الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحد مِنْهُم على مَا فِيهِ الْإِنْكَار من بَعضهم وَهَذِه الْقَاعِدَة تقضي بِتَقْدِيم مَا رُوِيَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَو أَحدهمَا على مَا لم يرو فيهمَا لتلقي الْأمة لَهما بِالْقبُولِ وَيقدم مَا أنكرهُ وَاحِد على مَا أنكرهُ اثْنَان وَهَكَذَا فِي اثْنَيْنِ وَثَلَاثَة ويرجح مَا عضده عُمُوم كتاب أَو سنة أَو قِيَاس شَرْعِي أَو معنى عَقْلِي على مَا لم يعضده بِشَيْء من ذَلِك فَإِن عضد أحد النصين قُرْآن وَالْآخر سنة فَفِيهِ رِوَايَتَانِ أَحدهمَا يقدم مَا عضده الْقُرْآن وَهُوَ الْمُخْتَار
وَثَانِيهمَا يقدم مَا عضده الحَدِيث وَالضَّابِط أَنه يرجح مَا تخيل فِيهِ زِيَادَة قُوَّة كَائِنا من ذَلِك مَا كَانَ وَقد تتخيل زِيَادَة الْقُوَّة مَعَ اتِّحَاد النَّوْع واختلافه ويرجح مَا ورد ابْتِدَاء على غير سَبَب على مَا ورد على سَبَب لاحْتِمَال اخْتِصَاصه بِسَبَبِهِ وَمَا عمل بِهِ الْخُلَفَاء الراشدون على غَيره على القَوْل الْمُخْتَار
تَنْبِيه
قَالَ الطوفي فِي شرح مُخْتَصره إِذا وجدنَا فتيا صَحَابِيّ مَشْهُور بِالْعلمِ وَالْفِقْه على خلاف نَص لَا يجوز لنا أَن نجزم بخطئه الْخَطَأ الاجتهادي لاحْتِمَال ظُهُور الصَّحَابِيّ على نَص أَو دَلِيل رَاجِح أُفْتِي بِهِ فَإِن الصَّحَابَة رضي الله عنهم أقرب إِلَى معرفَة النُّصُوص منا لمعاصرتهم للنَّبِي صلى الله عليه وسلم وَكم من نَص نبوي كَانَ عِنْد الصَّحَابَة رضي الله عنهم ثمَّ دثر فَلم يبلغنَا وَذَلِكَ كفتيا عَليّ وَابْن عَبَّاس رضي الله عنهما أَن الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا تَعْتَد بأطول الْأَجَليْنِ وَنَحْوهَا من الْمسَائِل الَّتِي نقم
بعض النَّاس على عَليّ فِيهَا لمُخَالفَته للنَّص وخطئه بذلك انْتهى
وَإِذا تعَارض خبران أَحدهمَا قد نقل عَن رِوَايَة خِلَافه قولا أَو فعلا وَالْآخر لم ينْقل عَن رِوَايَة خِلَافه قدم الثَّانِي وَلَا تَرْجِيح بقول أهل الْمَدِينَة خلافًا لبَعض الشَّافِعِيَّة وَلَا بقول أهل الْكُوفَة خلافًا لبَعض الْحَنَفِيَّة وَإِذا كَانَ الْخَبَر يحْتَمل وُجُوهًا وتتجه لَهُ محامل ففسره الرَّاوِي على بَعْضهَا كَانَ مَا فسره الرَّاوِي عَلَيْهِ مقدما على بَاقِيهَا وَكَذَلِكَ إِن ترجح بعض الِاحْتِمَالَات الْمَذْكُورَة بِوَجْه من وُجُوه التَّرْجِيح كَانَ مقدما على غَيره مَا لم يتَرَجَّح بذلك
وَأما التَّرْجِيح من جِهَة الْقيَاس فَهُوَ إِمَّا من جِهَة أَصله أَو علته أَو قرينَة تقترن بِأحد القياسين تعضده فيترجح على الآخر أما الأول فَمن وُجُوه أَحدهَا إِذا أمكن قِيَاس الْفَرْع على أصلين حكم أَحدهمَا ثَابت
بِالْإِجْمَاع وَالْآخر ثَابت بِالنَّصِّ كَانَ الْقيَاس على الأَصْل الثَّابِت بِالْإِجْمَاع مقدما على مَا يثبت بِالنَّصِّ
ثَانِيهَا حكم الأَصْل الثَّابِت بِمُطلق النَّص رَاجِح على حكم الأَصْل الثَّابِت بِالْقِيَاسِ
ثَالِثهَا حكم الأَصْل الثَّابِت بِالْقُرْآنِ الْكَرِيم أَو بِالسنةِ المتوترة رَاجِح على حكم الأَصْل الثَّابِت بآحاد السّنة
رَابِعهَا الحكم الْمَقِيس على أصُول أَكثر رَاجِح على غَيره
خَامِسهَا الْمَقِيس على أصل لم يخص رَاجِح على الْمَقِيس على أصل مَخْصُوص وَبِالْجُمْلَةِ أَن حكم أصل الْقيَاس حكم مُسْتَنده الَّذِي ثَبت بِهِ فَمَا قدم من المستندات قدم مَا ثَبت بِهِ من أصُول الأقيسة وَأما الثَّانِي وَهُوَ تَرْجِيح الْقيَاس من جِهَة علته فَمن وُجُوه أَيْضا أَولهَا ترجح الْعلَّة الْمجمع عَلَيْهَا على الْعلَّة الَّتِي لَيْسَ بمجمع عَلَيْهَا
ثَانِيهَا ترجح الْعلَّة المنصوصة على المستنبطة
ثَالِثهَا ترجح الْعلَّة الَّتِي تثبت عليتها بالتواتر على الَّتِي تثبتت عليتها بالآحاد
رَابِعهَا ترجح الْعلَّة الْمُنَاسبَة على غَيرهَا لَكِن هَذَا فِي العلتين المنصوصتين أَو المستنبطين أما إِذا كَانَت إِحْدَاهمَا منصوصة فَهِيَ الراجحة سَوَاء كَانَت مُنَاسبَة أَو أَشد مُنَاسبَة أَو لَا
خَامِسهَا ترجح الْعلَّة الناقلة عَن حكم الأَصْل على الْعلَّة المقررة عَلَيْهِ
سادسها ترجح الْعلَّة الَّتِي توجب الْحَظْر على الَّتِي توجب الْإِبَاحَة
سابعها ترجح الْعلَّة المسقطة للحد على موجبته وموجبة الْعتْق على ناقيته وَالَّتِي هِيَ أخف حكما على الَّتِي هِيَ أثقل حكما لَكِن هَذَا كُله فِي المنصوصتين وَفِي المستنبطتين أما فِي المنصوصة والمستنبطة فالمنصوصة وَاجِبَة التَّقْدِيم فِي كل حَال
ثامنها ترجع الْعلَّة الَّتِي هِيَ وصف على الَّتِي هِيَ اسْم لِأَن التَّعْلِيل بالأوصاف مُتَّفق عَلَيْهِ بِخِلَاف العليل بالأسماء فتعليل الرباء فِي الذَّهَب بِكَوْنِهِ مَوْزُونا يقدم على التَّعْلِيل بِكَوْنِهِ ذَهَبا
تاسعها تقدم الْعلَّة الْمَرْدُودَة إِلَى أصل قَاس الشَّارِع عَلَيْهِ على غَيرهَا كقياس النَّبِي صلى الله عليه وسلم الْقبْلَة فِي الصّيام على الْمَضْمَضَة
عَاشرهَا ترجح الْعلَّة المطردة على غير المطردة إِن قيل بِصِحَّتِهَا
حادي عشرهَا الْعلَّة المنعكسة راجحة على غير المنعكسة على القَوْل بِاشْتِرَاط الْعَكْس فِي الْعِلَل نعم إِن الْعلَّة القاصرة لَا يُمكن الْقيَاس عَلَيْهَا وَلَيْسَ فَائِدَة هَذَا تَرْجِيح أحد القياسين على الآخر بل فَائِدَته أَنا إِذا رجحنا المتعدية أمكن الْقيَاس
وَيقدم الحكم الشَّرْعِيّ واليقيني على الْوَصْف الْحسي والإثباتي عِنْد قوم ويرجح الْمُؤثر على الملائم والملائم على الْغَرِيب وَقد سبقت حقائقها وأحكامها وصفاتها ومراتبها عِنْد الْكَلَام على طَرِيق إِثْبَات الْعلَّة عِنْد ذكر أَقسَام الْمُنَاسب
وَإِذا دارت عِلّة الْقيَاس بَين وصف مُنَاسِب وشبهي قدم الْمُنَاسب لِأَنَّهُ مُتَّفق عَلَيْهِ والمصلحة فِيهِ ظَاهِرَة بِخِلَاف الشبهي فيهمَا
وَاعْلَم أَن تفاصيل التَّرْجِيح لم تَنْحَصِر فِيمَا ذَكرْنَاهُ وَقد ذكر فِي كتب الْأُصُول المطولة أَكثر مِنْهَا وَالْقَاعِدَة الْكُلية فِي التَّرْجِيح أَنه مَتى اقْترن بِأحد الدَّلِيلَيْنِ المتعارضين أَمر نقلي كآية أَو خبر أَو اصطلاحي كعرف أَو عَادَة عَاما كَانَ الْأَمر أَو خَاصّا أَو قرينَة عقلية أَو لفظية أَو حَالية وَأفَاد ذَلِك زِيَادَة ظن رجح بِهِ وَقد حصل بِهَذَا بَيَان الرجحان من جِهَة الْقَرَائِن فَلَا حَاجَة إِلَى ذكر مَا وعدنا بِهِ من الْقسم الثَّالِث الَّذِي هُوَ التَّرْجِيح بالقرائن مفصلا وَوجه الرجحان فِي أَكثر هَذِه الترجيحات ظَاهر لمن تفطن وأعمل مَا وهبه الله تَعَالَى من الْفِكر السَّلِيم وَالْعقل الْمُسْتَقيم
وَاعْلَم أَنِّي حِين مَا تَكَلَّمت على هَذَا النَّوْع كنت أَسْتَمدّ من الرَّوْضَة للْإِمَام موفق الدّين عبد الله الْمَقْدِسِي صَاحب الْمُغنِي وَغَيره وَمن مُخْتَصر الرَّوْضَة وَشَرحهَا للعلامة نجم الدّين الطوفي وَمن التَّحْرِير للعلامة عَلَاء الدّين المرداوي وَمن مُخْتَصره وَشَرحه كليهمَا للعلامة أَحْمد الفتوحي صَاحب كتاب مُنْتَهى الإرادات وَمن مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب وَشَرحه للعلامة عضد الدّين الآيجي فَهَؤُلَاءِ أصُول كتابي هُنَا وَكنت كثيرا مَا أراجع مسودة الْأُصُول لمجدالدين وَابْنه عبد السَّلَام وحفيده شيخ الْإِسْلَام وهم بَنو تَيْمِية وَحُصُول المأمول من علم الْأُصُول لصديق حسن خَان مَعَ الْتِقَاط فَوَائِد كَثِيرَة من الْمُسْتَصْفى للغزالي ومنتهى السول للآمدي وَجمع الْجَوَامِع لِابْنِ السُّبْكِيّ وَشَرحه للمحلى والتنقيح وَشَرحه التَّوْضِيح لصدر الشَّرِيعَة وحاشيته والتلويح لسعدالدين التَّفْتَازَانِيّ والمنهاج للبيضاوي وَشَرحه للأسنوي والتمهيد لأبي الْخطاب والواضح لِابْنِ عقيل وآداب الْمُفْتِي لِابْنِ حمدَان فأسأله تَعَالَى أَن يوفقنا لكل خير وينفع بِنَا وينفعنا ويجعلنا أَهلا لخدمة هَذِه الشَّرِيعَة آمين