الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
97 -
قال الله تعالى: (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
(79)
* سَبَبُ النُّزُولِ:
أخرج البخاري ومسلم والنَّسَائِي عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: لما أُمرنا بالصدقة كنا نتحامل فجاء أبو عقيل بنصف صاع، وجاء إنسان بأكثر منه، فقال المنافقون: إن اللَّه لغني عن صدقة هذا، وما فعل هذا الآخر إلا رئاءً فنزلت:(الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ .. ) الآية.
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول الآية الكريمة. وقد أورد الحديث الطبري والقرطبي وابن كثير في سبب نزولها وذكروا معه غيره.
وساق البغوي وابن عطية وابن عاشور أحاديث مشابهة. قال الطبري: (يقول اللَّه تعالى ذكره: الذين يلمزون المطوعين في الصدقة
على أهل المسكنة والحاجة، بما لم يوجبه اللَّه عليهم في أموالهم، ويطعنون فيها عليهم بقولهم: إنما تصدقوا به رياءً وسمعة، ولم يريدوا وجه اللَّه، ويلمزون الذين لا يجدون ما يتصدقون به إلا جهدهم وذلك طاقتهم، فينتقصونهم ويقولون: لقد كان اللَّه عن صدقة هؤلاء غنيًا، سخرية منهم بهم
…
إلى أن قال: وذكر أن المعنيّ بقوله: (الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) عبد الرحمن بن عوف وعاصم بن عدي الأنصاري، وأن المعني بقوله:(وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ) أبو عقيل الأراشي أخو بني أنيف) اهـ.
قال ابن كثير: (وهذا أيضاً من صفات المنافقين لا يسلم أحد من عيبهم ولمزهم في جميع الأحوال، حتى ولا المتصدقون يسلمون منهم، إن جاء أحد منهم بمال جزيل قالوا هذا مراءٍ، وإن جاء بشيء يسير قالوا إن اللَّه لغني عن صدقة هذا كما روى البخاري
…
ثم ساق الحديث) اهـ.
وقال البغوي: (قال أهل التفسير: حث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على الصدقة فجاء عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف درهم، وقال: يا رسول اللَّه مالي ثمانية آلاف جئتك بأربعة آلاف فاجعلها في سبيل اللَّه، وأمسكت أربعة آلاف لعيالي، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (بارك اللَّه لك فيما أعطيتَ وفيما أمسكتَ) فبارك اللَّه في ماله حتى أنه خلف امرأتين يوم مات فبلغ ثمن ماله لهما مائة وستين ألف درهم، وتصدق يومئذٍ عاصم بن عدي العجلاني بمائة وسق من تمر، وجاء أبو عقيل الأنصاري واسمه الحبحاب بصاعٍ من تمر، وقال: يا رسول اللَّه بتُّ ليلتي أجر بالجرير الماء حتى نلتُ صاعين من تمر فأمسكت أحدهما لأهلي وأتيتك بالآخر فأمره رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن ينثره في الصدقة، فلمزهم المنافقون، وقالوا: ما أعطى عبد الرحمن وعاصم إلا رياءً، وإن كان الله ورسوله لغنيان عن صاع أبي عقيل ولكنه أراد أن يذكر فيمن أعطى الصدقة فأنزل اللَّه عز وجل:(الَّذِينَ يَلْمِزُونَ) اهـ.
قال ابن عطية: (وأما المتصدق بكثير الذي كان سببًا للآية فأكثر الروايات أنه عبد الرحمن بن عوف ثم ساق الحديث إلى أن قال: وأما المتصدق بقليل فهو أبو عقيل حبحاب الأراشي فذكر الحديث إلى آخره) اهـ.
وقال ابن عاشور: (نزلت بسبب حادث حدث في مدة نزول السورة:
ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم حث على الصدقة فجاء عبد الرحمن بن عوف
…
فذكره) اهـ.
وقال السعدي: (وهذا أيضاً من مخازي المنافقين فكانوا - قبحهم الله - لا يدعون شيئاً من أمور الإسلام والمسلمين يرون لهم مقالاً، إلا قالوا وطعنوا بغياً وعدواناً، فلما حث الله ورسوله على الصدقة، بادر المسلمون إلى ذلك، وبذلوا من أموالهم، كلٌّ على حسب حاله، منهم المكثر ومنهم المقل، فيلمزون المكثر منهم، بأن قصده بنفقته الرياء والسمعة وقالوا للمقل الفقير: إن الله غني عن صدقة هذا، فأنزل الله تعالى: (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ) اهـ.
وهذه الأقوال المتقدمة للعلماء لا اختلاف بينها ولا تباين فمن ساق حديث أبي مسعود فقد أغفل ذكر الأسماء، ومن ساق حديث عبد الرحمن بن عوف فقد زاد على حديث أبي مسعود تفصيلاً وذكراً للأسماء وإلا فالحديثان يصبان في نهر واحد، ولعل البسط في حديث عبد الرحمن هو الذي حدا بعض العلماء إلى ذكره والنص عليه.
* النتيجة:
أن سبب نزول الآية الكريمة ما جاء في قصة أبي عقيل ومن معه حين تصدقوا فعابهم المنافقون على صدقاتهم وذلك لصحة سنده، وموافقته للفظ الآية، واحتجاج المفسرين به وتصريحه بالنزول والله أعلم.
* * * * *