الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعظائم، وتزهد وتوجه الى مكة، ثم الى بغداد، ثم إنه فرّ منها لما همّوا بقتله، ثم هرب من ماردين، فشهدوا عليه بكفر ثان بحلب، فأمسكه قاضيها الشيخ كمال الدين بن الزملكاني، وبعثه مقيّدا الى دمشق، فأقيمت عليه البيّنة عند قاضي القضاة شرف الدين المالكي، فما أبدى عذراً وسكت، لكنه تشهد وصلى ركعتين وتلا القرآن ثم ضرب عنقه، وما كفّن ولا غُسل.
وكانت قتلته في يوم الثلاثاء حادي عشري شهر ربيع الأول سنة ست وعشرين وسبع مئة، وكان عمره نحواً من ستين سنة.
قلت: قال لي جماعة إنهم لما توجهوا به ليضربوا عنقه أنشد:
إن كان سفك دمي أقصى مرادهم
…
فما غلت نظرة منهم بسفك دمي
ابن نبهان
الشيخ محمد بن نبهان. وولده الشيخ علي بن محمد.
نجم الحطيني
اسمه أيوب بن أحمد، وإنما اشتهر بالنجيم الحطيني، وحطين بكسر الحاء المهملة وتشديد الطاء المهملة وبعدها ياء آخر الحروف ونون.
كان أفّاكاً، جريئاً على الأهوال فتّاكاً، لا يقدّم خوفاً من خالق ولا مخلوق، ولا يبالي بعد إدراك غايته أهو سابق أم مسبوق، يفتك نهاراً جهاراً، وإذا نزل بدار قوم رحل بخزية وترك عارا، ما حلّ في ناحية إلا ملأها فجورا، وكان له النّقص فيها زائراً ومَزورا، يفرّ من الشام الى مصر، ويخفر الذمة ويخون الإصر.
ولم يزل يذهب ويحور، ويظلم نفسه وغيره ويجور، ويفوت كلَّ زرية ودمه كما يقال يفور، حتى وقع بأعماله، وقطع الدهر بخيبة آماله:
وساقه البغي الى صرعة
…
للحين لم تخطر على باله
وكان المذكور شيطاناً من الشيطاين، وإبليساً من الأباليس، يسفك الدماء، ولا يقف عند خطة شرعٍ ولا غيره.
أول ما اتصل بخدمة الشيخ شمس الدين محمد بن أبي طالب شيخ الربوة المقدّم ذكره في المحمدين، وكان الشيخ شمس الدين شيخ الخانقاه التي بحطين، فاتفق أن جاء إليهم فقير بات في الخانقاه، فرأى نجيم هذا معه ذهبا، فلما كان في الليل نبهه نجيم، وقال له: قم فقد طلع الصباح، فقام فوجد الليل باقياً، فقال: لا عليك أنا أخفرك حتى تطلع من هذا الوادي، فخرج به وعرّج عن الطريق وذبحه وأخذ ما معه. وجرى لشيخه مع كراي نائب صفد ما ذكرته في ترجمته.
وهرب نجيم الى الديار المصرية، ودخل الى الصعيد واتصل ببعض الولاة وجرت له هناك واقعة أخرى من هذا النمط حدثني بها الشيخ شمس الدين بن الأكفاني وأُنسيت أنا كيفيتها.
ثم إنه حضر بعد ذلك الى الشام فوجد شيخه الشيخ شمس الدين شيخ الربوة بدمشق، وأراد أن يعود الى صحبته، فأبعده ولم يقرّبه، ولا أراه وجهاً لما تقدم منه.
وحدثني الشيخ شمس الدين بن أبي طالب قال: كنت أتحقق جرأته وإقدامه وكنت أخافه على نفسيه وأحذره، فما أنام في مقام الربوة حتى أتحصن وأحكم غلق الأبواب، فأكون في بعض الليالي نائماً، فما أشعر به إلا وقد أنبهني من نومي بإزعاج وبيده سكين ويقول لي: يا أفخاذ الغنمة، أو يا أفخاذ النعجة، إيش أعمل بك الساعة؟ فأقول له: اتق الله وخفْه، وأترفق له وأتلطف حتى يدعني ويمضي، ومن رأى الربوة وحصانتها تعجب من فعل المذكور.
ولم يزل بدمشق حتى أن أتى السلطان الملك الناصر محمد من الكرك الى دمشق سنة تسع وسبع مئة، فداخل مماليك السلطان والخاصكية واتصل بهم.
حدثني الشيخ نجم الدين بن الكمال خطيب صفد رحمه الله تعالى، قال: لم نشعر يوماً بالنجيم إلا وعليه تشريف هائل، وقد جاء يسلّم علينا، فقلنا له: من أين لك هذا؟ قال: من السلطان، ومهما كان لكم من الحوائج قضيتها، قلنا له: عرّفنا بهؤلاء أصحابك، فقال: لا والله، متى عرفتموهم أنحستموني عندهم، ولكن أنا أقضي أشغالكم، قال: وقال لي إنني أنام في القصر الأبلق بين صناديق الخزانة الخاص، وأرى السلطان في منامه وقيامه، وليس بيني وبينه غير صندوق.
ثم إنه عمل ملحمة وعتقها وذكر فيها حلية واحدة من مماليك السلطان اسمه جولجين. وقد تقدم ذكره في حرف الجيم، وذكر فيها أنه يلي الملك، وذكر فيها آثاراً وعلائم توصل الى رؤيتها في الحمّام، أو سأل عنها من البابكية، ولعب بعقل ذلك المسكين الى أن توهم أن ذلك يقع، وكان يقول له ولخوشداشيته أوقعوا الفعل، فيظهرون له الخوف، فيقول لهم: إذا لم تقتلوا السلطان، أنا أقتله لكم، فما قدّر الله تعالى ذلك، وتوجه معهم الى مصر وأقام عندهم سنتين.
ثم إنه جاء الى حطين فاطلع السلطان على القضية، فوسط جولجين ومعهم جماعة، ثم بعث أخذ النجيم على البريد من صفد وجهزه الى دمشق مسمراً، وكان الموكب واقفاً في سوق الخيل بدمشق، وقد أقبل جمله، وهو مبرقع، فتوهم الناس أنه بكتمر الحاجب.
وكان وصوله الى دمشق مسمراً في يوم السبت سادس عشري شهر ربيع الأول سنة خمس عشرة وسبع مئة. وقلت أنا فيه:
لابد في الاسم من معنى يخصصه
…
بذلك اللفظ فافهم حكمه الأزلي
كنجم حطين شاء الله رفعته
…
لكنها بمسامير على جمل