الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
15 -
قال الله تعالى: (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
(199)
* سَبَبُ النُّزُولِ:
أخرج مسلم والبخاري والترمذي والنَّسَائِي وابن ماجه عن هشام بن عروة ابن الزبير عن أبيه قال: كانت العرب تطوف بالبيت عراةً إلا الحمس. والحمس قريش وما ولدت كانوا يطوفون عراةً إلا أن تعطيهم الحمس ثياباً فيُعطي الرجالُ الرجالَ والنساءُ النساءَ. وكانت الحُمس لا يخرجون من المزدلفة وكان الناس كلهم يبلغون عرفات. قال هشام: فحدثني أبي عن عائشة رضي الله عنها قالت: الحمس هم الذين أنزل الله عز وجل فيهم: (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ) قالت: كان الناس يفيضون من عرفات. وكان الحمس يفيضون من مزدلفة. يقولون: لا نفيض إلا من الحرم. فلما نزلت: (أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ) رجعوا إلى عرفات.
وفي رواية للبخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة، وكانوا يُسمون الحمس، وكان سائر العرب يقفون
بعرفات، فلما جاء الإسلام أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأتي عرفات ثم يقف بها ثم يفيض منها، فذلك قوله تعالى:(ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ).
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول الآية وقد أورد ذلك جمهور المفسرين وجعلوه سببًا لنزولها منهم الطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير والشنقيطي وابن عاشور.
قال ابن العربي: (وقد اختلف الناس في المراد بهذه الإفاضة على قولين:
أحدهما: أن المراد به من عرفات مخالفةً لقريش، قاله الجماعة.
الثاني: المراد به من المزدلفة إلى منى، قاله الضحاك وإنما صار إلى ذلك لأنه رأى الله تعالى ذكر هذه الإفاضة بعد ذكره الوقوف بالمشعر الحرام، والإفاضة التي بعد الوقوف بالمشعر الحرام هي الإفاضة إلى منى). اهـ.
وقد اختلف العلماء في الجواب عن هذا الإشكال على أقوال:
الأول: (أن هذا من المقدم الذي معناه التأخير، والمؤخر الذي معناه التقديم، قاله الطبري). اهـ.
والمعنى على هذا: ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس فإذا أفضتم من عرفات مع الناس فاذكروا الله عند المشعر الحرام.
الثاني: (أن لفظة ثم للترتيب الذكري بمعنى عطف جملة على جملة وترتيبها عليها في مطلق الذكر ونظيره قوله تعالى: (فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17). ومنه قول الشاعر:
إن من ساد ثم ساد أبوه
…
ثم قد ساد قبل ذلك جده
قاله الشنقيطي). اهـ واختاره أكثر المفسرين.
الثالث: (أن المعنى فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا اللَّه عند المشعر الحرام: يا معشر من حل بالمشعر الحرام أفيضوا من حيث أفاض الناس. وأخر اللَّه تعالى الخطاب إلى المشعر الحرام ليعمَّ من وقف بعرفة ومن لم يقف حتى يمتثله مع من وقف. ذكره ابن العربي وقال هو التحقيق). اهـ.
والظاهر - والله أعلم - أن الصواب القول الثاني، وأن (ثم) للترتيب الذكري وليست للترتيب للزمني، أما الترتيب الزمني فقوله (أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ) أي من عرفات (فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ).
بقي أن يُقال: كيف قالت عائشة رضي الله عنها في الرواية الأخرى: فلما جاء الإسلام أمر اللَّه نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأتي عرفات ثم يقف بها ثم يفيض منها، مع العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقف بعرفات ثم يفيض منها؟
فالجواب: أن يقال إن أمر اللَّه لنبيه صلى الله عليه وسلم لا يمنع أن يكون المقصود بالخطاب غيره وهم الحمس لكن الخطاب توجه إليه باعتبار الرسالة.
وقد يُقال: إن الآية لا تتضمن خطابًا مباشراً لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بل خاطبت الناس بلفظ (أفيضوا) ويكون المراد بقولها (أمر اللَّه نبيه) أي أنزل اللَّه على نبيه.
ويمكن أن يُقال: إن لفظ هذا الحديث غير محفوظ بدليل مخالفته للحديث قبله وقولها فيه: (الحمس هم الذين أنزل اللَّه فيهم (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ) لكن هذا خلاف الأصل وما دام الجمع ممكنًا بغيره فالعدول عنه أولى) واللَّه أعلم.
* النتيجة:
أن سبب نزول الآية هو امتناع الحمس من الوقوف بعرفة والإفاضة منها واقتصارهم على الوقوف بالمزدلفة لأنها من الحرم فأنزل اللَّه على نبيه أمره إياهم بالإفاضة من عرفات كما يفيض سائر الناس. لصحة سند الحديث، وتصريحه بالنزول واحتجاج المفسرين به، وموافقته للفظ الآية واللَّه أعلم.
* * * * *