الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
46 -
قال الله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا
(11)
* سَبَبُ النُّزُولِ:
1 -
أخرج أحمد والترمذي وابن ماجه عن جابر رضي الله عنه قال: جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بابنتيها من سعد، فقالت: يا رسول الله، هاتان ابنتا سعد بن الربيع، قُتل أبوهما معك في أحد شهيدًا، وإن عمهما أخذ مالهما، فلم يدع لهما مالاً، ولا ينكحان إلا ولهما مال قال: فقال: (يقضي الله فى ذلك) قال: فنزلت آية الميراث فأرسل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى عمهما، فقال:(أعط ابنتي سعد الثلثين، وأمهما الثمن، وما بقي فهو لك).
ولفظ أبي داود: (فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: يقضي الله فى ذلك) قال: ونزلت سورة النساء: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ) الآية.
2 -
أخرج البخاري ومسلم والنَّسَائِي عن جابر رضي الله عنه قال: عادني النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في بني سَلِمة ماشيين، فوجدني النبي صلى الله عليه وسلم لا
أعقل، فدعا بماء فتوضأ منه، ثم رش عليَّ فأفقت، فقلت: ما تأمرني أن أصنع في مالي يا رسول اللَّه، فنزلت:(يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ).
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة، فأما حديث جابر رضي الله عنه في قصة ابنتي سعد بن الربيع فقد ذكره جمع من المفسرين وجعلوه من أسباب نزولها كالبغوي، وابن العربي، وابن عطية، والقرطبي، وابن كثير، وابن عاشور.
قال ابن العربي بعد أن ساق هذا الحديث عن عبد اللَّه بن محمد بن عقيل الذي عليه يدور الإسناد: (هو مقبول لهذا الإسناد).
وقال القرطبي: (إن هذه الآية نزلت في ورثة سعد بن الربيع، وقيل: نزلت في ورثة ثابت بن قيس بن شماس، والأول أصح عند أهل النقل فاسترجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الميراث من العم) اهـ باختصار.
وقال ابن كثير بعد أن ساق الحديثين حديث الإغماء وحديث ابنتي سعد: (والظاهر أن حديث جابر الأول إنما نزل بسببه الآية الأخيرة من هذه السورة كما سيأتي فإنه إنما كان له إذ ذاك أخوات ولم يكن له بنات، وإنما كان يورث كلالة ولكن ذكرنا الحديث هاهنا تبعاً للبخاري فإنه ذكره هاهنا، والحديث الثاني عن جابر - في قصة ابنتي سعد - أشبه بنزول هذه الآية والله أعلم) اهـ.
وقال ابن حجر معلقًا على اختلاف الروايات: (وآية المواريث نزلت قبل ذلك بمدة - يعني (يُوصِيكُمُ اللَّهُ) - كما أخرج أحمد وأصحاب السنن وصححه الحاكم من طريق عبد اللَّه بن محمد بن عقيل عن جابر ثم ساق الحديث
…
وهذا ظاهر في تقدم نزولها - لأنها نزلت بعد أحد - نعم وبه احتج من قال إنها لم تنزل في قصة جابر إنما نزلت في قصة ابنتي سعد بن الربيع، وليس ذلك
بلازم إذ لا مانع أن تنزل في الأمرين معاً، ويحتمل أن يكون نزول أولها في قصة البنتين، وآخرها وهي قوله:(وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً) في قصة جابر، ويكون مراد جابر فنزلت:(يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ) أي ذكر الكلالة المتصل بهذه الآية والله أعلم) اهـ.
هكذا قال رحمه الله وإِنَّمَا ذكرتُ كلامه لأُبين قوله في قصة ابنتي سعد بن الربيع وأنها إن لم تكن السبب الوحيد لنزول الآية فهي أحد السببين.
وأما قوله: يحتمل أن يكون نزول أولها في قصة البنتين، وآخرها وهي قوله:(وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً) في قصة جابر ففي هذا الكلام عندي نظر ظاهر، إذ كيف يكون آخرها في قصة جابر وهي قوله:(وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً) مع أن هذه بإجماع العلماء يُراد بها الإخوة لأم، وهذا ما لا يصدق على جابر، ولا يتفق مع حال أخواته لأنهن شقيقاته، فسبحان من لا يضل ولا ينسى.
أما حديث جابر رضي الله عنه في قصة الإغماء فالاختلاف فيه جِدُّ كبير فقد جاء أيضًا في القصة نفسها أن الآية التي نزلت هي قوله تعالى: (وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً)، وجاء أيضًا أن الآية التي نزلت هي آخر آية من سورة النساء في الكلالة، وقد تقدم قريبًا أن سبب نزول قوله تعالى:(يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ) قصة ابنتي سعد بن الربيع وهذا الاختلاف أدى إلى الإطالة في دراسة أسانيدها، خلاصتها اجتهاد بعض الرواة في تعيين الآية. وستأتي إن شاء اللَّه تعالى دراسة الأسباب المعنية في مواضعها أما الآية التي هنا فلا صلة لها بقصة جابر رضي الله عنه في قضية الإغماء والله أعلم.
* النتيجة:
أن هذه الآية نزلت بسبب شكوى زوج سعد بن الربيع رضي الله عنه إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عمهما الذي أخذ مال ابنتي سعد، ولم يدع لهما شيئاً، وذلك لأن الحديث يحتمل التحسين كما أنه صريح في السببية، وقد قال به جمع من العلماء مع موافقته لسياق القرآن والله أعلم.