الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
95 -
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ
(34)
* سَبَبُ النُّزُولِ:
أخرج البخاري عن زيد بن وهب قال: مررت بالرَّبَذَة، فإذا أنا بأبي ذر رضي الله عنه فقلت له: ما أنزلك منزلك هذا؟ قال: كنت بالشام، فاختلفت أنا ومعاوية في:(وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) قال: معاوية نزلت في أهل الكتاب، فقلت: نزلت فينا وفيهم، فكان بيني وبينه في ذاك، وكتب إلى عثمان رضي الله عنه يشكوني، فكتب إليَّ عثمان أن أقدم المدينة، فقدمتها، فكثر عليَّ الناس حتى كأنهم لم يروني قبل ذلك، فذكرت ذاك لعثمان، فقال لي: إن شئت تنحيت، فكنت قريبًا فذاك الذي أنزلني هذا المنزل، ولو أمَّروا عليَّ حبشياً لسمعت وأطعت.
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في تفسير هذه الآية الكريمة ولم أرَ من العلماء من صرّح بأن للآية قصةَ نزلت بسببها، لكن أورد المفسرون هذا الحديث عند تفسيرهم للآية الكريمة منهم الطبري وابن العربي، وابن عطية والقرطبي وابن كثير والشنقيطي وابن عاشور) اهـ.
أما شأن الصواب بين أبي ذر ومعاوية رضي الله عنه فلم أرَ أحداً قصر الآية على أهل الكتاب كما فعل معاوية، وأكثر العلماء على عمومها في أهل الكتاب وغيرهم من المسلمين.
قال ابن العربي: (المدرك الثاني - أن الآية عامة في أهل الكتاب وغيرهم) اهـ.
وقال القرطبي: (وقال أبو ذر وغيره المراد بها أهل الكتاب وغيرهم من المسلمين، وهو الصحيح لِأنه لو أراد أهل الكتاب خاصةَ لقال: ويكنزون، بغير والذين. فلما قال (الَّذِينَ) فقد استأنف معنَى آخر يبين أنه عطف جملة على جملة) اهـ.
وقال السعدي: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) أي يمسكونها ولا ينفقونها في سبيل اللَّه، أي: طرق الخير الموصلة إلى اللَّه، وهذا هو الكنز المحرم، أن يمسكها عن النفقة الواجبة كأن يمنع منها الزكاة، أو النفقات الواجبة للزوجات، أو الأقارب، أو النفقة في سبيل اللَّه إذا وجبت) اهـ.
وقال الشنقيطي: (وقال بعض العلماء هي في خصوص أهل الكتاب بدليل اقترانها مع قوله: (إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ).
فإذا علمت أن التحقيق أن الآية عامة، وأنها في من لا يؤدي الزكاة، فاعلم أن المراد بها هو المشار إليه في آيات الزكاة) اهـ.
وذهب ابن عاشور إلى أن الآية عنت جيش العسرة في غزوة تبوك حتى قال: (وقد ورد في السيرة أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حض أهل الغنى على النفقة والحملان في سبيل اللَّه، وقد أنفق عثمان بن عفان ألف دينار ذهباً على جيش غزوة تبوك، وحمل كثيرٌ من أهل الغنى، فالذين انكمشوا عن النفقة هم الذين عنتهم الآية ب (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) ولا شك أنهم من المنافقين) اهـ.
* النتيجة:
أن الحديث المذكور ليس سبباً لنزول الآية لعدم وجود ما يدل على ذلك من نصه أو من سياق الآيات، فقوله: نزلت فينا وفيهم، مراده أن الآية بسياقها تناولت هؤلاء وهؤلاء، لا أنها نزلت بسبب حدث من أحد الفريقين. والله أعلم.
* * * * *