المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث السادسالترجيح بدلالة الوقائع التاريخية - المحرر في أسباب نزول القرآن من خلال الكتب التسعة - جـ ١

[خالد المزيني]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌ أهمية الموضوع:

- ‌ أسباب اختيار الموضوع:

- ‌ الدراسات السابقة:

- ‌ خطة البحث:

- ‌التمهيد

- ‌المبحث الأولمكانة أسباب النزول وأهميتها

- ‌المبحث الثانيفوائد معرفة أسباب النزول

- ‌المبحث الثالثنشأة علم أسباب النزول

- ‌المبحث الرابعمصادر أسباب النزول

- ‌ المصدر الأول: كتب السنة:

- ‌1 - الموطأ للإمام مالك

- ‌2 - مسند الإمام أحمد بن حنبل

- ‌3 - المسند الجامع للدارمي

- ‌4 - صحيح البخاري

- ‌5 - صحيح مسلم

- ‌6 - سنن أبي داود:

- ‌7 - سنن الترمذي:

- ‌8 - سنن النَّسَائِي

- ‌9 - سنن ابن ماجه:

- ‌ المصدر الثاني: كتب التفسير:

- ‌1 - جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري:

- ‌2 - تفسير ابن أبي حاتم:

- ‌3 - تفسير الثعلبي:

- ‌4 - تفسير البغوي:

- ‌5 - تفسير ابن كثير:

- ‌6 - الدر المنثور للسيوطي:

- ‌ ثالثاً: المصادر المستقلة:

- ‌1 - أسباب النزول للواحدي:

- ‌2 - لباب النقول في أسباب النزول:

- ‌المبحث الخامسبواعث الخطأ في أسباب النزول

- ‌قواعد في أسباب النزول وضوابط الترجيح فيها

- ‌الفصل الأولقواعد في أسباب النزول

- ‌المبحث الأولتعريف أسباب النزول ومفهومه لدى العلماء

- ‌سبب النزول في الاصطلاح

- ‌الأركان التي تعرف بها أسباب النزول

- ‌المبحث الثانيأسباب النزول من حيث صيغتها

- ‌المبحث الثالثتعدد النازل والسبب واحد

- ‌المبحث الرابعتعدد السبب والنازل واحد

- ‌المبحث الخامسعموم اللفظ وخصوص السبب

- ‌المبحث السادستكرر النزول

- ‌الفصل الثانيضوابط الترجيح في أسباب النزول

- ‌المبحث الأولالترجيح بتقديم الصحيح على الضعيف

- ‌المبحث الثانيالترجيح بتقديم السبب الموافق لِلفظ الآية على غيره

- ‌المبحث الثالثالترجيح بتقديم قول صاحب القصة على غيره

- ‌المبحث الرابعالترجيح بتقديم قول الشاهد للسبب على الغائب عنه

- ‌المبحث الخامسالترجيح بدلالة السياق القرآني

- ‌المبحث السادسالترجيح بدلالة الوقائع التاريخية

- ‌سُورَةُ البَقَرَة

- ‌(97)

- ‌(115)

- ‌(125)

- ‌(142)

- ‌(143)

- ‌(144)

- ‌(158)

- ‌(187)

- ‌(189)

- ‌(195)

- ‌(196)

- ‌(197)

- ‌(198)

- ‌(199)

- ‌(219)

- ‌(220)

- ‌(222)

- ‌(223)

- ‌(228)

- ‌(229)

- ‌(231)

- ‌(232)

- ‌(238)

- ‌(256)

- ‌(267)

- ‌(272)

- ‌(284)

- ‌(285)

- ‌(286)

- ‌سورة آل عمران

- ‌(12)

- ‌(13)

- ‌(77)

- ‌(86)

- ‌(87)

- ‌(88)

- ‌(89)

- ‌(113)

- ‌(114)

- ‌(115)

- ‌(122)

- ‌(128)

- ‌(161)

- ‌(165)

- ‌(169)

- ‌(172)

- ‌(174)

- ‌(186)

- ‌(188)

- ‌(195)

- ‌(199)

- ‌سورة النساء

- ‌(3)

- ‌(6)

- ‌(11)

- ‌(12)

- ‌(19)

- ‌(24)

- ‌(32)

- ‌(33)

- ‌(43)

- ‌(51)

- ‌(52)

- ‌(59)

- ‌(65)

- ‌(77)

- ‌(83)

- ‌(88)

- ‌(94)

- ‌(95)

- ‌(95)

- ‌(97)

- ‌(102)

- ‌(105)

- ‌(127)

- ‌(128)

- ‌(176)

- ‌سورة المائدة

- ‌6

- ‌(33)

- ‌(39)

- ‌(41)

- ‌(78)

- ‌(79)

- ‌(80)

- ‌(81)

- ‌(83)

- ‌(87)

- ‌(88)

- ‌(89)

- ‌(90)

- ‌(91)

- ‌(93)

- ‌(101)

- ‌(102)

- ‌(106)

- ‌(107)

- ‌(108)

- ‌سورة الأنعام

- ‌(33)

- ‌(51)

- ‌(52)

- ‌(118)

- ‌(119)

- ‌(120)

- ‌(121)

- ‌(160)

- ‌سورة الأعراف

- ‌(31)

- ‌(175)

- ‌سورة الأنفال

- ‌(1)

- ‌(9)

- ‌(19)

- ‌(30)

- ‌(32)

- ‌(33)

- ‌(34)

- ‌(66)

- ‌(67)

- ‌(68)

- ‌(69)

- ‌سورة التوبة

- ‌(19)

- ‌(34)

- ‌(58)

- ‌(79)

- ‌(84)

- ‌(85)

- ‌(94)

- ‌(95)

- ‌(96)

- ‌(108)

- ‌(113)

- ‌(114)

- ‌(117)

- ‌(118)

- ‌(119)

الفصل: ‌المبحث السادسالترجيح بدلالة الوقائع التاريخية

‌المبحث السادس

الترجيح بدلالة الوقائع التاريخية

لتاريخ النزول القرآني قَرُبَ أم بَعُدَ دوره الحيوي في الترجيح بين الروايات الواردة في أسباب النزول وقبل أن أذكر الأمثلة الدالة على هذا الدور أود إيضاح أن الأمر هنا لا يخلو من حالين:

الأولى: أن يسبق النزولُ السببَ، كأن تنزل الآية في مكة، ثم يقع السبب في المدينة، أو تنزل الآية في أوائل الهجرة، ثم تقع قضية السبب في أواخرها فهذه الحال لا صلة لها بهذا المبحث، إذ ليست من أسباب النزول؛ لأن النزول لا يتقدم السبب، ويكون هذا من نزول القرآن ابتداء. وإنما ذكرتها هنا لكمال التقسيم.

الثانية: أن يسبقَ السببُ النزولَ وهذا ينقسم إلى قسمين:

الأول: أن يقع السبب قبل الهجرة، وتنزل الآية بعدها، أو يقع السبب في أوائل الهجرة، وتنزل الآية في أواخرها، فهذا من حيث السبْق لا يمنع السببية، لكن يعكر عليه فارق الزمن بين السبب والنزول لأنه طويل، ولا يعهد أن يتباعد السؤال عن الجواب، والقضية عن نزول حكمها، كما إني لم أجد في بحثي مثالاً صحيحًا صالحًا لهذا.

الثاني: أن يقع السبب والنزول معًا قبل الهجرة أو بعدها في زمن متقارب وهذا هو الكثير الغالب، لكن قد يتأخر النزول عن السبب لأمر تقتضيه حكمة الحكيم العليم، كما وقع في قضية كعب بن مالك، وصاحبيه رضي الله عنهم حين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فقد نزلت توبة اللَّه عليهم بعد خمسين ليلة من اعتذارهم، وقريب من هذا قصة الإفك حيث تأخر النزول شهرًا لا يُوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأنه شيء ثم أنزل الله تعالى الآيات، ومع

ص: 188

هذا فإن تأخير النزول في هاتين القضيتين لم يمنع السببية.

وهذا هو الضابط الزمني الدقيق عند العلماء في أسباب النزول كما وجدته في أقوالهم وتقريراتهم.

وحينئذٍ يرد السؤال الآتي: كيف وقع الخطأ الزمني في تحديد أسباب النزول؟

فيقال: من المعلوم قطعاً أن أسباب النزول مرتبطة بنزول الآيات مكيها، ومدنيها ولا أعلم أحداً قام بتحقيق نزول آيات القرآن آية آية ومواقعها وتاريخ نزولها على نحو مؤكد.

وقد قال ابن العربي عن الآيات: (ولم يحقق العلماء تعيين النازل بمكة من المدينة في الجملة). اهـ.

فإذا كان المكي والمدني لم يحقق في الجملة فما ارتبط به من أسباب النزول لا بد أن يقع فيه خطأ أيضاً.

ولهذا بعض المفسرين يرى الآية مكية، والسبب حدث في مكة، وعليه فلا مانع من القول بأنه سبب نزولها.

وآخر يرى القصة حدثت في مكة، والآية في المدينة فلا يراها سببًا لنزول الآية.

وثالث يقول: إن الآية نزلت مرتين ويذكر لكل مرة حديثاً روي أنه سبب نزولها وهكذا.

وهذا الاختلاف ناشئ من سببين:

الأول: ما ذكره ابن العربي من عدم تحقيق المكي من المدني في الجملة.

الثاني: الخطأ في الممارسة والتطبيق من قِبل بعض المفسرين.

وسأذكر من أقوال العلماء ما يبين أثر التاريخ في تقرير الأسباب:

أولاً: مسروق بن الأجدع الوادعي ففي قوله تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ

ص: 189

مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) أبى أن يكون الشاهد عبد الله بن سلام فقال: (واللَّه ما نزلت في عبد الله بن سلام، ما نزلت إلا بمكة، وما أسلم عبد الله إلا في المدينة، ولكنها خصومة خاصم محمد صلى الله عليه وسلم بها قومه). اهـ موضع الشاهد.

ئانياً: سعيد بن جبير ففي قوله تعالى: (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43).

(قال أبو بشر: قلت لسعيد بن جبير: (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ) أهو عبد اللَّه بن سلام؟ فقال: وكيف يكون عبد الله بن سلام، وهذه السورة مكية). اهـ.

ثالثاً: عامر الشعبي. (قال ابن عون: ذكروا عند الشعبي قوله: (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ) فقيل: عبد الله بن سلام؟ فقال: كيف يكون ابن سلام وهذه السورة مكية). اهـ.

رابعاً: البغوي ففي قوله تعالى: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) أنكر أن يكون سبب نزولها ما أخرجه أحمد عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: تشاورت قريش ليلةً بمكة فقال بعضهم: إذا أَصبح فأثبتوه بالوثاق يريدون النبي صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم: بل اقتلوه، وقال بعضهم: بل أخرجوه فأطلع الله نبيه على ذلك .. الحديث.

قال البغوي: (واذكر إذ يمكر بك الذين كفروا، وإذ قالوا اللهم؛ لأن هذه السورة مدنية، وهذا القول والمكر إنما كانا بمكة، ولكن اللَّه ذكرهم بالمدينة كقوله تعالى: (إِلَّا تنَصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرُه آللَّهُ). اهـ.

خامساً: ابن عطية الأندلسي ففي قوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى

ص: 190

وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) أنكر أن تكون قد نزلت في بني سلمة لما أرادوا الانتقال إلى قرب المسجد فقال: (وهذه السورة مكية بإجماع إلا أن فرقة قالت إن قوله: (وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ) نزلت في بني سلمة من الأنصار حين أرادوا أن يتركوا ديارهم، وينتقلوا إلى جوار مسجد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال لهم: دياركم تكتب آثاركم، وكره رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن تعروا المدينة وعلى هذا فالآية مدنية، وليس الأمر كذلك وإنما نزلت الآية في مكة، ولكنه احتج بها عليهم في المدينة، ووافقها قول النبي صلى الله عليه وسلم في المعنى فمن هنا قال من قال: إنها نزلت في بني سلمة). اهـ.

سادساً: شيخ الإسلام ابن تيمية. فقد أنكر على الرافضي دعواه أن سورة (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ) نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين وقال: (إن السورة مكية باتفاق العلماء، وعلي إنما تزوج فاطمة بالمدينة بعد الهجرة، ولم يدخل بها إلا بعد غزوة بدر وولد له الحسن في السنة الثالثة من الهجرة، والحسين في السنة الرابعة من الهجرة بعد نزول (هَلْ أَتَى) بسنين كثيرة، فقول القائل: إنها نزلت فيهم، من الكذب الذي لا يخفى على من له علم بنزول القرآن، وعلم بأحوال هؤلاء السادة الأخيار). اهـ.

سابعاً: ابن كثير فقد جاء في نزول قوله تعالى: (وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) ما أخرجه ابن ماجه عن خباب قال: جاء الأقرع بن حابس التميمي، وعيينة بن حصن الفزاري فوجدوا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مع صهيب وبلال وعمار وخباب قاعداً في ناسٍ من الضعفاء من المؤمنين فلما رأوهم حول النبي صلى الله عليه وسلم حقَّروهم فأتوه فخلوا به وقالوا: إنا نريد أن تجعل لنا منك مجلساً تعرف لنا به العربُ فضلنا، فإن وفود العرب تأتيك فنستحيي أن ترانا العرب مع هذه الأعبد فإذا نحن جئناك فأقمهم عنك

ص: 191

فنزل جبريل فقال: (وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ

) الآية. قال ابن كثير: (وهذا حديث غريب، فإن هذه الآية مكية، والأقرع بن حابس، وعيينة إنما أسلما بعد الهجرة بدهر). اهـ.

ثامناً: ابن حجر العسقلاني ففي نزول قوله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) فقد أخرج البخاري وأحمد ومسلم والترمذي والنَّسَائِي عن عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرث بالمدينة، وهو يتوكأ على عسيب، فمر بنفر من اليهود فقال بعضهم: سلوه عن الروح فذكر الحديث وفيه

فقالوا: يا أبا القاسم حدثنا عن الروح ثم قام ساعة ينظر فعرفت أنه يُوحى إليه فتأخرت عنه حتى صعد الوحي ثم قال: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي).

قال ابن حجر: (وهذا يدل على أن نزول الآية وقع بالمدينة لكن روى الترمذي

ثم ساق حديث ابن عبَّاسٍ

إلى أن قال: ويمكن الجمع بأن يتعدد النزول بحمل سكوته في المرة الثانية على توقع مزيد بيان في ذلك، وإن ساغ هذا وإلا فما في الصحيح أصح). اهـ.

تاسعاً: الشنقيطي ففي قوله تعالى: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126).

قال: (نزلت هذه الآية الكريمة من سورة النحل بالمدينة في تمثيل المشركين بحمزة ومن قتل معه يوم أُحد، فقال المسلمون: لئن أظفرنا اللَّه بهم لنمثلن بهم فنزلت الآية الكريمة فصبروا لقوله تعالى: (لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) مع أن سورة النحل مكية إلا هذه الآيات الثلاث من آخرها). اهـ.

عاشراً: ابن عاشور ففي قوله تعالى: (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (13).

ص: 192

وقد ذكر بعض المفسرين أنها نزلت بسبب عامر بن الطفيل، لكن أبى ذلك ابن عاشور فقال:(ولما كان عامر بن الطفيل إنما جاء المدينة بعد الهجرة، وكان جدال اليهود لا يكون إلا بعد الهجرة أقدم أصحاب هذه الأخبار على القول بأن السورة مدنية أو أن هذه الآيات منها مدنية، وهي أخبار ترجع إلى قول بعض الناس بالرأي في أسباب النزول، ولم يثبت في ذلك خبر صحيح صريح فلا اعتداد بما قالوه فيها، ولا يخرج السورة عن عداد السور المكية). اهـ.

وسأذكر عددًا من الأمثلة التي قمت ببحثها خلال دراستي وأعملت فيها هذا الضابط:

1 -

قال اللَّه تعالى: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ) فقد أخرج البخاري وأحمد ومسلم والدارمي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد، أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع فربما قال إذا قال: سمع اللَّه لمن حمده، ربنا ولك الحمد:(اللهم أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها سنين كسني يوسف) يجهر بذلك، وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر:(اللهم العن فلانًا وفلانًا) لأحياء من العرب حتى أنزل اللَّه: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ).

ولفظ مسلم عنه رضي الله عنه قال: (اللهم العن لحيان ورعلاً، وذكوان، وعصية عصت اللَّه ورسوله) ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما أنزل اللَّه: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128)

فهذا الحديث لا يصح أن يكون سبباً للنزول لأن الآية نزلت في سياق الحديث عن قصة أُحد، وأحد إنما كانت في السنة الثالثة، والدعاء على هؤلاء القبائل كان بعد قتلهم القراء في بئر معونة وذلك في صفر من السنة الرابعة، فكيف يتقدم النزول على السبب؟.

ص: 193

2 -

أخرج مالك وأحمد والبخاري ومسلم والنَّسَائِي عن عائشة رضي الله عنه قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه، وأقام الناس معه، وليسوا على ماءٍ، وليس معهم ماء، فذكرت الحديث وفيه .. فعاتبني أبو بكر، فقال ما شاء الله أن يقول وجعل يطعن بيده في خاصرتي فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح على غير ماءٍ فأنزل الله تبارك وتعالى آية التيمم فقال أُسيد بن حضير: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر.

والسؤال هنا: أيُّ آيتي التيمم نزلت في هذه القصة أهي التي في النساء أم التي في المائدة؟.

والجواب: أنها التي في النساء لأمور:

أ - أن آية النساء تقدمت في النزول على آية المائدة لأنها في سياق النهي عن قربان الصلاة حال السكر وفي هذه المرحلة لم تحرم الخمر بعد، بخلاف آية المائدة فإن الخمر حرمت فيها بعد أُحد كما قال جابر رضي الله عنه: صبَّح أناس غداة أحد الخمر فقتلوا من يومهم جميعاً شهداء وذلك قبل تحريمها.

ب - أن صدر سورة المائدة قد تأخر نزوله ويدل على هذا أمران:

الأول: قول عمر رضي الله عنه في قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) أنها نزلت على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعرفة يوم جمعة. ومعلوم أن وقوفه بعرفة كان في السنة العاشرة.

الثاني: ما ثبت في الصحيح عن همام بن الحارث قال: رأيت جرير بن عبد الله بال ثم توضأ ومسح على خفيه ثم قام فصلى فسئل فقال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم صنع مثل هذا.

قال إبراهيم: فكان يعجبهم لأن جريراً كان من آخر من أسلم.

ولفظ مسلم: لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة.

وجه الدلالة من هذا الحديث على تأخر نزول المائدة: أنه إذا كان يقع الاشتباه إلى هذا الحد بين إسلام جرير ونزول المائدة مع أنه من آخر من أسلم

ص: 194

فهذا يدل على تأخر نزول آية الوضوء كثيرًا.

3 -

قال اللَّه تعالى: (وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32) وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33).

فقد أخرج البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال أبو جهل: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم فنزلت: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33).

فهذا الحديث وإن كان صحيحًا ليس سببًا لنزول الآية لأن سورة الأنفال نزلت في بدر كما قال ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما.

وقال ابن إسحاق: (أُنزلت في أمر بدرٍ سورة الأنفال بأسرها). اهـ.

وهذا الدعاء المذكور إنما كان في مكة بدليل قوله تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) وهو إنما كان فيهم لما كان في مكة قبل الهجرة، فكيف يكون الدعاء قبل الهجرة سببًا لنزول الآيات بعدها؟.

4 -

قال اللَّه تعالى: (وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ (76).

أخرج النَّسَائِي عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: جاء أبو سفيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد أنشدك الله والرحم، فقد أكلنا العلهز - يعني الوبر والدم - فأنزل اللَّه عز وجل:(وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ (76).

وهذا الحديث ليس سببًا للنزول لأن سبب القحط الذي أصابهم هو دعاء النبي صلى الله عليه وسلم عليهم بقوله: (اللهم اشدد وطاتك على مضر، اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف) وهذا الدعاء إنما كان في المدينة، وسورة المؤمنون مكية بالاتفاق، وإذا كان الأمر كذلك فكيف تنزل الآية في شأن القحط في مكة مع أن سبب القحط وهو الدعاء كان بالمدينة.

ص: 195

5 -

قال الله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (24).

أخرج البخاري وأحمد عن المسور بن مخرمة ومروان في قصة الحديبية قالا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية حتى كانوا ببعض الطريق فذكرا الحديث

إلى أن قالا: وينفلت منهم أبو جندل بن سهيل فلحق بأبي بصير فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم، إلا لحق بأبي بصير حتى اجتمعت منهم عصابة فواللَّه ما يسمعون بعيرٍ خرجت لقريش إلى الشام إلا اعترضوا لها، فقتلوهم وأخذوا أموالهم، فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم تناشده باللَّه والرحم لما أرسل: فمن أتاه فهو آمن فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، فأنزل اللَّه تعالى:(وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ) - حتى بلغ - (حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ).

فهذه القصة ليست سبب نزول الآية لأن الآية نزلت في الحديبية كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة، وهذه القصة بعد رجوع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فقد جاء في الحديث:(ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فجاءه أبو بصير رجل من قريش وهو مسلم فذكر الحديث وفيه: فجاء أبو بصير فقال: يا نبي اللَّه قد واللَّه - أوفى الله ذمتك، قد رددتني إليهم، ثم أنجاني الله منهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد) فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده، فخرج حتى أتى سِيف البحر

الحديث وفيه: فواللَّه ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشأم إلا اعترضوا لها).

* * *

ص: 196

بسم الله الرحمن الرحيم

القسم الثاني

دراسة أسباب النزول

دراسةً تفسيريةً وحديثية

ص: 197

سُورَةُ البَقَرَة

ص: 199