الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والعيون مطيفة، لا بل الغادة الحسناء التي تقرر بها الاستحسان في مذهب أبي حنيفة، فوجد مقام الجواب عنها ضنكاً، ووقف لها واستوقف وبكى واستبكى وقال:
لك الفضل سبّاقاً به كلَّ غايةٍ
…
وما لك فيه من شبيهٍ ولا مثلِ
وقد كنتُ مسعوداً لو أني سابق
…
بكبْتي عن شوقي ولكن بكت قبلي
وقد شجع المملوك نفسه وأرسل الجواب في هذا الورق الأحمر لأمر يرجو فيه خيراً، ولأن الحمرة دليل الخجل إذا نشرت بين يدي مولانا الذي حمد البيان عند صباحه سُرىً وسيراً، ولأنها متى أوردت حديث بديع قال لها حفظ مولانا ونقده: لا يصح حديث جاء فيه ذكر الحُميرا، ولمولانا علوّ الرأي في الإتحاف بهذه الفوائد، والمحاسن التي لا تزال غصون رياضها للمتطفلين على الآداب موائد، والله تعالى يخرق ببقاء مولانا العوائد بمنّه وكرمه.
مغلطاي
الأمير علاء الدين المرتيني، بفتح الميم وسكون الراء وبعدها تاء ثالثة الحروف وياء آخر الحروف، ونون.
ولي نيابة قلعة دمشق مرات، وولي الحجوبية بدمشق أيضاً وغير ذلك.
وتوفي بقلعة دمشق نائباً في شعبان سنة تسع وأربعين وسبع مئة في طاعون
دمشق، وكان قد جاء الخبر بوفاة ابن له بالقاهرة بأيام قلائل، فمات رحمه الله تعالى عقيب ذلك.
وكان قد ولي قلعة دمشق في وقت جمادى الأولى سنة ست وثلاثين وسبع مئة، وذلك بعد الأمير سيف الدين بنغجار.
مغلطاي
الأمير علاء الدين أمير آخور السلطان الملك الناصر حسن.
كان شديد الباس قويّ النفس في دفع الإلباس، لا يصبر على ذلة، ولا يصاحب إلا العزمة المشمعلة، كثير الحسد، لا يرحم عدوّه ولو كان بين ماضغي أسد. وكان يتنفس الصعداء في حق الدولة، ويظن أنه فارس الجو وصاحب الجولة، ويرى أنه أحق بها منهم وأجدر، وأنه أولى بذلك وأقدر، فمازال يعمل على إبعاد من كرهه منهم، وذهاب الحكم في الأمر والنهي عنهم، وساعدته الأقدار على مراده، وحكم فيهم بيض سيوفه وسمر صعاده، وزاد في التشفي وإظهار حقوده، وتلظّت نار غضبه بوقوده:
حتى لو ارتشق الحديد أذابه
…
بالوقد من أنفاسه الصعداء
ثم إن مدة حكمه ما امتدت، وشدة جبروته ما اشتدت، فكبا جواد سعده في وسط ميدانه، وخرّ بناؤه المشمخر بعد علوّ أركانه، فانقلبت الدولة عليه كما قلبها، وجُلبت البلية إليه كما جلبها، ونزل من الثريا الى الثرى، وكان أمام الملوك فأصبح وراء السوقة
من الورى، وانحط منهبطاً الى سيدوك، وقال له القدر: هذا القدر الذي لا يعدوك:
فيا لها من محنة عاجلت
…
قريبةُ العرس من المأتم
ثم إنه أُفرج عنه من اعتقاله، وحكم الدهر له بانتقاله، فما فرح بالفضاء حتى عثر بالقضاء، وناح عليه حمام حَمامه، وبكاه الغيث بأجفان غمامه.
وتوفي بدمشق رحمه الله تعالى عاشر شهر رمضان سنة خمس وخمسين وسبع مئة.
كان يشاقق الأمير سيف الدين منجك الوزير، ويسمعه الكلام الفجّ في كل وقت، وكان الوزير يتقيه، فلما توجه الأمير بيبغاروس الى الحجاز، عمل مغلطاي على إمساك الوزير، لأنه انفرد به، وقلب ذلك الحزب وأباده، وسيّر الى الطريق وأمسك النائب بيبغا، وهو أخو الوزير، وتفرّد بتدبير الحال، وطلع من الإصطبل وصار رأس نوبة، وسكن الأشرفية. وكان قد تزوج بابنة الأمير سيف الدين أيتمش نائب الشام، وأخرج الأمير سيف الدين شيخو الى الشام على أنه يتوجه الى طرابلس، ثم إنه سيّر الى دمشق فأمسكه، وجهّزه الى الاسكندرية، وأخرج الأمير علاء الدين علي المارداني الى دمشق، وأخرج غيره، وأراد إمساك أحمد الساقي نائب صفد، فجرى ما ذكرته في ترجمته، واستوحش الأمير سيف الدين أرغون الكاملي
نائب حلب، فعمل على إمساكه، وتخبّط أمر الشام ومن فيه، وتعب الناس به، وصاروا منه في أمر مريج، وزاد في الإقدام على القبض والنقل، وإخراج الأمراء من الديار المصرية.
ولم يزل شرّه يتفاقم، وضرره يتعاظم، الى أن خُلع السلطان الملك الناصر حسن في يوم الإثنين ثامن عشري جمادى الآخرة سنة اثنتين وخمسين وسبع مئة، وذلك بعد ركوبهم الى قبة النصر، وأجلسوا السلطان الملك الصالح صالحاً على الكرسي، ثم إن السلطان أمسكه في رابع يوم من مُلكه، وهو ثاني شهر رجب الفرد، وأمسك معه جماعة، منهم الأمير سيف الدين منكلي بغا الفخري، وجُهّزوا الى الاسكندرية، وفي مغلطاي يقول القائل:
سلطاننا في مغلطا
…
ي أطاع أمرَ الخالقِ
وشفى القلوب بحبسه
…
وأذلّ كلَّ منافقِ
وخبيصةَ البحر اغتدى
…
وخراه منه نقانقي
ولم يزل مغلطاي معتَقلاً الى أن أفرج السلطان الملك الصالح عنه وعن الوزير منجك، فوصل الأمير علاء الدين مغلطاي الى دمشق في حادي عشري شهر ربيع الآخر سنة خمس وخمسين وسبع مئة متوجهاً الى طرابلس ليكون بها مقيماً بطّالاً، وأقام بها قليلاً، فحصل له ضعفٌ وتعلّل، فسأل من السلطان أن يحضر الى دمشق ليتداوى بها ويقيم يها، فرسم له بذلك، فحضر الى دمشق وأقام بها أياماً قلائل، وهو في مرضه الى أن مات في تاريخه المذكور، رحمه الله تعالى.
وكانت مدة حكمه ثمانية أشهر ويومين، لأنه أمسك الوزير منجك في رابع