الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
16 -
قال اللَّه تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ
(219)
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43).
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91).
* سَبَبُ النُّزُولِ:
1 -
أخرج الإمام أحمد وأبو داود والترمذي، والنَّسَائِي عن عمر بن
الخطاب رضي الله عنه قال: لما نزل تحريم الخمر، قال: اللهم بيّن لنا في
الخمر بيانًا شفاءً فنزلت هذه الآية التي في البقرة (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ
قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ) قال: فدُعي عمر، فقرئت عليه، فقال: اللهم بيّن لنا في الخمر بيانًا شفاءً فنزلت الآية التي في النساء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى) فكان منادي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا أقام الصلاة نادى: أن لا يقربن الصلاة سكران، فدعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بيّن لنا في الخمر بيانًا شفاءً فنزلت الآية التي في المائدة، فدعي عمر فقرئت عليه فلما بلغ (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) قال: فقال عمر: انتهينا انتهينا.
2 -
أخرج الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: حرمت الخمر ثلاث مرات؛ قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يشربون الخمر ويأكلون الميسر فسألوا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عنهما فأنزل اللَّه على نبيه صلى الله عليه وسلم: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ) إلى آخر الآية، فقال الناس: ما حُرِّم علينا إنما قال: (فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ) وكانوا يشربون الخمر.
حتى إذا كان يوم من الأيام، صلى رجل من المهاجرين، أمَّ أصحابه في المغرب، خلط في قراءته فأنزل الله فيها آيةً أغلظ منها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى) وكان الناس يشربون حتى يأتي أحدهم الصلاة وهو مفيق.
ثم نزلت آية أغلظ من ذلك: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) فقالوا: انتهينا ربنا، فقال الناس: يا رسول اللَّه، ناس قتلوا في سبيل الله، وماتوا على فُرُشهم، كانوا
يشربون الخمر، ويأكلون الميسر، وقد جعله اللَّه رجسًا من عمل الشيطان، فأنزل اللَّه:(لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لو حرمت عليهم لتركوها كما تركتم).
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية وقد ذكر بعض المفسرين كابن العربي وابن كثير حديث عمر رضي الله عنه عند آية سورة البقرة.
وعندي - واللَّه تعالى أعلم - أن هذا الحديث وان صح سنده ليس سبباً لنزول آية سورة البقرة فإن اللَّه تعالى نص فيها على وقوع السؤال بقوله: (يَسْأَلُونَكَ) وأن السؤال وقع عن شيئين وهما الخمر والميسر بقوله: (عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) فأين حديث عمر من سياق الآية فالاختلاف بينهما ظاهر من وجهين:
الأول: أن الآية فيها السؤال عن الخمر والميسر جميعاً بينما حديث عمر فيه الدعاء بالبيان عن الخمر فقط.
الثاني: أن الله قال في الآية: (يَسْأَلُونَكَ) وعمر رضي الله عنه لم يسأل النبي صلى الله عليه وسلم كما يدل على هذا لفظ الحديث وإنما دعا اللَّه فقال: (اللهم بيِّن لنا في الخمر بياناً شفاءً) وفرق بين دعاء الله وسؤال رسوله صلى الله عليه وسلم فسياق الآية والحديث يأبيان الاجتماع.
ولهذا (أعني عدم التطابق بين لفظ الآية وحديث عمر) ساق الواحدي والبغوي وابن عاشور حديثاً آخر في نزولها فقالوا: نزلت في عمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل ونفر من الأنصار أتوا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقالوا: أفتنا في الخمر والميسر فإنها مذهبة للعقل مسلبة للمال فأنزل اللَّه تعالى هذه الآية.
وهذا لا يصح سبباً في نزولها لأنه لا إسناد له في كتب السنة فتعيّن إطراحه.
وأما ما أخرجه الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه فإنه نصٌّ في الموضوع لولا الضعف الشديد في إسناده مما يحول ويمنع من الاستدلال به، بالإضافة إلى أنه لم يذكره من المفسرين إلا ابن كثير فقط.
وإذا كان الأمر كذلك فإن الثابت الذي لا ريب فيه أن سبب نزول الآية أنهم سألوا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن الخمر والميسر فأنزل اللَّه الآية لأن لفظ الآية الصريح يدل على ذلك.
ولم أجد دليلاً صحيحًا صريحًا من السنة يدل على هذا السؤال واللَّه تعالى أعلم.
أما سبب نزول الآيتين من سورة النساء والمائدة فستأتي دراستهما إن شاء الله في موضعهما من سورة النساء والمائدة.
* النتيجة:
أن السببين المذكورين لنزول الآية لا يصحان لأن حديث عمر صحيح غير صريح وحديث أبي هريرة صريح غير صحيح فلعل للآية سبباً لم يندرج ضمن نطاق البحث لكن الشيء الذي يدل عليه لفظ الآية أنها نزلت بسبب سؤالهم عن الخمر والميسر واللَّه أعلم.
* * * * *