المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

99 - قال الله تعالى: (يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ - المحرر في أسباب نزول القرآن من خلال الكتب التسعة - جـ ١

[خالد المزيني]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌ أهمية الموضوع:

- ‌ أسباب اختيار الموضوع:

- ‌ الدراسات السابقة:

- ‌ خطة البحث:

- ‌التمهيد

- ‌المبحث الأولمكانة أسباب النزول وأهميتها

- ‌المبحث الثانيفوائد معرفة أسباب النزول

- ‌المبحث الثالثنشأة علم أسباب النزول

- ‌المبحث الرابعمصادر أسباب النزول

- ‌ المصدر الأول: كتب السنة:

- ‌1 - الموطأ للإمام مالك

- ‌2 - مسند الإمام أحمد بن حنبل

- ‌3 - المسند الجامع للدارمي

- ‌4 - صحيح البخاري

- ‌5 - صحيح مسلم

- ‌6 - سنن أبي داود:

- ‌7 - سنن الترمذي:

- ‌8 - سنن النَّسَائِي

- ‌9 - سنن ابن ماجه:

- ‌ المصدر الثاني: كتب التفسير:

- ‌1 - جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري:

- ‌2 - تفسير ابن أبي حاتم:

- ‌3 - تفسير الثعلبي:

- ‌4 - تفسير البغوي:

- ‌5 - تفسير ابن كثير:

- ‌6 - الدر المنثور للسيوطي:

- ‌ ثالثاً: المصادر المستقلة:

- ‌1 - أسباب النزول للواحدي:

- ‌2 - لباب النقول في أسباب النزول:

- ‌المبحث الخامسبواعث الخطأ في أسباب النزول

- ‌قواعد في أسباب النزول وضوابط الترجيح فيها

- ‌الفصل الأولقواعد في أسباب النزول

- ‌المبحث الأولتعريف أسباب النزول ومفهومه لدى العلماء

- ‌سبب النزول في الاصطلاح

- ‌الأركان التي تعرف بها أسباب النزول

- ‌المبحث الثانيأسباب النزول من حيث صيغتها

- ‌المبحث الثالثتعدد النازل والسبب واحد

- ‌المبحث الرابعتعدد السبب والنازل واحد

- ‌المبحث الخامسعموم اللفظ وخصوص السبب

- ‌المبحث السادستكرر النزول

- ‌الفصل الثانيضوابط الترجيح في أسباب النزول

- ‌المبحث الأولالترجيح بتقديم الصحيح على الضعيف

- ‌المبحث الثانيالترجيح بتقديم السبب الموافق لِلفظ الآية على غيره

- ‌المبحث الثالثالترجيح بتقديم قول صاحب القصة على غيره

- ‌المبحث الرابعالترجيح بتقديم قول الشاهد للسبب على الغائب عنه

- ‌المبحث الخامسالترجيح بدلالة السياق القرآني

- ‌المبحث السادسالترجيح بدلالة الوقائع التاريخية

- ‌سُورَةُ البَقَرَة

- ‌(97)

- ‌(115)

- ‌(125)

- ‌(142)

- ‌(143)

- ‌(144)

- ‌(158)

- ‌(187)

- ‌(189)

- ‌(195)

- ‌(196)

- ‌(197)

- ‌(198)

- ‌(199)

- ‌(219)

- ‌(220)

- ‌(222)

- ‌(223)

- ‌(228)

- ‌(229)

- ‌(231)

- ‌(232)

- ‌(238)

- ‌(256)

- ‌(267)

- ‌(272)

- ‌(284)

- ‌(285)

- ‌(286)

- ‌سورة آل عمران

- ‌(12)

- ‌(13)

- ‌(77)

- ‌(86)

- ‌(87)

- ‌(88)

- ‌(89)

- ‌(113)

- ‌(114)

- ‌(115)

- ‌(122)

- ‌(128)

- ‌(161)

- ‌(165)

- ‌(169)

- ‌(172)

- ‌(174)

- ‌(186)

- ‌(188)

- ‌(195)

- ‌(199)

- ‌سورة النساء

- ‌(3)

- ‌(6)

- ‌(11)

- ‌(12)

- ‌(19)

- ‌(24)

- ‌(32)

- ‌(33)

- ‌(43)

- ‌(51)

- ‌(52)

- ‌(59)

- ‌(65)

- ‌(77)

- ‌(83)

- ‌(88)

- ‌(94)

- ‌(95)

- ‌(95)

- ‌(97)

- ‌(102)

- ‌(105)

- ‌(127)

- ‌(128)

- ‌(176)

- ‌سورة المائدة

- ‌6

- ‌(33)

- ‌(39)

- ‌(41)

- ‌(78)

- ‌(79)

- ‌(80)

- ‌(81)

- ‌(83)

- ‌(87)

- ‌(88)

- ‌(89)

- ‌(90)

- ‌(91)

- ‌(93)

- ‌(101)

- ‌(102)

- ‌(106)

- ‌(107)

- ‌(108)

- ‌سورة الأنعام

- ‌(33)

- ‌(51)

- ‌(52)

- ‌(118)

- ‌(119)

- ‌(120)

- ‌(121)

- ‌(160)

- ‌سورة الأعراف

- ‌(31)

- ‌(175)

- ‌سورة الأنفال

- ‌(1)

- ‌(9)

- ‌(19)

- ‌(30)

- ‌(32)

- ‌(33)

- ‌(34)

- ‌(66)

- ‌(67)

- ‌(68)

- ‌(69)

- ‌سورة التوبة

- ‌(19)

- ‌(34)

- ‌(58)

- ‌(79)

- ‌(84)

- ‌(85)

- ‌(94)

- ‌(95)

- ‌(96)

- ‌(108)

- ‌(113)

- ‌(114)

- ‌(117)

- ‌(118)

- ‌(119)

الفصل: 99 - قال الله تعالى: (يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ

99 -

قال الله تعالى: (يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ‌

(94)

سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ‌

(95)

يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ‌

(96)

* سَبَبُ النُّزُولِ:

أخرج البخاري وأحمد ومسلم والنَّسَائِي عن كعب بن مالك رضي الله عنه وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم: أنه لم يتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها قط غير غزوتين: غزوة العسرة، وغزوة بدر، قال: فأجمعت صدق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ضحى، وكان قلما يقدم من سفر سافره إلا ضحى، وكان يبدأ بالمسجد، فيركع ركعتين، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كلامي وكلام صاحبي ولم ينه عن كلام أحد من المتخلفين غيرنا، فاجتنب الناس كلامنا، فلبثت كذلك حتى طال عليَّ الأمر، وما من شيء أهم إليَّ من أن أموت فلا يصلي عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم أو يموت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكونَ من الناس بتلك المنزلة فلا يكلمني أحد منهم ولا يصلي عليَّ، فأنزل اللَّه توبتنا على نبيه صلى الله عليه وسلم حين بقي الثلث الآخر من الليل، ورسول الله صلى الله عليه وسلم عند أم سلمة، وكانت أم سلمة محسنة في شأني، معنيةً في أمري، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(يا أم سلمة، تيب على كعب). قالت: أفلا أُرسل إليه فأُبشرَه، قال:(إذاً يحطمكم الناس فيمنعونكم النوم سائر الليلة). حتى إذا صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر

ص: 598

آذن بتوبة اللَّه علينا، وكان إذا استبشر استنار وجهه حتى كأنه قطعة من القمر، وكنا أيها الثلاثة الذين خُلِّفوا عن الأمر الذي قُبل من هؤلاء الذين اعتذروا، حين أنزل الله لنا التوبة، فلما ذكر الذين كذبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من المتخلفين واعتذروا بالباطل، ذُكروا بشرّ ما ذكر به أحد، قال الله سبحانه:(يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ).

* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:

هكذا جاء في سبب نزول الآية الكريمة ولم أجد حديث كعب الذي معنا إلا عند الطبري، أما سائر المفسرين فحديثهم عن سبب نزول الآية ليس جليًا.

قال الطبري: (يقول تعالى ذكره: يعتذر إليكم أيها المؤمنون باللَّه هؤلاء المتخلفون خلاف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم التاركين جهاد المشركين معكم من المنافقين بالأباطيل والكذب إذا رجعتم إليهم من سفركم وجهادكم.

ثم ذكر عند قوله تعالى: (سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ): يقول تعالى ذكره: سيحلف أيها المؤمنون باللَّه لكم هؤلاء المنافقون الذين فرحوا بمقعدهم خلاف رسول اللَّه إذا انصرفتم إليهم من غزوكم فدعوا تأنيبهم وخلوهم وما اختاروا لأنفسهم من الكفر والنفاق) اهـ بتصرف يسير.

وقال البغوي: (يُروى أن المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك كانوا بضعةً وثمانين نفرًا فلما رجع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جاؤوا يعتذرون بالباطل قال اللَّه: (قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ).

ص: 599

وقال في قوله: (سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ) إذا انصرفتم إليهم من غزوكم) اهـ.

وقال ابن عطية: (يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ) هذه المخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم وشُرك معه المسلمون في بعض لأن المنافقين كانوا يعتذرون أيضاً إلى المؤمنين، ولأن أنباء اللَّه أيضاً تحصل للمؤمنين.

وقوله: (رَجَعْتُم) يريد من غزوة تبوك.

وقال في قوله: (سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ): قيل إن هذه الآية من أول ما نزل في شأن المنافقين في غزوة تبوك) اهـ.

وقال القرطبي: (سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ) أي من تبوك) اهـ.

وقال السعدي: (لما ذكر تخلف المنافقين الأغنياء، وأنهم لا عذر لهم أخبر أنهم سوف يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم من غزاتكم، قل لهم لا تعتذروا لن نصدقكم في اعتذاركم الكاذب، قد نبأنا اللَّه من أخباركم وهو الصادق في قيله، فلم يبق للاعتذار فائدة لأنهم يعتذرون بخلاف ما أخبر اللَّه عنهم. ومحال أن يكونوا صادقين فيما يخالف خبر اللَّه الذي هو أعلى مراتب الصدق) اهـ.

وقال ابن عاشور: (يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ) عائد إلى أقرب معاد وهو قوله: (وَقَعَدَ الَّذِينَ كذَبوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ) فإنهم فريق من المنافقين، فهم الذين اعتذروا بعد رجوع الناس من غزوة تبوك.

وقال في قوله: (سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ) هذا إخبار بما سيلاقي به المنافقون المسلمين قبل وقوعه وبعد رجوع المسلمين من الغزو) اهـ.

فأقوال المفسرين المتقدمة قد نصت بوضوح على أن اعتذارهم كان بعد رجوع المسلمين إليهم من غزوة تبوك.

وزاد ابن عاشور على ذلك أن حدد زمن النزول بأنه قبل الحلف وبعد رجوع المسلمين من الغزو.

لأنه قال: قبل وقوعه وبعد رجوع المسلمين من الغزو.

ص: 600

فقوله: بعد رجوع المسلمين من الغزو هذا يوافق اختيار المفسرين وما ذهبوا إليه لقوله تعالى: (يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ).

وقوله: قبل وقوعه يؤيده سياق الآيات فإن الآيات تتحدث عن المستقبل (يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ .. ) وقوله: (سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ).

فإن قيل: ألا يعكّر على هذا ما روى الشيخان عن كعب بن مالك قال: وأصبح رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قادماً، وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فيركع فيه ركعتين، ثم جلس للناس فلما فعل ذلك جاءه المخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له، وكانوا بضعةً وثمانين رجلاً، فقبل منهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم علانيتهم، وبايعهم واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى اللَّه.

وجه ذلك: أن اللَّه أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بالإعراض عنهم ونهاه عن تصديقهم وإذا كان الأمر كذلك فكيف قبل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم علانيتهم وبايعهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى اللَّه.

والجواب: أن هذا لا يعكّر لأن قبول علانيتهم، وترك سرائرهم إلى اللَّه لا يعني عدم الإعراض بل هو من الإعراض، ولهذا لما كلمه كعب في شأن خلفه قال:(أما هذا فقد صدق) وهذا يدل على عدم تصديقه للمنافقين. ومما يؤكد هذا اختلاف معاملته للفريقين.

وأيضاً: كيف كان النزول قبل الاعتذار والحلف، وبعد الرجوع من الغزو؟ فإن حديث كعب رضي الله عنه نص في أنه قدم من السفر فبدأ بالمسجد فلما جلس للناس جاءه المخلفون. فالزمن بين الرجوع والجلوس للناس قصير حسبما يدل عليه السياق، ولهذا لم يُشر أحد فيما أعلم إلى هذا النزول في ذلك الوقت إلا ابن عاشور.

ص: 601

وربما يكون مراده بقوله: (بعد رجوع المسلمين من الغزو) أي عندما شرعوا في ابتداء الرجوع أو عندما اقتربوا من المدينة، وعلى هذا ففي الزمن متسع، وحينئذٍ ينتفي الإشكال.

وبناءً على ما قاله ابن عاشور وهو أن نزول الآيات سبق حدوث السبب، وهو الاعتذار والحلف، فإنه لا يقال حينئذٍ إن اعتذارهم سبب لنزول الآية الكريمة كما هو معلوم.

وعندي أن القسمة في تلك المسألة لا تخرج عن واحد من ثلاثة:

الأول: أن الآيات نزلت قبل اعتذارهم.

الثاني: أن الآيات نزلت بعد اعتذارهم مباشرة.

الثالث: أن الآيات نزلت بعد اعتذارهم بمدة.

فأما الأول: فيترتب عليه انتفاء القول بالسببية لأن الآية إذا سبقت الحدث فإنه لا يكون سبباً لها.

وأما الثاني: فيعكر عليه سياق الآيات وحديثها عن المستقبل، والسين الداخلة على يحلفون فإنها للتنفيس والمهلة.

ويؤيد هذا أن الحديث خلا من ذكر النزول بعد اعتذارهم مباشرة من رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدث كهذا حري بالحفظ والضبط لو كان قد وقع.

وأما الثالث: فيرد عليه ما يرد على الثاني من الحديث عن الاستقبال، ولولا سين التنفيس لأمكن الخلاص من الاستقبال هنا بمثل قوله تعالى:(فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا)، أي فريقاً قتلتم، وفريقاً أسرتم، فعبر عن فعل مضى بفعل الاستقبال.

ولعل مما يؤيد الثالث وينهض به سياق حديث كعب حيث قال: وكنا أيها الثلاثة الذين خلفوا عن الأمر الذي قُبل من هؤلاء الذين اعتذروا حين أنزل الله لنا التوبة، فلما ذكر الذين كذبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من المتخلفين، واعتذروا بالباطل ذُكِرُوا بشرِّ ما ذكر به أحد قال الله سبحانه:(يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ).

ص: 602

فقوله: حين أنزل اللَّه لنا التوبة

إلى أن قال: ذُكروا بشرِّ ما ذكر به أحد، يشير إلى أن التوبة على المؤمنين اقترنت بذم المنافقين.

وأيضاً فقوله في السياق الطويل: فواللَّه ما أنعم اللَّه عليَّ من نعمة قط بعد أن هداني للإسلام أعظم في نفسي من صدقي لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن لا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا فإن اللَّه قال للذين كذبوا - حين أنزل الوحي - شرَّ ما قال لأحد فقال تبارك وتعالى: (سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ) إلى قوله: (فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ).

فقوله: (حين أنزل الوحي) يفسره قوله: (حين أنزل اللَّه لنا التوبة) فقد اجتمع الثناء والقدح لأهل الكذب والمدح في سياق طويل للفريقين أجمع.

فإن قال قائل: فما هو الصواب في المسألة؟

فالجواب: أن الحق فيها عندي لم يتحصحص، وأن الخيط الأبيض فيها من الخيط الأسود لم يتبين وحسبي فيها الاقتداء بابن القيم حين قال في غيرها:

هذا وما نضجتْ لديَّ وعلمُها

الموكولُ بعدُ لمنزلِ القرآنِ

وأعوذ بالرحمن من جزم بلا

علم وهذا غاية الإمكان

واللَّه أعلم بالمراد بقوله

ورسوله المبعوث بالفرقان

لكني أجد نفسي تميل إلى أنها نزلت مع توبة اللَّه على المؤمنين، وأن اعتذارهم سبب نزولها، ولعل مما يؤيد ذلك ما ذكره ابن عطية في قوله تعالى:(سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ) من أن الآية نزلت بعد قولهم. لكن اللَّه جعل المستقبل موضع الماضي للدلالة على استدامة ذلك، وأنهم يستمرون على ذلك القول، مع الإقرار بقبول ما اخترت للاعتراض واللَّه الموفق للصواب.

* النتيجة:

أن الآية تحتمل السببية وغيرها، وذلك لتعارض قرائن الترجيح في نفسي كيف لا وسين التنفيس تلاحقني، واللَّه خير مسؤول أن يفتح على القلب بالصواب واللَّه أعلم.

ص: 603