الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نصر بن محمد بن محمد
السلطان أبو الجيوش ابن السلطان ابن الأحمر الأنصاري المغربي.
خرج على أخيه واعتقله وقتله وتملّك. وكانت دولته أربع سنين. ثم وثب عليه ابن أخته الغالب بالله وقهره، وقرر أبا الجيوش أميراً بوادي آش، فدام به نحواً من عشر سنين.
وتوفي رحمه الله تعالى في سنة ثلاث وعشرين وسبع مئة.
نصير بن أحمد بن علي
المناوي الحمّامي.
كان عامياً إلا في النظم الذي يأتي بسحره، ويدير على الألباب كؤوس خمره، وكان في تلك الحلبة في جيادها المعدودة، وسوابقها التي تذر الرياح الهوج وأنفاسها مكدوده، قعدت معه التورية وجادت، ورأست على كلام غيره وسادت، معانيه بليغة وألفاظه فصيحة، وأبكاره برزت حاسرة ولم تخش فضيحة، وتراكيب كلماته في كل ما يأتي به في غاية الانسجام، ومقاصده مليحة تطوف على النفوس منها بالأنس جام، جاراه فحول عصره وجاراهم، وكتبوا إليه فأجابهم وباراهم وما ماراهم، وربما أربى في اللطف على مجاريه، ولو لم يكن حمامياً لما عرف حرّ الأشياء وباردها وأخذ الماء من مجاريه، كم ألغز فألغى ذكر من تقدم، وأوجز فأوجب أن الذي أداره على الأسماع كأس السلاف المقدم، وأعجز من أعجب السامعين، فقالوا ما غادر هذا
الشاعر بعده من متردم، يقول من يسمع مقاطيعه الرائعة، أو يفكر في مقاصده اللائقة:
أحروف لفظٍ أم كؤوس مدامة
…
وافت ونشوة سامع أو شاربِ
مما يضم السلك في جيد المها
…
ة الرود، لا ما ضم حبل الحاطب
تحلو شمائل حسنها مجلوة
…
كالروض تحت شمائل وجنائب
وكان في مصر يرتزق بضمان الحمامات، ويقيم بلاغة من فضالة تلك القمامات، عادة جرى الدهر على قاعدتها مع الأدباء، وغادة لم تغن الأيام من كان كفؤها من الألبّاء.
ولم يزل على حاله حتى أصبح للأعداء رحمة، وبكته معانيه الجمة.
وتوفي رحمه الله تعالى في سنة أربع وسبع مئة.
ومولده بمنية بني خصيب سنة تسع وست مئة.
أخبرني شيخنا العلامة أبو حيان، قال: كان المذكور أديباً بمصر كيّس الأخلاق يتحرّف باكتراء الحمامات، وأسنّ وضعف عن ذلك، وكان يستجدي بالشعر. وكتبت عنه قديماً وحديثاً.
وأنشدني قال: أنشدني المذكور من لفظه لنفسه:
لا تفُه ما حييت إلا بخير
…
ليكون الجواب خيراً لديكا
قد سمعت الصدى وذاك جماد
…
كل شيء تقول، ردّ عليكا
قلت أنا: قوله: إن الصدى جماد فيه نظر، لأن الصدى هو الصوت العائد عليك عندما يقرع صوتك ما يقابلك من حائط أو غيره، ولكن يمكن أن يتمحّل له وجه ضعيف. والنصير رحمه الله تعالى أخذ هذا من قول ابن سناء الملك:
بان عليها الذل من بعدهم
…
ونراه حتى كاد أن لا يبين
فإن تقل أين الذين اغتدوا
…
يقل صداها لك أين الذين
وأخذه ابن سناء الملك من الأرجاني حيث قال:
سأل الصدى عنه وأصغى للصدى
…
كيما يجيب، فقال مثل مقاله
ناداه أين ترى محطّ رحاله
…
فأجاب أين ترى محط رحاله
وقال، أنشدني له أيضاً:
أقول للكزس إذ تبدّت
…
في كف أحوى أغنّ أحور
خرّبت بيتي، وبيت غيري
…
وأصل ذا كعبك المدوّر
وبه قال، أنشدني له:
إن الغزال الذي هام الفؤاد به
…
استأنس اليوم عندي بعدما نفرا
أظهرتها ظاهريات وقد ربضت
…
فيها الأسود رآها الظبي فانكسرا
وبه قال: أنشدني له:
قالوا افتضحت بحبه
…
فأجبت لي في ذا اعتذار
من لي بكتمان الهوى
…
وبخده نمّ العذار
قلت: أحسن منه وأصرح قول الآخر:
لافتضاحي في عوارضه
…
سبب والناس لوّام
كيف يخفى ما أكابده
…
والذي أهواه نمّام
وبه قال: أنشدني له:
ما زال يسقيني زلال رضابه
…
لما خفيت ضنىً وذبت توقدا
ويظنني حياً، رويت ريقه
…
فإذا دعا قلبي، يجاوبه الصدى
وبه قال: أنشدني له:
ماذا يضرك لو سمحت بزورة
…
وشفعتها بمكارم الأخلاق
وردعت نفسك حين تمنعك اللّقا
…
وتقول هذا آخر العشاق
وبه إجازة، قال: أنشدني لنفسه:
إني لأكره في الأنام ثلاثة
…
ما إن لهم في عدها من زائد
قرب البخيل، وجاهلاً متعاقلاً
…
لا يستحي، وتودّداً من حاسد
ومن البلية والرزية أن ترى
…
هذي الثلاثة جمّعت في واحد
وأنشدني من لفظه القاضي جمال الدين إبراهيم ابن كاتب سر حلب، قال: أنشدني من لفظه لنفسه:
لي منزل معروفه
…
ينهلّ غيثاً كالسحب
أقبل ذا العذر به
…
وأكرم الجار الجنب
وبه قال: أنشدني لنفسه:
رأيت فتى يقول بشطّ مصر
…
على درج بدت والبعض غارق
متى غطى لنا الدرج استقينا
…
فقلت: نعم وتنصلح الدقائق
قلت: في قوله الدقائق هنا نظر، وقد أشبعت القول في فساد ذلك في كتابي المسمى فضّ الختام عن التورية والاستخدام.
وبه قال: أنشدني له:
ومذ لزمت الحمام صرت فتى
…
خلاً يداري من لا يداريه
أعرف حرّ الأشيا وباردها
…
وآخذ الماء من مجاريه
قلت: لما كتب أبو الحسين الجزار الى النصير قوله:
حسن التأني مما يعين على
…
رزق الفتى والحظوظ تختلف
والعبد مذ كان في جزارته
…
يعرف من أين تؤكل الكتف
كتب النصير الحمامي بيتيه المذكورين، وقد أربى النصير على أبي الحسين، لأن الجزار أتى بمثل واحد، والحمّامي أتى بمثلين.
وقال النصير للسراج الورّاق: قد عملت قصيدة في الصاحب تاج الدين، وأشتهي أنك إذا قرئت عليه تزهزه لها وتشكرها، وسيّرها الى الصاحب، فلما أنشدت بين يديه بحضرة السراج، قال الوراق بعدما فرغ من إنشادها:
شاقني للنصير شعرٌ بديع
…
ولمثلي في الشعر نقد بصير
ثم لما سمعت باسمك فيه
…
قلت: نعم المولى ونعم المصير
فأمر له الصاحب بدراهم وسيّرها إليه. وقال: قل له: هذه مئتا درهم
صنجة، فلما أدى الرسول الرسالة، قال: قبل الأرض بين يدي مولانا الصاحب، وقل نسأل صدقاتك أن تكون عادة، فلما سمع الصاحب بذلك أعجبه، وقال: يكون ذلك عادة.
وكتب النصير الى السراج يتشوق:
وكدّرت حمامي بغيبتك التي
…
تكدّر من لذاتها صفو مشربي
فما كان صدر الحوض منشرحاً بها
…
ولا كان قلب الماء فيها بطيّب
قلت: وهذان مثلان أيضاً يتعلّقان بالحمّام.
وكتب أيضاً يستدعي:
من الرأي عندي أن تواصل خلوة
…
لها كبد حرّى وفيض عيون
تراعي نجوماً فيك من حرّ قلبها
…
وتبكي بدمع فارح وحزين
غدا قلبها صبّاً عليك، وأنت إن
…
تأخرت أضحى في حياض منون
وكتب ناصر الدين بن النقيب الى النصير، وقد حصل له رمد:
يقولون لي عين النصير تألمت
…
ولازمه في جفنه الحكّ والأكلُ
فقلت: أعين الرأس أم عين غيره
…
فلعلو شيء لا يداوى به السفل
فقالوا: به العين التي تحت صلبه
…
فقلت: لها التشيف عندي والكحل
وميل بماء الريق يبتلّ سفله
…
فيدخل سهلاً غير صعب وينسلُ
وأغسلها بالبيض واللبن الذي
…
علي بتقطيري له تجب الغسلُ
فإن شاء وافيتُ الأديب مدانيا
…
ولم أشتغل عنه وإن كان لي شغل
فكتب النصير الجواب:
أيا من له في الطب علم مباشر
…
وما كل ذي قول له القول والفعلُ
أتيت بطبٍ قد حوى البيع والشرا
…
تبيّن لي في ذلك الخرج والدخل
وإن كان لي بطبّك إنه
…
بسقمي صعب ليس هذا به سهلُ
فلا عدِم المملوك منك مداوياً
…
وما زال للمولى على عبده الفضل
وكتب ابن النقيب إليه وهو بقرية في خطه:
رغبت في كسر أجر
…
وفي اغتنام مثوبهْ
وهان ما كان فيه
…
من السراج صعوبهْ
ولست في أرض شام
…
ولست في أرض نوبه
وبيننا رمي سهم
…
غلطت بل رجم طوبه
فكتب النصير الجواب:
رُحماك يا خير مولى
…
ففي العتاب عقوبهْ
وأنت إن زدت عتباً
…
يغدو غلامك قوبه
والعبد مازال يهوى
…
لا بل يحب الرطوبه
تموّز فكرك والعب
…
دُ فكره فيك طوبه
قلت: ما كان يليق ذكر تموز وهو من شهور الروم، وطوبة وهو من شهور القبط.
وكتب النصير الى السراج الوراق:
كنت مثل الغزال والله يكفي
…
صرتُ في وجهه إذا جئت كلبا
ولعمري لا ذنب لي غير أني
…
تُبتُ لله ظن ذلك ذنبا
وهو لو جاءني وقد تبت حتى
…
يبتغي حاجة فلن أتأبّى
فكتب الوراق الجواب، ومنه:
وأتى الظبي مرسَلاً منك فاستغ
…
ربْتُ لما دعوتَ نفسك كلبا
ولكم جئت عادياً خلفه تل
…
هث عَدواً للصيد بُعداً وقربا
غير أني نظرت عين صفي الد
…
ين كادت أن تشرب الظبي شربا
فاترك التوبة التي قد رآها
…
لك وزراً كما زعمت وذنبا
واجتهد في رضاك عنه وقرّب
…
كل نائي المدى تنلْ منه قربا
فلكم رضت جامحاً في تراضي
…
هـ وذللت بالسفارة صعبا
وكتب الى السراج أيضاً ملغزاً في نون:
ما اسمٌ ثلاثي يرى واحداً
…
وقد يُعدّ اثنين مكتوبه
يظهر لي من بعضه كله
…
إذ كل حرف منه مقلوبه
أضف ثمانين الى ستة
…
إن شئت لا يعدوك محسوبه
اطلبه في البر وفي البحر لا
…
فات حجى مولى مطلوبه
فكتب الوراق الجواب:
يا سالب الألباب عن سحره
…
بمعجز أعجز أسلوبُهْ
ألغزت في اسم وهو حرفٌ وقد
…
يخفى علينا فيك محجوبه
وهو اسمُ أنثى مرضع، طفلها
…
غيرُ لبان الناس مشروبه
مطّرد منعكسٌ شكله
…
سيّان في العين مقلوبه
قلت: قول النصير: أضف ثمانين الى ستة وهمٌ منه، لأن النونين بمئة والواو بستة فيكون ذلك مئة وستة.
وكتب النصير الى الورّاق ملغزاً في سيل:
أيا مَن له ذهنٌ لدى الفكر لا يخبو
…
ومن لم يزل يحنو ولم يزل يحبو
قصدتُ سراج الدين في ليل فكرة
…
يكاد جوادُ العقل في سيلها يكبو
ليرشد في شيئاً به يدرك المنى
…
له قلب صبٍ كم فؤاد به صبُّ
إذا ركب البيداً يخشى ويُتّقى
…
ولم يثنه طعن ولم يثنه ضربُ
بقلب يهد الصخر يوم لقائه
…
ومن أعجب الأشياء ليس له قلب
فكتب الوراق الجواب:
أراك نصير الدين عذّبت خاطري
…
وقد راق لي من لغزك المنهل العذبُ
وأثبتّ قلباً منه ثم نفيته
…
وأعرفه صبّاً وهام له قلبُ
وأعرف منه أعيناً لا تحفّها
…
جفون كعادات الجفون ولا هُدب
ومن وصفه صبُّ كما أنت واصف
…
صدقت ولولاه لما عرف الحب
فدونك ما ألغزته لي مُبيّنا
…
وذلك ما يحتاجه العُجم والعُرب
وكتب النصير إليه أيضاً:
أتى فصل الخريف عليّ جداً
…
بأمراض لواعجها شدادُ
وأعذر عائي إن لم يعدني
…
وربّ مريض قومٍ لا يعاد
فأجاب الورّاق:
خلائقك الربيع فليس تخشى
…
خريفاً في الجسوم له اعتياد
ولا والله لم أعلمه إلا
…
صحيحاً والصحيح فما يعادُ
وكتب النصير إليه أيضاً:
أيها المحسن الذي وهب الله
…
تعالى الحُسنى له وزيادَهْ
ضاع ما كان من وصولات وصلي
…
فتصدق بكتبها لي مُعاده
أين تلك الطروسُ نظماً ونثراً
…
منك تأتي على سبيل الإفادهْ
كل طرس يحلى عروساً بدرّ ال
…
قول كم من عقد وكم من قلاده
كان عيشي إذا أتاني رسولٌ
…
منك يحيي خلاً أمتّ وداده
شهد الله ليس لي غير ذكرا
…
ك وإلا خرست عند الشهاده
فكتب الوراق الجواب:
لم يغب عن سواد عيني حبيبٌ
…
حلّ من قلبي المشوق سواده
فكأني ولا أذوق له رز
…
ءاً جريرٌ وذاك عند سواده
ذو بيان أدنى بلاغته تُن
…
سيك قساً وعصره وإياده
جوهري الألفاظ كم قلّد الأج
…
ياد عقداً من نظمه وقلاده
فعبيدٌ أدنى العبيد لديه
…
ولبيد عن نظمه ذو بلادَه
ولأزجاله ابن قُزمان يعنو
…
فلتوشيحه يقرّ عُباده
فات دار الطراز منه خلال
…
لَوبها للسعيد تمت سعاده
يا صديقي الذي غدا راغباً ف
…
ي وللأصدقاء فيّ زهاده
هجروني كأنني مصحف أو
…
مسجد قد أقيم أو سجّاده
دمت نعم النصير لي ما تغنّت
…
ساجعاتٌ على ذُرا ميّاده
وكتب النصير الى الوراق:
يا أيها المولى السرا
…
ج وماجداً أعلى مناره
يا من تجاوز فضله
…
حدَّ القياس مع العباره
يا من يلوح بوجهه
…
حسنٌ لناظره نضاره
يا بدر تمّ كم علي
…
هـ غدت من الفضلاء داره
كم في الورى معنى تني
…
ر ولم أقل طوراً وتاره
وإذا مدحناه فما
…
فيه صفات مستعاره
لمبشري إن زرتني
…
بشرى ويحظى بالبشاره
يا واعدي في السبت هـ
…
ذا السبت جاء وشنّ غاره
متصدقاً زرني فذا
…
يوم التصدق والزياره
فكتب الجواب عن ذلك:
مولاي يا حول الخلا
…
ئق والعبارة والإشاره
ومنمّقاً في الطرس رو
…
ضاً كاد أن يجري غضاره
قد كنت يوم السبت ذا
…
عزم على قصد الزياره
لو لم تشنّ عليّ آلامي كفاك الله غاره
وكتب النصير ملغزاً في النار:
وما اسم ثلاثي به النفع والضرر
…
له طلعة تُغني عن الشمس والقمر
وليس له وجه وليس له قفا
…
وليس له سمع وليس له بصر
يمد لساناً يختشي الرمح بأسه
…
ويسخر يوم الضرب بالصارم الذكر
يموت إذا ما قمت تسقيه قاصداً
…
وأعجب من ذا أن ذاك من الشجر
أيا سامع الأبيات دونك شرحها
…
وإلا فنم عنها ونبّه لها عمر
فكتب الوراق الجواب:
أراك نصير الدين ألغزت في الذي
…
يعيد لمسك الليل كافور في السحرْ
رأى معشر أن يعشقوها ديانة
…
وتالله لا تبقي عليهم ولا تذَرْ
وكل على قلب لهم ران اسمها
…
فمسكنهم فيها ومأواهم سقر
وقد وصفوا الحسناء في لهجة لها
…
كما وصفوا الحسناء بالشمس والقمر
ولو لم تكن ما طاب خبزٌ لآكل
…
ولا لذّ ماء في حماك لمن عبر
وكتب النصير الى الوراق ملغزاً في ديك:
أيا من لديه غامض الشعر يكشفُ
…
ومن بدره بادي السنا ليس يُكسَفُ
عساك هدىً لي إنني اليوم ذاهل
…
عن الرشد فيما قد أرى متوقف
أرى اسماً له في الخافقين ترفّع
…
أخا يقظة ذِكراً ولا يتعفّف
رأيت به الأشياء تبدو وضدّها
…
فكان لهذا الأمرلا يتكيّف
فعرّفه ذو السمع وهو منكر
…
ونكّره ذو اللب وهو معرّف
فجاوب لأحظى بالجواب فإنه
…
إذا جاوب المولى العبيد يشرّف
فكتب الوراق الجواب:
إليك نصير الدين مني إجابة
…
بها أوضح المعنى الحفيّ وأكشف
رأيتك قد ألغزت لي في متوجٍ
…
بتذكاره أسماعنا تتشنف
ينبّه قوماً للصلاة ومعشراً
…
عبادتهم آسٌ وكاسٌ وقرقف
له كرم قد سار عنه وغيرة
…
وعرفٌ به من غيره ظل يُعرف
حظيّاً تراه وادعاً في ضرائر
…
يزيّنه تاج وبُردٌ مفوَّف
وفي قلبه كيدٌ ولكن صدره
…
غدا ضيقاً مثلي بذلك يوصف
وكتب إليه النصير ملغزاً في نعامة:
ومفردٍ جمعاً يُرى
…
بحذف بعض الأحرف
اسم نعى أكثره
…
فقال باقيه أكفف
تراه يعدو مسرعاً
…
في بُرده المفوّف
فكتب الوراق الجواب:
لو قلت فيمن قد نعى
…
مات لصدقتك في
وكل باغ كالذي
…
يبغي رهين التلف
ألغزت في اسم طائر
…
في الأرض عنا ما خفي
يفحص فافحص عنه يا
…
ربّ الفنون تعرف
وهو لعمري في السما
…
ء يُقتفى ويقتفي
وكتب النصير الى الوراق، وعنده أحمد الزجّال:
عندنا من غدا بحبك مغرى
…
وله فيك عشقة وغرام
موصلي يهوى الملاح إذا ما
…
جاء صبح اللحى وولى الظلام
فهو لا ينتهي عن الشيب بالش
…
يب فماذا تقول يُجدي الملام
لا تسلّي منه الفؤاد مدامٌ
…
عن حبيب ولو تغنى الحمام
لو تبدّى لعينه ابن ثماني
…
ن غدا وهو عاشق مستهام
يستبيه من العيون بياض
…
ومن الألعس الشفاه ابتسام
قرّ عيناً وطب فديتك نفساً
…
عنده أنت أنت بدر تمام
فكتب الوراق الجواب:
حبذا من بنات فكرك عذرا
…
ء لها من فتيق مسكٍ ختامُ
خلت ميم الروي وقد ضا
…
ق ومن ذاق، قال فيه مدام
ولها من عقود لفظك حلي
…
لم يحُز مثل درّه النظّام
أذكرت بالشباب عيشاً خليعاً
…
نبت فوديه بعد آس ثمام
كيف لا كيف لا ولم أر صعباً
…
قط يأتي إلا وأنت زمام
وبما فيك من تأتٍ ولطفٍ
…
أنا شيخ للموصلي غلام
فهو نعم المولى ونعم النصير ال
…
مرتضى أنت صاحبا وإمام
وكتب النصير أيضاً إليه ملغزاً في كُنافة:
يا واحداً في عصره بمصره
…
ومن له حسن الثناء والسنا
تعرف لي اسماً فيه ذوق وذكا
…
حلو المحيا والجنان والجنى
والحلّ والعقد له في دسته
…
ويجلس الصدر وفي الصدر المنى
إن قيل يوما: هل لذاك كنية
…
فقل لهم: لم يخل ذاك من كنا
فكتب الوراق الجواب:
لبّيك يا نعم النصير والذي
…
أدنت به المنية لي كل المنى
عرّفتني الاسم الذي عرفته
…
وكاد يخفى سره لولا الكنى
له من الحور الحسان طلعة
…
تقابل المرآة منها الأحسنا
وخِدنه بعض اسمه طيرٌ غدا
…
أصدق شيء إن بلوت الألينا
وهو لسان كله وبعد ذا
…
منظره عند الكلام ألكَنا
وفي خوان المجد كان مألفي
…
عند الصيام ربّ فاجمع بيننا
وكتب النصير أيضاً الى الوراق مع ظروف يقطين في فرد:
يا مَن لدفع الردى غدا جُنّهْ
…
ومن له في قبولها المِنّهْ
هدية في الإناء يتبعها
…
خير نبي وهكذا السُنّه
إذا بدا ظرفها بغلطته
…
يود فتح الأديب لو أنّه
فكتب الوراق الجواب:
يا من غدا لي من العدا جُنّهْ
…
ومن بحمامه لنا جنّهْ
جاء بها الفرد وهو ممتلئ
…
مثل فؤاد الحماة بالكنّه
وكل ظرف منها بنوه على ال
…
فتح فحقق في حبه ظنه
وكتب النصير الى الوراق أيضاً:
رُبّ راوٍ عن النبي حديثاً
…
مسنداً شافياً كلاماً فصيحا
قال: قال النبي قولاً صحيحاً
…
قلت: قال النبي قولاً صحيحا
وفهمت الذي أشار إليه
…
وسمعت الذي رواه صريحاً
قال لي: يا أديب أنت فقيه
…
قلت: لا، قال: حُزت ذهناً مليحا
فكتب الوراق الجواب:
إن فعلاً جعلته أنت قولاً
…
ليس فيه يحتاج منكم وضوحا
فابْن منه مضارعاً يظهر الخا - في ويبدو الذي كنيت صريحا
وتراه يبدو لعينيك معت
…
لاً وقد قلت فيه قولاً صحيحا
وهو فعلٌ لم تأته أنت يا شي
…
طان فافهم مقاتلي تلويحا
وقال النصير يصف حمّامه:
حمّام الأديب العارف
…
ما يجري، وحالو واقف
بها اسطول وما فيها أسطال
…
والماء يتّزن بالقسطال
والعمال رأيتو بطال
…
والاسكندراني ناشف
وماريت فيها بلان
…
يسرّح لهد بالإحسان
والزبال يعرّ القوسان
…
قال والخاتمه يصّالف
ذي دونه وقيّمها دون
…
مبنية على مئة مجنون
والماء في المجاري مخزون
…
والأنبوب معوج تالف
وتابوت على فسقيّة قلت
…
مت بالكلية
خذوا من نصير الدية
…
وإلا اثنيناً متناسف
وما أحسن ما كتب به ابن دانيال وهو: