الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 -
قال الله تعالى: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ
(125)
* سَبَبُ النُّزُولِ:
أخرج البخاري وأحمد والدارمي والترمذي والنَّسَائِي عن أنس رضي الله عنه قال: قال عمر: وافقت ربي في ثلاث: فقلت: يا رسول اللَّه، لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت:(وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) وآية الحجاب، قلت: يا رسول اللَّه، لو أمرت نساءك أن يحتجبن فإنه يكلمهن البرُّ والفاجر. فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة عليه، فقلت لهن: عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن فنزلت هذه الآية.
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول الآية، وقد أورده جمهور المفسرين وجعلوه سبباً لنزولها، منهم الطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير، وغيرهم.
وقوله: وافقت ربي في ثلاث، المعنى: وافقني ربي فأنزل القرآن على
وفق ما رأيت، لكن لرعاية الأدب أسند الموافقة إلى نفسه.
وقد اختلفت أقوال العلماء في المراد بمقام إبراهيم.
فقال بعضهم: الحج كله مقام إبراهيم.
وقال بعضهم: هو عرفة والمزدلفة والجمار.
وقال بعضهم: الحرم كله مقام إبراهيم.
وقال بعضهم: مقام إبراهيم هو الحجر الذي قام عليه إبراهيم حين ارتفع بناؤه وضعف عن رفع الحجارة.
وهذا القول الأخير هو الصحيح لما روى ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما: إن إبراهيم قال: يا إسماعيل، إن الله أمرني بأمر، قال: فاصنع ما أمرك ربك، قال: وتعينني؟ قال: وأعينك، قال: فإنّ الله أمرني أن أبْنِيَ هاهنا بيتًا، وأشار إلى أكمةٍ مرتفعة على ما حولها، قال: فعند ذلك رفعا القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني، حتى إذا ارتفع البناء، جاء بهذا الحجر فوضعه له، فقام عليه وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة، وهما يقولان:(رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ). قال: فجعلا يبنيان حتى يدورا حول البيت وهما يقولان: (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
وفي لفظ قال: حتى ارتفع البناء وضعف الشيخ عن نقل الحجارة، فقام على حجر المقام فجعل يناوله الحجارة ويقولان:(رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
ومما يؤيد هذا التفسير ويرجحه على غيره فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى جابر رضي الله عنه في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ثم نَفَذَ إلى مقام
إبراهيم عليه السلام فقرأ: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) فجعل المقام بينه وبين البيت، فكان يقرأ في الركعتين:(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) و (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ).
ولو كان المراد بالمقام أحد الأقوال الثلاثة الأولى لكان من المتعذر أو المتعسر اتخاذه مصلى - أي قبلة -. ولهذا قالوا: إن المراد بقوله: (مُصَلًّى) أي: مداعيَ تدعونني عندها. وهذا خلاف الصواب.
قال ابن كثير رحمه الله: (قلت: وقد كان هذا المقام ملصقاً بجدار الكعبة قديمًا ومكانه معروف اليوم إلى جانب الباب مما يلي الحجر يمنة الداخل من الباب في البقعة المستقلة هناك، وكان الخليل صلى الله عليه وسلم لما فرغ من بناء البيت وضعه إلى جدار الكعبة أو أنه انتهى عنده البناء فتركه هناك، ولهذا واللَّه أعلم أُمر بالصلاة هناك عند الفراغ من الطواف وناسب أن يكون عند مقام إبراهيم حيث انتهى بناءُ الكعبة فيه، وإِنَّمَا أخره عن جدار الكعبة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أحد الأئمة المهديين والخلفاء الراشدين الذين أُمِرْنَا باتباعهم، وهو الذي نزل القرآن بوفاقه في الصلاة عنده، ولذلك لم ينكر ذلك أحد من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين -.
ثم ساق رواية عبد الرزاق عن عطاء ومجاهد أن أول من أخّر المقام إلى موضعه الآن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ثم ساق إسناد البيهقي إلى عائشة رضي الله عنها أن المقام كان زمان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وزمان أبي بكر رضي الله عنه ملتصقاً بالبيت ثم أخّره عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهذا إسناد صحيح مع ما تقدم، ثم ذكر قول سفيان بن عيينة في ذلك إلى أن قال: فهذه الآثار متعاضدة على ما ذكرناه، واللَّه أعلم.
ثم ساق إسناد الحافظ أبي بكر بن مردويه إلى مجاهد وقال فيه: فحوّله
رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى موضعه هذا، فقال: وهذا مرسل عن مجاهد، وهو مخالف لما تقدم، ورواية عبد الرزاق أصح من طريق ابن مردويه، واللَّه أعلم) اهـ بتصرف.
وقال ابن حجر: (وكان عمر رأى أن إبقاعه يلزم منه التضييق على الطائفين أو على المصلين فوضعه في مكان يرتفع به الحرج، وتهيأ له ذلك لأنه الذي كان أشار باتخاذه مصلى وأول من عمل عليه المقصورة الموجودة الآن).
* النتيجة:
أن سبب نزول هذه الآية هو قول عمر رضي الله عنه لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت الآية لصحة سنده، وتصريحه بالنزول واحتجاج المفسرين به، وموافقته للفظ الآية، واللَّه أعلم.
* * * * *