الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
6 -
قال الله تعالى: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ
(144)
* سَبَبُ النُّزُولِ:
أخرج البخاري وأحمد والترمذي والنَّسَائِي عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: لما قدم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المدينة، صلى نحو بيت المقدس ستة عشر، أو سبعة عشر شهراً وكان يحب أن يوجه إلى الكعبة، فأنزل اللَّه تعالى:(قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا) فوجه نحو الكعبة، وصلى معه رجل العصر، ثم خرج فمرَّ على قوم من الأنصار، فقال: هو يشهد أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه قد وُجِّه إلى الكعبة، فانحرفوا وهم ركوع في صلاة العصر.
وأخرجه مسلم من حديث أنس رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي نحو بيت المقدس. فنزلت: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
…
) الحديث.
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول الآية وقد أورده جمهور المفسرين وجعلوه سبباً
لنزولها منهم الطبري والبغوي وابن عطية وابن كثير والسعدي.
قال الطبري: (إنما قيل له ذلك صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا؛ لأنه كان قبل تحويل قبلته من بيت المقدس إلى الكعبة يرفع بصره إلى السماء ينتظر من اللَّه جل ثناؤه أمره بالتحويل نحو الكعبة) اهـ.
وقال البغوي: (جعل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يُديم النظر إلى السماء رجاء أن ينزل جبريل بما يحب من أمر القبلة فأنزل اللَّه تعالى: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ). اهـ.
وقال السعدي: (يقول اللَّه لنبيه (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ) أي كثرة تردده في جميع جهاته شوقاً وانتظارًا لنزول الوحي، باستقبال الكعبة إلى أن قال: وفي هذا بيان لفضله وشرفه صلى الله عليه وسلم حيث إن اللَّه تعالى يسارع في رضاه، ثم صرح له باستقبالها فقال:(فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ). اهـ.
وقد اختلف في السبب الذي كان لأجله رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يحب التوجه نحو المسجد الحرام:
فقال بعضهم: لمخالفة اليهود لأنهم كانوا يقولون يخالفنا محمد ويتبع قبلتنا وهو المروي عن مجاهد وابن زيد.
وقال بعضهم: بل لأنها قبلة أبيه إبراهيم عليه السلام وهو المروي عن ابن عباس.
وقال بعضهم: بل ليتألف العرب لأنها مفخرتهم ومزارهم ومطافهم (1).
والظاهر - والله أعلم - أن الآية تحتمل هذه الأقوال جميعاً إذ لا منافاة بينها ولا تعارض وإن كنت أميل إلى أن سبب ذلك - واللَّه أعلم - أن هذه البقعة أحب البقاع إلى اللَّه تعالى وأرضاها عنده، ويدل لذلك ما روى عبد اللَّه بن عديِّ بن الحمراء قال: رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم واقفاً على الحَزْوَرة فقال:
(1) في غاية البعد البعيد. اهـ (مصحح النسخة الإلكترونية).
(واللَّه إنك لخيرُ أرضِ الله، وأحبّ أرض الله إلى الله ولولا أَني أُخرجت منك ما خرجت).
وهنا إشكال أورده الماوردي حيث قال: (فإن قيل: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم غير راضٍ ببيت المقدس أن يكون له قبلة حتى قال له في الكعبة: (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا)؟ قيل: لا يجوز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم غير راضٍ ببيت المقدس، لما أمره الله تعالى به؛ لأن الأنبياء يجب عليهم الرضا بأوامر الله تعالى، لكن معنى ترضاها: أي تحبها وتهواها) اهـ.
وعندي - والله أعلم - أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يعلم أن وجهته إلى بيت المقدس وجهة مؤقتة وليست دائمة لحكمة ذكرها الله في كتابه فقال: (وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ .. ) الآية فكان يتطلع ويتشوف أن يوجه إلى القبلة التي يحبها الله ويحبها هو، ولا يعني قوله:(تَرْضَاهَا) أنه لم يرض التوجه إلى بيت المقدس بل لأن رضاه بالتوجه إلى الكعبة أعظم وأبلغ (1).
* النتيجة:
أن سبب نزول هذه الآية أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يحب أن يوجه إلى الكعبة لأنها كانت أحبَّ البقاع إلى اللَّه وإليه، كما دلَّ على ذلك حديثًا البراء وعبد اللَّه بن عدي بن الحمراء وكان جرّاء ذلك يرفع بصره إلى السماء ويقلب وجهه فيها رجاءَ أن يُوجَّه إلى الكعبة فأجابه الله لذلك وأنزل عليه الآية. وذلك لصحة سند الحديث، وتصريحه بالنزول وموافقته للفظ القرآن، واحتجاج المفسرين به واللَّه أعلم.
(1) الرضا له معنيان رضا محبة، ورضا تفويض وتسليم، وكلاهما تحقق للنبي صلى الله عليه وسلم رضا محبة وكان متمثلاً في التوجه إلى البيت الحرام، ورضا تسليم وكان متمثلاً في التوجه إلى بيت المقدس. والله أعلم. (مصحح النسخة الإلكترونية).