الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
74 -
قال الله تعالى: (وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ
(83)
* سَبَبُ النُّزُولِ:
أخرج النَّسَائِي عن عبد اللَّه بن الزبير قال: نزلت هذه الآية في النجاشي وأصحابه (وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ).
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة، واختار هذا جمهور المفسرين.
قال البغوي: (الآية فيمن أسلم منهم من النصارى مثل النجاشي وأصحابه، وقال: قال ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما في رواية عطاء: يريد النجاشي وأصحابه، قرأ عبيهم جعفر بالحبشة (كهيعص)، فما زالوا يبكون حتى فرغ. جعفر من القراءة) اهـ.
وقال ابن عطية: (وذكر سعيد بن جبير، ومجاهد، وابن عبَّاسٍ أن هذه الآية نزلت بسبب وفد بعثهم النجاشي إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ليروه، ويعرفوا حاله، فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم عليهم القرآن فبكوا وآمنوا ورجعوا إلى النجاشي فآمن).
وقال في موضع آخر: (وقوله تعالى: (وَإذَا سَمِعُوا) الضمير في سمعوا ظاهره العموم ومعناه الخصوص فيمن آمن من هؤلاء القادمين من أرض الحبشة، إذ هم عرفوا الحق وقالوا آمنا، وليس كل النصارى يفعل ذلك) اهـ.
وقال القرطبي: (وهذه الآية نزلت في النجاشي وأصحابه لما قدم عليهم المسلمون في الهجرة الأولى) اهـ.
وقال السعدي: (وهذه الآيات نزلت فى النصارى الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم كالنجاشي وغيره، ممن آمن منهم) اهـ.
وقال ابن عاشور بعد أن ذكر كلامًا: (إن المعنيّ في هذه الآية ثمانية من نصارى الشام كانوا في بلاد الحبشة وأتوا المدينة مع اثنين وستين راهبًا من الحبشة مصاحبين للمسلمين الذين رجعوا من هجرتهم بالحبشة وسمعوا القرآن
وأسلموا
…
إلى أن قال: فكانت الإشارة إليهم في هذه الآية تذكيرًا بفضلهم.
وهي من آخر ما نزل ولم يعرف قوم معينون من النصارى أسلموا في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ولعل اللَّه أعلم رسوله بفريق من النصارى آمنوا - بمحمد صلى الله عليه وسلم في قلوبهم ولم يتمكنوا من لقائه
…
إلى أن قال: ولعل هؤلاء كان منهم من هو بأرض الحبشة أو باليمن. ولا شك أن النجاشي أصحمة منهم) اهـ.
وقد ذهب الطبري إلى عدم تعيين هؤلاء فقال بعد أن ذكر أقوالاً: (والصواب في ذلك من القول عندي أن اللَّه تعالى وصف صفةَ قوم قالوا: إنا نصارى، أن نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم يجدهم أقرب الناس وداداً لأهل الإيمان باللَّه ورسوله ولم يسم لنا أسماءهم، وقد يجوز أن يكون أُريد بذلك أصحاب النجاشي، ويجوز أن يكون أُريد به قوم كانوا على شريعة عيسى، فأدركهم الإسلام فأسلموا، لما سمعوا القرآن، وعرفوا أنه الحق، ولم يستكبروا عنه) اهـ.
والصواب - واللَّه أعلم - أن يقال: إن أُريد بقوله نزلت هذه الآية في النجاشي وأصحابه أنها تقص قصصهم وتتحدث عنهم فهذا صحيح ولهذا (روى ابن إسحاق عن أم سلمة رضي الله عنها في قصة الهجرة قالت: فقرأ (أي جعفر) عليه صدراً من (كهيعص) قالت: فبكى واللَّه النجاشي حتى اخضلَّت لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم، حين سمعوا ما تلا عليهم) اهـ.
وإن أُريد بالنزول هنا ما اصطلح عليه العلماء فليس بصحيح ولهذا قال ابن كثير: (قال علي بن أبي طلحة عن ابن عبَّاسٍ: نزلت هذه الآيات في النجاشي وأصحابه حين تلا عليهم جعفر بن أبي طالب القرآن بكوا حتى
أخضلوا لحاهم، وهذا القول فيه نظر لأن هذه الآية مدنية وقصة جعفر مع النجاشي قبل الهجرة) اهـ.
وما ذكره ابن كثير صحيح فإنه لا يعهد في القرآن أن يتأخر النزول عن السبب على هذا النحو لا سيما إذا عرفنا أن المائدة من آخر القرآن نزولاً.
وقد يقال: إن نزولها كان بسبب وفد بعثهم النجاشي، إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليسمعوا كلامه، ويروا صفاته فلما رأوه وقرأ عليهم القرآن أسلموا، وبكوا وخشعوا ثم رجعوا إلى النجاشي فأخبروه وهو المروي عن سعيد بن جبير. فاللَّه أعلم.
* النتيجة:
أن قصة النجاشي وبكاءه ليست سبباً لنزول الآية لما بينهما من الزمن الطويل والأمد البعيد والله أعلم.
* * * * *