الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قُلب، وسدساه داء، وكله يرى ما بين جنبيه لا جفنيه رمدا، يماثل قول المحاجي الأديب، مأمن للخائف قريب. وله خواص أُخر عجيبة وصفات بعيدة إلا عن ذهنك الصافي فإنها قريبة.
هذا ما ظهر للمملوك منه، وكُشف له من الغطاء عنه. فإن وافق الصواب فهو بسعادتك وبركات خاطرك، يا شيخ الشيوخ ويُمن إرادتك، وإلا فالعذر ظاهر في القصور، وشرّ الطير يأوي الخراب وخيرها يأوي القصور. والله يمتّع الأنام بهذه الكلم اللؤلؤيات، ويمنع بفضله من تحدي لمعارضة هذه الآيات البيّنات، بمنه وكرمه.
محمد بن يوسف بن عبد الله
الحزري شمس الدين، يُعرف بابن الحشّاش، وبالخطيب.
قال شيخنا البرزالي: كان أبوه صيرفيّاً بالجزيرة.
وقال كمال الدين الأدفوي: كان ذا فنون، وكان محسناً الى الطلبة. قدمت من الصعيد في سنة ست وسبع مئة، فوجدته يدرّس بالمدرسة الشريفية، وتؤخذ عليه دروس كثيرة، فسألته أن يرتّب لي درساً، فاعتذر بضيق الوقت، ثم قال: ما لك شغل؟ فقلت: لا، فقال: تحضر بعد العصر، فإن اتفق أن تجدني اقرأ. ففعلت ذلك، فلم يخلُ يوماً من الخروج إليّ، فقرأت عليه قطعة من المنتخب في أصول الفقه، وخصّني بوقت مع كثرة أشغاله وانتصابه للإقراء الى نصف النهار.
وكان حسن الصورة، مليح الشكل، حلو العبارة، عالماً بفنون من الفقه على مذهب الشافعي، والأصولين، والنحو، والمنطق، والأدب، مشاركاً في هندسة وغيرها من الرياضيات. قدم قوص مجرداً، فوجد بها الشيخ شمس الدين الأصبهاني حاكماً، فقرأ عليه فنونه، ثم إنه قدم مصر، واشتغل بها، وأعاد بالمدرسة الصاحبية، وأقام بالقاهرة، وولي تدريس الشريفية، وانتصب للإقراء، فقرأ عليه المسلمون واليهود وغيرهم. وكان يلقي دروساً، وتقرأ عليه طائفة، وصحب الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير، وارتفعت منزلته عنده مدة، ثم إنه وقع بينه وبين الشيخ نصر المنبجي فحطّ عند بيبرس من قدره، وشهد عليه بعض طلبته. وكان خطيباً بالقلعة، فعُزل عنها، وتولى الخطابة بالجامع الطولوني مدة، ثم لما عاد السلطان الملك الناصر سنة تسع وسبع مئة مشى حاله.
وتولى المدرسة المعروفة بالمعز بمصر.
وله تصانيف منها شرح التحصيل في ثلاث مجلدات، وشرح منهاج البيضاوي في مجلدة لطيفة ليست بطائل، صنّفه في آخر عمره، واعتذر في خطبته بالكِبَر، وله أجوبة على أسئلة المحصول، وشرح ألفية ابن مالك.
وكان فيه مروة وكرم أخلاق على الإطلاق، يسعى في حوائج الناس بنفسه، ويبذل جاهه لمن يقصده، ويسعفه بأربه. وله ديوان خُطب وشعر كثير.
وتوفي - رحمه الله تعالى - بمصر في سادس ذي القعدة سنة إحدى عشرة وسبع مئة، وقد جاوز الثمانين.
ومن شعره:
لم أصْبُ للبرق من تيماء يأتلق
…
إلا وللقلب من حُبّيكم عُلَقُ
يعتاض من حرّ أنفاسٍ تلهّبه
…
ثم استقل ولي في طيّه حرَقُ
يا لامع البرق إما لُحت معترضاً
…
لا تستقرّ كقلب هزّهُ القلق
إني أخال خفوقاً منك في عجَل
…
يهدى وقلبيَ لا يهدا به الفرَق
ويا نسيم الصبا هل لَبْثة بربى
…
نجدٍ على غفلة الواشين تتفق
وسل أُهيليه عن قلبي وما صنعوا
…
به فإني بما ترويه لي أثق
وعُد إليّ بما ضُمّنت من خبر
…
وفي دجا الليل من ظلمائه رمق
ومل إليّ دُوين القوم مستتراً
…
كي لا ينمّ علينا نشرُك العبق
أبثكم أن لي من بعدكم كبداً
…
أمست إليكم بنار الشوق تحترق
أهوى المنام لمسرى طيفكم كلفاً
…
به عسى مقلتي بالطيف ترتمق
وهل يخوض الكرى جفناً تقسّمه
…
كما يشاء الغرام الدمع والأرق
إن أحتكم أنا والأشواق نحوكم
…
يشهد بدعواي جفن من دمي شَرِقُ
لا تسمعوا فيّ أقوال الوشاة ولا
…
تُصغوا سماعاً بما قالوه واختلقوا
قالوا: نَبَتْه الليالي في تقلّبها
…
عن حبكم، فتناساكم وما صدقوا
ومنه:
يعيذك من نار حوتها ضلوعه
…
مشوق أحاديث البُعاد تروعه
بعدت فلما يعرف النوم جفنه
…
ولم يدر هل كان السكون يريعه
وكيف يلذ العيش بعدك مَن غدا
…
من العمر في محل وأنت ربيعه