المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌في أقسام الفقه عند أصحابنا وما ألف في هذا النوع وفي هذا العقد درر - المدخل إلى مذهب الإمام أحمد لابن بدران

[ابن بدران]

فهرس الكتاب

- ‌العقد الأول

- ‌رَوْضَة فِي كَلِمَات للْإِمَام فِي مسَائِل من أصُول الدّين

- ‌شذرة أَيْضا فِي كَلَامه فِي الْأُصُول

- ‌العقد الثَّانِي

- ‌فِي السَّبَب الَّذِي لأَجله اخْتَار كثير من كبار الْعلمَاء مَذْهَب الإِمَام أَحْمد على مَذْهَب غَيره

- ‌العقد الثَّالِث

- ‌فِي ذكر أصُول مذْهبه فِي استنباط الْفُرُوع وَبَيَان طَرِيقَته فِي ذَلِك

- ‌العقد الرَّابِع

- ‌فِي مسالك كبار أَصْحَابه فِي تَرْتِيب مذْهبه واستنباطه من فتياه وَالرِّوَايَات عَنهُ وتصرفهم فِي ذَلِك الْإِرْث المحمدي الأحمدي

- ‌شذرة فِي بَيَان طَريقَة الْأَصْحَاب فِي فهم كَلَام الإِمَام أَحْمد وَطَرِيق تصرفهم فِي الرِّوَايَات عَنهُ

- ‌فصل

- ‌فصل أَرَاك أَيهَا النَّاظر قد علمت عَمَّا رقمناه آنِفا

- ‌فصل

- ‌فصل فِي قَول الشَّافِعِي رضي الله عنه إِذا وجدْتُم فِي كتابي خلاف سنة

- ‌العقد الْخَامِس

- ‌فِي الْأُصُول الْفِقْهِيَّة الَّتِي دونهَا الْأَصْحَاب

- ‌مُقَدّمَة

- ‌بسط هَذَا الْإِجْمَال

- ‌فصل فِي التَّكْلِيف

- ‌فصل فِي أَحْكَام التَّكْلِيف

- ‌فصل فِي مَسْأَلَة مَا لَا يتم الْوَاجِب إِلَّا بِهِ

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌تَتِمَّة

- ‌فَائِدَة

- ‌تَنْبِيه

- ‌فصل فِي خطاب الْوَضع

- ‌تَنْبِيه

- ‌فَائِدَة

- ‌فصل فِي اللُّغَات

- ‌فصل اعْلَم أَن الْأَسْمَاء على أَرْبَعَة أضْرب

- ‌فصل فِي الْأُصُول

- ‌الْكتاب الْعَزِيز الَّذِي هُوَ أصل الْأُصُول

- ‌فصل فِي شذرات من مبَاحث السّنة

- ‌تَتِمَّة

- ‌بَاب النّسخ

- ‌تَنْبِيه

- ‌فَائِدَتَانِ

- ‌الْأَوَامِر والنواهي

- ‌فصل وَأما النَّهْي

- ‌فَوَائِد

- ‌الْعُمُوم وَالْخُصُوص

- ‌تَنْبِيه

- ‌فصل

- ‌خَاتِمَة

- ‌فصل

- ‌فصل فِي الْمُطلق والمقيد

- ‌فصل الْمُجْمل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي الْمَنْطُوق وَالْمَفْهُوم

- ‌الأَصْل الثَّالِث الْإِجْمَاع

- ‌الأَصْل الرَّابِع من الْأُصُول الْمُتَّفق عَلَيْهَا اسْتِصْحَاب الْحَال

- ‌الْأُصُول الْمُخْتَلف فِيهَا

- ‌الأَصْل الْخَامِس الْقيَاس

- ‌فصل

- ‌فصل فِي شَرَائِط أَرْكَان الْقيَاس ومصححاتها

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي الأسئلة الْوَارِدَة على الْقيَاس

- ‌فصل

- ‌عقد نضيد فِي الِاجْتِهَاد والتقليد

- ‌تَنْبِيه

- ‌فصل

- ‌تَنْبِيه

- ‌فصل

- ‌عقد نَفِيس فِي تَرْتِيب الْأَدِلَّة وَالتَّرْجِيح

- ‌فصل

- ‌تَنْبِيه

- ‌العقد السَّادِس

- ‌فِيمَا اصْطلحَ عَلَيْهِ المؤلفون فِي فقه الإِمَام أَحْمد مِمَّا يحْتَاج إِلَيْهِ الْمُبْتَدِي وأبرز الْأَسْمَاء الَّتِي تذكر فِي مصنفاتهم

- ‌العقد السَّابِع

- ‌فِي ذكر الْكتب الْمَشْهُورَة فِي الْمَذْهَب وَبَيَان طَريقَة بَعْضهَا وَمَا عَلَيْهِ من التعليقات والحواشي حسب الْإِمْكَان

- ‌الْمُغنِي ومختصرالخرقي

- ‌الْمُسْتَوْعب

- ‌الْكَافِي

- ‌الْعُمْدَة

- ‌مُخْتَصر ابْن تَمِيم

- ‌رُؤُوس الْمسَائِل

- ‌الْهِدَايَة

- ‌التَّذْكِرَة

- ‌الْمُحَرر

- ‌الْمقنع

- ‌الْفُرُوع

- ‌مغنى ذَوي الأفهام عَن الْكتب الْكَثِيرَة فِي الْأَحْكَام

- ‌مُنْتَهى الإرادات فِي جمع الْمقنع مَعَ التَّنْقِيح وزيادات

- ‌الْإِقْنَاع لطَالب الِانْتِفَاع

- ‌دَلِيل الطَّالِب

- ‌غَايَة الْمُنْتَهى

- ‌عُمْدَة الرَّاغِب

- ‌كَافِي الْمُبْتَدِي وأخصر المختصرات ومختصر الإفادات

- ‌الرعايتان

- ‌مُخْتَصر الشَّرْح الْكَبِير والإنصاف

- ‌العقد الثَّامِن

- ‌فِي أَقسَام الْفِقْه عِنْد أَصْحَابنَا وَمَا ألف فِي هَذَا النَّوْع وَفِي هَذَا العقد دُرَر

- ‌فصل وَأما مَا اتَّصل بِنَا خَبره من كتب التَّفْسِير لِأَصْحَابِنَا

- ‌فصل

- ‌فرائد فَوَائِد

- ‌لطائف قَوَاعِد

- ‌رد الْعَجز على الصَّدْر

الفصل: ‌في أقسام الفقه عند أصحابنا وما ألف في هذا النوع وفي هذا العقد درر

‌العقد الثَّامِن

‌فِي أَقسَام الْفِقْه عِنْد أَصْحَابنَا وَمَا ألف فِي هَذَا النَّوْع وَفِي هَذَا العقد دُرَر

اعْلَم أَن أَصْحَابنَا تفننوا فِي علومهم الْفِقْهِيَّة فنونا وَجعلُوا لشجرتها المثمرة بأنواع الثمرات غصونا وشعبوا من نهرها جداول تروي الصادي ويحمد سَيرهَا الساري فِي سَبِيل الْهدى وَطَرِيق الِاقْتِدَاء ففرعوا الْفِقْه إِلَى الْمسَائِل الفرعية وألفوا فِيهَا كتابا قد اطَّلَعت على بعض مِنْهَا ثمَّ أفردوا لما فِيهِ خلاف لأحد الْأَئِمَّة فَنًّا وسموه بفن الْخلاف وَتارَة يطلقون عَلَيْهِ الْمُفْردَات وضموا المتناسبات فألحقوها بأصول استنبطوها من فن أصُول الْفِقْه وَسموا فنها بالقواعد وَجعلُوا للمسائل المشتبهة صُورَة الْمُخْتَلفَة حكما ودليلا وَعلة فَنًّا سموهُ بالفروق وعمدوا إِلَى الْأَحْكَام الَّتِي تَتَغَيَّر بِتَغَيُّر الْأَزْمَان مِمَّا ينطبق على قَاعِدَة الْمصَالح الْمُرْسلَة فأسسوها وسموها بِالْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّة وَأتوا على مَا اختلقه الْعَوام وأرباب التَّدْلِيس فَسَموهُ بالبدع وعَلى مَا هُوَ من الْأَخْلَاق مِمَّا هُوَ للتأديب والتربية ووسموه بفن الْآدَاب وَلما كَانَت كتبهمْ لَا تَخْلُو عَن الِاسْتِدْلَال بِالْكتاب وَالسّنة وَالْقِيَاس صنفوا كغيرهم فِي أصُول الْفِقْه ثمَّ فِي تَخْرِيج أَحَادِيث الْكتب المصنفة فِي الْفُرُوع ثمَّ عَمدُوا إِلَى جمع الْأَحَادِيث

ص: 449

الَّتِي يَصح الِاسْتِدْلَال بهَا فجمعوها ورتبوها على أَبْوَاب كتب فقههم وَسموا ذَلِك فن الْأَحْكَام وألفوا كغيرهم كتب الْفَرَائِض مُفْردَة وَكتب الْحساب والجبر والمقابلة وأفردوا كتب التَّوْحِيد عَن كتب المتأولين وَأَكْثرُوا فِيهَا إِقَامَة الدَّلَائِل انتصارا لمَذْهَب السّلف

فجزاهم الله خيرا

وَيحسن بِنَا هُنَا أَن نذْكر بعض مَا ألف فِي كل فن من تِلْكَ الْفُنُون انتقاء للأجود مِنْهَا فَنَقُول أما فن الْخلاف فَهُوَ علم يعرف بِهِ كَيْفيَّة إِيرَاد الْحجَج الشَّرْعِيَّة وَدفع الشُّبْهَة وقوادح الْأَدِلَّة الخلافية بإيراد الْبَرَاهِين القطعية وَهُوَ الجدل الَّذِي هُوَ قسم من أَقسَام الْمنطق إِلَّا أَنه خص بالمقاصد الدِّينِيَّة وَقد يعرف بِأَنَّهُ علم يقتدر بِهِ على حفظ أَي وضع وَهدم أَي وضع كَانَ بِقدر الْإِمْكَان وَلِهَذَا قيل الجدلي إِمَّا مُجيب يحفظ وضعا أَو سَائل يهدم وضعا وَقد علمت مِمَّا سبق فِي أَوَاخِر فن الْأُصُول هَذِه المسالك لَكِن ماتقدم لَك عَام للمجتهدين وَغَيرهم

وَمَا نَحن بصدده الْآن خَاص بالمقلدين الَّذين يجمدون على قَول إمَامهمْ أَو على مَا صَحَّ لديهم من رواياته ثمَّ يسلكون مَسْلَك فن الجدل فِي نصْرَة مَا قلدوه وَهدم مَا لم يقلدوه وَأجْمع مَا رَأَيْته لِأَصْحَابِنَا فِي هَذَا النَّوْع الْخلاف الْكَبِير للْقَاضِي أبي يعلى وَهُوَ فِي مجلدات وَلم أطلع مِنْهُ إِلَّا على المجلد الثَّالِث وَهُوَ ضخم أَوله كتاب الْحَج وَآخره بَاب السّلم وَقد سلك فِيهِ مسلكا وَاسِعًا وتفنن فِي هدم كَلَام الْخصم تفننا لم أره فِي غَيره وَاسْتدلَّ بِأَحَادِيث كَثِيرَة لَكِن تعقبه فِي أَحَادِيثه الْحَافِظ أَبُو الْفرج عبد الرَّحْمَن بن عَليّ الْمَعْرُوف بِابْن الْجَوْزِيّ الصديقي الْقرشِي الْبكْرِيّ الْمُتَوفَّى سنة سبع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَسمي كِتَابه هَذَا

ص: 450

التَّحْقِيق فِي مسَائِل التَّعْلِيق

قَالَ فِي أَوله هَذَا كتاب نذْكر فِيهِ مَذْهَبنَا فِي مسَائِل الْخلاف وَمذهب الْمُخَالف ونكشف عَن دَلِيل المذهبين من النَّقْل كشف مناصف لَا نَمِيل لنا وَلَا علينا فِيمَا نقُول وَلَا نجازف وسيحمدنا المطلع عَلَيْهِ إِن كَانَ منصفا والواقف وَيعلم أننا أولى بِالصَّحِيحِ من جَمِيع الطوائف ثمَّ قَالَ كَانَ سَبَب إثارة الْعَزْم لتصنيف هَذَا الْكتاب أَن جمَاعَة من إخْوَانِي ومشايخي فِي الْفِقْه كَانُوا يَسْأَلُونِي فِي زمن الصِّبَا جمع أَحَادِيث التَّعْلِيق وَمَا صَحَّ مِنْهَا وَمَا طعن فِيهِ وَكنت أتوانى عَن هَذَا لسببين أَحدهمَا اشتغالي بِالطَّلَبِ وَالثَّانِي ظَنِّي أَن مَا فِي التَّعَالِيق من ذَلِك يَكْفِي فَلَمَّا نظرت فِي التَّعَالِيق رَأَيْت بضَاعَة أَكثر الْفُقَهَاء فِي الحَدِيث مزجاة يعول أَكْثَرهم على أَحَادِيث لَا تصح ويعرض عَن الصِّحَاح ويقلد بَعضهم بَعْضًا فِيمَا ينْقل ثمَّ قد انقسم الْمُتَأَخّرُونَ ثَلَاثَة أَقسَام الْقسم الْقسم الأول قوم غلب عَلَيْهِم الكسل وَرَأَوا أَن فِي الْبَحْث تعبا وكلفة فتعجلوا الرَّاحَة واقتنعوا بِمَا سطره غَيرهم وَالْقسم الثَّانِي قوم لم يهتدوا إِلَى أمكنة الْأَحَادِيث وَعَلمُوا أَنه لَا بُد من سُؤال من يعلم هَذَا فاستنكفوا عَن ذَلِك

وَالْقسم الثَّالِث قوم مقصودهم التَّوَسُّع فِي الْكَلَام طلبا للتقدم والرياسة واشتغالهم بالجدل وَالْقِيَاس وَلَا الْتِفَات لَهُم إِلَى الحَدِيث لَا إِلَى تَصْحِيحه وَلَا إِلَى الطعْن فِيهِ

وَلَيْسَ هَذَا شَأْن من استظهر لدينِهِ وَطلب الْوَثِيقَة فِي أمره وَلَقَد رَأَيْت بعض الأكابر من الْفُقَهَاء يَقُول فِي تصنيفه عَن أَلْفَاظ قد أخرجت فِي الصِّحَاح لَا يجوز أَن يكون رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ هَذِه الْأَلْفَاظ وَيرد الحَدِيث الصَّحِيح وَيَقُول هَذَا لَا يعرف وَإِنَّمَا هُوَ لَا يعرفهُ ثمَّ رَأَيْته قد اسْتدلَّ بِحَدِيث زعم أَن البُخَارِيّ أخرجه

ص: 451

وَلَيْسَ كَذَلِك ثمَّ نَقله عَن مُصَنف آخر كَمَا قَالَ تقليدا لَهُ ثمَّ اسْتدلَّ فِي مَسْأَلَة فَقَالَ دليلنا مَا روى بَعضهم أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ كَذَا وَرَأَيْت جُمْهُور مَشَايِخنَا يَقُولُونَ فِي تصانيفهم دليلنا مَا روى أَبُو بكر الْخلال بِإِسْنَادِهِ عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَدَلِيلنَا مَا روى أَبُو بكر عبد الْعَزِيز بِإِسْنَادِهِ وَدَلِيلنَا مَا روى ابْن بطة بِإِسْنَادِهِ وَجُمْهُور تِلْكَ الْأَحَادِيث فِي الصِّحَاح وَفِي الْمسند

وَفِي السّنَن غير أَن السَّبَب فِي اقتناعم بِهَذَا التكاسل عَن الْبَحْث وَالْعجب مِمَّن لَيْسَ لَهُ شغل سوى مسَائِل الْخلاف ثمَّ قد اقْتصر مِنْهَا فِي المناظرة على خمسين مَسْأَلَة وَجُمْهُور هَذِه الْخمسين لَا يسْتَدلّ فِيهَا بِحَدِيث فَمَا قدر الْبَاقِي حَتَّى يتكاسل عَن الْمُبَالغَة فِي مَعْرفَته ثمَّ قَالَ فصل وألزم عِنْدِي مِمَّن قد لمته من الْفُقَهَاء وَجَمَاعَة من كبار الْمُحدثين عرفُوا صَحِيح النَّقْل وسقيمه وصنفوا فِي ذَلِك فَإِذا جَاءَ حَدِيث ضَعِيف يُخَالف مَذْهَبهم بينوا وَجه الطعْن فِيهِ وَإِن كَانَ مُوَافقا لمذهبهم سكتوا عَن الطعْن فِيهِ وَهَذَا ينبىء عَن قلَّة دين وَغَلَبَة هوى ثمَّ روى بِإِسْنَادِهِ إِلَى وَكِيع أَنه قَالَ أهل الْعلم يَكْتُبُونَ مَا لَهُم وَمَا عَلَيْهِم وَأهل الْأَهْوَاء لَا يَكْتُبُونَ إِلَّا مَا لَهُم ثمَّ إِن ابْن الْجَوْزِيّ أَخذ فِي تَخْرِيج أَحَادِيث التَّعْلِيق بِإِسْنَادِهِ على شَرط ذكره هُوَ فَقَالَ وَهَذَا حِين شروعنا فِيمَا انتدبنا لَهُ من ذكر الْأَحَادِيث معرضين عَن العصبية الَّتِي نعتقدها فِي مثل هَذَا حَرَامًا هَذَا وَمَوْضِع كِتَابه أَنه يذكر الْمَسْأَلَة فَيَقُول مثلا مَسْأَلَة الطّهُور هُوَ الطَّاهِر فِي نَفسه المطهر لغيره ثمَّ يفِيض فِي بَيَان الحَدِيث فيذكره أَولا بِإِسْنَادِهِ ثمَّ يتَكَلَّم عَلَيْهِ بِكَلَام كَاف شاف وَقد ألمع الْفَاضِل

ص: 452

كَاتب جلي فِي كِتَابه كشف الظنون إِلَى كتاب ابْن الْجَوْزِيّ فَقَالَ التَّحْقِيق فِي أَحَادِيث الْخلاف لأبي الْفرج عبد الرَّحْمَن بن عَليّ ابْن الْجَوْزِيّ الْبَغْدَادِيّ الْحَنْبَلِيّ الْمُتَوفَّى سنة سبع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة ومختصره للبرهان إِبْرَاهِيم بن عَليّ بن عبد الْحق الْمُتَوفَّى سنة أَربع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة انْتهى

ثمَّ تلاه الإِمَام الْحَافِظ مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الْهَادِي بن عبد الحميد بن عبد الْهَادِي بن يُوسُف بن مُحَمَّد بن قدامَة الجماعيلي الأَصْل الصَّالِحِي

ولد سنة أَربع وَسَبْعمائة وَتُوفِّي سنة أَربع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة وَكَانَ من أَصْحَاب شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية فنقح التَّعْلِيق لِابْنِ الْجَوْزِيّ وَحذف أَسَانِيد وَنسب أَحَادِيثه إِلَى من خرجها من الْأَئِمَّة الْأَعْلَام وَتكلم عَلَيْهَا بِمَا يَلِيق بهَا وسمى كِتَابه التَّحْقِيق فِي أَحَادِيث التَّعْلِيق وَهُوَ فِي مجلدين وَالْكَلَام على الْمسَائِل قد شحنت كتب الْحَنَابِلَة المطولة بِهِ وَلَا سِيمَا شُرُوح الْمُتَقَدِّمين

وَأما الْمُفْردَات فَهِيَ من جنس الْخلاف وَالَّذِي رَأَيْنَاهُ وسم بِهَذَا الِاسْم الْمُفْردَات للْقَاضِي أبي يعلى الصَّغِير والمفردات لأبي الْخطاب مَحْفُوظ الكلوذاني وَقد سمى كِتَابه بالانتصار فِي الْمسَائِل الْكِبَار وَكِلَاهُمَا يذكر أَن أَفْرَاد الْمسَائِل الْكِبَار من الْخلاف بَين الْأَئِمَّة وينتصران لمَذْهَب الإِمَام أَحْمد مَعَ ذكر مَا اسْتدلَّ بِهِ أَصْحَاب كل إِمَام لنصرة إِمَامه وهدمه ومفردات الإِمَام أبي الْوَفَاء عَليّ بن عقيل الْبَغْدَادِيّ من هَذَا النَّوْع

وَاعْلَم أَنَّك مَتى رَأَيْت فِي كتب أَصْحَابنَا الإطالة فِي الدَّلِيل فَاعْلَم أَن هُنَالك خلافًا حَتَّى فِي شرحي الْإِقْنَاع والمنتهى وَآخر من علمناه صنف فِي نوع الْمُفْردَات الْعَلامَة مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن حَمْزَة بن أَحْمد بن عمر ابْن الشَّيْخ أبي عمر بن

ص: 453

قدامَة الْمُتَوفَّى سنة عشْرين وَثَمَانمِائَة فَإِنَّهُ نظم الْمسَائِل الملقبة بالمفردات فِي ألفية من بَحر الرجز قَالَ فِي خطبتها وَهَذِه مسَائِل فقهية أرجوزة وجيزة ألفية أذكر فِيهَا مَا بِهِ قد انْفَرد إمامنا فِي سلك أَبْيَات تعد وَهُوَ الإِمَام أَحْمد الشَّيْبَانِيّ الْعلم الحبر التقي الرباني عَن مَذْهَب النُّعْمَان ثمَّ ابْن أنس وَالشَّافِعِيّ كلهم يَحْكِي القبس فَفِي فروع الْفِقْه حَيْثُ اخْتلفُوا أذكر مَا عَسى عَلَيْهِ أَقف وَكلما قد جَاءَ من أَقْوَاله مُنْفَردا بِذَاكَ عَن أَمْثَاله فَمثله إِمَّا عَن الرَّسُول أَو صَاحب أَو تَابع مَقْبُول مصداق ذَا إِن شِئْت يَا إمامي وَانْظُر وطالع كتب الْإِسْلَام وَاعْلَم بِأَن أَصْحَابنَا قد صنفوا فِي الْمُفْردَات جملا وألفوا لكِنهمْ لم يقصدوا هَذَا النمط بل قصدُوا الرَّد على الكيا فَقَط فَإِنَّهُ أَعنِي كيا قد صنفا فِي مُفْرَدَات أَحْمد مصنفا وَقصد الرَّد عَلَيْهِ فِيهَا وَكَانَ فِيمَا قد عَنى سَفِيها غَالب مَا قَالَ بِأَنَّهُ انْفَرد فَإِنَّهُ سَهْو وَوهم فليرد فَإِنَّهُ لم يعْتَبر بِالْأَشْهرِ وَلَا خلاف مَالك فِي النّظر وَإِنَّمَا يقْصد فِيمَا ألفا إِذا رأى قولا وَلَو مزيفا لِأَحْمَد قد خَالف النعمانا وَالشَّافِعِيّ نصب البرهانا فصحح الْأَصْحَاب مَا قد صَحا مِنْهَا وَمَا كَانَ إِلَيْهِ ينحى وبينوا أغلاطه ووهمه وناقشوه لَفظه وَكَلمه فَابْن عقيل مِنْهُم وَالْقَاضِي سبط أبي يعلى بعزم ماضي كَذَلِك الْجَوْزِيّ والزاغوني وَغَيرهم بالجد لَا بالهون أَكْثَرهم ردا عَلَيْهِ اقتصروا ونصبوا أَدِلَّة وانتصروا وَابْن عقيل زادنا مسائلا مَشْهُورَة وناصبا دلائلا لكنه حذا كَمَا تقدما ينصر غير أشهر قد قدما

ص: 454

أَو مَا يكون مَالك قد وافقا إمامنا فِيمَا لَهُ قد حققا فَتلك إِذْ قد حررت تقل والمفردات أَصْلهَا يجل إِذْ قد أخلوا بالكثير مِنْهَا وأدخلوا المنقى قطعا عَنْهَا أَحْبَبْت أَن أسبر مَا قد ذكرُوا وأنظم الصَّحِيح إِذْ يحرر وأقف مَا لَا يسلم التفريد فِيهِ وَمَا يسر لي أَزِيد بنيتها على الصَّحِيح الْأَشْهر عِنْد أَكثر الْأَصْحَاب أهل النّظر وَهَكَذَا فسائر الْمذَاهب وَالْخلف ذكرا لَيْسَ من مطالبي إِلَّا إِذا مَا اخْتلف التَّصْحِيح فَذكره حِينَئِذٍ تلميح أَو إِن يكن قَائِل ذَاك الحكم مفصلا كَمَا ترى فِي النّظم ثمَّ إِن النَّاظِم استرسل فِي مَوْضُوعه وَإِنَّمَا رقمت مَا رَأَيْت من هَذَا النّظم لما بِهِ من الْفَائِدَة الْمُتَعَلّقَة بموضوعنا وَأما الكيا فَهُوَ بِكَسْر الْهمزَة وَاللَّام سَاكِنة وَالْكَاف مَكْسُورَة بعْدهَا مثناة تحتية فَمَعْنَاه بالعجمية الْكَبِير وَيُقَال لَهُ الكيا الهراسي وَهُوَ عَليّ بن مُحَمَّد ابْن عَليّ إِمَام أَصْحَاب الشَّافِعِي فِي زَمَانه والمناظر عَنْهُم برع فِي الْفِقْه وَالْأُصُول وَالْخلاف وَولي تدريس النظامية بِبَغْدَاد تَرْجَمَة الشَّيْخ عبد الْوَهَّاب السُّبْكِيّ فِي طَبَقَات الشَّافِعِيَّة وعد من مؤلفاته أَحْكَام الْقُرْآن وشفاء المسترسلين فِي مبَاحث الْمُجْتَهدين وَنقض مُفْرَدَات أَحْمد وَله كِتَابَانِ فِي أصُول الْفِقْه وَكَانَ عبد الغافر الشَّافِعِي يَقُول عَنهُ كَانَ ثَانِي الْغَزالِيّ بل أَمْلَح وَأطيب فِي النّظر وَالصَّوْت وَأبين فِي الْعبارَة والتقرير مِنْهُ وَإِن كَانَ الْغَزالِيّ أحد وأصوب خاطر أَو أسْرع بَيَانا وَعبارَة مِنْهُ

ولد سنة خمسين وَأَرْبَعمِائَة وَتُوفِّي سنة أَربع وَخَمْسمِائة وَكَانَت بَينه وَبَين الزَّيْنَبِي والدامغاني الحنفيين منافسه وَحكى ابْن رَجَب وَابْن مُفْلِح فِي

ص: 455

طبقاتهما أَن أَبَا الْوَفَاء عَليّ بن عقيل الْبَغْدَادِيّ كَانَ كثير المناظرة للكيا الهراسي فَكَانَ الكيا ينشده ارْفُقْ بعبدك أَن فِيهِ فهاهة جبلية وَلَك الْعرَاق وماؤها قَالَ السفلي مَا رَأَتْ عَيْنَايَ مثل الشَّيْخ أبي الْوَفَاء ابْن عقيل مَا كَانَ أحد يقدر أَن يتَكَلَّم مَعَه لغزارة علمه وَحسن إِيرَاده وبلاغة كَلَامه وَقُوَّة حجَّته وَلَقَد تكلم يَوْمًا مَعَ شَيخنَا أبي الْحسن الكيا الهراسي فِي مَسْأَلَة فَقَالَ شَيخنَا لَيْسَ هَذَا مذهبك فَقَالَ لَهُ أَبُو الْوَفَاء أَنا لي اجْتِهَاد مَتى مَا طالبني خصمي بِحجَّة كَانَ عِنْدِي مَا أدفَع بِهِ عَن نَفسِي وأقوم لَهُ بحجتي

فَقَالَ لَهُ شَيخنَا كَذَلِك الظَّن بك

وَأما الْقَوَاعِد وَهِي أَن تُؤْخَذ الْقَاعِدَة الْأُصُولِيَّة ثمَّ يفرع عَنْهَا مَا يَلِيق بهَا من الْفُرُوع وَقد رَأينَا كتابا فِي خزانَة الْكتب العمومية فِي دمشق بِخَط مُؤَلفه وعَلى ظَهره بِخَط يُوسُف بن عبد الْهَادِي مَا لَفظه

يُقَال إِنَّه لِابْنِ قَاضِي الْجَبَل وَطَرِيقَة هَذَا الْكتاب ذكر الْقَاعِدَة أَولا

مِثَاله أَن يَقُول الْجَائِز وَاللَّازِم ثمَّ يفرع على هَذِه الْقَاعِدَة بقوله الْوكَالَة تصرف بِالْإِذْنِ وَمن الْمَعْلُوم أَنه لَيْسَ لَازِما لَا من طرف الْآذِن وَلَا من طرف الْمَأْذُون لَهُ بل لكل وَاحِد مِنْهُمَا أَن يفعل وَأَن لَا يفعل ابْتِدَاء واستدامة وَقد يكون فِي بعض الْمَوَاضِع فِي الْخُرُوج عَن الْوكَالَة ضَرَر فَيخرج خلاف كَمَا لَو وَكله فِي بيع الرَّهْن لَيْسَ لَهُ عَزله فِي قَول وَفِي الْوَصِيَّة لَيْسَ للْمُوصي عزل نَفسه بعد موت الْمُوصي فِي قَول فَهُوَ يشبه من وَجه الْعُقُود اللَّازِمَة يُخَيّر فِي ابتدائها وَلَا يُخَيّر

ص: 456

بعد انْعِقَادهَا ولزومها ثمَّ إِنَّه يَقُول مَا ثَبت للضَّرُورَة وَالْحَاجة وَيقدر الحكم بِقَدرِهَا ثمَّ يفرع عَن هَذِه الْقَاعِدَة قَوْله من وَجب عَلَيْهِ أَمر لدفع ضَرَر إِذا زَالَ الضَّرَر وَلم يلْزمه عوض مثل نَفَقَة الْقَرِيب إِذا مضى الزَّمَان وَمثل الْمضَارب إِذا فعل مَا عَلَيْهِ فعله ليَأْخُذ أجرته لِأَن دفع الْأُجْرَة إِنَّمَا كَانَ لتَحْصِيل الْمَقْصُود وَقد حصل فَلَا عوض انْتهى

وَبِذَلِك قد علمت مَسْلَك كتب الْقَوَاعِد وَللْإِمَام سُلَيْمَان بن عبد الْقوي الطوفي الْحَنْبَلِيّ الْمُتَوفَّى سنة عشر وَسَبْعمائة كِتَابَانِ فِي هَذَا النَّوْع

أَحدهمَا الْقَوَاعِد الْكُبْرَى

وَالثَّانِي الْقَوَاعِد الصُّغْرَى وللحافظ زين الدّين عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن رَجَب الْبَغْدَادِيّ ثمَّ الدِّمَشْقِي الْمُتَوفَّى سنة خمس وَتِسْعين وَسَبْعمائة كتاب فِي الْقَوَاعِد يدل على معرفَة تَامَّة بِالْمذهبِ قَالَ فِي كشف الظنون وَهُوَ كتاب نَافِع من عجائب الدَّهْر حَتَّى إِنَّه استكثر عَلَيْهِ وَزعم بَعضهم أَن ابْن رَجَب وجسد قَوَاعِد مبددة لشيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية فجمعها وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك بل كَانَ رحمه الله فَوق ذَلِك انْتهى

وَمن هَذَا النَّوْع الْقَوَاعِد لعلاءالدين عَليّ بن عَبَّاس البعلي الْحَنْبَلِيّ الْمَعْرُوف بِابْن اللحام الْمُتَوفَّى سنة ثَلَاث وَثَمَانمِائَة

وَهِي قَوَاعِد مختصرة مفيدة جدا وَفِي أَوله نَحْو تسع وَرَقَات تشْتَمل على كشف مسَائِل هَذَا الْكتاب مرتبَة على أَبْوَاب الْفِقْه رؤيت فِي خزانَة الْكتب العمومية فِي دمشق

وَأما الفروق فقد ذكر الأسنوي الشَّافِعِي فِي كِتَابه مطالع الدقائق أَن المطارحة بالمسائل ذَوَات المآخذ المؤتلفة المتفقة والأجوبة الْمُخْتَلفَة المفترقة من مآثر أفكار الْعلمَاء انْتهى

وَهَذَا النَّوْع كثيرا مَا يُوجد فِي كتب الْفُرُوع وشروح الْمُتُون وَقد أفرد بالتأليف وَقد

ص: 457

اطَّلَعْنَا على كتاب فِي هَذَا المسلك لأبي عبد الله السامري بِضَم الْمِيم وَكسر الرَّاء مُشَدّدَة مُسَمَّاة بالفروق وَذكر فِيهِ الْمسَائِل المشتبهة صُورَة الْمُخْتَلفَة أَحْكَامهَا وأدلتها وعللها بِأَن يَقُول مثلا خُرُوج النَّجَاسَات من غير السَّبِيلَيْنِ ينْقض الْوضُوء كثيرها وَلَا ينْقض يسيرها وَالْفرق بَينهمَا مَا روى الدَّارَقُطْنِيّ عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لَيْسَ فِي القطرة وَلَا فِي القطرين من الدَّم وضوء وَإِنَّمَا الْوضُوء من كل دم سَائل وَهَذَا نَص قَاطع فِي الْفرق ثمَّ إِنَّه يسترسل فِي هَذَا المهيع فَتَارَة يَجْعَل الْفرق من الحَدِيث كَمَا علمت وَتارَة من جِهَة الْقَوَاعِد الْأُصُولِيَّة وَهُوَ كتاب جد نَافِع

وَأما الْأَحْكَام السُّلْطَانِيَّة فقد اطَّلَعت على ثَلَاث مؤلفات فِي هَذَا النَّوْع لِأَصْحَابِنَا

أَولهَا الْأَحْكَام السُّلْطَانِيَّة مُجَلد مُفِيد جدا للْإِمَام أبي يعلى مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن الْفراء

وَالثَّانِي لشيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين الإِمَام أَحْمد بن تَيْمِية

وَالثَّالِث للْإِمَام شمس الدّين مُحَمَّد ابْن الْقيم والأخيران مطبوعان

وَأما مناهضة الْبدع فأجمع كتاب رَأَيْته لِأَصْحَابِنَا كتاب

ص: 458

تلبيس إِبْلِيس لِلْحَافِظِ أبي الْفرج عبد الحميد ابْن الْجَوْزِيّ رتبه على أَبْوَاب الْفِقْه وَقَالَ فِيهِ الْأَنْبِيَاء جاؤوا بِالْبَيَانِ الْكَافِي فَأقبل الشَّيْطَان يخلط بِالْبَيَانِ شبها فَرَأَيْت أَن أحذر من مكائده وقسمته ثَلَاثَة عشر بَابا ينْكَشف بمجموعها تلبيسه وتدليسه وَهُوَ كتاب فِي مُجَلد نَافِع جدا وَلَا يَسْتَغْنِي عَنهُ طَالب الْحق وَلَا الْفَقِيه وَلَا المتعبد

وللشيخ موفق الدّين الْمَقْدِسِي رِسَالَة فِي ذمّ الموسوسين أَجَاد فِيهَا وَأفَاد وَقد علقت عَلَيْهَا حَاشِيَة نفيسة وَكتب فِي هَذَا النَّوْع لغير أَصْحَابنَا كَثِيرَة جدا فجزى الله الْكل خيرا

وَأما فن الْآدَاب فَإِنَّهُ فن شرِيف وَقد يذكر مفرقا فِي كتب الْفِقْه كالمستوعب والإقناع ومختصر الإفادات وَغَيرهم

وَقد أفرده كثير من الْأَصْحَاب بالتأليف كَابْن أبي مُوسَى وَغَيره

وَأجْمع مَا رَأَيْنَاهُ صنف فِي هَذَا النَّوْع كتاب الْآدَاب الشَّرْعِيَّة والمصالح المرعية لشمس الدّين مُحَمَّد بن مُفْلِح صَاحب الْفُرُوع فَإِنَّهُ جمع فِيهِ كثيرا من كتب من تقدمه فِي هَذَا النمط وسرد أسماءها فِي خطْبَة كِتَابه وَقَالَ فِي أَوله أما بعد فَهَذَا كتاب يشْتَمل على جمل كَثِيرَة من الْآدَاب الشَّرْعِيَّة والمصالح المرعية يحْتَاج إِلَى مَعْرفَته إِلَى آخر مَا قَالَه وَهُوَ فِي مجلدين أَجَاد فيهمَا وَأفَاد ووفى بالمراد وَله أَيْضا الْآدَاب الصُّغْرَى فِي مُجَلد وَللْإِمَام الْفَقِيه الْمُحدث مُحَمَّد بن عبد الْقوي بن بدران الْمَقْدِسِي الْمُتَوفَّى سنة تسع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة منظومتان فِي هَذَا النَّوْع من بَحر الطَّوِيل والروي دَال

أَحدهمَا صغرى وَقد شرحها

ص: 459

الشَّيْخ شرف مُحَمَّد الحجاوي وَالثَّانيَِة ألفية وَقد شرحها الشَّيْخ عَلَاء الدّين المرداوي ثمَّ الشَّيْخ مُحَمَّد السفاريني الْحَنْبَلِيّ وسمى شَرحه غذَاء الْأَلْبَاب بشرح منظومة الْآدَاب فجَاء شرحا نفيسا فِي مجلدين وَقد طبع فَلَا حَاجَة إِلَى التَّرْجَمَة عَنهُ وَلابْن عبد الْقوي ولع كثير فِي الْآدَاب فَإِنَّهُ كثر مَا ضمن مؤلفاته الْمَنْظُومَة مِنْهُ ككتابه النِّعْمَة وَهُوَ جزءان والفرائد يبلغ خَمْسَة آلَاف بَيت وَكلهَا على رُوِيَ الدَّال فرحم الله الْجَمِيع

وَأما فن الْأُصُول فقد تقدم لَك بَيَانه وَالْقَصْد هُنَا ذكر مَا اطَّلَعْنَا عَلَيْهِ مِمَّا ألف فِيهِ وَانْتِفَاء الأنفع مِنْهَا للمشتغل بِهَذَا الْفَنّ ولنقسم ذَلِك إِلَى قسمَيْنِ

أَولهَا الْمُتُون المختصرة وَإِلَيْك بَيَانهَا قَوَاعِد الْأُصُول ومعاقد الْفُصُول لصفي الدّين عبد الْمُؤمن بن عبد الْحَيّ بن عبد الله بن عَليّ بن مَسْعُود الْقطيعِي الأَصْل الْبَغْدَادِيّ الْفَقِيه الفرضي المفنن الْمُتَوفَّى سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَهَذَا الْمُخْتَصر فِي نَحْو سبع وَعشْرين ورقة اخْتَصَرَهُ من كتاب لَهُ سَمَّاهُ تَحْقِيق الأمل وجرده عَن الدَّلَائِل وَهُوَ مُخْتَصر مُفِيد فِي الْأُصُول لعَلي ابْن عَبَّاس البعلي الْحَنْبَلِيّ الْمَعْرُوف بِابْن اللحام جعله مَحْذُوف التَّعْلِيل والدلائل وَأَشَارَ فِيهِ إِلَى الْخلاف والوفاق فِي غَالب الْمسَائِل وَهُوَ فِي نَحْو خمس وَأَرْبَعين ورقة

مُخْتَصر الرَّوْضَة القدامية للعلامة سُلَيْمَان الطوفي مُشْتَمل على الدَّلَائِل مَعَ التَّحْقِيق والتدقيق وَالتَّرْتِيب والتهذيب ينخرط مَعَ مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب فِي سلك وَاحِد وَقد شَرحه مُؤَلفه فِي

ص: 460

مجلدين حقق فيهمَا فن الْأُصُول وَأَبَان فِيهِ عَن بَاعَ وَاسع فِي هَذَا الْفَنّ واطلاع وافر وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ أحسن مَا صنف فِي هَذَا الْفَنّ وأجمعه وأنفعه مَعَ سهولة الْعبارَة وسبكها فِي قالب يدْخل الْقُلُوب بِلَا اسْتِئْذَان وَقد شرح الْمَتْن أَيْضا الشَّيْخ علاءالدين الْعَسْقَلَانِي الْكِنَانِي فِي مُجَلد وَلم أره لَكِن رَأَيْت عَلَاء الدّين المرداوي ذكره

مُخْتَصر التَّحْرِير للعلامة الْفَقِيه الأصولي النَّحْوِيّ مُحَمَّد بن الْعَلامَة شهَاب الدّين أَحْمد بن عبد الْعَزِيز بن عَليّ الفتوحي الشهير بِابْن النجار صَاحب الْمُنْتَهى

ذكر أَنه اختصر فِيهِ كتاب تَحْرِير الْمَنْقُول من علم الْأُصُول لعلاء الدّين المرداوي وَأَنه محتو على مسَائِل مِمَّا قدمه المرداوي أَو كَانَ عَلَيْهِ الْأَكْثَر من الْأَصْحَاب دون بَقِيَّة الْأَقْوَال خَال من قَول ثَان إِلَّا لفائدة تزيد على معرفَة الْخلاف من عزو مقَال إِلَى من إِيَّاه قَالَ ثمَّ قَالَ وَمَتى قلت فِي وَجه فالمقدم غَيره أَو فِي قَول أَو على قَول كَانَ إِذا قوي الْخلاف أَو اخْتلف التَّرْجِيح مَعَ إِطْلَاق الْقَوْلَيْنِ أَو الْأَقْوَال إِذا لم أطلع على مُصَرح بالتصحيح ثمَّ إِن مُصَنفه شَرحه فِي مُجَلد وَسَماهُ الْكَوْكَب الْمُنِير فِي شرح مُخْتَصر التَّحْرِير ثمَّ شَرحه الشَّيْخ أَحْمد البعلي وَسَماهُ الذخر الْحَرِير شرح مُخْتَصر التَّحْرِير وَهَذَانِ الشرحان يفيدان الْمُتَوَسّط فِي هَذَا الْفَنّ

تَحْرِير الْمَنْقُول وتهذيب علم الْأُصُول للْقَاضِي علاءالدين

ص: 461

عَليّ بن سُلَيْمَان بن أَحْمد ابْن مُحَمَّد الْمَقْدِسِي المرداوي السَّعْدِيّ مُحَرر أصُول الْمَذْهَب وفروعه صَاحب التَّنْقِيح والإنصاف استمد فِي وَضعه من غَالب كتب هَذَا الْفَنّ وَقَالَ فِي أَوله هَذَا مُخْتَصر فِي أصُول الْفِقْه جَامع لمعظم أَحْكَامه حاو لقواعده وضوابطه وأقسامه مُشْتَمل على مَذَاهِب الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة الْأَعْلَام وأتباعهم وَغَيرهم

لَكِن على سَبِيل الْأَعْلَام اجتهدت فِي تَحْرِير نقُوله وتهذيب أُصُوله

وَقَالَ الفتوحي فِي شرح مُخْتَصره وَإِنَّمَا وَقع اخْتِيَاري على اخْتِصَار هَذَا الْكتاب دون بَقِيَّة كتب هَذَا الْفَنّ لِأَنَّهُ جَامع لأكْثر أَحْكَامه حاو لقواعده وضوابطه وأقسامه انْتهى

وَقد شَرحه مُؤَلفه فِي مجلدين أَجَاد فيهمَا وَأفَاد

الْقسم الثَّانِي الْكتب المطولة فِي هَذَا الْفَنّ وَإِلَيْك بَيَان بَعْضهَا الْوَاضِح لِابْنِ عقيل وَهُوَ كتاب كَبِير فِي ثَلَاث مجلدات أبان فِيهِ عَن علم كالبحر الزاخر وَفضل يفحم من فِي فَضله يكابر وَهُوَ أعظم كتاب فِي هَذَا الْفَنّ حذا فِيهِ حَذْو الْمُجْتَهدين

التَّمْهِيد فِي أصُول الْفِقْه لأبي الْخطاب مَحْفُوظ الكلوذاني مُجَلد ضخم سلك فِيهِ مسالك الْمُتَقَدِّمين وَأكْثر من ذكر الدَّلِيل وَالتَّعْلِيل

رَوْضَة النَّاظر وجنة المناظر بِضَم الْجِيم وَتَشْديد النُّون الْمَفْتُوحَة للْإِمَام الْمُجْتَهد موفق الدّين الْمَقْدِسِي صَاحب الْمُغنِي

ص: 462

وَالْكَافِي وَالْمقنع والعمدة وَهُوَ كتاب فِي مُجَلد متوسط رتبه على ثَمَانِيَة أَبْوَاب عدد أَبْوَاب الْجنَّة وترتيبها هَكَذَا حَقِيقَة الحكم وأقسامه ثمَّ تَفْصِيل الْأُصُول الْأَرْبَعَة ثمَّ بَيَان الْأُصُول الْمُخْتَلف فِيهَا ثمَّ تقاسيم الْأَسْمَاء ثمَّ الْأَمر وَالنَّهْي والعموم وَالْخُصُوص وَالِاسْتِثْنَاء وَالشّرط وَدَلِيل الْخطاب وَنَحْوه ثمَّ الْقيَاس ثمَّ حكم الْمُجْتَهد ثمَّ التَّرْجِيح

وَقد تبع فِي كِتَابه هَذَا الشَّيْخ أَبَا حَامِد الْغَزالِيّ فِي الْمُسْتَصْفى حَتَّى فِي إِثْبَات الْمُقدمَة المنطقية فِي أَوله وَحَتَّى قَالَ أَصْحَابنَا وَغَيرهم مِمَّن رأى الْكِتَابَيْنِ أَن الرَّوْضَة مُخْتَصر المستصفي وَيظْهر ذَلِك قطعا فِي إِثْبَات الْمُقدمَة المنطقية مَعَ أَنه خلاف عَادَة الْأُصُولِيِّينَ من أَصْحَابنَا وَكثير من غَيرهم وَمن مُتَابَعَته على ذكر كثير من نُصُوص أَلْفَاظ الشَّيْخ أبي حَامِد

قَالَ الطوفي فِي أَوَائِل شَرحه مُخْتَصر الرَّوْضَة لَهُ أَقُول إِن الشَّيْخ أَبَا مُحَمَّد الْتقط أَبْوَاب الْمُسْتَصْفى فتصرف فِيهَا بِحَسب رَأْيه وأثبتها وَبنى كِتَابه عَلَيْهَا وَلم ير الْحَاجة ماسة إِلَى مَا اعتنى بِهِ الشَّيْخ أَبُو حَامِد من درج الْأَبْوَاب تَحت أقطاب الْكتاب أَو أَنه أحب ظُهُور الامتياز بَين الْكِتَابَيْنِ باخْتلَاف التَّرْتِيب لِئَلَّا يصير مُخْتَصر الْكتاب وَهُوَ إِنَّمَا يصنع كتابا مُسْتقِلّا فِي غير الْمَذْهَب الَّذِي وضع فِيهِ أَبُو حَامِد كِتَابه لِأَن أَبَا حَامِد أشعري شَافِعِيّ وَأَبُو مُحَمَّد أثري حنبلي وَهُوَ طَريقَة الْحُكَمَاء الْأَوَائِل وَغَيرهم لَا تكَاد تَجِد لَهُم كتابا فِي طلب أَو فلسفة إِلَّا وَقد ضبطت مقالاته وأبوابه فِي أَوله بِحَيْثُ يقف النَّاظر الذكي من مُقَدّمَة الْكتاب على مَا فِي أَثْنَائِهِ وَقد نهج أَبُو حَامِد هَذَا الْمنْهَج فِي المستصفي

هَذَا كَلَامه

ثمَّ اعْلَم إِن الشَّيْخ أَبَا مُحَمَّد أثبت فِي أَوَائِل الرَّوْضَة مُقَدّمَة تَضَمَّنت مسَائِل من فن الْمنطق كَمَا فعل مثل ذَلِك الْغَزالِيّ ثمَّ ابْن

ص: 463

الْحَاجِب فَمن أجل ذَلِك تبين أَنه كَانَ تَابعا للغزالي لِأَن أَبَا مُحَمَّد لم يكن متكلما وَلَا منطقيا حَتَّى يُقَال غلب عَلَيْهِ علمه المألوف وَقد قَالَ الثِّقَات إِن إِسْحَاق العلثي لما اطلع على الرَّوْضَة وَرَأى فِيهَا الْمُقدمَة المنطقية عَاتب الشَّيْخ أَبَا مُحَمَّد فِي إِلْحَاقه هَذِه الْمُقدمَة فِي كِتَابه وَأنكر عَلَيْهِ ذَلِك فأسقطها من الرَّوْضَة بعد أَن انتشرت بَين النَّاس فَلهَذَا تُوجد فِي نُسْخَة دون نُسْخَة وَلما اختصر الطوفي الْكتاب أسقط الْمُقدمَة وَاعْتذر بأعذار

مِنْهَا وَهُوَ الَّذِي عول عَلَيْهِ أَنه لَا تَحْقِيق لَهُ فِي فن الْمنطق وَلَا أَبُو مُحَمَّد لَهُ تَحْقِيق بِهِ أَيْضا فَلَو اختصرها لظهر بَيَان التَّكْلِيف عَلَيْهَا من الْجِهَتَيْنِ فَلَا يتَحَقَّق الِانْتِفَاع بهَا للطَّالِب وَيقطع عَلَيْهِ الْوَقْت وَأما إِسْحَاق العلثي بالثاء الْمُثَلَّثَة فَهُوَ إِسْحَاق بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عَليّ بن غَانِم العلثي الْحَنْبَلِيّ الإِمَام الزَّاهِد الْقدْوَة كَانَ فَقِيها عَالما أمارا بِالْمَعْرُوفِ نهاءا عَن الْمُنكر لَا يخَاف أحدا إِلَّا الله وَلَا تَأْخُذهُ فِي الله لومة لائم أنكر على الْخَلِيفَة النَّاصِر فَمن دونه وواجه الْخَلِيفَة وصدعه بِالْحَقِّ

قَالَ بَعضهم هُوَ شيخ الْعرَاق والقائم بالإنكار على الْفُقَهَاء والفقراء وَغَيرهم فِيمَا ترخصوا فِيهِ

وَقَالَ الْحَافِظ الْمُنْذِرِيّ قيل إِنَّه لم يكن فِي زَمَانه مثل إنكارا للْمُنكر مِنْهُ وَحبس على ذَلِك مُدَّة وَله رسائل كَثِيرَة إِلَى الْأَعْيَان بالإنكار عَلَيْهِم والنصح لَهُم

توفّي سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة بِبَلَدِهِ العلث

هَكَذَا تَرْجمهُ الْحَافِظ ابْن رَجَب وبرهان الدّين ابْن مُفْلِح

ولنرجع إِلَى الْكَلَام على الرَّوْضَة فَنَقُول إِنَّه أَنْفَع كتاب لمن يُرِيد تعَاطِي الْأُصُول من أَصْحَابنَا فمقام هَذَا الْكتاب بَين كتب

ص: 464

الْأُصُول مقَام الْمقنع بَين كتب الْفُرُوع وَلَقَد ابتدأت فِي شَرحه على وَجه يُوضح مَنَارَة ويكشف أستاره وَللَّه الْحَمد ولأصحابنا فِي فن الْأُصُول كتب كَثِيرَة

مِنْهَا الكلفية وَالْمُعْتَمد وَالْعدة

الْجَمِيع للْقَاضِي أبي يعلى

وَمِنْهَا مسودة بني تَيْمِية وهم الشَّيْخ مجدالدين وَولده الشَّيْخ عبد الْحَلِيم وحفيده شيخ الْإِسْلَام الشَّيْخ تَقِيّ الدّين

وَمِنْهَا الْمقنع لِابْنِ حمدَان

وَمِنْهَا الْإِيضَاح فِي الجدل للشَّيْخ أبي مُحَمَّد ابْن الشَّيْخ الإِمَام الْحَافِظ عبد الرَّحْمَن ابْن الْجَوْزِيّ

وَمِنْهَا مُخْتَصر الْمقنع لِابْنِ حمدَان وَشَرحه كِلَاهُمَا لأبي عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد الْحَرَّانِي الْمَعْرُوف بِابْن الحبال أحد من شرح الْخرقِيّ الْمُتَوفَّى سنة تسع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة

وَمِنْهَا مُجَلد كَبِير للعلامة ابْن مُفْلِح صَاحب الْفُرُوع

قَالَ الشَّيْخ عَلَاء الدّين المرداوي وَهُوَ أصل كتَابنَا يَعْنِي تَحْرِير الْمَنْقُول فَإِن غَالب استمدادنا مِنْهُ

وَمِنْهَا أصُول الشَّيْخ عبد الْمُؤمن وَهُوَ فِي مُجَلد كَبِير

وَمِنْهَا مُجَلد فِي الْأُصُول لعَلي ابْن عَبَّاس البعلي

وَمِنْهَا التَّذْكِرَة فِي الْأُصُول لِابْنِ الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ

ص: 465

وَمِنْهَا مُخْتَصر الْحَاصِل ومختصر الْمَحْصُول ومعراج الْوُصُول إِلَى فن الْأُصُول وَالْكل للطوفي

وَمِنْهَا عير ذَلِك مِمَّا يطول ذكره

وَأما تَخْرِيج أَحَادِيث الْكتب المصنفة وَكتب الْأَحْكَام

فَأَما الأول فَإِنِّي لم أطلع مِنْهُ إِلَّا على تَخْرِيج أَحَادِيث الْكَافِي فِي الْفِقْه للْإِمَام الْحَافِظ ضِيَاء الدّين مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد بن أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن السَّعْدِيّ الْمَقْدِسِي الْحَافِظ الْكَبِير لَكِن هَذَا التَّخْرِيج مُخْتَصر جدا لم يشف غليلا وَلِهَذَا الْحَافِظ كتاب الْأَحَادِيث المختارة وَهِي الْأَحَادِيث الَّتِي تصلح أَن يحْتَج بهَا سوى مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ خرجها من مسموعاته قَالَ بَعضهم هِيَ خير من صَحِيح الْحَاكِم انْتهى

قلت وَقد اطَّلَعت مِنْهَا على مجلدات بِخَطِّهِ قَالَ فِي كشف الظنون نقلا عَن كتاب الشواذ الفياح الْتزم فِيهِ الصِّحَّة فصحح فِيهِ أَحَادِيث لم يسْبق إِلَى تصحيحها

قَالَ ابْن كثير وَهَذَا الْكتاب لم يتم وَكَانَ بعض الْحفاظ من مَشَايِخنَا يرجحه على مُسْتَدْرك الْحَاكِم

توفّي الضياء سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وسِتمِائَة

وَأما كتب الْأَحْكَام فأجلها وأوسعها وأنفعها كتاب منتقى الْأَحْكَام للْإِمَام مجدالدين عبد السَّلَام ابْن تَيْمِية فَإِنَّهُ جمع فِيهِ الْأَحَادِيث الَّتِي يعْتَمد عَلَيْهَا عُلَمَاء الْإِسْلَام فِي الْأَحْكَام انتقاها من الْكتب السَّبْعَة صحيحي البُخَارِيّ وَمُسلم ومسند الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل وجامع التِّرْمِذِيّ وَسنَن النَّسَائِيّ وَسنَن أبي دَاوُد وَسنَن ابْن مَاجَه

وَتارَة يذكر أَحَادِيث من سنَن الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره ورتب أَحَادِيثه على تَرْتِيب أَبْوَاب كتب الْفِقْه ورتب لَهُ أبوابا بِبَعْض مَا دلّت عَلَيْهِ أَحَادِيثه من الْفَوَائِد وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ كتاب كَاف للمجتهد وَقد اعتنى المحدثون

ص: 466

بِهَذَا الْكتاب اعتناء تَاما واشتهر عِنْدهم اشتهارا وَأي اشتهار فشرحه سراج الدّين عمر ابْن الملقن الشَّافِعِي الْمُتَوفَّى سنة أَربع وَثَمَانمِائَة لكنه لم يكلمهُ بل كتب قِطْعَة وَقَالَ فِي كِتَابه الْبَدْر الْمُنِير أَحْكَام الْحَافِظ مجد الدّين عبد السَّلَام ابْن تَيْمِية الْمُسَمّى بالمنتقى هُوَ كاسمه لَوْلَا إِطْلَاقه فِي كثير من الْأَحَادِيث الْغَزْو إِلَى كتب الْأَئِمَّة دون التحسين والتضعيف يَقُول مثلا رَوَاهُ أَحْمد رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَيكون الحَدِيث ضَعِيفا وَأَشد من ذَلِك كَون الحَدِيث فِي جَامع التِّرْمِذِيّ مُبينًا ضعفه فيعزيه إِلَيْهِ من غير بَيَان ضعفه فَيَنْبَغِي لِلْحَافِظِ جمع هَذِه الْمَوَاضِع وكتبها على حَوَاشِي هَذَا الْكتاب أَو جمعهَا فِي مُصَنف لتكمل فَائِدَة الْكتاب وَقد شرعت فِي كتب ذَلِك على حَوَاشِي نُسْخَتي وَأَرْجُو إِتْمَامه هَذَا كَلَامه

ولمحمد بن أَحْمد بن عبد الْهَادِي صَاحب تَنْقِيح التَّحْقِيق تَعْلِيقه على الْمُنْتَقى أَيْضا لم تكمل ثمَّ لم يزل هَذَا الْكتاب بكرا يتجول فِي الأقطار حَتَّى حط ركابه فِي الْبِلَاد اليمانية فاشتهر هُنَاكَ وَلَا كَالشَّمْسِ فِي رَابِعَة النَّهَار فتصدى لشرحه مُجْتَهد الْقطر الْيَمَانِيّ مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله الشَّوْكَانِيّ بِفَتْح الشين وَسُكُون الْوَاو نِسْبَة إِلَى قَرْيَة من قرى السحامية إِحْدَى قبائل خولان بَينهَا وَبَين صنعاء دون مَسَافَة يَوْم ثمَّ الصَّنْعَانِيّ الْيَمَانِيّ وَكَانَت وِلَادَته سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَمِائَة وَألف وَتُوفِّي سنة خمسين وَمِائَتَيْنِ وَألف فيسر الله لَهُ إتْمَام شَرحه فِي ثَمَان مجلدات وَسَماهُ نيل الأوطار من أسرار منتقى الْأَخْبَار وَهُوَ على اختصاره واف بالمرام قد جرده عَن كثير من التفريعات والمباحث خُصُوصا فِي المقامات الَّتِي يقل فِيهَا الِاخْتِلَاف وَأطَال فِي المواطن الَّتِي يحتدم فِيهَا الْجِدَال وَبَين مَذَاهِب

ص: 467

الْأَئِمَّة حَتَّى مَذْهَب أهل الْبَيْت وَلم يتعصب فِيهِ لمَذْهَب بل دَار مَعَ الدَّلِيل كَيْفَمَا دَار وَهَذَا الشَّرْح قد طبع فِي مصر وتداوله كل ذِي ذهن وقاد وفكر يسمو إِلَى مدارك الِاجْتِهَاد وغض الطّرف عَنهُ كل حسود مكابر على ذام التَّقْلِيد مطبوع وَعَن غَيره زاجر فنسأل الله السَّلامَة من شُؤْم التَّقْلِيد الْأَعْمَى ولؤم التعصب الذميم وشيطانه الرَّجِيم

وَمِمَّا اطَّلَعْنَا عَلَيْهِ من كتب الْأَحْكَام لِأَصْحَابِنَا كتاب الْمطَالع وَيُقَال لَهُ مطالع ابْن عُبَيْدَان جمع وتأليف الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن مَحْمُود بن عُبَيْدَان البعلبكي الْحَنْبَلِيّ ولد سنة خمس وَسبعين وسِتمِائَة وَتُوفِّي سنة أَرْبَعِينَ وَسَبْعمائة وَكَانَ عَارِفًا بالفقه وغوامضه وَالْأُصُول والْحَدِيث والعربية ولازم شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية رضي الله عنه لكنه مَال فِي آخر أمره إِلَى القَوْل بوحدة الْوُجُود واختل عقله حَتَّى توفاه الله تَعَالَى وَكتابه هَذَا فِي مُجَلد جمعه من الْكتب السِّتَّة ورمز فِيهِ إِلَى الحَدِيث الصَّحِيح وَالْحسن ورتبه على أَبْوَاب الْمقنع

وَمِنْهَا الْأَحْكَام الْكُبْرَى الْمرتبَة على أَحْكَام ضِيَاء الدّين الْمَقْدِسِي لِلْحَافِظِ مُحَمَّد ابْن أَحْمد الْمَعْرُوف بِابْن عبد الْهَادِي صَاحب تَنْقِيح التَّحْقِيق لكنه لم يكمل بل تمّ مِنْهَا سبع مجلدات

وَمِنْهَا عُمْدَة الْأَحْكَام الْكُبْرَى للْإِمَام الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ بن عبد الْوَاحِد بن عَليّ بن سرُور الجماعيلي الْمَقْدِسِي الْحَنْبَلِيّ الْمُتَوفَّى سنة سِتّمائَة وَهُوَ كتاب فِي ثَلَاث مجلدات عز نَظِيره قَالَ فِي خطبَته حصرت الْكَلَام فِي خَمْسَة أَقسَام الأول التَّعْرِيف بِمن

ص: 468

ذكر من رُوَاة الحَدِيث إِجْمَالا وَله أَسمَاء رجالها فِي مُجَلد

قَالَ أفردت هَذِه بِكِتَاب سميته الْعدة الثَّانِي فِي أَحَادِيثه الثَّالِث بِبَيَان مَا وَقع فِيهِ من المبهمات الرَّابِع فِي ضبط لَفظه ذكر هَذَا صَاحب كشف الظنون وللحافظ الْمَذْكُور كتاب عُمْدَة الْأَحْكَام أَيْضا وَهِي الصُّغْرَى قَالَ فِي أَولهَا أما بعد فَإِن بعض إخْوَانِي سَأَلَني اخْتِصَار جملَة من أَحَادِيث الْأَحْكَام مِمَّا اتّفق عَلَيْهِ الإمامان الإِمَام أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم البُخَارِيّ وَمُسلم ابْن الْحجَّاج فأجبته إِلَى سُؤَاله وَقد بلغ هَذَا الْكتاب خَمْسمِائَة حَدِيث وَقد اعتنى الْعلمَاء بِهَذَا الْكتاب فشرحه أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد بن مَرْزُوق التلمساني الْمَالِكِي الْمُتَوفَّى سنة إِحْدَى وثماني وَسَبْعمائة فِي خمس مجلدات شرحا جَمِيع فِيهِ بَين كَلَام ابْن دَقِيق الْعِيد وَابْن الْعَطَّار والفاكهاني وَغَيرهم

وَشَرحه سراج الدّين عمر ابْن الملقن الشَّافِعِي الْمُتَوفَّى سنة أَربع وَثَمَانمِائَة سَمَّاهُ بالأعلام وَهُوَ من أحسن مصنفاته وَشَرحه صَاحب الْقَامُوس مجدالدين مُحَمَّد بن يَعْقُوب الفيروزآبادي الشِّيرَازِيّ وَسَماهُ عدَّة الْحُكَّام فِي شرح عُمْدَة الْأَحْكَام وَهُوَ مجلدان وَكَانَت وَفَاة الْمجد سنة سبع عشرَة وَثَمَانمِائَة وَشَرحه السَّيِّد تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب ابْن مُحَمَّد بن حسن ابْن

ص: 469

أبي الْوَفَاء الْعلوِي الْمُتَوفَّى سنة خمس وَسبعين وَثَمَانمِائَة وَسَماهُ عدَّة الْحُكَّام وَشَرحه عبد الرَّحْمَن بن عَليّ بن خلف الشَّيْخ زين الدّين أبي الْمَعَالِي الفارسكوري الشَّافِعِي شرحا دلّ على كَثْرَة فَضله وَتُوفِّي سنة ثَمَان وَثَمَانمِائَة قَالَه فِي كشف الظنون ثمَّ قَالَ وَلَعَلَّ هَذَا عُمْدَة الْفِقْه وَشَرحه الشَّيْخ عمادالدين إِسْمَاعِيل بن أَحْمد بن سعيد بن مُحَمَّد بن الْأَثِير الْحلَبِي الشَّافِعِي ذكر فِيهِ أَنه قَرَأَ هَذَا الْكتاب على ابْن دَقِيق الْعِيد فشرحه لَهُ على طَريقَة الْإِمْلَاء وَسَماهُ أَحْكَام الْأَحْكَام

قلت وَهَذَا الشَّرْح مطبوع ومشهور بِأَنَّهُ لِابْنِ دَقِيق الْعِيد وَقد رَأَيْته وطالعته وَشَرحه أَيْضا الْبرمَاوِيّ الشَّافِعِي وَشَرحه أَيْضا الشَّيْخ أَحْمد بن عبد الله الْغَزِّي ثمَّ الدِّمَشْقِي شرحا وصل فِيهِ إِلَى بَاب الصَدَاق وَمَات عَنهُ فأتمه الشَّيْخ رَضِي الدّين الْغَزِّي الشَّافِعِي الدِّمَشْقِي وَشَرحه الْعَلامَة الشَّيْخ مُحَمَّد بن أَحْمد السفاريني الْحَنْبَلِيّ فِي مجلدين وَقد كنت طالعته قَدِيما أثْنَاء الطّلب ثمَّ إِنِّي كنت مِمَّن ولع فِي هَذَا الْكتاب وقرأته درسا فِي جَامع بني أُميَّة تَحت قبَّة النسْر ثمَّ شرحته فِي مجلدين وسميته موارد الأفهام على سلسبيل عُمْدَة الْأَحْكَام سَائِلًا مِنْهُ تَعَالَى أَن ينفع بِهِ من يطالعه بمنه وَكَرمه

وَاعْلَم أَيهَا الطَّالِب للحق أَن الْبَحْر الزاخر فِي هَذَا الْمَوْضُوع والمورد العذب والوابل الصيب إِنَّمَا هُوَ مُسْند الإِمَام أَحْمد بن مُحَمَّد

ص: 470

بن حَنْبَل رضي الله عنه وأرضاه وَجعل الْجنَّة منقلبه ومثواه وَإِنَّمَا منع الِاشْتِغَال بِهِ اشتغالا كالاشتغال بالسنن أُمُور أَحدهَا كَونه مُرَتبا على أَحَادِيث الصَّحَابَة وَهَذَا التَّرْتِيب أصبح غير مألوف عِنْد المتوسطين والمتأخرين فَصَارَ بِحَيْثُ لَو أَرَادَ مُحدث أَن يجمع أَحَادِيث بَاب مِنْهُ احْتَاجَ إِلَى مطالعته من أَوله إِلَى آخِره وَهَذَا أَمر عسير جدا

ثَانِيهَا عزة وجوده لطوله فَإِنَّهُ قد ضم ثَلَاثِينَ ألف حَدِيث وَزَاد عَلَيْهِ وَلَده الإِمَام عبد الله عشرَة آلَاف حَدِيث فَصَارَ أَرْبَعِينَ ألفا وَقد بلغنَا أَن الْحفاظ الْكِبَار كَانُوا يعْجبُونَ إِذا ظفروا بأجزاء مِنْهُ وَلم يطلع عَلَيْهِ بِتَمَامِهِ إِلَّا النَّادِر وَلَقَد كنت سَمِعت من بعض مَشَايِخنَا الْحَنَابِلَة مِمَّن لَهُم إِلْمَام بِالْحَدِيثِ يَزْعمُونَ أَن الْمسند قد غرق فِي دجلة بَغْدَاد وينكر وجوده فَكنت أفند مزاعمه وَأَقُول لَهُ إِنِّي اطَّلَعت على معظمه فِي خزانَة الْكتب العمومية بِدِمَشْق فيصر على مَا زَعمه وَيَقُول هَذَا مُسْند عبد الْكَرِيم ثمَّ إِن الْكتاب طبع وتجلى للعيان

ثَالِثهَا أَن عزة وجوده كَانَت سَببا لعدم خدمته كَمَا خدمت السّنَن وَغَيرهَا من كتب الحَدِيث وَمَعَ هَذَا فَلم يعْدم معتنيا بِهِ وَقد وَقع لَهُ فِيهِ من الثلاثيات مَا ينوف عَن ثَلَاثمِائَة حَدِيث ثلاثية الْإِسْنَاد وَقد كنت رَأَيْت شرحا لَهَا للعلامة مُحَمَّد بن أَحْمد السفاريني الْحَنْبَلِيّ ثمَّ غَابَ عني وَقد طلب مني أحد أفاضل النجديين شرحها فابتدأت بِهِ وَأَنا أسأَل الله تَعَالَى أَن يمن بإتمامه وطبعه وَقد حكى الْحفاظ أَن الإِمَام أَحْمد اشْترط أَن لَا يخرج فِي مُسْنده

ص: 471

إِلَّا حَدِيثا صَحِيحا عِنْده

قلت وَهَذَا صَحِيح بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَحَادِيث الْأَحْكَام وَقد رُوِيَ عَنهُ أَنه قَالَ إِذا كَانَ الحَدِيث فِي الْحَلَال وَالْحرَام شددنا وَإِذا كَانَ فِي غَيره تساهلنا وَحكى البقاعي عَن أبي مُوسَى الْمَدِينِيّ أَنه قَالَ يُقَال إِن فِيهِ أَحَادِيث مَوْضُوعَة كَذَا قَالَ وَتَبعهُ الْحَافِظ ابْن الْجَوْزِيّ فِي كِتَابه الموضوعات فأورد فِيهِ أَحَادِيث من مُسْند الإِمَام أَحْمد وانتصر لَهُ الْحَافِظ أَحْمد بن حجر الْعَسْقَلَانِي فِي كِتَابه القَوْل المسدد فِي الذب عَن مُسْند أَحْمد وَبَين خطأ ابْن الْجَوْزِيّ ورد عَلَيْهِ أحسن الرَّد وأبلغ من ذَلِك أَن مِنْهَا حَدِيثا مخرجا فِي صَحِيح مُسلم حَتَّى قَالَ ابْن حجر هَذِه غَفلَة شَدِيد من ابْن الْجَوْزِيّ حَيْثُ حكم على هَذَا الحَدِيث بِالْوَضْعِ وَمهما تعصب الْقَوْم فَإِن أَحَادِيث الْمسند كلهَا يَصح الِاحْتِجَاج بهَا وَهِي صَحِيحَة على طَرِيقَته الَّتِي استقام عَلَيْهَا كَمَا أَشَرنَا إِلَى بعض ذَلِك عِنْد الْكَلَام على أُصُوله وَلَعَلَّ الَّذين قَالُوا بِضعْف بعض أَحَادِيث من مُسْنده جَاءَتْهُم من طرق ضَعِيفَة غير طَرِيقَته فضعفوها بِاعْتِبَار مَا جَاءَهُم من طرقها

وَكَثِيرًا مَا يذهب إِلَى مثل هَذَا أَصْحَاب الحَدِيث مِمَّن لَا يُحِيط علما بالطرق فَتَأمل هَذَا واحفظه وَاعْتبر بِهِ كتب الحَدِيث فَإنَّك تَجِد الْأَمر وَاضحا هَذَا وَقد جمع غَرِيب الْمسند أَبُو عمر مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد الْمَعْرُوف بِغُلَام ثَعْلَب فِي كتاب ذكر فِيهِ مَا فِي أَحَادِيث الْمسند من اللُّغَات الغريبة وَكَانَ حنبليا رُوِيَ عَنهُ أَنه أمْلى من حفظه ثَلَاثِينَ

ص: 472

ألف ورقة فِيمَا نقل وَجَمِيع كتبه الَّتِي بأيدي النَّاس إِنَّمَا أملاها بِغَيْر تصنيف قَالَه ابْن مُفْلِح فِي الْمَقْصد الأرشد

وَتُوفِّي سنة خمس وَأَرْبَعين وثلاثمائة وَاخْتصرَ الْمسند الشَّيْخ الإِمَام سراج الدّين عمر بن عَليّ الْمَعْرُوف بِابْن الملقن الشَّافِعِي الْمُتَوفَّى سنة خمس وَثَمَانمِائَة وَعَلِيهِ تعليقة للسيوطي فِي إعرابه سَمَّاهَا عُقُود الزبرجد

وَقد شرح الْمسند أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن عبد الْهَادِي السندي نزيل الْمَدِينَة المنورة الْمُتَوفَّى سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَمِائَة وَألف وَقيل سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَهُوَ شرح مُخْتَصر مُفِيد كَمَا أَخْبرنِي من اطلع عَلَيْهِ فِي خَزَائِن الْكتب بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ فِي نَحْو خمسين كراسة كبار حذا فِيهِ حَذْو حَوَاشِيه على الْكتب السِّتَّة وَاخْتَصَرَهُ الشَّيْخ زين الدّين عمر بن أَحْمد الشماع الْحلَبِي وَسَماهُ در المنتقد من مَذْهَب أَحْمد وَرَأَيْت فِي خزانَة الْكتب العمومية بِدِمَشْق كتابا فِي تراجم رجال الْمسند تأليف الإِمَام الْحَافِظ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ بن يُوسُف الْجَزرِي سَمَّاهُ الْمَقْصد الأحمد فِي رجال أَحْمد وَله أَيْضا الْمسند الأحمد فِيمَا يتَعَلَّق بِمُسْنَد أَحْمد والمصعد الأحمد فِي ختم مسانيد أَحْمد وَتُوفِّي سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة وَمِمَّنْ رتب الْمسند على الْأَبْوَاب عَليّ بن حُسَيْن بن عُرْوَة كَذَا ذكره السخاوي فِي الضَّوْء اللامع وَقَالَ فِي الْمَقْصد الأرشد عَليّ بن عُرْوَة

قلت وَهَكَذَا رَأَيْته بِخَطِّهِ المشرقي ثمَّ الدِّمَشْقِي الْحَنْبَلِيّ الْمَعْرُوف بِابْن زكنون فَإِنَّهُ رتبه فِي كتاب سَمَّاهُ كواكب الدراري فِي تَرْتِيب مُسْند أَحْمد على صَحِيح البُخَارِيّ وَهَذَا الْكتاب

ص: 473

من تعاجيب الْكتب وَقد وَصفه السخاوي فِي الضَّوْء فَقَالَ هَذَا الْكتاب رتب فِيهِ الْمسند وَشَرحه فِي مائَة وَعشْرين مجلدا طَرِيقَته فِيهِ أَنه إِذا جَاءَ حَدِيث الْإِفْك مثلا يَأْخُذ نُسْخَة من شَرحه للْقَاضِي عِيَاض فَيَضَعهَا بِتَمَامِهَا وَإِذا مرت بِهِ مَسْأَلَة فِيهَا تصنيف مُفْرد لِابْنِ الْقيم أَو شَيْخه ابْن تَيْمِية أَو غَيرهمَا وَضعه بِتَمَامِهِ ويستوفي ذَلِك الْبَاب من الْمُغنِي لِابْنِ قدامَة وَنَحْوه وكل ذَلِك مَعَ الزّهْد والورع هَذَا كَلَامه قلت وَقد رَأَيْت من هَذَا الْكتاب أَرْبَعَة وَأَرْبَعين مجلدا فَرَأَيْت مجلداته تَارَة مفتتحة بتفسير الْقُرْآن فَإِذا جَاءَت آيَة فِيهَا أَو إِشَارَة إِلَى مؤلف وَضعه بِتَمَامِهِ وَتارَة مفتتحا بترتيب الْمسند فَيكون على نمط مَا ذكره السخاوي حَتَّى إِن فِيهِ شرح البُخَارِيّ لِابْنِ رَجَب الَّذِي وصل فِيهِ إِلَى بَاب صَلَاة الْعِيدَيْنِ وغالب مصنفات شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية نسخت من هَذَا الْكتاب وطبعت حَيْثُ فِيهِ كثير من كتبه ورسائله وَالنَّاس يظنون أَن مَا فِيهِ من التَّفْسِير لِابْنِ تَيْمِية وَهَذَا غلط وَاضح نعم رَأَيْت فِيمَا رَأَيْت مِنْهُ مجلدين خاصين بترتيب الْمسند ولنذكر تَرْجَمَة هَذَا الرجل لغرابة فَنَقُول أمره وَأمر كِتَابه تَرْجَمَة السخاوي

فَقَالَ ولد قبل السِّتين وَسَبْعمائة وَنَشَأ فِي ابْتِدَائه جمالا ثمَّ أعرض عَن ذَلِك وَحفظ الْقُرْآن وتفقه وبرع وَسمع من عُلَمَاء زَمَنه الحَدِيث وسرد السخاوي مشايخه ثمَّ قَالَ وَانْقطع إِلَى الله تَعَالَى فِي مَسْجِد الْقدَم بآخر أَرض القبيبات بِدِمَشْق يُؤَدب الْأَطْفَال احتسابا مَعَ اعتنائه بتحصيل نفائس الْكتب وَجَمعهَا وكل ذَلِك مَعَ الزّهْد والورع اللَّذين صَار فيهمَا مُنْقَطع النظير والتبتل لِلْعِبَادَةِ ومزيد الإقبال عَلَيْهَا والتقلل من الدُّنْيَا وسد رمقه بِمَا تكتسبه يَدَاهُ فِي نسخ العبي والاقتصار على عباءة يلبسهَا والإقبال على مَا يعنيه حَتَّى صَار قدوة وَحدث سمع مِنْهُ الْفُضَلَاء وقرىء عَلَيْهِ كِتَابه الْكَوَاكِب أَو أَكْثَره فِي أَيَّام الْجمع بعد الصَّلَاة بِجَامِع بني أُميَّة وَلم يسلم مَعَ هَذَا

ص: 474

كُله من طَاعن فِي علاهُ ظاعن عَن حماه حَتَّى حصلت لَهُ شَدَائِد ومحن كَثِيرَة كلهَا فِي الله وَهُوَ صابر محتسب حَتَّى مَاتَ سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة فِي مَسْجده بالقدم وترجمه الْحَافِظ ابْن حجر فِي أنباء الْغمر بِنَحْوِ مَا تقدم وَقَالَ كَانَ لَا يقبل من أحد شَيْئا وثار بَينه وَبَين الشَّافِعِيَّة شَرّ كثير بِسَبَب الِاعْتِقَاد وَذكره الْبُرْهَان ابْن مُفْلِح فِي الْمَقْصد الأرشد وَقَالَ رتب مُسْند الإِمَام أَحْمد رضي الله عنه على الْأَبْوَاب وَزَاد فِيهِ أنواعا كَثِيرَة من الْعلم وَقد نُوقِشَ فِي ذَلِك وَكَانَ مِمَّن جبله الله تَعَالَى على حب الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية وَكَانَ النَّاس يعظمونه ويعتقدون فِيهِ الصّلاح وَالْخَيْر ويتباركون بِهِ وبدعائه ويقصدونه من كل نَاحيَة وَكَانَ منجمعا عَن النَّاس فِي منزله وَهُوَ على طَرِيق السّلف الصَّالح انْتهى

وَمِمَّنْ جمع كتابا فِي الْأَحْكَام الْعَلامَة الصَّالح يُوسُف بن مُحَمَّد بن التقي عبد الله بن مُحَمَّد بن مَحْمُود جمال الدّين المرداوي ذكره الذَّهَبِيّ فِي المعجم الْمُخْتَص وَقَالَ فِي حَقه الإِمَام الْمُفْتِي الصَّالح أَبُو الْفضل شَاب خير إِمَام فِي الْمَذْهَب يَعْنِي الْحَنْبَلِيّ شيخ الْمِيزَان وَله اعتناء بِالْمَتْنِ والإسناد

وَقَالَ ابْن حجي كَانَ عَارِفًا بِالْمذهبِ لم يكن فيهم مثله مَعَ فهم وَكَلَام جيد فِي الْبَحْث وَالنَّظَر ومشاركة فِي أصُول وعربية وَجمع كتابا فِي أَحَادِيث الْأَحْكَام

قَالَ الْبُرْهَان ابْن مُفْلِح فِي الْمَقْصد وَكتابه هَذَا سَمَّاهُ الِانْتِصَار وبوبه على أَبْوَاب الْمقنع فِي الْفِقْه وَهُوَ محفوظنا

توفّي سنة تسع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة

ص: 475