الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأخبرني ولده القاضي قطب الدين أبو بكر رحمه الله تعالى في ديوان الإنشاء بقلعة الجبل أن والده مات وقد ترك بخطه خمس مئة مجلد.
محمد بن مكي بن
....
القاضي الفاضل الشاعر بدر الدين وكيل بيت المال بطرابلس وكاتب الإنشاء بها.
كان من مشايخ الأدب والقائمين بإحياء شعار العرب، له المقاطيع الرائقة، والأبيات الفائقة، وكان يعرف فنوناً أخر، وعلوماً إذا تكلم فيها قلت بحْرٌ زخَر. وكان من رجالات الزمان دُربة ودهاء، وخبرة تباعد منها الجهل وتناءى.
ولم يزل بطرابلس على حاله، الى أن كسف الحِمامُ نورَ بدره وألحفهُ غمامةَ قبره.
ورد الخبر الى دمشق بوفاته في أواخر شهر ربيع الأول سنة اثنتين وأربعين وسبع مئة، رحمه الله تعالى.
كان يكتب خطاً حسناً، أخبرني قاضي القضاة شرف الدين محمد بن النهاوندي قاضي صفد قال: قال لي: بدر الدين بن مكي بطرابلس: فتحت بدمشق دكان كتبي، وكنت أتّجر فيها، يعني في المجلدات، وأتبلغ من عِرض المكسب فأدّخر من المجلّدات ما أحتاج إليه الى أن حصلت من ذلك ما أردت من الكتب، وفضل لي رأس المال والقوت تلك المدة. أو كما قال.
وقال بدر الدين رحمه الله: كنت أنا وشمس الدين الطيبي نمشي في وحل فقلت:
المشي خلف الدواب صعبٌ فقال: في الوحل والماءِ والحجاره فقلت: لأن هذا له رشاش فقال: وربما تزلق الحماره وأخبرني المولى شرف الدين حسين بن ريان قال: كنت أنا وهو جالسين في مكان فيه شباك بيني وبينه، فلما جاءت الشمس رددته، فقال:
لا تحجب الشمس عن أمرٍ تحاوله
…
فإن مقصودها أن تبلغ الشرفا
فقلت:
في الشمس حرٌ لهذا الأمر نحجبها
…
وحسبنا البدرُ في أنواره وكفى
وأنشدني من لفظه قال: أنشدني ابن مكي لنفسه:
أهواه كالبدر لكنْ في تبدّله
…
والغصن في ميله عن لوم لائمه
سمحٌ بمهجته ما ردّ نائله
…
كأنما حاتم في فصّ خاتمه
قلت: معنىً جيدٌ مطبوع، وما أحسن قوله: رد نائله.
ومن شعره أيضاً:
كأن الشمس إذا غرُبت غريق
…
هوى في البحر أو وافى مغاصا
فأتبعها الهلال على غروب
…
بزورقه يريد لها خلاصا
وكتبت أنا إليه، رحمه الله تعالى في سنة اثنتين وأربعين وسبع مئة في المحرم:
أنفحةُ روضةٍ أم عَرفُ مسك
…
يضوع أو الثناء على ابن مكي
إمام في الفتاوى لا يجارى
…
وفردٌ في البيان بغير شك
إذا ما خطّ سطراً خلت روضاً
…
تبسّم عن غمام بات يبكي
ويحكي نثره درّاً فأما
…
إذا حققت ما يحتاج يحكي
له نظم يروق ألذّ وقعاً
…
على الأسماع من أوتار جنك
كأن كلامه نفثات سحرٍ
…
تغازلني بها لحظات تركي
وآنقُ في النواظر من رياض
…
نواضر بل جواهر ذات سلك
لقد فاق الأنام بفضل جود
…
وفرط زيادة زِيْنَتْ بنسك
شهدتُ بأنه في الدهر فردٌ
…
وقولي فيه لم يحتج مزكي
حملت له لواء ولاء صدقٍ
…
لأعرف في الأنام بحمل رنكي
فلو منّ الإله بجمع شملي
…
به لعدمت ما بين من تشكّ
يقبّل الأرض لا زالت قبلة الأمل، وكعبةَ العلم والعمل، وروضة الفضل إذا همى، والجود إذ همل، لأن دارها تخجل دارة الحمل، وتربها يفوق الأفق إذ بدره لما كمل نقص، وبدرها ما نقص لما كمل، تقبيلاً يؤدي به الواجب، ويداوي به قلباً سكنه مولانا فإنه كبير وما خرج عن الواجب:
ترابكم وحقّ أبي تراب
…
أعزُّ عليّ من عيني اليمين
وينهي الى العلم الكريم بعد الأدعية التي تجر الإجابة برفعها، والعبودية التي أبان المنطق شرف حملها ووضعها، والأثنية التي لا تغرّد الحمائم الصادحة إلا بسجعها:
ومالي لا أثني على وابل الحيا
…
إذا الروض أثنى بالنسيم على القطر
أنه من حين بلغته هذه الفضائل البدرية، والفوائد التي نسماتها سحرية، وكلماتها سحرية، يعتلج في خاطره التطفل على خطابها، والتوصل الى عرائس إنشائها، ليكون من خُطّابها، والوقوف بذلّ التلمذة وفقر الحاجة على بابها، والدخول الى جنّات كرمها وحبّات كرمها ليجني ثمرها متشابهاً، والاعتراف يدفع في صدره ويبجل على قدره باجتلاء ليلة قدره، ويقول له القصور لا تطل فما أنت من سكان هذه القصور، ولا تزد مع نقصك، فما وشاح ألفاظك مما يدور على هذه الحضور، ولا تلح فما غابُ أقلامك مما يصم الليث الهصور:
قد يدرك المتأني بعض حاجته
…
وقد يكون مع المستعجل الزلل
فأغفل المملوك مراودته مدة، وكابد من جزم حظه خفضاً لشدته مدّة وشدّة. هذا وغريم الشوق يلح، والإقدام يمرض تارة ويصح، الى أن انتهز فيها فرصة حمل فيها على جيوش الخجل فأمالها، وطعن في صفّ الممانعة برمح قلمه إما عليها وإما لها، فتهجم هذه الخدمة والضراعة، وخدم أسوة الطلبة ليكون من أهل الجماعة:
وكاد سروري لا يفي بندامتي
…
على تركه في عمري المتقادم
وعطفها على استدعاء جرت العادة به للأصاغر، واستمطر به الإحسان الذي ملأ