الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محمد بن موسى
القاضي الفاضل، الأديب الكاتب البارع شرف الدين المقدسي، كاتب الإنشاء بالديار المصرية، المعروف بكاتب أمير سلاح.
كا كاتباً بارعاً، ناظماً ناثراً، يأتيه المعنى على وفق إرادته ضارعاً، إذا نظم قلت العقودُ ينظم جواهرها، أو السماء يُطلع زواهرها، أو الرياض يجلو أزاهرها. يتلعب بالعقول سحره الحلال، يترشّف السمع منه كؤوساً ليست نشوتها مما يجري في الجديال. ونثره أحسنُ من رقم البرود، وآنقُ من حلول الكواكب في منازل السعود، وخطه يسرّ النواظر، ويُزري بالرياض النواضر، تخال سطوره فوق طروسه فتيت مسك على كافور، أو طرز صبح تطلعت من تحت أذيال ديجور. كأن جيماته وجنات خيلانُها تلك النقط، أو محاريب فيها قناديل لا تخبو نور معانيه ولا يقط، وكأن ألفاته ألفت الاعتدال فهي قدودُ الخرّد الغيد، أو قضبان بانٍ تميس من مرور النسيم، والهمزات من فوقها حمائم ذات تغريد:
فلو أعيد ابن هلال لحكى
…
مشياً على الرأس إليه القلما
وقال في هذا برود أحرفٍ
…
كنت أراها في كتابي أنجما
ولم يزل على حاله الى أن سكنت شقاشقه، وقرطست عن عرض الحياة رواشقه.
توفي رحمه الله تعالى في شعبان سنة اثنتي عشرة وسبع مئة.
وكان قد خدم الشجاعي وأمير سلاح، وبه يعرف في القاهرة.
أخبرني من لفظه شيخنا العلامة أثير الدين قال: هو رجل حسنُ الأخلاق، كريم العشرة، محتمل، فيه كرم، وله خط حسن ونثر كثير ونظم.
وجالسته مراراً، وكتبت عنه، وقرأ علينا من نظمه ونثره كثيراً، وقد خمّس شذور الذهب. في صنعة الكيمياء تخميساً حسناً يقضي له بسبق النظم وجودة حوك الكلام، ومطابقة الفصل. وأنشدني قال: أنشدني من لفظه لنفسه:
اليوم يوم سرور لا شرور به
…
فزوج ابن سماء بابنة العنب
ما أنصفَ الكأس من أبدى القطوب لها
…
وثغرها باسم عن لؤلؤ الحبب
قلت: قد تقدم لهذا المعنى نظائر في ترجمة صدر الدين بن الوكيل.
وبه قال أنشدني من لفظه لنفسه:
صرّف بصرف الحميّا ما حمى طرباً
…
فإن فيها لسم الهم درياقا
دنياك معشوقة والراح ريقتها
…
فارشف مراشِفها إن كنت عشّاقا
وبه قال: أنشدني له يخاطب الشجاعي، وكان كاتبه:
أيا علم الدين الذي عينُ علمه
…
تُريه المعالي نثرها ونظامها
قذفت لنا يا بحر أي جواهر
…
وها هي فالبس فذّها وتؤامها
ومنها:
رأى الملكُ المنصورُ أنك صالحٌ
…
لدولته يُلقى إليك زمامها
فولاكها إذا كنت في الرأي شيخها
…
وكنت إذا نادى الصريخ غلامها
فما احتفلت إلا وكنت خطيبها
…
ولا استبقت إلا وكنت إمامها
فلو غاب بدر الأفق نُبت منابه
…
بل الشمس لو غابت لقُمت مقامها
نهضت بعبء الملك والأمرُ فادح
…
وسُسْت الرعايا مِصرها وشآمها
ولمّا خمس شذور الذهب كتب إليه ابن الوحيد:
لقد رقّ تخميس الشذور فأصبحت
…
مداماً ولكن كرمُها حضرة القدسي
هي الشمس والأشعار في جنب حُسنها
…
نجوم وما قدْرُ النجوم مع الشمس
وكتب إليه شمس الدين بن دانيال:
إذا ناب في التقبيل عن شفتي طرسي
…
وعن بصري في رؤيتي لكم نفسي
وواصلني منكم خيال مخصّص
…
بروحي في حلم فما لي وللحسّ
ومن لي بمرآك الجميل الذي به
…
لعيني غنًى عن طلعة البدر والشمس
على أنني مستأنسٌ بعد وحشتي
…
بأنسِ ولي الدولة الأرخن النفس
غدوت به بعد البطالة عاملاً
…
ولا مثلما أعملت في زاده ضرسي
وإن ابنه الشيخ الخطير لمسعفي
…
بما شئت من رفد جزيل ومن أنس
وأقسم ما للأب والابن عندهم
…
حياة بلا روح تجيء من القدس
ومن شعر شرف الدين القدسي:
يا ليلة بت أستجلي محياها
…
كأنما بتّ أستجلي حميّاها
أولت يداً ثم ألوت بي فقلت إذاً
…
ما كان أرخصها عندي وأغلاها
بيوسف الحسن جزء من محاسنه
…
فاعجب لها وهي كثر كيف جزّاها
طال النهار انتصاراً فانطوت قصراً
…
كأن في شفقيها كان فجراها
منها:
يدير من لحظه أو لفظه لُطفاً
…
لو نستطيع لها شُرباً شربناها
والزير والبم والمثنى ومثلثه
…
محرّكات من الأوتار أشباها
ومنه في مليح اسمه سالم:
وأهيف تهفو نحو بانةِ قدّه
…
قلوب تبثّ الشجو فهي حمائم
عجبت له إذ دام توريد خدّه
…
وما الورد في حالٍ على الغصن دائم
وأعجب من ذا أن حية شعره
…
تجول على أعطافه وهو سالم
ومنه:
بي فرط ميل الى الغزلان والغزل
…
فكيف لا يُقصر العذال عن عذلي
مالوا عليّ ولاموا في الهوى عبثاً
…
من لم يمل سمعه مذ كان للملل
أضحى الغرام غريمي في هوى رشأ
…
يغنيه عن كحله ما فيه من كحَل
فالبدر من حسنه قد راح ذا كلف
…
والوردُ من خدّه قد راح ذا خجل
تشاغل الناس في الأسمار بي وبه
…
وإنني عن حديث الناس في شغل
وأنشدني له قاضي القضاة شيخ الإسلام تقي الدين السبكي، رحمه الله تعالى، قال: وأنشدني بعضها من لفظه:
ما مِلتُ عنك لجفوةٍ ومَلال
…
يوماً ولا خطر السلوّ ببالي
يا مانحاً جسمي السقام ومانعاً
…
جفني المنام وتاركي كالآل
عمّن أخذت جواز منعي ريقك ال
…
معسول يا ذا المعطف العسّال
عن شعرك الفحام أن عن ثغرك ال
…
نظام أم عن طرفك الغزالي
فأجابني أنا مالكٌ أهل الهوى
…
والحسن أضحى شافعي وجمالي
وشقائق النعمان أضحى نابتاً
…
في وجنتيّ حماه رشقُ نبالي
والصبر أحمد للمحب إذا ابتُلي
…
في الحب من محن الهوى بسؤالي
وعلى أسارى الحب في سجن الهوى
…
بين الملاح عُرفت بالقفّال
وقتلتُ معتزليّ في شرى الهوى
…
وطرفت بالتنبيه عين السالي
وتفقّه العُشّاق فيّ وكل من
…
نقل الصحيح أجزْتُهُ بوصال
والجوهري غدا بثغري ساكناً
…
يحمي الصحاح بقدّي الميّال
وشهود جسمي لو نظرت إليهم
…
بين الأنام عجبت من أفعالي
جرح البكاءُ عيونهم وقلوبهم
…
وزكوا لقذف الدمع في الأطلال
والشاهد المجروح عندي صادق
…
هل في قضاة العاشقين مثالي
وعلى رحيق الثغر صارمُ مقلتي
…
ولّيته، ولكل ثغرٍ والي
وعلى مقامات الغرام شواهدٌ
…
جسمي الحريري والبديع جمالي
ولبست من حُلل الجمال مفصّلاً
…
حسن الملابس مدهش الغزالي
ولحسني الكشاف من جمل الضيا
…
لمعاً لإيضاح الفصيح مقال
وأتى المطرّز نحو خدي راقماً
…
طُرُز العذار وحاز في أشكالي
والواقديّ بنار هجري والجفا
…
وكّلتُه فلكل سالٍ صال
وبلفظي الفراء يفري قلبَ من
…
وافى بناظر ناظري بنصال
ومَصارعُ العشاق بين خيامنا
…
ومقاتل الفرسان يوم نزال
ورفضْتُ نوم العاشقين فكلّ من
…
ذكر الغرام فدمعه متوالي
ولديّ سلوان المطاع سفاهة
…
لمتيّم أوثقتُه بحبالي
وخصصت إخوان الصفا برسائل
…
ولهم صفا ودي وهم آمالي
والبيهقي بوجه كل معنّف
…
في موقف التوديع والترحال
وبوجهي النقاش راح مفسّراً
…
صورَ الملاحة من دليل دلال
ورقيبي الكلبي قد أخسأتُهُ
…
بوقوفه في باب ذلّ سؤالي
ومجاهدٌ أضحى عليّ مقاتلاً
…
خوفاً من الرقباء والعُذّال
وأبو نعيم منعم في حليتي
…
إذ بات يمليها على النقّال
ومحاسني قُوت القلوب تكرّماً
…
ومناقب الأبرار حُسْن فعالي
وتطلعي زاد للسير ومبسمي ال
…
ضحّاك والمنثور حُسن لآلي
وبخدي الزهري جنّات المنى
…
أضحى بها الثوري من عمّال
وبمنطقي قسّ الفصاحة ناطقٌ
…
في فترة الأجفان للضلال
وقميص حُسني قُدّ من قُبُل الورى
…
بيدي اليمين وتارة بشمالي
والثعلبي رأى الوجوه بجهده
…
وحلا له في النقل وجهُ الحال
ولحسني الأنساب يرويها عن ال
…
عدل الزكيّ بصحة النُقّال
فيراه للتمييز نصباً واجباً
…
ورفعت عنه الهجر من أفعالي
ولي الخلافة في المِلاح بلحظي ال
…
سفّاح والمنصور في أقوالي
وعلى محلّي بالجمال رواية
…
في رايةٍ نُشرت ليوم جدال
ومدينة العلَم السخاوي أصبحت
…
في راحتي فعُرفت بالبذّال
قال الأوائل ما رأينا مثله
…
غصنٌ رطيب مثمر بهلال
قد عمّه الحسن الغريب وخاله
…
ما في البرية منه قلبٌ خال
فوصلت عُشّاقي فلام معنّفي
…
فأجبته هذا الذي يبقى لي
القوم أبناء السبيل وعندنا
…
تعطى زكاة الحُسن كالأموال
قد طالما نقلوا حديث محاسني
…
فهم عُدولي صحة ورجال
هذي القصيدة بالأئمة شرفت
…
قدري وفقت بها على أمثالي
وكأنها العقد الثمين وهم بها ال
…
در النظيم مكللاً بلآلي