الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وله نظم. وكان حسن الأخلاق جميل الهيئة، باشر بعض الجهات ولما توفي خلّف جملة.
وتوفي بالقاهرة عاشر شعبان سنة اثنتين وثلاثين وسبع مئة.
محمد بن محمد بن عبد الرحمن
البليغ الفصيح الصدر الرئيس بدر الدين أبو عبد الله الخطيب بالجامع الأموي بدمشق ابن قاضي القضاة جلال الدين القزويني.
كان وافر الحشمة، ظاهر النعمة، جميل البزة، نبيل الوجاهة والعزة، كثير التجمل، غزير التحمل، سافر الوضاءة، غامر الوجه بالإضاءة، إذا رقا منبره أو توقل صهوته وأظهر من وجهه مضمره قال الناس: أترى ضمّ خطيباً أم ترى ضمّخ طيباً، وكان يؤدي الخطبة فصيحاً، ويوردها إيراداً مليحاً.
وكان في كل عام يتوجه الى الديار المصرية يزور والده ويكيد بذلك ضده وحاسده، فيقيم هناك مدة، ويقضي له وللناس أشغالاً عدة، ويلبس هناك تشريفاً، وفي دمشق إذا عاد مثله، ويسرّ بذلك قبيلة وأهله:
وأسعدُ الناس من لاقى بلا تعبٍ
…
مبدا السعادة في مبدا شبيبته
ولم يزل بدرُه في مطالع سعوده ومعارج صعوده الى أن خُسِف في تمامه، وتجرع كؤوس حِمامه.
وتوفي رحمه الله تعالى في ثاني جمادى الآخرة سنة اثنين وأربعين وسبع مئة، ودفن في مقابر الصوفية، وقد كمّل الأربعين أو تجاوزها قليلاً.
وكان قد خطب في حياة والده قبل أن يلي القضاء وفي حياة المشايخ الكبار مثل الشيخ كمال الدين بن الزملكاني والشيخ برهان الدين بن تاج الدين والشيخ تقي الدين بن تيمية. ولما طُلب والده الى مصر وتولى قضاء القضاة بالشام استقل هو بالخطابة فيما أظن، ولما طُلب والده ثانياً لقضاء الديار المصرية بقي هو في الوظيفة. وكان في كل سنة يتوجه على البريد الى مصر ويحضر عند السلطان ويلبس تشريفاً ويقيم عند والده مدة ثم يعود الى دمشق على البريد، وكانت له بذلك وجاهة زائدة وصيت بعيد، وقضى سعادة وافرة.
ولما عاد والده الى قضاء الشام ناب والده في الحكم، وكان قد أتقن الخطابة وانصقلت عبارته وتلفظ بها فصيحاً، وقرأ في المحراب قراءة حسنة طيبة النغم.
ولما توفي والده توهّم أن يلي المنصب فما اتفق له ذلك وانعكست آماله ونقض حبل سعده وتعكّس، وكلما حاول أمراً أدبر ولم ينجب فيه.
وطُلب الى مصر بوساطة الفخري ونزل عنده في القلعة، وأقام تقدير أربعة أشهر وعاد وقد أكمده الحزن، فأقام أياماً قليلة، ومات رحمه الله تعالى.
ولما توجه الى مصر بعد وفاة والده رحمهما الله تعالى كتبت أنا له توقيعاً بأن يستنيب في وظائفه من يراه الى أن يعود، ونسخته: أما بعد حمد الله الذي سيّر البدر في منازل سعوده، وأثمر رجاه الذي أنجب لصدق باطنه وظاهره عند غرس عوده، ورقاه الى درجات الكمال من إنجاز وعوده، وبلّغه أمانيه التي جاءت بها الأقدار على وفق غرضه واقتراح مقصوده. وصلاته على سيدنا محمد الذي أسرى به من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى، ونوّله من الكرامات ما لا يحصر لفضله ولا يحصى، وعلى آله وصحبه الذين لم يرَ عدوّ الدين في كمالهم نقصا، ولم يكن فيهم من يخالف له مفهوم أمر ولا نصّا، صلاة يتألق برقها في سماء الرحمة، ويترقرق ودقُها في نماء النعمة ما نسخت آية النور آية الظلمة، وأضرم الشفق جمرته من الغسق في فحمة، وسلامه الى يوم الدين.
فإنه لما كان الجناب الكريم العالي البدري له على الأبواب الشريفة في كل حين وفادة، وفاز من حسن النظر الشريف في كل أوان من الإنعام بإفاءة وإفادة، وخطر في برود الوقار بين أغصان السيادة، وتجمّل بملابس العلم الشريف مطرّزة برقوم السعادة، واتّصف بمكارم ارتجال معانيها لا يبادى ولا يباده، واقتفى سنن والده، وكان أفضل من سعى ومن برّ، ورقى بأهبة الخطابة درج منبره فكان بدراً بدا في سحابة عنبر، وأسال الدموع بمواعظه الصادقة الصادعة، وأذاب القلوب بحكمه النافذة النافعة، وناب في الأحكام وفصل القضايا المعضلة، وألقى الدروس، فجلا دياجي المسائل المشكلة، وجلس في المحافل فكانت تفاصيل الرياسة فيه مُجمَلة.