المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

34 - قال الله تعالى: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ - المحرر في أسباب نزول القرآن من خلال الكتب التسعة - جـ ١

[خالد المزيني]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌ أهمية الموضوع:

- ‌ أسباب اختيار الموضوع:

- ‌ الدراسات السابقة:

- ‌ خطة البحث:

- ‌التمهيد

- ‌المبحث الأولمكانة أسباب النزول وأهميتها

- ‌المبحث الثانيفوائد معرفة أسباب النزول

- ‌المبحث الثالثنشأة علم أسباب النزول

- ‌المبحث الرابعمصادر أسباب النزول

- ‌ المصدر الأول: كتب السنة:

- ‌1 - الموطأ للإمام مالك

- ‌2 - مسند الإمام أحمد بن حنبل

- ‌3 - المسند الجامع للدارمي

- ‌4 - صحيح البخاري

- ‌5 - صحيح مسلم

- ‌6 - سنن أبي داود:

- ‌7 - سنن الترمذي:

- ‌8 - سنن النَّسَائِي

- ‌9 - سنن ابن ماجه:

- ‌ المصدر الثاني: كتب التفسير:

- ‌1 - جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري:

- ‌2 - تفسير ابن أبي حاتم:

- ‌3 - تفسير الثعلبي:

- ‌4 - تفسير البغوي:

- ‌5 - تفسير ابن كثير:

- ‌6 - الدر المنثور للسيوطي:

- ‌ ثالثاً: المصادر المستقلة:

- ‌1 - أسباب النزول للواحدي:

- ‌2 - لباب النقول في أسباب النزول:

- ‌المبحث الخامسبواعث الخطأ في أسباب النزول

- ‌قواعد في أسباب النزول وضوابط الترجيح فيها

- ‌الفصل الأولقواعد في أسباب النزول

- ‌المبحث الأولتعريف أسباب النزول ومفهومه لدى العلماء

- ‌سبب النزول في الاصطلاح

- ‌الأركان التي تعرف بها أسباب النزول

- ‌المبحث الثانيأسباب النزول من حيث صيغتها

- ‌المبحث الثالثتعدد النازل والسبب واحد

- ‌المبحث الرابعتعدد السبب والنازل واحد

- ‌المبحث الخامسعموم اللفظ وخصوص السبب

- ‌المبحث السادستكرر النزول

- ‌الفصل الثانيضوابط الترجيح في أسباب النزول

- ‌المبحث الأولالترجيح بتقديم الصحيح على الضعيف

- ‌المبحث الثانيالترجيح بتقديم السبب الموافق لِلفظ الآية على غيره

- ‌المبحث الثالثالترجيح بتقديم قول صاحب القصة على غيره

- ‌المبحث الرابعالترجيح بتقديم قول الشاهد للسبب على الغائب عنه

- ‌المبحث الخامسالترجيح بدلالة السياق القرآني

- ‌المبحث السادسالترجيح بدلالة الوقائع التاريخية

- ‌سُورَةُ البَقَرَة

- ‌(97)

- ‌(115)

- ‌(125)

- ‌(142)

- ‌(143)

- ‌(144)

- ‌(158)

- ‌(187)

- ‌(189)

- ‌(195)

- ‌(196)

- ‌(197)

- ‌(198)

- ‌(199)

- ‌(219)

- ‌(220)

- ‌(222)

- ‌(223)

- ‌(228)

- ‌(229)

- ‌(231)

- ‌(232)

- ‌(238)

- ‌(256)

- ‌(267)

- ‌(272)

- ‌(284)

- ‌(285)

- ‌(286)

- ‌سورة آل عمران

- ‌(12)

- ‌(13)

- ‌(77)

- ‌(86)

- ‌(87)

- ‌(88)

- ‌(89)

- ‌(113)

- ‌(114)

- ‌(115)

- ‌(122)

- ‌(128)

- ‌(161)

- ‌(165)

- ‌(169)

- ‌(172)

- ‌(174)

- ‌(186)

- ‌(188)

- ‌(195)

- ‌(199)

- ‌سورة النساء

- ‌(3)

- ‌(6)

- ‌(11)

- ‌(12)

- ‌(19)

- ‌(24)

- ‌(32)

- ‌(33)

- ‌(43)

- ‌(51)

- ‌(52)

- ‌(59)

- ‌(65)

- ‌(77)

- ‌(83)

- ‌(88)

- ‌(94)

- ‌(95)

- ‌(95)

- ‌(97)

- ‌(102)

- ‌(105)

- ‌(127)

- ‌(128)

- ‌(176)

- ‌سورة المائدة

- ‌6

- ‌(33)

- ‌(39)

- ‌(41)

- ‌(78)

- ‌(79)

- ‌(80)

- ‌(81)

- ‌(83)

- ‌(87)

- ‌(88)

- ‌(89)

- ‌(90)

- ‌(91)

- ‌(93)

- ‌(101)

- ‌(102)

- ‌(106)

- ‌(107)

- ‌(108)

- ‌سورة الأنعام

- ‌(33)

- ‌(51)

- ‌(52)

- ‌(118)

- ‌(119)

- ‌(120)

- ‌(121)

- ‌(160)

- ‌سورة الأعراف

- ‌(31)

- ‌(175)

- ‌سورة الأنفال

- ‌(1)

- ‌(9)

- ‌(19)

- ‌(30)

- ‌(32)

- ‌(33)

- ‌(34)

- ‌(66)

- ‌(67)

- ‌(68)

- ‌(69)

- ‌سورة التوبة

- ‌(19)

- ‌(34)

- ‌(58)

- ‌(79)

- ‌(84)

- ‌(85)

- ‌(94)

- ‌(95)

- ‌(96)

- ‌(108)

- ‌(113)

- ‌(114)

- ‌(117)

- ‌(118)

- ‌(119)

الفصل: 34 - قال الله تعالى: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ

34 -

قال الله تعالى: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ ‌

(128)

* سَبَبُ النُّزُولِ:

1 -

أخرج أحمد ومسلم والترمذي والنَّسَائِي وابن ماجه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لما كان يوم أُحد كسرت رباعية رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وشُجَّ في وجهه، قال: فجعل الدم يسيل على وجهه، فجعل يمسح الدم عن وجهه ويقول:(كيف يفلح قوم خضَّبوا وجه نبيهم بالدم، وهو يدعوهم إلى اللَّه؟). قال: فأنزل اللَّه: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ).

2 -

أخرج البخاري وأحمد والنَّسَائِي عن سالم بن عبد اللَّه بن عمر عن أبيه رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الآخرة من الفجر يقول: (اللهم العن فلانًا وفلاناً وفلانًا) بعد ما يقول: (سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد) فأنزل اللَّه: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ)

ص: 316

إلى قوله (فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ).

وفي لفظ لأحمد والنَّسَائِي عنه رضي الله عنه قال: ثم قال: (اللهم العن فلاناً وفلانًا) دعا على ناسٍ من المنافقين فأنزل اللَّه تعالى: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ

). وفي لفظ لأحمد عنه رضي الله عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم العن فلاناً، اللهم العن الحارث بن هشام، اللهم العن سهيل بن عمرو، اللهم العن صفوان بن أمية) قال: فنزلت هذه الآية: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ

). قال: فتيب عليهم كُلِّهم.

وأخرجه البخاري معلقاً عن حنظلة بن أبي سفيان قال: سمعت سالم بن عبد اللَّه يقول: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يدعو على صفوان بن أُمية، وسهيل بن عمرو، والحارث بن هشام. فنزلت:(لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) إلى قوله (فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ).

ص: 317

3 -

أخرج البخاري وأحمد والدارمي ومسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع، فربما قال: إذا قال سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد:(اللهم انج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها سنين كسني يوسف) يجهر بذلك، وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر:(اللهم العن فلانًا وفلانًا) لأحياءٍ من العرب، حتى أنزل الله:(لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ).

ولفظ مسلم عنه رضي الله عنه قال: (اللهم العن لحيان ورِعْلاً وذكوان وعُصَيَّةَ عصت الله ورسوله) ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما أُنزل: (لَيْسَ لَكَ مِنَ

ص: 318

الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ).

* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:

هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة، وقد ذكر المفسرون هذه الأحاديث في سبب نزولها لكنهم لم يخلصوا فيها إلى سبب معين يركن إليه ويعتمد عليه، ومن هؤلاء الطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور، ومن المعلوم قطعاً أنه لا يمكن القول بأن هذه الأحاديث جميعاً سبب لنزول الآية الكريمة وحينئذٍ لا بد من النظر فيما يمكن اعتباره سبباً لنزولها فأقول مستعيناً باللَّه تعالى:

حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الدعاء على القبائل المذكورة ليس سبباً للنزول لما يلي:

1 -

أن الآية نزلت في سياق الحديث عن قصة أحد - كما ذكره ابن القيم، وابن حجر - رحمة اللَّه عليهما، وقصة رعل، ولحيان، وذكوان، وعصيَّة كانت لما قُتل القراء في بئر معونة، وذلك في صفر من السنة الرابعة فكيف يتقدم النزول على السبب؟.

2 -

أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الدعاء عليهم لما جاؤوا تائبين مسلمين وليس لأن الآية نزلت ناهيةً عن الدعاء عليهم.

3 -

أن ذكر النزول بسبب هذه القضية لم يثبت من حيث الإسناد وقد

ص: 319

تقدم شيء من هذا عند الكلام على رواية مسلم ومع هذا فقد قال ابن حجر معقباً على رواية البخاري: (ثم ظهر لي علة الخبر وأن فيه إدراجاً، وأن قوله: حتى أنزل الله، منقطع من رواية الزهري عمن بلّغه، بيّن ذلك مسلم في رواية يونس المذكورة فقال هنا يعني الزهري ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما نزلت وهذا البلاغ لا يصح لما ذكرته) اهـ - يعني الانقطاع -.

وبما تقدم يتبين أن ذكر نزول الآية عند الدعاء على هؤلاء الأحياء من العرب لم يصح سنداً ومتناً وإن كان الدعاء عليهم ثابتًا في الصحيح والعلم عند الله تعالى.

وأما حديث ابن عمر رضي الله عنهما في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على ناسٍ من المنافقين فأنزل اللَّه الآية. فقد تقدم بيان شذوذها من جهة الإسناد، وهي كذلك شاذة من جهة المتن إذ كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يعامل المنافقين كما يعامل أصحابه المؤمنين لأنهم أصحاب في الظاهر ويشهد لذلك ما روى البخاري عن جابر رضي الله عنه قال: كنا في غزاةٍ فذكر الحديث

إلى أن قال عبد اللَّه بن أبي: أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعزُّ منها الأذلَّ، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقام عمر، فقال: يا رسول اللَّه دعني أضربْ عنق هذا المنافق. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (دعه لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه). فانظر كيف عدهم أصحابًا فقد كانوا يصحبونه في الظاهر، وأمر سرائرهم إلى الله وحده فلماذا الدعاء عليهم؟.

أما حديث ابن عمر رضي الله عنهما في تسمية النفر الثلاثة من قريش عند الدعاء عليهم فلم يصح في حديث مرفوع كما تقدم بحث ذلك، وإنما الذي صح هو الدعاء على أُناس مبهمين فأنزل اللَّه الآية.

وحينئذٍ ينحسر النظر في حديث أنس في قصة أحد والنبي صلى الله عليه وسلم يمسح الدم عن وجهه ويقول: (كيف يفلح قوم خضَّبوا وجه نبيهم بالدم) وحديث ابن عمر رضي الله عنهما في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بعد الركوع فما الجواب عن هذين السببين؟.

ص: 320

الطبري ذهب إلى صلة الآية بما قبلها فقال: (يعني بذلك تعالى ذكره: ليقطع طرفاً من الذين كفروا، أو يكبتهم، أو يتوب عليهم، أو يعذبهم فإنهم ظالمون ليس لك من الأمر شيء، فقوله: (أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) منصوب عطفاً على قوله: (أَوْ يَكْبِتَهُمْ). اهـ.

ثم ساق حديث أنس وذكر من القائلين به ابن عبَّاسٍ، والحسن، وقتادة، والربيع بن أنس.

وما ذُكر يشير إلى اختياره لحديث أنس رضي الله عنه في سبب نزولها.

وقال السعدي: (لما أُصيب صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وكسرت رباعيته وشج في رأسه جعل يقول: كيف يفلح قوم شجوا وجه نبيهم، وكسروا رباعيته فأنزل اللَّه تعالى هذه الآية وبيّن أن الأمر كله للَّه، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس له من الأمر شيء؛ لأنه عبد من عبيد اللَّه، والجميع تحت عبودية ربهم مدبَّرون لا مدبرون.

وهؤلاء الذين دعوت عليهم أيها الرسول، أو استبعدت فلاحهم وهدايتهم إن شاء اللَّه تاب عليهم، ووفقهم للدخول في الإسلام، وقد فعل فإن أكثر أولئك هداهم اللَّه فأسلموا.

وإن شاء اللَّه عذبهم فإنهم ظالمون، مستحقون لعقوبات اللَّه وعذابه) اهـ.

فالسعدي رحمه الله وإن كان قدم حديث أنس، إلا أنه أشار إلى حديث ابن عمر في قوله: وهؤلاء الذين دعوت عليهم أيها الرسول. فإن حديث أنس خلا من الدعاء على أحد.

أما الطاهر بن عاشور فرد حديث أنس بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدّع لنفسه شيئاً أو عملاً حتى يقال: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ).

وردَّ حديث ابن عمر بحديث ورد فيه قولُه: (إني لم أبعث لعاناً) ولم يعزه وبما ثبت من خُلُقه صلى الله عليه وسلم أنه كان لا ينتقم لنفسه.

ص: 321

أما ابن حجر فمرةً قال: (والصواب أنها نزلت في شأن الذين دعا عليهم بسبب قصة أحد والله أعلم، ويؤيد ذلك ظاهر قوله في صدر الآية (لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي بقتلهم (أَوْ يَكْبِتَهُمْ) أي يخزيهم، ثم قال:(أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) أي فيسلموا (أَوْ يُعَذِّبَهُمْ) أي إن ماتوا كفاراً) اهـ.

ومرةً جمع بينهما فقال: (وطريق الجمع بينه - أي حديث أنس - وبين حديث ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم دعا على المذكورين بعد ذلك في صلاته فنزلت الآية في الأمرين معاً، فيمًا وقع له من الأمر المذكور، وفيما نشأ عنه من الدعاء عليهم وذلك كله في أحد) اهـ.

وعندي - والله أعلم - أن حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أسعد بنزول الآية لما يلي:

1 -

أن العلماء - فيما أعلم - متفقون على أن الآية نزلت في قصة أحد، وهذا ما جاء نصاً في حديث أنس، بخلاف حديث ابن عمر الذي خلا من هذا.

2 -

أن السبب معلوم في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كيف يفلح قوم خضَّبوا وجه نبيهم بالدم) لأنهم كسروا رباعيته، وشجوا وجهه، بينما السبب في لعنه لهؤلاء النفر غير معلوم، إذ يحتمل أن لعنهم كان في أحد ويحتمل أنه في غيرها، ولا يوجد ما يُعيّن ذلك.

وقول ابن حجر: (أنها نزلت في شأن الذين دعا عليهم بسبب قصة أحد) غير مسلَّم فأين الدليل على ذلك؟ ثم ما صلة هؤلاء النفر على وجه الخصوص بأحد؟ تعيينهم بالأسماء لم يثبت كما تقدم. ولو فرضنا جدلاً ثبوته لقلنا ألم يكن في المشركين من هو أنكى على المسلمين من هؤلاء النفر كخالد بن الوليد مثلاً فلماذا ترك الدعاء عليه إذا كان للدعاء علاقة بأحد؟

3 -

أن النبي صلى الله عليه وسلم في لعنه لهؤلاء النفر لا يخلو من حالين:

الأولى: أن يلعنهم بإذن اللَّه له، وإذا كان الأمر كذلك فكيف يعاتبه الله على ذلك بقوله:(لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) مع أنه قد أذن له فيه.

ص: 322

الثانية: أن يلعنهم اجتهادًا من نفسه، وعليه فكيف نجمع بين هذا وبين ما ثبت في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أن اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليك، قال:(وعليكم) فقالت عائشة: السام عليكم، ولعنكم اللَّه، وغضب عليكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مهلاً يا عائشة، عليك بالرفق، وإياك والعنف أو الفحش

الحديث).

فالنبي صلى الله عليه وسلم هنا نهى عائشة، وأخبر أن فعلها من العنف أو الفحش الذي ينافي الرفق، مع أن اليهود هم أول من بدأ بالسوء، والله قد لعنهم وغضب عليهم في كتابه.

أفيمكن بعد هذا أن يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته، وهو يناجي ربه، ما ينهى عنه عائشة رضي الله عنها وهو أتقى الناس لله وأخشاهم له؟

فلم يبق إلا أن لعنه لهؤلاء كان بأمر إلهي يستحق عليه الثناء، لا التوبيخ والعتاب.

4 -

أن المستقر من سيرة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وحاله مع الناس أنه لا ينتقم لنفسه كما روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما خُيِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا أن تُنتهك حرمةُ الله فينتقم للَّه بها.

ولو كان لِلعنه صلة بأُحد لكان انتقاماً لنفسه لأن أبلغ ما فعله المشركون بأحد إصابتهم إياه، ولهذا استبعد فلاحهم بقوله:(كيف يفلح قوم خضَّبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى اللَّه). ومعلوم أن الدعاء على أحدٍ بسبب مع إهمال سببٍ أبلغَ منه ينافي حكمة العقلاء، فكيف بحكمة سيد الثقلين؟.

فإن قيل: ما الجواب عن حديث ابن عمر رضي الله عنهما؟

ص: 323

فالجواب: أن حديث ابن عمر ثابت في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على هؤلاء المبهمين، لكن ليس للدعاء صلة بغزوة أحد، بل في مناسبة أخرى، كما دعا على بعض أَحياء العرب من رعل، وذكوان، ولحيان، وعصيّة لما قتلوا القراء، وأن دعاءه إنما كان بإذن ربه.

وذِكرُ آية آل عمران في القصة لا تدل على نزولها في أُحدٍ وإنما تدل على اجتهاد ابن عمر وظنه أنها نزلت في أحد وليس الأمر كذلك واللَّه أعلم.

* النتيجة:

أن سبب نزول الآية الكريمة قول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لما أُصيب في أُحد: كيف يفلح قوم خضَّبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى اللَّه، لصحة سنده، وتصريحه بالنزول وتحديداً في غزوة أحد، وموافقته للفظ الآية ومناسبته لحال رسول الله صلى الله عليه وسلم واللَّه أعلم.

* * * * *

ص: 324