الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
63 -
قال اللَّه تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا
(97)
* سَبَبُ النُّزُولِ:
أخرج البخاري والنَّسَائِي عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: إن أُناساً من المسلمين كانوا مع المشركين، يكثرون سواد المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأتي السهم فيُرمى فيصيب أحدهم فيقتله، أو يضربُه فيقتله، فأنزل الله تعالى:(إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ).
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول الآية الكريمة. وقد أورد هذا الحديث في سبب نزولها الطبري والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.
والناظر المتأمل في الآية والحديث يجد أن الآية تتحدث عن الهجرة فقط بقوله: (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا) بينما الحديث يزيد على ذلك ذكر القتال لقوله: فيأتي السهم، إلى آخره.
ولهذا قصر السعدي الوعيد في الآية على ترك الهجرة موافقة للآية فقال: (هذا الوعيد الشديد لمن ترك الهجرة مع قدرته عليها حتى مات، فإن الملائكة
الذين يقبضون روحه، يوبخونه بهذا التوبيخ العظيم ويقولون لهم: على أيِّ حال كنتم؟ وبأيِّ شيء تميزتم عن المشركين؟ بل كثرتم سوادهم، وربما ظاهرتموهم على المؤمنين، وفاتكم الخير الكثير والجهاد مع رسوله، والكون مع المسلمين، ومعاونتهم على أعدائهم، فحيثما كان العبد في محل، لا يتمكن فيه من إظهار دينه، فإن له متسعًا وفسحة من الأرض، يتمكن فيها من عبادة الله كما قال تعالى:(يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) اهـ بتصرف.
وذهب أكثر المفسرين إلى أن الآية نازلة في قوم آمنوا بمكة ولم يهاجروا إلى المدينة مع قدرتهم على ذلك فمنهم من مات بمكة ومنهم من خرج به المشركون إلى بدر قهراً فقتل هناك.
قال الطبري: (وذكر أن هاتين الآيتين (يعني الآية التي معنا والتي بعدها) والتي بعدهما نزلت في أقوام من أهل مكة كانوا قد أسلموا، وآمنوا بالله ورسوله، وتخلفوا عن الهجرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين هاجر، وعرض بعضهم على الفتنة فافتتن، وشهد مع المشركين حرب المسلمين فأبى الله قبول معذرتهم التي اعتذروا بها التي بيّنها في قوله خبرا عنهم:(قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ) اهـ.
وقال البغوي: (نزلت في ناس من أهل مكة تكلموا بالإسلام ولم يهاجروا منهم فلان وفلان، فلما خرج المشركون إلى بدر خرجوا معهم فقتلوا مع الكفار) اهـ بتصرف.
وقال ابن عطية: (المراد بهذه الآية جماعة من أهل مكة كانوا قد أسلموا وأظهروا للنبي صلى الله عليه وسلم الإيمان به، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم أقاموا مع قومهم، وفتن منهم جماعة فافتتنوا، فلما كان أمر بدر خرج منهم قوم مع الكفار فقتلوا ببدر فنزلت الآية فيهم) اهـ.
وهذا الكلام المتقدم يتفق مع سبب النزول.
والظاهر - والله أعلم - أن في سبب النزول اختصارًا ومحل هذا الاختصار قصة خروجهم (أعني المسلمين) مع المشركين يوم بدرة لأن الحديث نص في أن السهم يرمى فيصيب أحدهم فيقتله، أو يُضرب فيُقتل، والقسمة العقلية في مثل هذا لا تحتمل إلا طرفين لا وسط بينهما فإما أن يكون هؤلاء القتلى المذكورون في الحديث مسلمين يقاتلون في جيش المسلمين فهم شهداء لا يستحقون التثريب والعتاب بل حقهم الثناء والثواب، وهذا لم تدل عليه الآية.
وإما أن يكون هؤلاء مسلمين خرجوا في جيش المشركين فقُتلوا فاستحقوا التقريع والتوبيخ. وهذا الذي دلت عليه الآية بقوله: (ظَالِمِيَ أَنفُسِهِمْ) وبقوله: (فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا).
فإن قيل: الآية لم تتحدث عن خروجهم مع المشركين إلى بدر وإنما تحدثت عن تركهم الهجرة.
فالجواب: أن هذا صحيح لأن أصل المعصية هو تركهم الهجرة فلو كانوا قد هاجروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة ما استطاع المشركون إكراههم على الخروج معهم ولم يكن لهم سبيل إلى ذلك، فالآية تحدثت عن أصل الذنب وتركت ما ترتب عليه.
* النتيجة:
أن سبب نزول الآية الكريمة حديث ابن عبَّاسٍ المذكور لصحة سنده، وتصريحه بالنزول، واتفاق جمهور المفسرين على القول به، وعدم اختلافه مع لفظ الآية. والله أعلم.
* * * * *