌حرف الهاء

- ‌هارون بن موسى بن محمد

- ‌اللقب والنسبابن هارون المغربي

- ‌هاشم بن عبد الله بن علي

- ‌الهاشمي

- ‌هبة الله بن عبد الرحيم

- ‌هبة الله بن علي

- ‌هبة الله بن محمود

- ‌هبة الله بن مسعود بن أبي الفضائل

- ‌هدية بنت علي بن عسكر

- ‌الألقاب والأنسابالهذباني

- ‌الهكاري

- ‌ابن هود

- ‌الهرغي

- ‌ابن الهمام

- ‌أولاد ابن هلال

- ‌ابن الهيتي

- ‌حرف الواو

- ‌ابن والي الليل

- ‌الوتار القوّاس

- ‌وحيد الدين إمام الكلاسةيحيى بن أحمد

- ‌ابن ورّيدة

- ‌وهبان بن علي

- ‌الألقاب والأنسابابن واصل

- ‌الواني

- ‌‌‌والواني

- ‌والواني

- ‌الواسطي

- ‌ابن الواسطي

- ‌الوادعي

- ‌الوردي

- ‌ابن الوردي

- ‌وليّ الدولة

- ‌ابن الوحيد الكاتب

- ‌ابن الوزيري

- ‌أبو الوليد المالكي

- ‌الوطواط الوراق

- ‌حرف الياء

- ‌يحيى بن إبراهيم

- ‌يحيى بن أحمد بن يوسف

- ‌يحيى بن أحمد بن عبد العزيز

- ‌يحيى بن أحمد بن نعمة

- ‌يحيى بن إسحاق

- ‌يحيى بن إسماعيل

- ‌يحيى بن سليمان

- ‌يحيى بن صالح

- ‌يحيى بن عبد الله

- ‌يحيى بن عبد الرحمن

- ‌يحيى بن عبد الرحيم

- ‌يحيى بن عبد الرحيم بن زكير

- ‌يحيى بن عبد اللطيف

- ‌يحيى بن عبد الوهاب

- ‌يحيى بن علي

- ‌يحيى بن علي بن أبي الحسن

- ‌يحيى بن فضل الله

- ‌‌‌يحيى بن محمد بن علي

- ‌يحيى بن محمد بن علي

- ‌يحيى بن محمد بن سعد

- ‌يحيى بن محمد بن عبد الرحمن

- ‌يحيى بن مصطفى

- ‌يحيى بن يوسف

- ‌يحيى الملك

- ‌يزدار

- ‌يعقوب بن إبراهيم

- ‌يعقوب بن عبد الكريم

- ‌يعقوب

- ‌يعقوب بن مظفر

- ‌يلبسطي

- ‌يلبغا

- ‌اليلداني

- ‌يلقطلو

- ‌اليمني

- ‌ابن يمن

- ‌ينجي

- ‌ينغجار

- ‌يوسف بن إبراهيم بن جملة

- ‌يوسف بن أحمد

- ‌يوسف بن أحمد بن جعفر

- ‌يوسف بن أحمد بن إبراهيم

- ‌يوسف بن أحمد بن أبي بكر

- ‌‌‌يوسف بن أحمد بن محمد

- ‌يوسف بن أحمد بن محمد

- ‌يوسف بن أحمد بن يوسف

- ‌‌‌يوسف بن أسعد

- ‌يوسف بن أسعد

- ‌يوسف بن إسماعيل

- ‌يوسف بن إسماعيل بن عثمان

- ‌يوسف بن أبي بكر

- ‌يوسف بن أبي البيان

- ‌يوسف بن حمّاد

- ‌يوسف بن دانيال

- ‌يوسف بن داود بن عيسى

- ‌يوسف بن رزق الله

- ‌يوسف بن سليمان

- ‌يوسف بن سيف الدولة

- ‌يوسف بن شاذي

- ‌يوسف بن عبد الله

- ‌يوسف بن أبي عبد الله

- ‌يوسف بن عبد الرحمن

- ‌يوسف بن عبد الغالب

- ‌يوسف بن عبد المحمود

- ‌يوسف بن عمر بن الحسين

- ‌يوسف بن محمد

- ‌‌‌يوسف بن محمد

- ‌يوسف بن محمد

- ‌يوسف بن محمد بن عثمان

- ‌يوسف بن محمد بن منصور

- ‌يوسف بن محمد بن يعقوب

- ‌يوسف بن محمد بن عبيد الله

- ‌يوسف بن محمد بن محمد

- ‌يوسف بن محمد بن منصور

- ‌يوسف بن محمد بن أحمد

- ‌يوسف بن محمد بن نصر

- ‌يوسف بن محمد بن سلميان

- ‌يوسف بن مظفر

- ‌يوسف بن موسى

- ‌يوسف بن موسى بن أحمد

- ‌يوسف بن أبي نصر

- ‌يوسف بن هبة الله

- ‌يوسف بن هلال

- ‌يوسف بن يوسف

- ‌يوسف حَوْك

- ‌يونس بن إبراهيم

- ‌يونس بن إبراهيم

- ‌يونس بن أحمد

- ‌يونس بن أحمد بن صلاح

- ‌يونس بن حمزة

- ‌يونس بن عبد المجيد

- ‌يونس بن عيسى

- ‌اليونيني

الفصل: ‌محمد بن قلاوون

ومولده سنة عشرين وست مئة بدمشق. وكان أبوه طحاناً بدمشق.

‌محمد بن قطلوبك بن قراسُنقر

الأمير الكبير بدر الدين ابن الأمير الكبير سيف الدين المعروف بابن الجاشنكير.

كان شاباً ظريفاً لطيفاً، تأمّر بعد والده وتقرّب بالخدمة الى الأمير سيف الدين تنكز، فولاه ولاية البر في ثامن عشر شوال سنة ست وثلاثين وسبع مئة، ولبس تشريفة، وباشر الوظيفة وكان عنده مكرَّماً معظّماً.

ثم إنه في أيام الأمير علاء الدين ألطنبغا حصّل تقدمة، وتوجّه الى باب السلطان وكاتب بجملة، وسعى في الحجوبية، فرسم له بها، وكان في نفسه منها أمر عظيم، وحضر الى دمشق مريضاً.

توفي - رحمه الله تعالى - يوم الأضحى سنة إحدى وأربعين وسبع مئة ولم يُباشر الوظيفة، ولعله كان لم يصل الى الأربعين، وأظنه تولى نيابة جعبر في أيام الأمير سيف الدين تنكز رحمه الله تعالى.

‌محمد بن قلاوون

السلطان الأعظم الملك الناصر ناصر الدين ابن السلطان الملك المنصور سيف الدين الصالحي.

من أعظم ملوك الأتراك، ومَن دانت له الأقدار ودارت بسعوده الأفلاك،

ص: 73

لم يرَ الناس مثل أيامه، ولا أسعد من حركاته، في رحيله ومُقامه، تجرّع في مبادئ أمره كؤوس الصّبر، وتجلّد الى أن وارى أعاديه القبر.

ولي الملك ثلاث مرات، وخرج الى الكرك وعاد الى مصر كرّات، وفي الثالثة صفا له الوقت، واختصّ بالمِقة من رعاياه كما اختصّ عِداه بالمقْت، فحصد من كان حسده، وأراح قلبه وجسده، وخلت له الأرض من المُعارض، وأكلتهم القوارع والقوارض، وضمّن بعضهم لُحودَ السجون، ووقعوا في سطواته في الحدّ وكانوا يظنون أنه مجنون، ولما استوسق له الملك وفاز أولياؤه بالنجاة، وحاز أعداؤه الهلك، صفت له الأيام من الكدر وسابق السَّعد مرادَه وبَدرْ، وضاق بعدوه السهل والجبل، وحلّ به من الخذلان ما لم يكن له به قِبَل:

وقد سار في مَسراه قبل رسوله

فما سار إلا فوقَ هامٍ مفلّقِ

ولما دنا أخفى عليه مكانهُ

شُعاعُ الحديدِ البارِقِ المتألّق

وأقبل يمشي في البِساط فما دَرى

الى البحر يمشي أم الى البدر يرتقي

واقتصّ بما اغتصّ، وانفرد بالملك فيما اختلّ عليه فما اختص، وقالت السعود المخبوءة: خُذ، وقالت الأقدار: تحصّن بألطاف الله وعُذْ. ودانت له ملوك الأرض، وأصبح كلٌ من مهابته يرمق العيش على برْض. وهادنه الفرنج والتتار، وساطَه حتى زنج الليل وروم النهار، وأصبح سيفه:

على عاتق الملك الأغرّ نِجادُهُ

وفي يد جبّار السمواتِ قائمُهْ

تقبّل أفواه الملوكِ بساطَه

ويكبُرُ عنها كمّه وبراجمه

ص: 74

تحولُ رماح الخطّ دون محلّه

وتُسبى له من كل حيٍّ كرائمه

له عَسكرا خيل وطير إذا رمى

بها عسكراً لم يبق إلا جماجمه

تحاربه الأعداء وهي عبادهُ

وتدّخر الأموال وهي غنائمه

ويستكبرون الدّهر والدهرُ دونه

ويستعظمون الموتَ والموتُ خادمه

وأصبح النيل على إثر النيل، والخصب يسير على إثر الخصبْ ويسيل، ورُخاء الرخاءِ تهبُّ نسيماً، ووجه الأمن قد أسفر وسيماً، ومحيا الدَّعة والسكون عليه من الإقبال طلاوة وسيما، والغنى أصبح للناس غناءً، ولكن زيد ياء وميماً، والإنعامات تُفاض فتخجل البحار الزّخّارة، وبدرها إذا فُضَّت استحيا منها البدر، ولم يخرج عن الدارة، أغرق خواصّه بالجوائز وعمهم بالهبات التي يتحدث بشأنها على المغازل الأبكار والعجائز. لم نسمع لملك بمثل عطاياه، ولا لجواد غيره بما وهب حتى أثقل جياده وكلّت مطاياه:

تمشي خزائنهُ من جودِ راحته

بَيداءَ لا ذهبٌ فيها ولا ورقُ

وتحسبُ الوفْزَ غيماً والعُلا أفُقاً

إذا انجلى الغيمُ أبدى حُليهُ الأفُقُ

ولم يزل في سعادة ملكه وريحُ السعود تجري بها مواخر فُلكه، الى أن هلك عنه سلطانه، وما أغنى عنه أنصاره ولا أعوانه.

ص: 75

وتوفي - رحمه الله تعالى - في يوم الأربعاء تاسع عشر ذي الحجة سنة إحدى وأربعين وسبع مئة.

ومولده في صفر أو في ربيع الأول سنة أربع وثمانين وست مئة.

كان والده المنصور إذ ذاك على المرقب محاصراً، ودفن ليلة الخميس بالمنصورية. تولى دفنه بعد عشاء الآخرة الأمير علم الدين الجاولي، وكان لما قتل أخوه الأشرف خليل في عاشر المحرم سنة ثلاث وتسعين وست مئة وقُتِل من قُتل من قاتليه وقّع الاتفاق بعد قتلة بَيدرا على أن يكون الملك الناصر محمد أخو الأشرف هو السلطان، وأن يكون زين الدين كتبغا نائباً، وعلم الدين الشجاعي وزيره استادار، واستقر ذلك ووصل الى دمشق الأمير سيف الدين ساطلمش والأمير سيف الدين بهادر التتري على البريد في رابع عشري المحرم ومعهما كتابٌ عن الأشرف أننا قد استنبْنا أخانا الملك الناصر محمداً وجعلناه وليَّ عهدنا، حتى إذا توجّهنا للقاء العدو يكون لنا من يخلفنا، فحلف الناس على ذلك وخطب الخطيب به، ودعا للأشرف ثم لولي عهده الناصر، وكان ذلك تدبير الشجاعي. وفي ثاني يوم ورد مرسوم بالحَوطة على موجود بيدَرا ولاجين وقراسنقر وطُرُنطاي الساقي وسنقرشاه وبهادر رأس نوبه، وظهر الخبر بقتل الأشرف واتفاق الكلمة على أخيه الناصر محمد، واستقلّ كتبغا نائباً والشجاعي مدبّر الدولة، وقبض على جماعة من الذين اتفقوا على قتل الأشرف وهم الأمير سيف الدين نوغاي، وسيف الدين الناق، وألطنبغا الجمدار، وآقسنقر مملوك لاجين، وطرنطاي الساقي، وآروس، وذلك في خامس صفر.

ص: 76

فأمر السلطان الناصر بقطع أيديهم وتسميرهم أجمع، وطِيفَ بهم مع رأس بيدَرا ثم ماتوا.

ولما كان في عشري صفر بلغ كتبعا أن الشجاعي قد عاملَ جماعة في الباطن على قتله، ولما كان في خامس عشري صفر ركب كتبغا في سوق الخيل وقتل في سوق الخيل أمير يقال له البندقداري لأنه جاء الى كتبغا وقال له: أين حسام الدين لاجين أحضِرْه؟ فقال ما هو عندي، فقال: بل هو عندك، ومدّ يده الى سيفه ليسلّه فضربه الأزرق مملوك كتبغا بالسيف حلّ كتفه، ونزل مماليك كتبغا فأنزلوه وذبحوه، ومال العسكر من الأمراء والمُقدّمين والتتار والأكراد الى كتبغا ومال البرجية وبعض الخاصكية الى الشجاعي، لأنه أنفق فيهم في يوم ثمانين ألف دينار، وقرر أن كلَّ من أحضر رأس أمير فإقطاعه له، وحاصر كتبغا القلعة وقطع عنها الماء، فنزل البرجية ثاني يوم من القلعة الى كتبغا على حميّة وقاتلوه وهزموه الى بئر البيضاء، فركب الأمير بدر الدين بيسَري والأمير بدر الدين بكتاش أمير سلاح وبقية العسكر نصرةً لكتبغا وردّوهم وكسروهم الى أن أدخلوهم القلعة، وجدّوا في حِصارها، فطلعت الستّ والدة السلطان الملك الناصر الى أعلى السور وقالت: إيش المراد؟ قالوا: ما لنا غرض غير الشجاعي، فاتّفقت مع الأمير حسام الدين لاجين الأستادار وأغلقوا باب القلّة، وبقي الشجاعي محصوراً في داره. وتسرّب الأمراء

ص: 77

الذين معه واحداً بعد واحد ونزلوا الى كتبغا، فطلب الشجاعي الأمان، فطلبوه الى الستّ والى لاجين استادار ليستشيروه فيما يفعلونه، فلما توجّه إليهم ضربه الآقوش المنصوري بالسيف قطع يده، ثم ضربه أخرى بَرى رأسه، ونزلوا برأسه الى كتبغا، وجرتْ أمور، وغلِّقت أبواب القاهرة خمسة أيام.

ثم طلع كتبغا الى القلعة سابع عشري صفر ودُقَّت البشائر وفُتحت الأبواب وجُدِّدت الأيمان والعهود للسلطان الملك الناصر، وأُمسك جماعة من البرجية كانوا مع الشجاعي، وجاءت الحَوطة الى دمشق على ما يتعلّق به، وخطب الخطيب في يوم الجمعة حادي عشري شهر ربيع الأول للسلطان الملك الناصر استقلالاً، وترحّم على والده المنصور وأخيه الأشرف.

وفي عشري شهر رجب ورد البريد بالحَلْفِ للناصر وولي عهد كتبغا.

وفي سلخ رجب ورد البريد أن السلطان ركب في شعار الملك وأبّهة السلطنة وشقّ القاهرة، دخل من باب النصر وخرج من باب زويلة عائداً الى القلعة، والأمراء وكتبغا يمشون في ركابه، وفرح الناس بذلك ودُقّت البشائر.

ولم يزل مستمراً في الملك الى حادي عشر المُحرّم سنة أربع وتسعين وست مئة، فتسلطن كتبغا وتسمّى بالعادل، وحلف له الأمراء بمصر والشام، ودُقت البشائر وزُينت البلاد، وجعل أتابكه الأمير حسام الدين لاجين، وتولى الوزارة الصاحب فخر الدين ابن الخليلي، وصرف تاج الدين بن حنّا، وحصل الغلاء الزائد المُفرط في أيامه حتى بلغ الإردب بمصر الى مئة وعشرين، ورطل اللحم بالدمشقي الى سبعة دراهم، ورطل اللبن بدرهمين، والبيض ستاً بدرهم، ورطل الزيت بثمانية،

ص: 78

ولم يكن الشام مرخصاً، وتوقفت الأمطار، وفزع الناس، وذلك في سنة خمس وتسعين وست مئة. وتبع ذلك وباء عظيم، وفناء كثير، ثم إن الغلاء وقع بالشام وبلغت الغَرارة مئة وثمانين.

وقد كتبغا بالعساكر الى الشام في ذي القعدة سنة خمس وتسعين، ولما عاد الى مصر من نوبة حمص في سلخ المحرّم سنة ست وتسعين وست مئة ووصل الى اللّجون جرى له ما جرى مما تقدّم ذكره في ترجمة كتبغا، وهرب كتبغا الى دمشق، ودخل لاجين بالخزائن وتسلطن بالقاهرة وتسمّى بالمنصور، ولم يختلف عليه اثنان، كما تقدم في ترجمة لاجين.

واستناب قراسنقر بمصر مدة، ثم إنه قبض عليه واستناب منكوتمر مملوكه، على ما تقدم، وجعل قبجق نائب دمشق، وجهز الملك الناصر الى الكرك، وقال: لو علمت أنهم يخلون الملك لك والله تركته، ولكنهم ما يخلونه، وأنا مملوكك ومملوك والدك، أحفظ لك الملك، فأنت تروح الى الكرك الى أن تترعرع وترتجل وتتخرّج وتدرب الأمور وتعود الى ملكك، بشرط أنك تعطيني دمشق وأكون بها مثل صاحب حماة، فقال له السلطان: فاحلف لي إنك تبقي عليّ نفسي وأنا أروح، فحلف كلٌ منهما على ذلك، وتوجه السلطان وأقام بالكرك الى أن قُتل لاجين، على ما تقدم في ترجمته، في شهر ربيع الأول سنة ثمان وتسعين وست مئة، فحلف للسلطان الملك الناصر جميع الأمراء وأحضروه من الكرك وملّكوه. وهذه سلطنته الثانية. وجعل سلاّر نائباً بمصر، وحسام الدين أستادار أتابكاً.

ص: 79

وفي جمادى الأولى من السنة المذكورة ركب السلطان بأبّهة الملك وشعار السلطنة والتقليد الحاكمي أمامه، وعمره يومئذ خمس عشرة، ورُتِّب الأفرم نائباً بدمشق.

وفي عَود السلطنة الى الملك الناصر قال علاء الدين الوداعي، ومن خطّه نقلت:

الملكُ الناصرُ قد أقبلتْ

دولته مشرقةَ الشمسِ

عاد الى كرسيّه مثلما

عاد سليمانُ الى الكرسي

ولم يزل بمصر الى أن حضر غازان الى الشام، فخرج بالعساكر في أوائل سنة تسع وتسعين وست مئة، ودخل دمشق في ثامن شهر ربيع الأول بعدما طوّل الإقامة على غزة، وأقام في قلعة دمشق تسعة أيام، وعدّى التتار الفرات، فخرج السلطان وساق الى حمص، وركب بكرة الأربعاء سابع عشري الشهر المذكور، وساق الى وادي الخزندار، وكانت الوقعة، والتحم الحرب، واستحرّ القتل، ولاحت أمارات النصر للمسلمين، وثبتوا الى العصر، وثبت السلطان والخاصكية ثباتاً كلياً، فانكسرت ميمنة المسلمين، وجاءهم ما لا قبل لهم به، لأن الجيش لم يكن بكامل يومئذ، وكان جيش الإسلام بضعة وعشرين ألفاً، وكان جيشُ التتار يقارب المئة ألف، فيما قيل، وشرع المسلمون في الهزيمة، وأخذ الأمراء السلطان وتحيّزوا به، وحموا ظهورهم وساروا على درب بعلبك والبقاع، وبعض العسكر المكسور دخل الى دمشق، واستشهد جماعة من الأمراء، وخُطبَ بدمشق للملك المظفر غازان محمود، ورفع في ألقابه، وتولى قبجق النيابة عن التتار، وملك غازان دمشق خلا القلعة فإن قبجق في الباطن لاحظ أميرَها مع أرجواش وأبان أرجواش عن همة عظيمة في حفظها، على ما تقدّم

ص: 80

ترجمته، وجبى التتار الأموال من الدماشقة، وقيل: إن الذي حُمل الى خزانة غازان ثلاثة آلاف ألف ألف وست مئة ألف درهم، والذي أطلقه لمقدّمي المغل نحو آلات على الناس بوصولات وأخذوا أكثر مما كُتب لهم فهو أكثر من ذلك. وأخذ شيخ الشيوخ لنفسه مبلغ ست مئة ألف درهم. وأخذ قبجق أكثر م نذلك، وأخذ يحيى وإسماعيل أكثر من ذلك، وعزم الناس أكثر من ذلك، وجبوا على الرؤوس أكثر من ذلك، وجبوا على البيوت أكثر من ذلك، وجبوا على الأوقاف أكثر من ذلك، وأخذوا جميع ما وجدوه من الخيل والبغال والجمال والدواب. وأحرقوا جامع التوبة بالعقيبة، وجميع ما حول البلد وخيار منتزهاتها، وأجود عماراتها مثل الدهشة، وصُفّة أبقراط، العافية، وناصرية الجبل، وبيمارستان الصالحية، وترب كثيرة، وغالب الجواسق التي بالبساتين، وغالب ما حول القلعة. وأما شبابيك الصالحية وما قدروا عليه من الرخام فإنهم أخذوه وأفسدوه. وقتلوا من أهل الصالحية أربعة آلاف نفس، وأسروا ما شاء الله. وأما الذي قتلوه من الضياع البرّانية وأسروه فشيء لا يعلمه إلا الله تعالى. وكانوا إذا قرروا على الإنسان عشرة آلاف درهم ينوبه ترسيم للمُغل ألفان. ولم يزل وجيه الدين ابن المنجّا يجبي من الناس الى أن كمّل المبلغ وحمله الى غازان، وجُملته ما تقدّم ذكره.

ص: 81

وأقام غازان بالغوطة نازلاً الى ثاني عشر جمادى الأولى، ورحل طالباً بلادَه وخلّف نائبه خطلو شاه بالقصير في فرقة من المُغل.

وفي شهر رجب جمع قبجق الأعيان والقضاة الى داره وحلّفهم للدولة الغازانية بالنُّصح وعدم المداجاة، ثم إن قبجق توجه هو والصاحب عز الدين ابن القلانسي الى مصر في نصف رجب، وقام بحفظ المدينة وأمر الناس أرجواش.

وفي يوم الجمعة سابع عشر رجب أعيدت الخطبة للسلطان الملك الناصر، وكان مدة إبطال ذلك مئة يوم.

وأما السلطان الملك الناصر فإنه دخل الى مصر بعد الكسرة وتلاحق به الجيش، وأنفق في العساكر، واشتُريت الخيلُ وآلات السلاح بالأثمان الغالية.

وفي يوم عاشر شعبان قدِم الأفرم نائب دمشق بعسكر دمشق، وقدم أمير سلاح بالميسرة المصرية، ثم دخلت الميمنة، ثم دخل القلب وفيه سلاّر بالجيوش الى القاهرة، وكثرت الأراجيف بمجيء التتار، وانجفل الناس الى مصر والى الحصون، وبلغ أجرة المحارة الى مصر خمس مئة درهم، ثم فترت أخبار التتار في شهر ربيع الأول سنة سبع مئة. ثم دخل التتار الى حلب وشرع الناس في قراءة البخاري، وقال الوداعي في ذلك، ومن خطّة نقلت:

بعثنا على جيش العدو كتائباً

بُخاريةً فيها النبيّ مُقدّمُ

فرُدوا الى الأُردو وبغيظٍ وخيبةٍ

وأُردُوا وجيشُ المسلمين مسلّمُ

فقولوا لهم: عودوا نَعُدْ، ووراءكم

إذا ما أتيتُم أو أبيتُم جهنّمُ

ووصل السلطان الى العريش ووصل التتار الى حلب.

ص: 82

ودخل شهر جمادى الأولى والناس في أمر مريج، ووصل بكتمر السلاح دار بألف فارس، وعاد السلطان الى مصر، فانجفل الناس غنيُّهم وفقيرهم، ونودي في الأسواق بالرحيل، وضجّ النساء والأطفال، وغُلّقت أبواب دمشق، واقتسم الناس قلعة دمشق بالشبر، ووقع على غيّارة التتار عسكرُ حمص فكسروهم وقتلوا منهم نحو مئة، وصحّت الأخبار برجوع غازان نحو حلب، فبلغ الناس ريقهم، وأطفأ السكون حريقهم، وهلك كثير من التتار تحت الثلج بحلب، وعمّ الغلاء، وعزّ اللحم بدمشق وبيع الرطل بتسعة دراهم، ثم دخل الأفرم والأمراء من المرج بعدما أقاموا به أربعة أشهر، واستقرّ حال الناس بعد ذلك.

وفي شهر شعبان أُلبس النّصارى الأزرق واليهود الأصفر والسامرة الأحمر، وسبب ذلك أن مغربياً كان جالساً بباب القلعة عند سُلاّر والجاشنكير، فحضر بعض الكتّاب النصارى بعمامة بيضاء، فقام له المغربي يتوهّم أنه مسلم، ثم ظهر له أنه نصراني، فدخل الى السلطان وفاوضه في تغيير زي أهل الذمّة ليمتاز المُسلمون عنهم. وفي ذلك يقول علاء الدين الوَداعي، ومن خطه نقلت:

لقد أُلزم الكُفّار شاشاتِ ذلّةٍ

تَزيدُهم من لعنةِ الله تَشويشا

فقلت لهم: ما ألبَسوكُم عَمائماً

ولكنهم قد ألبَسوكم بَراطيشا

ونقلت منه له:

غيَّروا زيّهُم بما غيّروه

منْ صفاتِ النبيّ ربِّ المكارِمْ

ص: 83

فعليهم كما ترون براطي

شُ ولكنها تُسمى عمائمْ

ونقلت منه له:

لقد ألبسوا أهل الكِتابين ذلّةً

ليظهر منهم كلُّ من كان كامنا

فقلت لهم ما ألبسوكم عمائماً

ولكنهم قد ألبسوكم لَعائنا

وفي ذلك يقول شمس الدين الطيبي:

تعجّبوا للنصارى واليهود معاً

والسامريّين لما عُمّموا الخرَقا

كأنما باتَ بالأصباغِ مُنْسَهِلاً

نسرُ السماء فأضحى فوقهم ذَرقا

وفي جمادى الأولى سنة إحدى وسبع مئة توفي أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد ودُفن عند السيدة نفيسة، كما تقدّم في ذكره، وتولى الخلافة ولده أمير المؤمنين المستكفي بالله أو بالربيع سليمان، وقرئ تقليده بولاية العهد بعد العزاء.

وفي سنة اثنتين وسبع مئة فتحت جزيرة أرواد وهي بقرب انطرسوس وقُتل بها عدة من الفرنج، ودخل الأسرى الى دمشق وهم قريبٌ من المئة وخمسين.

وفي شعبان من السنة عدّى التتار الفرات وانجفل الناس، وخرج السلطان بجيوشه من مصر. وفي عاشر شعبان كان المصاف بين المسلمين والتتار بعُرض، كان المسلمون ألفاً وخمس مئة، وعليهم أسندمر وأغرلو العادلي وبهادر آص، وكان التتار نحواً من أربعة آلاف، فانكسر التتار، وأسر مقدّمُهُم وقُتل منهم خلق كثير. ثم دخل دمشق من

ص: 84

جيش مصر خمس تقدام وعليهم الجانكشير، والحسام أستاذ الدار، ثم دخل بعدهم ثلاثة آلاف مقدمهم أمير سلاح وبعقوبا وأيبك الخزاندار، ثم أتى عسكر حلب وحماة متقهقراً من التتار، وتجمّعت العساكر الى الجُسورة بدمشق، واختبط الناس، واختنق في أبواب دمشق من الزحام غيرُ واحد، وهرب الناس " وبلغتِ القلوبُ الحناجرَ "، ووصل السلطان الى الغَور، وغُلّقت أبواب دمشق، وضجّ الخلق الى الله تعالى، ويئس الناس من الحياة. ودخل شهر رمضان، وتعلّقت آمال الناس ببركاته، ووصل التتار الى المرج، وساروا الى جهة الكسوة، وبعَدوا عن دمشق بكرة السبت ثاني شهر رمضان المعظّم، وصعد النساء والأطفال الى الأسطحة وكشفوا رؤوسهم وضجّوا وجأروا الى الله تعالى، ووقع مطر عظيم، ووقّعت الظهر بطاقة بوصول الدعاء وحفظ أسوار البلد، وبعد الظهر وقع المصاف والتحم الحرب، فحمل التتار على الميمنة من المسلمين فكسروها، وقُتل مقدّمُها الحُسام أستادار ومعه جماعة من الأمراء المقدمين، وثبت السلطان ذلك اليوم ثباتاً زائداً عن الحد، واستمر القتال من العصر الى الليل، ورُدّ التتار من حملتهم على الميمنة بغلَس وقد كَلَّ حدّهم فتعلّقوا بالجبل المانع.

وطلع الضوء بكرة يوم الأحد والمسلمون مُحدقون بالتتار، فلم يكن ضحوة من النهار إلا وقد ركن التتار الى الفرار وولّوا الأدبار، ونزل النصر، ودُقّت البشائر، وزُيّن البلد، وكان التتار نحواً من خمسين ألفاً وعليهم خطلوا شاه نائب غازان،

ص: 85

ورجع غازان من حلب ضيّقَ الصدر من كسر أصحابه يوم عُرْض، وبهذه الكسرة سقطت قواه، لأنه لم يعد إليه من أصحابه غير الثلث، وتخطّفهم أهل الحصون، وساق سلار وقبجق وراء المنهزمين الى القريتين، ولم ينكسر التتار هذه المرة.

حكى لي جماعة من دير بشير أنهم كانوا يأتون إلينا عشرين عشرين وأكثر وأقل، ويطلبون أن نعدّي بهم الفرات في الزواريق الى ذلك البر، فما نعدّي بمركب إلا ونقتل كلَّ من كان فيه، حتى إن النساء كنّ يضربن بالفؤوس ونحن نذبحهم في إثر ذلك، فما تركنا أحداً منهم يعيش.

وهذه الواقعة الى الآن في قلوبهم، وكان قد جاء كتاب غازان يقول فيه: ما جئنا هذه المرة إلا للفُرجة في الشام، فقال علاء الدين الوداعي في ذلك، ومن خطه نقلت:

قولوا لغازان بأن جيوشَهُ

جاؤوا ففرّجناهم بالشام

في سرحةِ المرجِ التي هاماتُهم

منشورها وشقائق الأجسام

ما كان أشأمَها عليهم فُرجةً

غمّت وأبركها على الإسلام

وقال لما انهزم:

أتى غازان عدواً في جُنودٍ

على أخذ البلاد غَدَوا حِراصا

فما كسَبوا سِوى قتلٍ وأسرٍ

وأعطوهُ بحصّته حُصاصا

ص: 86

وقد نظم الناس في هذه الواقعة كثيراً، ومن أحسن ما وقفتُ عليه قول شمس الدين الطيبي - رحمه الله تعالى - وهو يقارب المئة بيت، وهذا الذي وقع لي منها وهو:

برقُ الصوارم للأبصار يختطِفُ

والنّقعُ يحكي سَحاباً بالدِّما يكفُ

أحلى وأعلى وأغلى قيمةً وسنا

من ريقِ ثغر الغَواني حينَ يُرتَشَفُ

وفي قدود القنا معنىً شُغفت به

لا بالقدود التي قد زانها الهيَفُ

ومن غدا بالخُدود الحُمر ذا كلف

فإنني بخدود البيض لي كلَفُ

ولامةُ الحرب في عينيّ أحسن من

لامِ العذارِ التي في الخد تنعطف

كلاهما زردٌ هذا يُفيد وذا

يُردي فشأنهما في الفعل يختلف

والخيل في طلب الأوتار صاهلةً

ألذُّ لحناً من الأوتار تأتلف

ما مجلس الشّرب والأرطال دائرةٌ

كموقف الحرب والأبطال تزدلف

والرّزقُ من تحت ظل الرمحِ مقترنٌ

بالعزّ، والذلّ يأباهُ الفتى الصَّلف

لا عيشَ إلا لفتيانٍ إذا انتُدبوا

ثاروا وإن نهضوا في غمةٍ كشفوا

يَقي بهم ملةَ الإسلام ناصرُها

كما يقي الدرّة المكنونة الصّدف

قاموا لقوة دين الله ما وهنوا

لما أصابهم فيه ولا ضعُفوا

وجاهدوا في سبيل الله فانتصروا

من بعد ظُلمٍ ومما ساءَهم أنِفوا

لما أتَتْهُم جيوشُ الكُفر يَقدُمهم

رأسُ الضّلال الذي في عقله جنَفُ

جاؤوا وكل مقامٍ ظلّ مُضطَرباً

منهم وكل مَقامٍ بات يرتجفُ

ص: 87

فشاهدوا علمَ الإسلام مرتفعاً

بالعدلِ فاسْتَيقنوا أن ليسَ ينصرف

لاقاهُمُ الفيلقُ الجرّارُ فانكسروا

خوفَ العوامل بالتأنيث فانصرفوا

يا مرجَ صُفّر بيّضْت الوجوه كما

فعلت من قبلُ بالإسلام يُؤتنف

أزَهْرُ روضِكَ أزهى عند نفحته

أم يانعاتُ رؤوس فيكَ تُقتطَف

غدرانُ أرضك قد أضحَتْ لوارِدِها

ممزوجةً بدماءِ المغلِ تُرتشف

زلّت على كتف المصري أرجلُهم

فليس يدرون أنّى تؤكل الكتف

أوَوْا الى جبلٍ لو كان يعصمُهم

من موج فوج المَنايا حين يختطف

دارت عليهم من الشُجعان دائرة

فما نجا سالمٌ منهم وقد زحفوا

ونكّسوا منهم الأعلام فانهزموا

ونكصوهُم على الأعقاب فانقصَفوا

ففي جماجمهم بيضُ الظّبي زُبَر

وفي كلاكلهم سُمر القنا قِصَف

فرّوا من السيف ملعونينَ حيث سَرَوا

وقُتّلوا في البَراري حيثما ثُقِفوا

فما استقامَ لهم في أعوجٍ نهَجٌ

ولا أجار لهم من مانع كتف

وملّت الأرض قتلاهم بما قذَفَتْ

منهم وقد ضاقَ منها المهمهْ القذف

والطير والوحش قد عافت لحومَهُم

ففي مزاج الضواري منهم قرف

رُدّوا فكل طريق نحو أرضهِمُ

تدلّ جاهلَها الأشلاءُ والجيف

وأدبَروا فتولّى قطعَ دابرهُم

والحمد لله قومٌ للوغى ألِفوا

ساقوهم فسقَوا شطّ الفراتِ دماً

وطمّهم بعُباب السّيل فانحرفوا

وأصبحوا بعدُ لا عينٌ ولا أثر

غير القلاع عليها منهم شعف

ص: 88

يا برقُ بلّغ الى غازان قصّتهم

وصِفْ فقصّتهم من فوق ما تصف

بشّر بهلكهم ملكَ العِراقِ لكي

تُعطيكَ حلوانها حُلوانُ والنّجف

وإن تُسَل عنهم قُل قد تركتهم

كالنّخل صرعى فلا تمرٌ ولا سعفُ

ما أنت كفؤ عروس الشام تخطبُها

جهلاً وأنت إليها الهائمُ الدّنف

قد مات قبلك آباءٌ بحسرتها

وكلهم مغرمٌ مُغزىً بها كلِفُ

إن الذي في جحيم النار مسكنهُ

لا تُستباح له الجنات والغُرف

وإن تعودوا تُعد أسيافُنا لكم

ضَرباً إذا قابلتَها رُضّت الحجَفُ

ذوقوا وبال تعدّيكُم وبغيكم

في أمركم ولكأس الخُزي فارتشفوا

فالحمد لله مُعطي النّصر ناصره

وكاشفُ الضُرّ حيث الحال ينكشفُ

وفي ذي الحجة من السنة المذكورة كانت الزلزلة العظمى، بمصر والشام، وكان تأثيرها بالإسكندرية أعظم، ذهب تحت الرّدم عدد كثير، وطلع البحر الى نصف البلد وأخذ الجمال والرجال وغرقت المراكب وسقطت بمصر دورٌ لا تحصى، وهُدمت جوامع ومآذن وانتدب سلار والجاسنكير وغيرهما من الأمراء، وأخذ كل واحد منهما جامعاً وعمّره وجدّد له وقوفاً.

وفي سنة ثلاث وسبع مئة توجّه أمير سلاح وعسكر من دمشق وقبجق في عسكر من حماة وأسندمُر في عسكر الساحل وقراسنقر في عسكر حلب، ونازلوا تل

ص: 89

حدون وأخذوه، ودخل بعض العسكر الدربند وأغاروا ونهبوا وأسروا خلقاً، ودقت البشائر.

وفي هذه السنة توفي غازان ملك التتار، وملك بعده أخوه الملقب خربندا.

وفي سنة خمس وسبع مئة نازل الأفرم بعساكر دمشق جبل الجُرد، وكسر الكسروانيين لأنهم كانوا روافض، وكانوا قد آذوا المسلمين وقتلوا المنهزمين من العساكر المصرية في نوبة غازان الأولى الكائنة في سنة تسع وتسعين وست مئة.

وفي سة ثمان وسبع مئة في سادس عشري شهر رمضان توجّه السلطان الملك الناصر الى الحجاز وأقام بالكرك متبرّما من سلار والجاشنكير وحجرهما عليه ومنعهما له من التصرف، قيل: إنه طلب يوماً خروفاً رميساً فمنع منه، أو قيل: يجيء كريم الدين، لأنه كاتب الجاشنكير، وأمر نائب الكرك بالتحوّل الى مصر، وعند دخوله القلعة انكسر به الجسر فوقع نحو خمسين مملوكاً، ومات منهم أربعة وتهشّم منهم جماعة وأعرض السلطان عن أمر مصر، فوثب للسلطنة بعد أيام الجاشنكير وتسلطن، وخُطب له، وركب بخلعة الخلافة، وذلك عندما جاءتهم كتبُ السلطان من الكرك باجتماع الكلمة فإنه ترك لهم الملك.

وفي سنة تسع وسبع مئة في شهر رجب خرج السلطان من الكرك قاصداً دمشق، وكان قد ساق إليه من مصر مئة وسبعون فارساً فيهم أمراء وأبطال، وجاء مملوك

ص: 90

السلطان الى الأفرم يخبره بأن السلطان وصل الى الخان، فتوجه الى السلطان بيبرس المجنون وبيبرس العلائي، ثم ذهب بهادر آص لكشف القضية، فوجد السلطان قد رُدّ الى الكرك، ثم بعد أيام ركب السلطان وقصد دمشق بعدما ذهب إليه قطلوبك الكبير والحاج بهادر، وقفز سائر الأمراء إليه، فقلق الأفرم لذلك ونزح من دمشق بمماليكه مع الأمير علاء الدين بن صُبح الى الشقيف، فبادر بيبرس العلائي وآقجبا المُشد وأمير علم في إصلاح الجتر والعصائب وأبهة الملك، ودخل السلطان قبل الظهر الى دمشق يوم الثلاثاء ثامن عشر شعبان سنة تسع وسبع مئة، وفتح له باب القلعة باب السرّ، ونزل نائبها قبّل الأرض، فلوى هناك فرسه الى القصر ونزل به. ثم إن الأفرم حضر إليه بعد أربعة أيام واستمر به في نيابه الشام، وبعد يومين وصل قبجق نائب حماة وأستدمر نائب طرابلس وتلقاهما السلطان. وفي ثامن عشري الشهر وصل قراسُنقر نائب حلب.

ثم إن السلطان خرج لمصر في تاسع شهر رمضان ومعه العساكر والنواب والقضاة، ووصل غزة، وجاءه الخبر بنزول الجاشنكير عن الملك وأنه طلب مكاناً يأوي إليه وهرب من مصر مغرّباً وهرب معه سلار مشرّقاً، فلما كان بالرّيدانية ليلة العيد اتفق الأمراء عليه وهمّوا بقتله، فجاء إليه بهاء الدين أرسَلان دوادار سلار وقال: قُم الآن

ص: 91

واخرج من جانب الدهليز واطلع الى القلعة، فرعاها له، ولم يشعر الناس بالسلطان إلا وقد خرج راكباً فتلاحقوا به وركبوا في خدمته وصعد القلعة، وكان الاتفاق قد حصل أن قراسنقر يكون نائباً بمصر وقطلوبك الكبير نائب دمشق، فلما استقر جلوس السلطان بقلعة الجبل، وهذه المرة الثالثة من عوده الى الملك قبض في يوم واحد على اثنين وثلاثين أميراً من السِّماط، ولم ينتطح فيها عنزان، ورسّم للأفرم بصرخد ولقراسنقر بالشام، وجعل قبجق نائب حلب والحاج بهادر نائب طرابلس وقطلوبك الكبير نائب صفد، وجعل بكتمر الجوكَندار نائب مصر.

وفي سنة عشر وسبع مئة وصل أسندمر الى دمشق متوجهاً الى حماة نائباً، ومنها عزل القاضي بدر الدين ابن جماعة، وولي القضاء جمال الدين الزرعي عوضه، وصرف السروجي عن قضاء الحنفية، وطلب شمس الدين بن الحريري وولاه مكانه. وبعد أيام قلائل توفي الحاج بهادر نائب طرابلس، ومات بحلب نائبها قبجق، فرسم للأفرم بنيابة طرابلس، وأمره أن لا يدخل بدمشق، على ما تقدم في ترجمته، ورسّم لأسندمر بنيابة حلب.

وفي هذه السنة أمر لعماد الدين إسماعيل بن الأفضل علي بحماة.

وفي سنة إحدى عشرة وسبع مئة نقل قراسُنقر من نيابة دمشق الى نيابة حلب بعدما أمسك أسندمر وتولّى كراي نيابة دمشق. وفي شهر ربيع الآخر أعاد ابن جماعة الى مكانه، وتقرر القاضي جمال الدين الزرعي في قضاء العسكر مع مدارس أُخَر.

ص: 92

وفي جمادى الأولى أُمسك كراي نائب دمشق وقيّد وجُهّز الى الباب بعدما أُمسك الجوكندار نائب مصر، وأُمسك قطلوبك الكبير بصفد وحُبس هو وكراي بالكرك وجاء الأمير جمال الدين آقوش نائب الكرك الى دمشق نائباً.

وفي سنة اثنتي عشرة وسبع مئة تسحّب الأمير عز الدين الزردكاش والأفرم وتوجّها الى قراسُنقر، وساق الجميع الى عند مهنا فأجارهم، وعدّوا الفرات وطلبوا خربندا، على ما تقدّم في تراجمهم.

وفي شهر ربيع الأول طُلب نائب دمشق الأمير جمال الدين آقوش نائب الكرك الى مصر، وفيها أمسك العلائي بيبرس نائب حمص، وبيبرس المجنون، وبيبرس التاجي، وكجلي، والبرواني، وحُبسوا في الكرك، وأمسك بمصر جماعة أيضاً.

وفي ربيع الأول قدم الأمير سيف الدين تنكز الى دمشق نائباً، على ما تقدم في ترجمته، وسودي الى حلب نائباً على ما تقدم. وفي أوائل شهر رمضان قويت الأراجيف بمجيء خربندا ومنازلته الرحبة، على ما تقدم، ثم إنه رحل عنها، على ما تقدم في ترجمته. وعيّد السلطان بمصر وخرج الى الشام، ووصل في ثالث عشري شوال وصلى بالجامع الأموي، وعمل دار عدل، وتوجه من دمشق الى الحجاز، وعاد الى دمشق، ثم توجه الى مصر.

وفي صفر سنة أربع عشرة توفي سودي نائب حلب وجاء عوضه نائباً الأمير علاء الدين ألطنبغا.

وفي سنة خمس عشرة وسبع مئة توجه الأمير سيف الدين تنكز بعساكر الشام

ص: 93

وستة آلاف من الجيش المصري الى ملطية ففتحها وسبى ونهب وألقى النار في جوانبها، وقتل جماعة من النصارى.

وفي سنة ست عشرة توفي خربندا ملك التتار، وتولى بعده ولده بوسعيد على ما تقدم.

وفي سنة إحدى وعشرين وسبع مئة وقع الحريق بمصر واحترق دور كثيرة للأمراء وغيرهم، ثم ظهر أن ذلك من كيد النصارى، لأنه وجد مع بعض آلات الإحراق من النفط وغيره، وقتل منهم جماعة وأسلم عدة، ورجم العامة والحرافيش كريم الدين الكبير، فأنكر السلطان ذلك وقطع أيدي أربعة وقيّد جماعة.

وفيها جرى الصلح بين السلطان وبين بوسعيد، سعى في ذلك مجد الدين السلامي مع النوين جوبان ومع الوزير غياث الدين محمد بن الشيد.

وفي جمادى الآخرة سنة أربع وعشرين وسبع مئة أمر السلطان بحفر الخليج من رأس الخور الى أن ينتهي الى سرياقوس، تولى ذلك الأمير علاء الدين مغلطاي الجمالي، وفرغ في أقرب مدة، ودام العمل الى آخر شعبان من السنة المذكورة، وما يعلم ما أنفق فيه من الأموال إلا الله تعالى.

وفي سنة خمس وعشرين وسبع مئة جهز السلطان من عسكر مصر ألفي فارس نجدةً لصاحب اليمن، وقدّم عليهم الأمير ركن الدين بيبرس الحاجب والأمير سيف الدين طينال، فدخلوا زبيد، وألبسوا الملك المجاهد خلع السّلطنة وعادوا. وبلغ السلطان أمور نقمها، فاعتقل بيبرس الحاجب. وفي هذه السنة فتحت الخانقاه التي أنشأها بسرياقوش، وكان يوماً عظيماً، وحضر القضاة والعلماء ووجوه الدولة، وخلع على القضاة وعلى المشايخ، وفرّق قريباً من ثلاثين ألف درهم.

ص: 94

وفي سنة ست وعشرين حج الأمير سيف الدين أرغون النائب، ولما حضر أمسكه وجهّزه الى حلب نائباً، على ما تقدّم.

وفي سنة سبع وعشرين وسبع مئة طُلب أمير حسين بن جندر من دمشق الى مصر ليقيم بها أميراً، وطلب قاضي القضاة جلال الدين القزويني، وجعله قاضي القضاة بمصر، على ما تقدّم، وفيها كان عرس ابنة السلطان على الأمير سيف الدين قوصون، وكان عرساً عظيماً على ما تقدم، وفيها كانت الكائنة بإسكندرية، وتوجه الجمالي الوزير إليها وصادر الكارم والحاكم، وضرب القاضي، ووضع الزنجير في رقبته، وجعل قاضيها شافعياً، وكانت واقعة فظيعة.

وفي سنة اثنتين وثلاثين وسبع مئة دخل ابن السلطان آنوك على بنت بكتمر الساقي وكان عرْساً عظيماً حضره تنكز وطينال، على ما تقدّم في ترجمته.

وفيها حجّ السلطان واحتفل بأمر الحجاز، وفي العَود مات سيف الدين بكتمر الساقي وولده أحمد قبله، على ما تقدّم. وفيها أمسك الصاحب شمس الدين غبريال وأخذ خطه بألفي ألف درهم، على ما تقدّم.

وفي سنة ثلاث وثلاثين عمّر الأمير سيف الدين تنكز ثغر جعبر وصارت من ثغور المسلمين.

وفي سنة خمس وثلاثين وسبع مئة جُهّز مهنا وداس بساط السلطان بعد عناء عظيم وتسويف كثير فأقبل عليه وأعطاه شيئاً كثيراً، على ما سيأتي في ترجمته. وفيها أخرج من السّجن ثلاثة عشر أميراً منهم تمر السّاقي وبيبرس الحاجب.

ص: 95

وفي سنة ست وثلاثين وسبع مئة توفي القان بوسعيد، على ما تقدم.

وفي سنة أربعين أمسك السلطان الأمير سيف الدين تنكز في ثالث عشري ذي الحجة، على ما تقدّم.

وفي سنة إحدى وأربعين وسبع مئة توفي ابن السلطان آنوك.

وفيها توفي الملك الناصر رحمه الله تعالى في التاريخ المذكور. وقام في الملك بعده ولده المنصور أبو بكر على ما تقدّم في ترجمته.

وكان الملك الناصر رحمه الله تعالى ملكاً عظيماً مُطاعاً محظوظاً مهيباً ذا بطش ودهاء، وأيْد وكيْد، وحزم وحلم، قلما حاول أمراً، فانجذم عليه فيه شيء يحاوله، لأنه كان يأخذ نفسه فيه بالحزم البعيد والاحتياط، أمسك الى أن مات مئة وخمسين أميراً، وكان يلبس الناس على علاتهم، ويصبر الدهر الطويل على الإنسان وهو يكرهه. تحدّث مع أرغون النائب في إمساك كريم الدين الكبير قبل إمساكه بأربع سنين، وهمّ بإمساك تنكز في سنة ثلاث وثلاثين وسبع مئة بعد بكتمر الساقي ثم أمهله ثماني سنين. وكان الملوك الكبار يهادونه ويراسلونه، وكانت ترد إليه رسل ملك الهند، ورسل القان أزبك، وتزوّج ابنته، وملوك الحبشة، وملوك الفرنج، وملوك الغَرْب، وبلاد الأشكري، وصاحب اليمن، وأما بوسعيد ملك التتار فكانت الرسل لا تنقطع بينهما، وكل منهما يسمي الآخر أخاً، وصارت الكلمتان واحدة،

ص: 96

والمملكتان واحدة، ومراسيم السلطان تنفّذ في بلاد بوسعيد، ورسله تدخل البلاد بالأطلاب والطبلخانات والأعلام المنشورة، وكلما بعد الإنسان عن مملكته وجد ذكره وعظمته ومهابته أعظم، ومكانته في القلوب أوقع.

وكان سمحاً جواداً على مَن يقرّبه ويؤثره، لا يبخل عليه بشيء كائناً ما كان. سألت أنا القاضي شرف الدين النشو ناظر الخاص قلت: هل أطلق السلطان يوماً ألف ألف درهم؟ قال: نعم. كثير. وفي يوم واحد، أنعم على الأمير سيف الدين بشتاك بألف ألف درهم في ثمن قرية يُبنى التي بها قبر أبي هريرة رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنعم على موسى بن مهنا بألف ألف درهم في ثمن القريتين، وأراني القاضي شرف الدين أوراقاً فيها ما ابتاعه فيها من الرقيق، وكان ذلك لمدة أولها شعبان سنة اثنتين وثلاثين وسبع مئة الى سنة سبع وثلاثين، وكان جملته أربع مئة ألف وسبعين ألف دينار. كذا قال.

وكان ينعم على الأمير سيف الدين تنكز في كل سنة يتوجه إليه بما يزيد على الألف ألف درهم، وأنعم يوماً على الأمير سيف الدين قوصون بزردخاه بكتمر الساقي، قال المهذب كاتب بكتمر: فيها شيء بمبلغ ست مئة ألف دينار، وأخذ السلطان من الجميع سرجاً واحداً، ولما تزوج قوصون بابنته حمل الأمراء إليه شيئاً

ص: 97

كثيراً، ثم بعد ذلك زوّج ابنته الأخرى الأمير سيف الدين طغاي تمر، وقال السلطان ما نعمل له عرساً، لأن الأمراء يقولون: هذه مصادرة بحسن عبارة، ونظر الى طغاي تمر فرآه قد تغيّر، فقال للقاضي تاج الدين إسحاق ناظر الخاص: يا قاضي اعمل لي ورقة بمكارمة الأمراء في عرس قوصون، فعمل ورقة وأحضرها، فقال: كم الجُملة؟ فقال: خمسون ألف دينار، فقال: أعطِ نظيرها من الخزانة لطغاي تمر، وهذا خارجاً عمّا دخل مع الزوجة من الجهاز.

وحكي لي الحاج حسين أستادار الأمير سيف الدين يلبُغا اليحيوي قال: جرى يوماً بين يدي السلطان ذكر عشرين ألف دينار، فقال الأمير: والله يا خوند أنا عمري ما رأيت عشرين ألف دينار، فلما راح من عنده طلب النّشو وقال: احمل الساعة الى يلبغا خمسة وعشرين ألف دينار، وجهّزها مع الخزندارية، وجهّز خمسة تشاريف أطلس أحمر بكلوتات زركش، وطرز زركش، وحوائص ذهب، ليخلع ذلك عليهم.

وأما عطاؤه العُربان فأمر مشهور زائد عن الحد، وكان راتب مطبخه ورواتب الأمراء الكبار والكتاب الذين هم على مطبخه في كل يوم بالمصري ستة وثلاثين ألف رطل لحماً، وأما النفقات في العمائر فكان الرواتب لها في كل يوم شيئاً كثيراً، أظنه في كل يوم ألفي درهم، غير ما يطرأ مما يستدعي به. وبالغ في مشترى الخيول بالأثمان العظيمة، فاشترى بنت الكردا بمئتي ألف درهم، وبالغ أخيراً في مشترى الماليك فاشترى الأمير سيف الدين صرغتمش بخمسة وثمانين ألف درهم غير تشريف أستاذه، وغير ما كتب له من المسامحة. وأما العشرة والعشرون والثلاثون ألفاً فكثير، وغلا الجوهر في

ص: 98

أيامه واللؤلؤ وما رأى الناس مثل سعادة ملكه ومسالمة الأيام له وسكون الأعادي من بعد شقحب والى أن مات لم يتحرك عليه عدو في البر ولا في البحر.

وخلّف من الأولاد جماعة، منهم البنون والبنات، فأما البنون: فمات له ولده علاء الدين علي بعد حضوره من الكرك في المرة الأخيرة، ومنهم الناصر أحمد وقتل بالكرك، وابراهيم وتوفي أميراً في حياة أبيه، والمنصور أبو بكر وقُتل في قوص بعدما خلع، والأشرف كجك وقتله أخوه الكامل شعبان والله أعلم. وآنوك وهو ابن الخوندة طغاي، مات في حياة أبيه، ولم يكن في الأتراك أحسن شكلاً منه، والصالح إسماعيل وتوفي بعد ملكه مصر والشام ثلاثة أعوام، والكامل شعبان وخلع وقُتل، والمظفر حاجي وخلع وقتل، ويوسف ورمضان، وتوفيا في حياة أخيهما الصالح إسماعيل، والناصر حسن وخُلع أولاً ثم أعيد ثانياً ثم خُلع وقُتل في سنة اثنتين وستين وسبع مئة، والصالح صالح وخُلع، وحسين.

نوابه بمصر جماعة، وهم: زين الدين كتبغا العادل، والأمير سيف الدين سلار، الأمير سيف الدين بكتمر الجوكندار، الأمير ركن الدين بيبرس الدوادار، الأمير سيف الدين أرغون الدوادار مملوكه، ولم يكن له بعده نائب.

نوابه بدمشق: الأمير عز الدين أيبك الحموي، الأمير جمال الدين آقوش الأفرم، الأمير شمس الدين قراسنقر، الأمير سيف الدين كراي، الأمير جمال الدين آقوش نائب الكرك الأشرفي، الأمير سيف الدين تنكز، الأمير علاء الدين ألطنبغا نائب حلب.

وزراؤه من أرباب السيوف والأقلام:

ص: 99

الأمير علم الدين سنجر الشجاعي، الصاحب تاج الدين بن حنا، الصاحب فخر الدين بن الخليلي مرتين، الأمير شمس الدين سنقر الأعسر، الأمير سيف الدين البغدادي، الأمير ناصر الدين الشيخي، أيبك الأشقر وسمي المدبر، ابن عطايا، القاضي ضياء الدين بن النشّائي ابن التركماني وسمي مدبراً، الصاحب أمين الدين، أمين الملك ثلاث مرات، الأمير سيف الدين بكتمر الحاجب، الأمير علاء الدين مغلطاي الجمالي، ولم يكن له بعده وزير.

قضاة الشافعية بمصر: الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد، القاضي بدر الدين بن جماعة ثلاث مرات، القاضي جلال الدين القزويني، القاضي عز الدين بن جماعة.

قضاة الشافعية بدمشق: القاضي إمام الدين القزويني، القاضي بدر الدين بن جماعة مرتين، القاضي ابن صصرى، القاضي جمال الدين الزرعي، القاضي جلال الدين القزويني مرتين، الشيخ علاء الدين القونوي، القاضي علم الدين الأخنائي، القاضي جمال الدين بن جملة، القاضي شهاب الدين بن المجد عبد الله، القاضي تقي الدين السّبكي.

كُتّاب سرّه بمصر: القاضي شرف الدين بن فضل الله، القاضي علاء الدين بن الأثير، القاضي محيي الدين بن فضل الله، القاضي شرف الدين بن الشهاب محمود، القاضي محيي الدين بن فضل الله، القاضي علاء الدين بن فضل الله.

كتّاب سره بدمشق: القاضي محيي الدين بن فضل الله، أخوه القاضي شرف الدين بن فضل الله،

ص: 100

القاضي شهاب الدين محمود، ولده القاضي شمس الدين محمد، القاضي محيي الدين بن فضل الله، القاضي شرف الدين بن الشهاب محمود، القاضي جمال الدين بن الأثير، القاضي علم الدين بن القطب، القاضي شهاب الدّين يحيى بن القيسراني، القاضي شهاب الدين أحمد بن فضل الله.

دواداريّته: الأمير عز الدين أيدمر مملوكه، الأمير بهاء الدين أرسلان، الأمير سيف الدين ألجاي مملوكه، الأمير صلاح الدين يوسف بن أسعد، الأمير سيف الدين بغا، ولم يؤمَّر طبلخاناه، الأمير سيف الدين طاجار الدوادار المارداني.

نُظّار جيشه بمصر: القاضي بهاء الدين بن الحلّي، القاضي فخر الدين، مرتين، القاضي قطب الدين بن شيخ السلاميّة، القاضي شمس الدين موسى بن التاج إسحاق، القاضي مَكين الدين بن قروينة، القاضي جمال الدين جمال الكفاة.

نظار خاصّه، هذه وظيفة أحدثها القاضي كريم الدين الكبير: القاضي تاج الدين إسحاق، القاضي شمس الدين ولده، القاضي شرف الدين النشو، القاضي جمال الدين جمال الكُفاة.

الذين درَجوا بالوفاة في أيامه من الخلفاء: الحاكم بالله أمير المؤمنين أبو العباس أحمد، ولده المستكفي بالله أبو الربيع سليمان.

ص: 101

ومن الملوك:

كيختو بن هولاكو، المستنصر بالله محيي الدين بن عبد الواحد صاحب إفريقية، المظفّر يوسف صاحب اليمن، السعيد إيلغازي صاحب ماردين، المظفر تقي الدين محمود صاحب حماة، المنصور حسام الدين لاجين، أبو عبد الله بن الأحمر محمد بن محمد بن يوسف صاحب الأندلس، أبو نميّ صاحب مكة، العادل زين الدين كتبغا المنصوري، غازان محمود بن أرغون ملك التتار، أبو يعقوب المريني صاحب الغرب، المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير، أبو عصيدة صاحب تونس، المنصور غازي صاحب ماردين، طقطاي صاحب القبجاق، دوباج صاحب جيلان، علاء الدين محمود صاحب الهند، خربندا بن أرغون ملك التتار، دون بطرو الفرنجي، حميضة صاحب مكة، المؤيّد داود صاحب اليمن، ابن الأحمر أبو الجيوش نصر بن محمد اللحياني صاحب تونس، منصور بن جمّاز صاحب المدينة، الغالب بالله إسماعيل صاحب الأندلس، أبو سعيد عثمان صاحب فاس وغيرها، المؤيَّد صاحب حماة، ابن الأحمر محمّد بن أبي الوليد صاحب الأندلس، ترْمشين صاحب بلخ وسمرقند وبخارى ومرو، بوسعيد ملك التتار، أربكوون ملك التتار، صاحب تلمسان عبد الرحمن أبو تاشفين، موسى ملك التتار، مهنا بن عيسى.

ولما كنتُ بالقاهرة سنة سبع وعشرين وسبع مئة قال لي الأمير شرف الدين حسين بن جندر بك رحمه الله تعالى: لو نظمت أبياتاً مديحاً في السلطان لقدمتُها أنا من يدي، وكان يحصل لك ما تريده، فنظمت أبياتاً، وكتبتها بالذهب وزمّكتها، وتوفي الأمير شرف الدين رحمه الله تعالى وما اتفق وصولها، وهي:

ص: 102

بعزّ نصرك أضحى الدهرُ يبتسمُ

وعن رعاياكَ ولّى الظلم والظُلَمُ

يا ناصر الدين والدنيا ويا ملكاً

ذلّت لعزته في أرضها الأمم

أصبحت سلطان أهل الأرض قاطبة

سارت بأنبائك الوخّاذة الرُسُم

تخاف بأسَك أملاك الأنام فما

تسعى لهم في سوى طاعاتك القدم

يبادرون الى ما كُنت تأمرهم

كأنهم عندما تختاره خدم

متى يخف ملك منهم فليس له

إلا ظلالك في هذا الورى حرم

فالأُسدُ تخشاكَ في سرٍ وفي علن

فليس يعصمها غابٌ ولا أجم

تغزو سراياك أملاك البلاد فما

يحمي العِدا منهم قاعٌ ولا أكم

ويبلغون الأماني من عدوّهم

لأنهم باسمك المنصور قد قدموا

فإن تصُل في جيوش الكُفر وغًى

وأبحُر الحرب بالأبطال تزدحم

تفرّج الضيقَ في يوم الكريهة إذ

أضحت سيوفكَ من أغمادها القمم

وما هباتك في يوم النّوال ندًى

لكنها سحبٌ تهمي وتنسجم

تجود بالصدقات الوافرات فكمْ

أحيت عطاياك من أودى به العدم

وفضل حلمك مشهورٌ لطالبه

ونفحةُ المِسك فينا كيف تنكتم

مناقبُ شرفتْ قدراً فقد رجعت

درّاً على جهة الأيام تنتظم

فالله يجعل هذا الملك متّصلاً

بالسّعد ما ابتسمت عن صُبحها الظلَمُ

ولا برحْتَ على الأعداء منتصراً

مؤيّداً ما جرى في مهرَق قلمُ

ص: 103