الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومذ أطعت هواكم ما عصيت لكم
…
أمراً ولا ملت في حبي عن الأدب
فما لطرفي لا يغشاه طيفكم
…
بُخلاً عليّ وأنتم أكرم العرب
محمود بن طي
الشيخ جمال الدين العجلوني المعروف بالحافي.
كان إنساناً حسناً فقير الحال ذا عيال، أقام بصفد مدة، وكان يعرف بعض عربية، وينظم شعراً لا بأس به، وصحب عفيف الدين التلمساني زماناً، وأخذ عنه ذلك المذهب. وكان مع فقره وتصوفه حادّ الأخلاق.
أنشدني كثيراً من شعره وكثيراً ما رواه لي عن عفيف الدين التلمساني، وكان لعله يحظ أكثر ديوان العفيف. وبحثت معه غير مرة. وكنت أردّ مقالته، وشعّب ذهن جماعة بصفد، وأعان الله على إنقاذهم، وكان يرتزق بشهادة القسم في خاص السلطان.
وتوفي - رحمه الله تعالى - بصفد في سنة أربع وعشرين وسبع مئة. وقد قارب السبعين سنة.
وكتبت أنا إليه مرة، وقد توجه الى قرية تُسمي عَلْما من قرى صفد، ومعه شخص يعزّ علي:
ألا هل تُرى نازلين ُبا عَلْما
…
أحطتم بما يلقى مشوقكم عِلما
فلو شاء حملي الريح نحو خيامكم
…
أتاكم بصبّ قد براه الهوى سقما
وما ضرّكم رعي العهود التي مضت
…
فكم قد رعى طرفي لبعدكم نجما
شُغلت بكم عن غيركم لا عدمتكم
…
فطرفٌ يرى إلا محاسنكم أعمى
وعلّمني دمعي وجوهر ثغركم
…
إذا غبتم عن مقلتي النثر والنظما
ولا عجب أن جاء صبري مُحاقُه
…
وحسنكم قد أخجل القمر التمّا
منعتم جفوني لذة الغمض في الدجا
…
فما ذاق طرفي بعدكم للكرى طعما
فكيف قضيتم بعدكم إن أدمعي
…
لعيني غسل وهي لم تبلغ الحلما
أظنكم طهّرتم بمدامعي
…
عيوني لما أن رأت غيركم قِدما
ولما شكت عيني إليكم سُهادها
…
حكمتم عليها أن تدوم وأن تدمى
ومَن كنتم أحبابه يا سروره
…
ويا سعده إن صح لك أو تمّا
ويا فوز قلب أصبحت خطراته
…
الى حبكم تسمو، وصب لكم يسمى
وإن كان عذّالي عموا عن جمالكم
…
فلي أُذن عن كل ما نقلوا صمّا
فكتب هو الجواب إليّ عن ذلك، ولكني لم أجده عند تعليقي هذه الترجمة.
وأنشدني من لفظه لنفسه تخميس قصيدة جيمية للعفيف التلمساني:
بالناظر الفاتر الوسنان ذي الدعج
وما بخدّ الذي تهوى من الضّرج
قم يا نديمُ فما في الوقت من حرج
انظر الى حسن زهر الروضة البهج
…
واسمع ترنّم هذا الطائر الهزج
لي الهنا قد وفت سعدي بما وعدت
ودارها قربت من بعدما بعدت
فانظر تشاهد أنوار الجمال بدت
تُجلى الرياض وقينات الحمام شدت
…
والزهر يحرق عرف المندل الأرج
نُسَيمة القرب من ذاك الجمال سرت
فكم فؤاد بها سرّت وكم أسرت
وخاطر بلبلته عندما خطرت
فعاطِني يا رشيقَ القد ما اعتصرت
…
يد الملاحة لي من طرفك الغنج
عزت فعزّ علينا نيل مطلبها
لما تسامت علوّاً في تمرتبها
وفي لحاظك معنى عن تطلبها
فما المدامة في سلب العقول بها
…
بالسُكر أسلبُ من عينيك للمُهج
صهباء تذهب بالتبريح والترح
وتُبدِل الهمّ والأوهام بالفرح
يا طيب في ساحتي حاناتها مرحي
وإن تُرد مزجها لا تمزجن قدحي
…
دعه برقة وجدي فيك يمتزج
يا ويح روحي تمادت في مآربها
واستعذبت ما تلاقي من مُعذّبها
مسلوبة قد براها عشقُ سالبها
مرّت ليالي صدود لو جمعت بها
…
دمعي جرت سفنٌ منه على لجج
أشفقت من فيض آماقي على غرقي
ولم يخلّ الضنى مني سوى رمقي
وبُدِّل النومُ بالتسهيد والأرق
كم قد فتحت لضيف الطيف من حُرَق
…
باب المنى فانثنى عنه ولم يلج
عليك مُذ كنتَ لي ما زلت معتمدا
لما أجلّك بالتعظيم معتقدا
ولم أحل عن عهود بيننا أبدا
وكم بذلت جميعي مجتهداً
…
وصنت سرّك في قلب عليك شج
أضحى وجودي منسوباً الى العدم
وسرُ وجودي بسقمي غير مكتتم
كم قد تبرّمت من شوقي ومن ألمي
وشمت برقاً على الجرعاء من إضم
…
قلبي عليك وطرفي غير مختلج
لي البشارة أحلامي بكم صدقت
وبالرضا أحسن الأحوال قد نطقت
وكان ما صار بالحسنى التي سبقت
وهذه ليلة من لؤلؤ خُلقت
…
حسناً وإن ظهرت في صبغة السبج
أكرم بها ليلةً عظّمت حرمتها
ودمت أشكر مهما عشت نعمتها
ولم أخف من صروف الدهر نقمتها
جلت ثناياك ذات الظلم ظلمتها
…
ولم يكلها لضوء الشمع والسّرج
لما تجنّبت عن علمي وعن عملي
شوقاً لرؤياك يا سولي ويا أملي
أفنى فِناك فنائي وانقضى أجلي
فصار ثبتك في محوي يحقق لي
…
إيجاب سلبي من ستر ومن بهج
ومذ تجلّيت في كل المظاهر لي
ولاح معناك لي في السهل والجبل
حققت رؤياك كشفاً بالعيان جُلي
فلم أقل للصّبا من بعدها احتملي
…
للحيّ شخصي ولا لي في الخيام لُجي
محمود بن سلمان بن فهد
الشيخ الإمام العالم العلامة الأديب الكامل البارع الناظم الناثر القاضي الرئيس الجليل شهاب الدين أبو الثناء الحلبي الدمشقي الحنبلي، صاحب ديوان الإنشاء بدمشق.
سمع من الرضيّ بن البرهان، ويحيى بن عبد الرحمن بن الحنبلي، والشيخ جمال الدين بن مالك، وابن هامل المحدّث، وغيرهم. وكان يذكر أن له إجازة من يوسف بن خليل، وتفقه على ابن المنجا وغيره. وقرأ العربية على ابن مالك، وتأدّب بالشيخ مجد الدين بن الظهير الإربلي الحنفي، وسلك طريقه في النظم وحذا حذوه وأربى عليه، وإن كان قد تلا تلوه، لأنه كان إذا نظم أخذ الكلمات حروفاً، فإذا ركّبها صارت في الآذان شنوفاً، يرشف السمعُ منه مدامه، ويتعلم التغريدَ منها الحمامة، ويُسطرها فيرى الناس بدرها وقد استفاد تمامه، وزهرَها وقد شق الربيع كمامَه، وروضها وقد جادته الغمامه. وإذا نثر فضح الدر في السلوك، ورصّعه في تيجان الملوك، فكم من تقليد هو في يد صاحبه للسعد إقليد، وكم منشور فيه توليد، وهو بوجنة السيادة توريد، وكم من توقيع هو قنديل يضيء لمن حواه أو هو في كأس مسرّته قنديد. وخطه من أين للوشي رقمه أو للعِقْد نظمه أو للروض زهره أو
لطرف الحبيب سِحره، أو للنجوم طرائقه، أو لخطوط إقليدس دقائقه، أو للفكر الصحيح حقائقه، قد نمّق أوضاعه المتأنّقة، ونسخ محاسن من تقدّمه بحروفه المحقّقة:
ينمنِمُ الخطّ لا يجتاب أحرُفَه
…
والوشي مهما حكاها منه يجتابُ
لو لم يكن مستقيماً بعدما سجدت
…
فيه المعاني لقلت السطرُ محرابُ
أملى تصانيف في أكمامها ثمرٌ
…
تجنيه بالفهمِ دون الكف ألبابُ
وكان - رحمه الله تعالى - ممن أتقن الفنين نظماً ونثرا. وبرع في الحالين بديهة وفكرا. وكان هو يزعم أن نثره أحسنُ من نظمه، وأن بدره فيه أكمل منه في تمّه.
والذي أراه أنا، وأبرأ فيه من العناية والعنا، أن نظمه أعذب في الأسماع، وأقرب الى انعقاد الإجماع، لأنه انسجم تركيباً وازدحم تهذيباً، فسحر الألباب، ودخل بالعجب من كل باب، وإن كان نثره قد جوّده، وأجراه على قواعد البلاغة وعوّده، فإن شعره أرفع من ذلك طبقة، وأبعدُ شأواً على من رام أن يلحقَهْ، وهو يحذو فيه حذو سبط التعاويذي. وقصائده مطوّلة فائقة، ليس يرتفع فيها ولا ينحطّ، بل هي أنموذج واحد ليس فيها ما يُرمى. ولم يكن بغوّاص على المعاني ولا يقصد التورية، فإنها جاءت في كلامه قليلة، ومقاطيعه قليلة، ولكن قصائده طويلة طائلة هائلة، لعلها تجيء في ثلاثة مجلدات أو أربعة، ولم يجمعها أحد، وهي كما قال ابن الساعاتي:
ناطقاتٌ بكل معنىً يضاهي
…
نُكَتَ السّحر في عيون الملاح
من نسيب يهزّ عاطفة المج
…
د ومدح يلين قلب السماح
وأما نثره فيجيء في ثلاثين مجلدة. وكان أخيراً بالديار المصرية، يُنشئ هو ويكتب ولده القاضي جمال الدين إبراهيم، فيجيء المنشور أو التوقيع فائقاً في خطه ولفظه.
وعلى الجملة فلم أر مَن يصدق عليه اسم الكاتب غيره، لأنه كان ناظماً ناثراً، عارفاً
بأيام الناس وتراجمهم ومعرفة خطوط الكتّاب، وله الروايات العالية بأمها كتب الأدب وغيره، ورأى الأشياخ وأخذ عنهم. وعُيّن في وقت بالديار المصرية لقضاء الحنابلة.
وهو - رحمه الله تعالى - أحد الكلمة الذين عاصرتهم وأخذت عنهم. وكان يكتب الإنشاء أولاً بدمشق، ثم إن الصاحب شمس الدين بن السلعوس نقله الى الديار المصرية لما توفي القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر، وتقدم ببلاغته وكتابته وإنشائه وسكونه وتواضعه.
وأقام بالديار المصرية الى أن توفي القاضي شرف الدين بن فضل الله بدمشق، فجُهز مكانه الى دمشق صاحب ديوان الإنشاء، فأقام بها الى أن توفي - رحمه الله تعالى - ليلة السبت ثاني عشري شعبان سنة خمس وعشرين وسبع مئة بدار الفاضل بدمشق داخل باب الناطفانيين، وصُلي عليه ضحى يوم السبت بالجامع الأموي، وصلى عليه نائب الشام الأمير سيف الدين تنكز والأعيان برّا باب النصر، ودفن التي عمّرها لنفسه بالقرب من مسجد ابن يغمور، وصُلي عليه بمكة والمدينة.
ومولده في شعبان سنة أربع وأربعين وست مئة.
وكان محباً لأهل الخير والصالحين، مواظباً على النوافل والتلاوة والأدعية، يستحضر ذلك، ويذكر الموت دائماً، وعنده خوف من الله - تعالى - وعليه سكينة كبيرة ووقار.
ولما مات رحمه الله تعالى كنت بالديار المصرية فقلتُ أرثيه، ولم أكتب بها الى أحد:
ما حُزن قلبي في البلوى بمحدودِ
…
ولا فؤادي في السّلوى بمعدودِ
فلا تذمَّ امرأ يبكي الدماء على
…
أبي الثناء شهاب الدين محمود
يا ساري الليل يبغي الفضلَ مجتهداً
…
ارجع وحُطَّ عن المهريّة القُود
مات الإمام الذي كنا نؤمّ له
…
فيما نؤمّله من غير تفنيد
وأقفرت ساحةُ الآداب واندرستْ
…
معالم العلم منه بعد تشييد
أما ترى كيف كتّاب الأنام غدت
…
أوراقُهم وهي فيه ذات تسويد
هو الإمام الذي لما سما كرماً
…
ألقت إليه المعاني بالأقاليد
طوفان علم جرَت فيه السّفينة من
…
آدابه واستوت منه على الجودي
فليس باغي معاليه بذي ظَفَرٍ
…
وليس راجي أياديه بمردود
كأن أقلامه في الكفّ بانُ نَقىً
…
حمائم السّجع منها ذات تغريد
فيرجع الطّرس من نقش عليه بدا
…
كأنّه نقش كفّ الكاعب الرود
كم قلّد الدهر عقداً من قصائده
…
بدُرّ لفظٍ بديع الرّصفِ منضود
وكم حبا الملكَ تيجان البلاغة من
…
تلك التواقيع أو تلك التقاليد
وكم أفاد المعاني من بلاغته
…
ما زانها باختراعاتٍ وتوليد
فصال إذ صان سرّ الملك منفرداً
…
على الأعادي بكيدٍ غير مكدود
فلا قوامُ القَنا يهتزّ من مرح
…
ولا خُدود المواضي ذات توريد
وليس يُسمَع للأبطال همهمةٌ
…
رعودها خار منها كل رِعديد
تدبير مَن حلبَ الأيام أشطرها
…
مهذّب الرأي في عزم وتسديد
أراه إن قام ذو فضلٍ بمنصبه
…
قال البيانُ له قُم غير مَطرود
أمّا ترسُّلُه السهل البديع فقد
…
أقام في شاهقٍ بالنّجم معقود
أنسى الأنام به عبد الرحيم كما
…
راح العماد بقلبٍ غير معمود
تراهُ إن أعمل الأيام مُرتَجلاً
…
قال البيانُ لها يا سُحبَنا جودي
يُملي ويكتبُ من رأس اليراع بلا
…
فِكرٍ فيأتي بسحرٍ غير معهود
إذا سمعنا قوافيه وقد نجزَت
…
تقول من طرَبٍ ألبابنا عيدي
شاعَت فضائلُهُ في الناس واشتهرت
…
وبات يُنشدها الرُكبانُ في البيد
يا مَن رجعتُ به في الناس معرفةً
…
من بعد ما زال تنكيري وتنكيدي
ساعدت فيكَ حمامُ الأيكِ نائحةً
…
فقصّرت فيك عن تَعداد تَعديدي
لهفي عليك وهل يُجدي التلهّف أو
…
يفكّ أسرَ فؤادٍ فيك مصفود
وحُرقَتي فيك لا يُطفي تلهّبها
…
دمعي ولو سال في خدّي بأخدود
فلا جفَت قبركَ الأنواءُ وانسجمت
…
عليه يا خير ذي صمتٍ وقد نودي
وكنتُ قد قرأت عليه المقامات الحريرية وانتهيت منها الى آخر المقامة الخامسة والعشرين في سنة ثلاثة وعشرين وسبع مئة، فكتب هو عليها: قرأ عليّ المولى الصدر فلان الدّين، نفعه الله بالعلم ونفع به، من أوّل كتاب المقامات الى آخر الخامسة والعشرين قراءة تُطرب السامع وتأخذ من أهواء القلوب بالمجامع، وسأل منها عن غوامض تدلّ على ذكاء خاطره المتّقد، وصفاء ذهنه العارف منه بما ينتفي وينتقد. ورويتها له عن الشيخ الإمام مجد الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن الظهير
الإبلي، وساق سنده الى الحريري ثم إنه كتب لي على آخرها وقد كمّلت قراءتها عليه بدمشق في ثاني عشر شهر الله المحرّم سنة أربع وعشرين وسبع مئة: قرأ عليّ المولى الكبير الرئيس العالم الفاضل المُتقِن المُجيد نظماً ونثراً المحسن في كل ما يأتي به من الأنواع الأدبية بديهة وفكراً. فلانُ الدين نفعه الله بالعلم ونفع به كتاب المقامات الحريرية قراءة دلّت على تمكنه من علم البيان واقتداره على إبراز عقائل المعاني المستكنّة في خدور الخواطر مجلوّة لعيان الأعيان. وإنه استشفّ أشعة مقاصدها بفكره المتّقد، وفرّق بين قيم فرائدها بخاطره المنتقد، فما تجاوز مكاناً إلا وأحسن الكلام في حقيقته ومجازه، ولا تعدّى بياناً إلا وأجمل المقال في تردد البلاغة بين بسط القول فيه وإيجازه، ورويته له عن فلان، وذكر السند على العادة.
وكتب هو لي أيضاً على كتاب الحماسة: قرأ عليّ الصدر فلان الدين قراءة مطّلع من البلاغة على كنوزها، مميّز في الصناعة بين لُجين بديعها وإبريزها: باحثٍ عن إبراز مقاصدهم التي لا توجد في كلام مَن بعدهم، عالم بقيم فرائدهم التي إذا ساواها بغيرها نُقّاد الأدباء بسرح الامتحان والسبك نقدهم. ثم ذكر سنده فيها، على العادة.
وكتب هو أيضاً على كتابه أهنا المنائح في أسنى المدائح مما نظمه هو في مديح رسول الله صلى الله عليه وسلم:
قرأ عليّ المولى فلان الدين أيّده الله تعالى هذا الكتاب والزيادات الملحقة في آخره من نظمي أيضاً قراءةً دلّت على وفور علمه، وثبْت رويّته في استنباط المعاني وقوة إدراكه وسرعة فهمه، وشهدتْ بتمكّنه في هذه الصناعة، وأنبأتُ عما يُجريه فكره من مواد البراعة على لسان اليراعة، وأذنتُ له أن يرويها عني، وغيرها مما قرأه عليّ وما لم يقرأه من نظمي ونثري ومسموعاتي وإجازاتي.
وكتبتُ أنا في آخر كتابه حسن التوسل الى صناعة التّرسّل بعدما قرأته عليه في شهر رجب سنة ثلاث وعشرين وسبع مئة: قرأت هذا الكتاب على مصنّفه الشيخ الإمام:
العالمُ العلامة الحبر الذي
…
بهرت عجائبه بني الآداب
ودنت لديه المشكلاتُ وطالما
…
جمحت أوابدُها على الطُلاب
من كل قافيةٍ تهزّ معاطف ال
…
أيّام من سُكر بغير شراب
ورسالةٍ غلبت عُقول أولي النُهى
…
وتلعّبت بالسحر للألباب
الألمعي أخي الفواضل والنّدى
…
الكامل الأدوات والأسباب
المفوّه، المدبّر، المشير، السفير، يمين المُلك، يمين الملوك والسلاطين، شهاب الدين أبي الثناء محمود صاحب ديوان الإنشاء الشريف بالشام المحروس:
لا برِحَت أبكارُ أفكاره
…
تُجلى لنا في حبر الحِبر
وروضة الآداب مفترّة
…
من لفظه عن يانع الزهّر
ابن المولى الوليّ الصالح السعيد زين الدين سلمان بن فهد رحمهما الله تعالى في مجالس آخرُها التاريخ المذكور، وقد رأى أن ينظمني في سلك خدَمه ويُفيض عليّ كما أفاض عليهم ملابس نعمه، ويحشُرني في زمرة الآخذين عنه ويُقبسني أنوارَ كماله في التهذيب الذي لم تطمح النفسُ الأبية أن تقبسها إلا منه.
وكتبتُ أنا على أول هذا الكتاب:
إذا كُنتَ بالإنشاء حلْف صبابةٍ
…
فقُم واتخذ حُسن التوسل واسطَهْ
به ختم الآدابَ مُنشيه للورى
…
ولكن غدا في ذلك العقد واسطه
إمامٌ له في العِلم والجسم بسطةٌ
…
وكفٌ غدت في ساحة الفضل باسطَهْ
فطوبى لمن أضحى نزيلَ مقرّه
…
وقابلَه يوماً وقبّل باسطَهْ
فلما وقف هو عليها كتب إليّ رحمه الله تعالى:
أذا الدّرّ أم ذا الزّهر لو كان حاضراً
…
محاسنه حسّانُ أصبح لاقطَهْ
وذا البدر حيثُ البدر في كبدِ السّما
…
على حبّه أطيار عقلي ساقطَه
تفضّلت غرسَ الدّين لما تقبّلت
…
علومُك أعمالاً من النقص حابطَه
وشيّدت إذ قيّدتَ فينا ضوابطاً
…
قواعدُها لولا وجودُك هابطَه
وقرأت عليه بعض ديوان أبي الطّيب. وقرأت عليه ألفية ابن مالك ورواها لي عن المصنّف.
ولما قرأت عليه قوله في كتاب حُسن التّوسل:
فلم أرَ مثلَ نشرِ الروض لما
…
تلاقينا وبنت العامريّ
جرى دمعي وأومضَ برق فيها
…
فقال الروضُ في ذا العام ريّي
أخذتُ في الزهزهة لما في هذين البيتين من الجناس المركب، وبالغتُ في الثناء عليهما فقال لي: خُذ نفسك بنظم شيء في هذه المادة، فامتنعتُ فقال: لابد من ذلك، فغبت عنه يومي، وجئته في اليوم الثاني وأنشدته لنفسي في هذه المادة:
بقول الشافعيّ اعْمَل تُحقّقْ
…
مُناك فما ترى كالشّافعيّ
فكم في صحبه من بحر علمٍ
…
ومن حَبْرٍ ومن كشّاف عِيّ
فقال: حسن، وعجّب بهما الحاضرين. ثم قال: إلا أن قافيتي أنا رائيّة، فغبتُ عنه يومي وأتيته في غد، وأنشدته لنفسي:
أرى في الجَودريّة ظَبي أُنس
…
فيا شَغفي به من جو دريّ
لبارق فيه سحّتْ سُحبُ دمعي
…
فقال الروضُ إنّ الجودَ ريّ
وأنشدته لنفسي أيضاً:
أقول لمُقلتي لما رَمَت في
…
فؤادي حسرةً من عنبريّ
سلمتِ وبات قلبي في عذابٍ
…
ألم يخشى فؤادك عن بريّ
فقال: حسنٌ لسنٌ، وزاد في الإعجاب بذلك، ثم قال: إلا أن قافيتي أنا مؤسّسة، يعني أن فيها الألف، فأتيته في اليوم الثاني وأنشدته لنفسي أيضاً:
مليكٌ كم سحاب سحّ لي من
…
نداهُ الهامعيّ الهامريّ
وقال السّيف في يُمناهُ لما
…
رأى الأعداء: من ذا الهام ريّي
فقال: أجدتَ، ولكن أنا بيتاي في غزل، وهذان في مديح، فغبت عنه يومي، وجئته في اليوم الثاني وأنشدته لنفسي:
مليحٌ جاء بعد الحجّ يُذكي
…
غَرامي بالنّسيم الحاجريّ
تلظّت منهُ أشواقي بقلبي
…
وقالت: عند هذا الحاج رييّ
فزاد في تقريظهما والثناء عليهما، فقلت: يا سيدي، والله ما يلحقك أحد في بيتك، ولو كان المطوّعي أو البُستي. قال: ولمَ ذاك؟ قلت: لأنك شاعرٌ مجيدٌ فحلٌ وقعتَ على المعنى بكراً فلم تدع فضلة لغيرك ليأتي به في تراكيبك العذبة الفصيحة ومعناه الحسن البليغ، فبالغ في الجبر والصدقة.
وأنشدني من لفظه لنفسه:
قُل لي عن الحمّام كيف دخلتها
…
يا مالكي لتسُرَّ خِلاً مُشفقا
أدخلتَها وأولئك الأقوام قد
…
شدّوا المآزِر فوق كثبانِ النّقا
فاستحسنتُهما، وأنشدته لنفسي مضمّناً في اليوم الثاني:
مليحٌ أتى الحمّام كالبدر في الدُجا
…
ومبسمُه يُزري بزهرِ الكواكب
وأردافُهُ من تحت مئزره حكَت
…
بياض العطايا في سَواد المطالبِ
فأعجبه هذا التضمين كثيراً، وأنشدني يوماً له:
إذا كان من أهواهُ روحي وراحتي
…
ولُقياهُ أرجى من حياتي وأرجحُ
وأظمأني منهُ الزّمانُ بفقدِه
…
فلا شكّ أن الموت أروى وأروحُ
فاستحسنتُهما، وأنشدته لنفسي في اليوم الثاني:
لئن كان ما بي عنك في الحبّ خافياً
…
فلا شكّ أن الله أعلى وأعلم
وإن كنتَ في إنسانِ عيني ممثَّلاً
…
ففي خاطري ذكراكَ أغرى وأغرم
وإن كنتَ أذكيتَ الجوى بمدامعي
…
فنارُ الهوى في القلب أضرى وأضرَم
وإن كنت تختارُ المنى في منيّتي
…
فوالله إنّ الموت أسلى وأسلَم
فقال: نفَسٌ جيد دالّ على التمكّن والقدرة، ولكن اجتهدْ إذا عارضت أحداً أن يكون قولك في وزنه ورويّه، فأنشدته في اليوم الثاني:
لئن طلبتُ نفسي السّلوَّ عن الذي
…
تلفْتُ به فالصّبرُ أنجى وأنجَحُ
فقُل للحَيا الهتانِ أمسِك ولا تَرُم
…
مُساجلَتي فالدّمع أسمى وأسمحُ
فقال رحمه الله تعالى: أجدتَ بارك الله فيك.
وأنشدني يوماً لنفسه قوله:
غريبٌ سبَوا نَومي ولم تدرِ مُقلتي
…
كما سلبوا قلبي ولم تشعُر الأعضا
وطلّقت نومي والجفونُ حواملٌ
…
فمن أجلِ ذا في الخدّ أبقَت لها فرضا
فغبتُ عنه وأنشدني في اليوم الثاني:
سننتَ السُهادَ بمنعِ الكَرى
…
فأظهرتَ في حالة بِدعتَيْن
وصيّرتَ تكرارَ دمعي على
…
خُدودي من فوقها فرضُ عيْن
فأعجباه كثيراً.
وأنشدني قوله أيضاً مما كتب به الى الملك المظفّر صاحب حماة:
أمّلتُ أنك لا تزالُ بكلِّ مَنْ
…
ناواكَ من كلِّ الأنام مُظفّرا
ورجَوتُ أن تطأ الكواكب رِفعةً
…
من فوق أعناقِ الورى وكذا جرى
فغبتُ عنه وأنشدته في اليوم الثاني:
أمّلت أن تتعطفوا بوصالكم
…
فرأيتُ من هجرانكم ما لا يُرى
وعلِمتُ أن بعادكُم لا بدّ أن
…
يَجري له دمعي دماً وكذا جرى
فأعجباه كثيراً وزهزهَ لهما.
وأنشدني من لفظه لنفسه يعارض ابن الخِيَمي:
قضى، وهذا الذي في حبّهم يجبُ
…
في ذمّة الوجد تلكَ الروح تحتسِبُ
ما كان يوم رحيل الحيّ عن إضَمٍ
…
لروحِهِ في بقاءٍ بعدَهُم أرَبُ
صبٌّ بكى أسفاً والشّملُ مجتمِعٌ
…
كأنه كان للتفريقِ يرتقبُ
نأوْا فذابت عليهم روحُه أسفاً
…
ما كان إلا النوى في حتفه سببُ
طوبى لمن لم يبدَّلْ دينَ حبِّهم
…
بل ماتَ وهو الى الإخلاص منتسبُ
لو لم يمُت فيهم ما عاشَ عندَهم
…
حياتُه من وفاةِ الحب تكتسبُ
بانوا وفي الحيّ ميتٌ ناح بعدَهم
…
وُرْقُ الحمام وسحّت دمعَها السُّحُبُ
وشقّ غصنُ النّقا من أجله حَزَنا
…
جيوبَه وأديرت حوله العُذبُ
وشاهدَ الغيثُ أنفاساً يصعّدها
…
فعاد والبرقُ في أحشائه لهبُ
لو أنصفوا وقفوا حِفظاً لمهجتِه
…
إن الوقوفَ على قَتلى الهوى قُرَبُ
يا بارقَ الثّغر لو لاحَت ثغورُهُم
…
وشِمْت بارقها ما فاتكَ الشّنبُ
ويا قضيبَ النقا لو لم تجد خبراً
…
عند الصَّبا منهم ما هزّك الطّربُ
ويا حيا جادَهم إن لم تكُن كلِفاً
…
ما بالُ عينيكَ منها الماءُ ينسكبُ
بالله يا نَسمات الرّيحِ أين همُ
…
وهل نأوْا أو دموعي دونَهم حُجُبُ
بالله لمّا استقلوا عن ديارهم
…
أحنّت الدار من شوقٍ أم النجبُ
وهل وجدتَ فؤادي في رحالِهم
…
فإنه عندَهُم من بعضِ ما سلبوا
نأوا غِضاباً وقلبي في إسارِهم
…
يا لَيتَهُم غصَبوا روحي ولا غَضِبوا
عساك أن تعطفي نحوي معاطفَهم
…
فالغصنُ بالريح ينأى ثم يقتربُ
وإن رجعتِ إليهم فاذكُري لهُم
…
أني شرّقت بدمعِ العين مُذ غرَبوا
ثم اذكُري سفحَ دمعي في معاهدِهم
…
لا يُذكَر السَّفْح إلا حن مغترب
قلت: فأعجبتني هذه القصيدة وهزّت أعطافي طرباً، لما هزأت بالروض وقد مرّت به نسمة الصبا وفارقته. وتوفي رحمه الله تعالى فأنشدتها يوماً بالقاهرة لبعض الأصحاب الأفاضل فألزمني بنظم شيء في هذه المادة، فاستعفيت، فلم يسعف بالإعفاء، فقلتُ مع اعترافي بأنه شهاب في أوجه، وأنا في حضيض من الحظ:
يا حيرةً مُذ نأوا قلبي بهم يجبُ
…
ولو قضى ما قضى بعضَ الذي يجبُ
سرتُم وقلبي أسيرٌ في حُمولكُم
…
فكيف يرجعُ مُضناكُم وينقلبُ
وأيُّ عيشٍ له يصفو ببعدكُم
…
فالجسمُ منسبِكٌ والدّمع منسكبُ
ناحَت عليّ حَمامات اللّوى وونَت
…
ولو رثَتْني ما في فِعلها عجَبُ
تملي عليّ حمامات اللّوى ورثت
…
ولو رثتني ما في فعلها عجب
والغَيثُ لما رأى ما قد مُنيتُ به
…
فكلّه مُقَلٌ بالدمع تنسكبُ
بالله يا صاح روّحْني بذكرِهم
…
وزِدْ عسى أن يخفّ الوجدُ والوصَبُ
ويا رسولي إليهم صِفْ لهم أرَقي
…
وأنّ طرْفي لضيفِ الطّيفِ يرتقبُ
واسْأل مواهبهُم للعين بعضَ كرى
…
عساي أن يهبوا لي بعض ما نهبوا
ولطّفِ القولَ لا تسأم مُراجعةً
…
واشْكُ الهوى والنّوى قد ينجح الطّلبُ
عرّض بذِكري فإن قالوا أتعرفهُ
…
فسَل لي الوصلَ وأنكرني إذا غضبوا
ذكّرهُمُ بليالٍ قد مضت كرَماً
…
وهم نُجومي بها لا السبعة الشُهُبُ
همُ الرّضا والمُنى والقصدُ من زمني
…
وكل ما أرتجي والسّول والأربُ
وهم مُرادي على حالَيْ وفاً وجَفاً
…
وبُغيتي إن نأوا عنّي أو اقتربوا
وهم ملاذي إذا ما الخَطبُ خاطبَني
…
وهم عياذي إذا ما نابَتِ النّوَبُ
هم روحُ جسمي الذي يحيا لشقوتِه
…
بهم فإن حياتي كلها تعبُ
هم نورُ عيني وإن كانت لبُعدِهم
…
أيامَ عيشيَ سوداً كلها عطبُ
إن يحضُروا فالبُكا غطّى على بصري
…
فهم حضورٌ وفي المَعنى همُ غُيُبُ
وإن يغيبوا وأهدَوا طيفَهم كرَماً
…
فالسّهدُ من دون ما يهدونَهُ حجُبُ
فلو فرضت انقطاعَ الدّمع لم أرهمْ
…
وصدّهُم عني الإجلالُ والرّهَبُ
فما تملّت به عيني بلِ امتلأت
…
بأدمعٍ خجِلَت من دونها السُحُبُ
لم تُتركِ التُرك في شمسٍ ولا قمرٍ
…
حُسناً لغيرهم يُعزى وينتسبُ
لكنهم لم يفوا أن عاهدوكَ على
…
ودٍّ وما هكذا في فعلها العربُ
خلا الغزالُ الذي نفسي به علقت
…
فكم لهُ من يدٍ في الفضلِ تُحتَسَبُ
له لطافة أخلاقٍ تعلِّمُ مَن
…
لا يعرفُ الوجدَ كيف الذلّ والحرَبُ
ولحظهُ الضيّق الأجفانِ وسّعَ لي
…
هُمومَ وجدٍ لها في أضلُعي لهبُ
سُيوفُ أجفانه المرضى إذا نظرت
…
تغري الجوانح لا الهنديةُ القضبُ
إذا انثنى سلبُ الألباب معطفه ال
…
بادي التأوّد لا الخطيّة السلُبُ
وإن بدا فبُدورُ الأفقِ في خجلٍ
…
تُرخى على وجهها من سُحبها نقبُ
يا برقُ لا تبتَسِم من ثغره عجَباً
…
قد فاتَ معناكَ منه الظلْمُ والشّنبُ
ويا قضيبَ النّقا لو هزّ قامتَهُ
…
لكُنتَ تسجدُ إجلالاً وتقتربُ
شمعي ضِيا فرقه والوردُ وجنته
…
والريقُ خمري لا ما يعصرُ العنبُ
ومذ رشفتُ لماهُ وهو مبتسمٌ
…
ما راقَ لي بعده خمرٌ ولا حبَبُ
قلت: وقد سقتُ في ترجمة ابن الخيمي في تاريخي الكبير قصيدته البائية والقصيدة التي نظمها ثانياً لما تحاكم هو ونجم الدين بن إسرائيل الى شرف الدين بن الفارض، وغير ذلك مما نظمه العفيف التّلمساني وغيره.
وأنشدت يوماً أيضاً بعض الأصحاب الأغرّة بالقاهرة قولَ شيخنا شهاب الدين أبي الثّناء محمود رحمه الله تعالى، وهو:
تثنّى وأغصانُ الأراك نواضرٌ
…
فنُحتُ وأسراب من الطّيرِ عكفُ
فعلّم باناتِ النّقا كيف تنثني
…
وعلّمت ورقاءَ الحِمى كيف تهتِفُ
فألزمني بنظم شيء في هذا المعنى، فقلت: هذا يتعذر، لأن هذا استوفى المعنى ولم يترك فيه فضلاً، وجوّد النظم فألفاظه في غاية الفصاحة وتراكيبه في غاية الانسجام، فقال: لابد من ذلك، فقلتُ أنا مختصراً:
لم أنسهُ في روضةٍ
…
والطّيرُ يصدحُ فوقَ غُصن
فأعلّم الوُرق البُكا
…
ويعلم البانُ التثنّي
وأنشدته يوماً أيضاً من قصيدة:
وإن تُرِدْ عِلمَ بديعِ الهوى
…
بين الورى فأتِ فعنديَ المُرادُ
الأبيات كلها، وقد تقدمت هذه القصيدة في ترجمة الملك المؤيد عماد الدين إسماعيل بن علي صاحب حماة، فأعجبه ذلك، وألزمني نظم شيء في هذه المادة، فنظمت ولكن ذاك بنى وأنا هدمت:
أنا والحبيبُ ومَن يلومُ ثلاثةٌ
…
لهُم بديعُ الحبِّ أصبحَ ينتمي
فلي الجِناسُ لأن دمعي عن دَمي
…
يجري ألستَ تراهُ مثلَ العندمِ
وله مُطابقةُ التواصل بالجَفا
…
ولعاذليه لزومُ ما لم يلزمِ
وقلت أنا أيضاً في هذه المادة:
لا تعجَبوا منه فما حُسنُه
…
إلا بليغٌ حِرْتُ في وصفهِ
إن كان قد أوجزَ في خصرهِ
…
فإنه أطنَبَ في رِدفهِ
وما أتى بالواوِ في صُدغِه
…
إلا وقد رتّب في عِطفهِ
ولفّ في البُردةِ أعطافهُ
…
حتى يطيبَ النشْرُ من لفّهِ
وأنشدني شيخنا المذكور رحمه الله لنفسه:
رأتْني وقد نالَ مني النّحولُ
…
وفاضَتْ دموعي على الخدّ فَيضا
فقالت بعيني هذا السّقامُ
…
فقلتُ صدقتِ وبالخَصْرِ أيضا
قلت: هو من قول الأرّجاني:
غالطَتْني إذ كسَت جسمي الضّنا
…
كُسوةً أعرَت من اللّحمِ العِظاما
ثم قالت أنت عندي في الهوى
…
مثل عيني، صدقَتْ ولكن سِقاما
وأنشدني لنفسه الشيخ جمال الدين محمد بن نباتة:
ومَلولة في الحبّ لما أن رأتْ
…
أثرَ السّقامِ بعظْمي المُنهاضِ
قالت: تغيّرنا. فقلتُ لها: نعم
…
أنا بالسّقامِ وأنتِ بالأعراضِ
قلت: لا يقال إلا عظم مهيض، وأما منهاض فما أعرفه ورد في فصيح الكلام، والسقام لا علاقة له بالعظم إنما هو باللحم والجلد معاً تبعاً لذلك.
ومن نظم شيخنا شهاب الدين ما كتب به الى القاضي فتح الدين بن عبد الظاهر، رحمه الله تعالى، ومن خطه نقلت:
هل البدرُ إلا ما حواهُ لثامُها
…
أو الصبحُ إلا ما جلاهُ ابتسامُها
أو النارُ إلا ما بَدا فوقَ خدّها
…
سَناها وفي قلبِ المحبِّ ضِرامُها
أقامَت بقلبي إذ أقام بحُسنها
…
فدارتُها قلبي وداري خِيامُها
مَهاةُ نقى لو يُستطاع اقتناصُها
…
وكعبةُ حُسنٍ لو يُطاقُ استِلامها
إذا ما نضتْ عنها اللثامَ وأسفرتْ
…
تقشّع عن شمسِ النهار غَمامُها
نهايةُ حظي أن أقبّل تُربَها
…
وأيسَرُ حظٍّ للثامِ التِثامُها
تُريك مُحيّا الشمس في ليلِ شعرها
…
على قيدِ رمحٍ وجهُها وقَوامُها
وتزهى على البَدر المُنير بأنّها
…
مدى الدهر لا يخشى السرار تَمامُها
تغنّي على أعطافها وُرقُ حليها
…
إذا ناح في هيفِ الغُصونِ حمامُها
تردد بين الخمر والسحر لحظُها
…
وحزَهُما والدرّ أيضاً كلامُها
كِلانا نَشاوى غير أن جفونَها
…
مُدامُ المعنّى والدلالُ مُدامُها
وليلة زارت والثريا كأنها
…
نِظاماً وحُسناً عقدُها وابتسامُها
فحيّت فأحْيَت ما أماتَ صُدودها
…
وردّت فردّ الروحُ فيّ سلامُها
فقالت بعيني ذا السَّقام الذي أرى
…
فقلتُ وهل بلوايَ إلا سقامُها
وأبْدتْ ثَناياها فقُلْ في خَميلةٍ
…
بَدا نورُها وانشقّ عنها كمامُها
وأبعدتَ لا بل سَمط درّ تَصونهُ
…
بأصدافِ ياقوتٍ لماها خِتامُها
وقالت وما للعين عهدٌ بطيفها
…
ولا النوم مُذْ صدّت وعزّ مرامُها
لقد أتعبَتْ طيفي جُفونُك في الدُجا
…
فقلت سَلي جفنَيْكِ أين منامُها
وما علمت أن الرُقادَ وقد جفت
…
كمثلِ حياتي في يديها زمامُها
وكم ليلة مرّت وفيها نُجومها
…
كأني راعٍ ضلّ عنه سوامُها
كأن الذّراري والهلال ودارة
…
حوَتْهُ وقد زان الثريا التِئامُها
حَبابٌ طفا من حولِ زورَق فضّة
…
بكفّ فتاةٍ طافَ بالرّاح جامُها
كأن نُجوماً في المجرّة خُرّدٌ
…
سَواقٍ رماها في غدير زحامُها
كأن رياضاً قد تسلْسَل ماؤها
…
فشقّت أقاحيها وشاقَ خزامُها
كأن سَنا الجوزاء إكليلُ جوهرٍ
…
أضاءت لياليه وراقَ انتظامها
كأن لدى النسرين في الجوّ غلمةً
…
رُماة رمى ذا دون هذا سِهامُها
كأن سُهيلاً والنجوم وراءه
…
صلاةُ صُفوفٍ قام فيها إمامها
كأن الدجى هيجاء حربٍ نُجومُه
…
أسنتها والبرق فيها حُسامُها
كأن النجوم الهاديتُ فوارسٌ
…
تساقط ما بين الأسنّةُ هامها
كأن سنا المريخ شعلةُ قابسٍ
…
تلوحُ على بُعدٍ ويخفى ضِرامُها
كأن السُّها صبٌّ سها نحو إلفه
…
يُراعي الليالي جفنه لا ينامُها
كأن خفوق القلب قلبُ متيّمٍ
…
رأى بلدةً شطت وأقوى مقامُها
كأن ثريا أفقهِ في انبساطها
…
يمين كريمٍ يُخافُ انضِمامُها
كأن بفتح الدين في جوده اقتدَت
…
فروّى الروابي والإكامَ رِكامُها
كأن بيُمناه اقتدى يُمن نَوئِها
…
فعمّت غواديها وأخصبَ عامُها
كأن به من لفظه قد تشبّهت
…
ففاق عُقودَ الدرِّ حُسناً نِظامُها
كريمَ المُحيّا لو يُقابل وجهه
…
سحابةُ صيفٍ لاستهل جِهامُها
به جبرَ الله البلادَ وأهلُها
…
ولولاهُ ما شام السعادة شامُها
به عصم الله الأقاليم إذ غدا
…
بأقلامه بعد الإله اعتصامها
بآرائه وهي السديدةُ أُحكمت
…
عُراها فلا يُخشى عليها انفصامُها
به الدولة الغرّاء أشرق نورُها
…
فجابَ البَرى وانجابَ عنها ظلامُها
بما نشرت من عدله في بلادها
…
يزيدُ على عُمر الدهورِ دوامُها
إليه انتهى علمُ البيان وإنهُ
…
لفي كل أنواع العلوم إمامُها
تميتُ العِدا قبل الكتائب كُتبُه
…
فألفاظه وهي الحياةُ سِهامُها
له عزمة في الله للكُفرِ حرّها
…
وللدين منها يَردُها وسلامُها
إذا الخيلُ صلّت في الحديد جيادُها
…
وعبّت نهاراً في النّجيع صيامها
وأضحت وكالأمواجِ في بحر نقعها
…
تدفّقها أو كالجبال اضطرامُها
تلا رأيهُ آيَ الفتوحِ على العِدا
…
فولّت وقد أضحت عِظاماً عظامُها
ففي سورةِ الفتح المُبين ابتداؤها
…
ومن آية النّصر العزيز اختتامُها
فردّ جيوشَ الشّركِ بعد اصطلائه
…
لظاها وقد أحنى عليه اصطلامها
جوادٌ بما شاءَ العفاةُ كأنما
…
لها في يديه حُكمها واحتكامُها
تقيٌّ له في الحقّ نفسٌ أبيّة
…
وإن كُفَّ بالصّفحِ الجميلِ انتقامها
كريمٌ عريقٌ أصله وبنفسه
…
مع الأصل دون الناس سادَ عصامُها
إذا ألِفَ الآراء ألّفَ وضعها
…
فليس بمغنٍ للعِدا منه لامُها
روى زينةَ الدنيا فأضحى لزهده
…
سواءٌ عليها ريّها وأوامُها
وأعرض عنها وهي في عصر حُسنها
…
وقد زاد فيه وجدُها وغرامُها
ولا زُهدَ إلا وهي بيضاءَ غضّة
…
يروقُ العيونَ الشّائماتِ وشامُها
يُسرّ اصطناعَ البرّ في الناس جاهِداً
…
ليَخفى وهل يُخفي الشموس اكتتامُها
ويغتنم الأخرى بدنياه عالماً
…
وقد حازَها إن النجاةَ اغتنامُها
تقاسمت الأوقاتُ دنياه فاغتدتْ
…
وقد أحرز الأجرَ الجميلَ انقسامها
فقامت بأوقات الصلاة صلاتُها
…
وصان ذمارُ الكافرين صيامُها
رأيتُ عُلاه فوق نظمي وإنني
…
بليغٌ ولكن أين مني مرامُها
فعُدتُ به من خُطّة العجزِ دونها
…
وما كنتُ يوماً قبل ذاك أسامُها
فلا زالت الدنيا وأيامها به
…
برغم العدا عمّ الوجوه وشامها
ومن إنشائه البديع وحوكه الذي قصّر عنه الحريري وبعُد عن البديع كتاب في وصف الخيل: وينهي وصول ما أنعم به من الخيل التي وجد الخير في نواصيها واعتدّ حصنها حصوناً يعتصم في الوغى بصياصيها.
فمن أشهبَ غطاه النهار بحلّته، وأوطأه الليل على أهلّته، يتموّج أديمه ريّاً ويتأرجح رياً، ويقول من استقبله في حُلى لجامه: هذا الفجر قد أطلع الثريا، إن التقت المضائق انساب انسياب الأيم، وإن انفرجت المسالك مرّ مرور الغيم. كم أبصر فارسُه يوماً أبيض بطلعته، وكم عاين طرفُ السنان مقاتل العدا في ظلام النقع بنور أشعته، لا تستنّ داحس في مضماره، ولا تطلع الغبراء في شق غباره، ولا يظهر لاحق من لحاقه بسوى آثاره، تسابق يداه مرامي طَرْفه، ويدرك شوارد البروق ثانياً من عطفه.
ومن أدهم حالك الأديم، حالي التشكيم، له مقلةُ غانيةٍ وسالفةُ ريم، قد ألبسه الليل بُرده، وأطلعَ بين عينيه سعده، يظن من نظر الى سواد طرّته، وبياض حُجوله وغرّته أنه توهم النهار نهراً فخاضه، وألقى بين عينيه نقطة من رشاش تلك المخاضة. ليّن الأعطاف، سريع الانعطاف، يقبل كالليل ويمرّ كجلمود صخر حطّه السيل، يكاد يسبق ظله، ومتى جارى السهمَ الى غرض سبقه قبله.
ومن أشقر وشّاه البرقُ بلهبه، وغشّاه الأصيل بذهبه، يتوجّس ما لديه برقيقتين وينفض وفرتيه عن عقيقتين، وينزل عذارُ لجامه من سالفتَيه على شقيقتين. له من الراح لونُها، ومن الريح لينها، إن حرى فبرق خفقْ، وإن أُسرج فهلالٌ على شفق، لو أدرك أوائل حرب ابني وائل لم يكن للوجيه وجاهه، ولا للنعامة نباهه، وكان تركُ إعارة سكابِ لوماً وتحريمُ بيعها سفاهة، يركض ما وجد أرضاً، وإذا اعترض به راكبه بحراً وثبَ عرضاً.
ومن كُميت نهد، كأنّ راكبه في مهد، عندميّ الإهاب. يزلّ الغلامُ الخف
عن صهواته، وكأن نغم الغريض ومعبد في لهواته. قصير المطا، فسيح الخُطا، إن ركب لصيد قيّد الأوابد، وأعجل عن الوثوب الوحوش اللوابد، وإن جنِبَ الى حرب لم يزورّ من وقع القنا بلبانه، ولم يشك لو علم الكلام بلسانه، ولم يُر دون بلوغ الغاية وهو في عرض راكبه ثانياً من عنانه، وإن سار في سهل اختال براكبه كالثمل، وأن أصعد في جبل طار في عقابه كالعُقاب، وانحطّ في مجاريه كالوعل، متى ما ترْقَ العين فيه تسهّل، ومتى أراد البرقُ مجاراته قال له الوقوف عند قدره ما أنت هناك فتمهّل.
ومن حبشيّ أصفر بروق العين ويشوق القلب بمشابهة العين، كأن الشمس ألقت عليه من أشعتها جلالاً، وكأنه نفر من الدُجا فاعتنق منه عُرَفاً واعتلق حجالاً، ذي كفل يزين سرجه، وذيل يسدّ إذا استدبرته منه فرجَه، قد أطلعته الرياضة على مراد راكبه وفارسه، وأغناه نضار لونه ونضارته عن ترصيع وتوشيع ملابسه، له من البرق خفة وطئه وخطفُه، ومن النسيم طروقه ولطفه، ومن الريح هزيزها إذا ما جرى شأوين وابتلّ عطفُه، يطيرُ بالغمز، ويدرك بالرياضة مواضعَ الرّمز، ويغدو كألف الوصل في استغناء مثلها عن الهمز.
ومن أخضر حكاه من الروض تفويفه، ومن الوشي تقسيمه وتأليفه، قد كساه الليل والنهار حلتَيْ وقار وسناً، واجتمع فيه من البياض والسواد ضدّان لما استُجمعا حَسُنا، ومنحه الباري حلة وشيه، ونحلَتْه الرياح ونسماتها قوة ركضه وخفةَ مشيه، يعطيك أفانين الجري قبل سؤاله، ولما لم يُسابقه شيء من الخيل أغراه حبُّ الظفر بمسابقة خياله، كأنه تفاريق شيب في سواد عذار، أو طلائع فجر خالط بياضه الدُجا فما سجى، ومازج ظلامه النهار فما انهار ولا أنار، ينحال لمشاركة بينه وبين الماء في السير كالسيل، ويدل بسبقه على المعنى المشترك بين البروق اللوامع وبين البرقية من الخيل. ويكذّب المانوية لتولد اليُمن بين إضاءة النهار وظلمة الليل.
ومن أبلق ظهره حرم وجريُه ضرمٌ، إن قصد غاية فوجود الفضاء بينه وبينها عدم، وإن صُرّف في حرب فعمله ما يشاء البنان والعنان وفِعله ما يريد الكفّ والقدم. قد طابق الحُسنُ البديع بين ضدّي لونه، ودلّت على اجتماع النقيضين علة كونه، وأشبه زمن الربيع باعتدال الليل فيه والنهار، وأخذ وصف حُلّتي الدُجا في حالتي الإبدار والإسرار، لا تكلّ مناكبه، ولا يضلُّ في حجرات الجيوش راكبه، ولا يحوج ليلَه المشرق لمجاورة نهاره الى أن تُسترشد فيه كواكبُه، ولا يجاريه الخيال فضلاً عن الخيل، ولا يمل السّرى إلا إذا ملّه مُشبهاه النهار والليل، ولا تتمسك البروق اللوامع من لحاقه بسوى الأثر، فإن جهدت فبالذيل، فهو الأبلق الفرد، والجواد الذي لمجاريه العكس وله الطّرد، قد أغنته شُهرة لونه في جنسه عن
الأوصاف، وعدل بالرياح عن مباراته سلوكُها من الاعتراف له جادةُ الإنصاف، فترقّى المملوك الى رتب العزّ من ظهورها، وأعدّها لخطبة الجنان إذ الجهاد عليها من أنفَس مهورها، وكلِف بركوبها فكل ما أكمله عاد، وكل ما ملّه شرِه إليه، فلو أنه زَيدُ الخيل لما زاد، ورأى من آدابها ما دلّ على أنها من أكرم الأصائل، وعلم أنها ليوميَ حربه وسلمه جنة الصّايد وجُنّة الصائل. وقابل إحسان مُهديها بثنائه ودعائه، وأعدّها في الجهاد لمقارعة أعداء الله وأعدائه، والله تعالى يشكر برّه الذي أفرده في الندى بمذاهبه، وجعل الصافنات الجياد من بعض مواهبه، بمنّه وكرمه إن شاء الله تعالى.
ومن إنشائه رسالة في البُندق، وذكر الأربعة عشر واجباً، وهي من بدائع أعماله وما أظن أحداً يأتي بنظيرها، وقد سُقتها بكمالها في تاريخي الكبير، وسُقت كثيراً من نثره ونظمه.
وكتب إليه ناصر الدين حسن بن شاور المعروف بابن النقيب:
يا فاضلاً وافى محلّي زائِراً
…
متفضّلاً والفضلُ للمتقدّمِ
ومشرّفي ومشنّفي بسلامه
…
وكلامه ومبجلي ومعظمي
أنت الشهابُ الثاقبُ الذهن الذي
…
أضحت ذكاء الى ذكاهُ تنتمي
والواضح الخطّ المحقّق أصله
…
والطاهر القلم الموقع والفمِ
شعر كثير الدّرّ أو تبرغدَت
…
في حجلةٍ منه ذراري الأنجم
مولاي زوّدني فإني راجلٌ
…
من لفظكَ العالي المحل المُعلَم
وابعثْ إليّ بفذّ شيء منهما
…
وامْنُن عليّ وجُدْ بذلك وانعمِ
فأجابه بقوله:
يا سيّداً لما وطئتُ بساطَهُ
…
حدّثتُ آمالي بفيضِ الأنجمِ
أنت الذي روّى المسامعَ والقَنا
…
ذي من فضائله وتلك من الدّمِ
كم قد منعتَ بأخذ كلِّ مدرّع
…
حامي الحقيقة معلّماً من معلّم
وفتحتَ من حصن بشدّك في الوغى
…
بالرمحِ ثغرَ الفارسِ المُستلئم
وافيتَ ربعكَ ظامئاً مستمطراً
…
أنواءَ شعركَ في شعارِ مسلّم
فبعثتَ لي وطفاءَ لو لم يُغضِ من
…
خطفاتٍ وامِض برقها طرفَي عَمي
ميميّة لما لثمتُ سطورَها
…
حسدتْ على تقبيلها عيني فمي
يا ناصر الدين الذي شرفَت به ال
…
آدابُ إذ أضحت إليه تنتمي
يا مالكاً حُزني على زمن مضى
…
في غير خدمته كحزن متيّمِ
سيّرتَ إنعاماً شغلتَ بشكره
…
عبداً يرى إيجابَ سكرِ المُنعمِ
وكتب إليه السّراج الورّاق ملغِزاً في سجّادة:
يا إماماً ألفاظُه الغرّ في الأس
…
ماعِ تُزري بالدرّ في الأسماطِ
وشهاباً تجاوز الشهبَ قدراً
…
فغدتْ عن عُلاهُ ذات انحطاطِ
أي أنثى وطئَت منها حَلالاً
…
مستبيحاً ما لا يُباح لواطِ
لم أحاول تقبيلها غير خمسٍ
…
حالَ زُهدي فيها وحال اغتباطِ
وهي مملوكةٌ وعند أناسٍ
…
وهي ستّ على اختلافِ التعاطي
وهي في صورةٍ خُماسية ما
…
قهقهت ولا دَنت للبواطي
ومصيبُ الإيمان يسعى إليها
…
طالبَ الله وهو عبد خاطِ
وأرى أن تحلّها بيمين
…
ويسار فقد غدَت في رباطِ
فكتب إليه الجواب، ومن خطه نقلتهما:
يا سِراجاً لما سمت باسمه الشم
…
س غدا البدر دونها في انحطاطِ
أنت بحرٌ نداك موجٌ وألفا
…
ظك درّ وصنعُ يُمناك شاطي
لا تلمني إذا نظمت معاني
…
ك فمن دُرّ فيكَ كان التعاطي
أنت ألغزتَ في اسم ذات رقاعٍ
…
لم تجاهد وكم غدت في رِباطِ
حازها تابعُ المجلّي فجا
…
ز السّبقَ من دونه بغير اشتراطِ
مذ علاها في أول الصفّ أضحى
…
كسليمان فوقَ ظهرِ البساطِ
وأنشدني من لفظه لنفسه علاء الدين ألطنبغا الجاولي مما كتب به الى شيخنا رحمه الله تعالى:
قال النحاةُ بأن الاسمَ عندهمُ
…
غيرُ المسمّى وهذا القولُ مردودُ
الاسم عينُ المسمّى والدليل على
…
ما قلتُ أن شهابَ الدين محمودُ
وكتب إليه شهاب الدين العزاري مترجماً:
إذا ما شئت تلبس ثوب فخرٍ
…
وتسحبُ ذيل مكرمة وحمد
فكُن في سؤددٍ وعليّ فضلٍ
…
كمحمود بن سلمان بن فهدِ
فكتب هو الجواب إليه عن ذلك:
أتاني من شهاب الدين برٌّ
…
أبرّ به على شكري وحمدي
فصِرتُ به ولم أكُ جاهلياً
…
لأحمدَ طولَ دهري عبدَ ودِّ