الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل فِي أَحْكَام التَّكْلِيف
الحكم فِي اللُّغَة الْمَنْع وَفِي اصْطِلَاح الْأُصُولِيِّينَ مُقْتَضى خطاب الشَّرْع الْمُتَعَلّق بِأَفْعَال الْمُكَلّفين اقْتِضَاء أَو تخييرا ثمَّ إِن ذَلِك الْخطاب إِمَّا أَن يرد باقتضاء الْفِعْل مَعَ الْجَزْم وَهُوَ الْوُجُوب أَو يرد باقتضاء الْفِعْل لَكِن لَيْسَ مَعَ الْجَزْم وَهُوَ النّدب أَو باقتضاء التّرْك مَعَ الْجَزْم وَهُوَ التَّحْرِيم أَولا مَعَ الْجَزْم وَهُوَ الْكَرَاهَة أَو التَّخْيِير وَهِي الْإِبَاحَة وَعِنْدنَا أَن الْإِبَاحَة من خطاب الشَّرْع فَهِيَ حكم شَرْعِي خلافًا للمعتزلة
فَالْوَاجِب مَا ذمّ شرعا تَاركه مُطلقًا أَي فِي كل الْأَزْمَان فقولنا مُطلقًا احْتِرَاز من الْوَاجِب الموسع والمخير وَفرض الْكِفَايَة فَإِن التّرْك يلْحقهَا فِي الْجُمْلَة وَهُوَ ترك الموسع فِي بعض أَجزَاء وقته وَترك بعض أَعْيَان الْمُخَير وَترك بعض الْمُكَلّفين لفرض الْكِفَايَة لَكِن ذَلِك لَيْسَ تركا مُطلقًا إِذْ الموسع إِن ترك فِي بعض أَجزَاء وقته فعل فِي الْبَعْض الآخر والمخير إِن ترك بعض أعيانه فعل الْبَعْض الآخر وَفرض الْكِفَايَة إِن تَركه بعض الْمُكَلّفين فعله الْبَعْض الآخر وَكلهمْ فِيهِ كالشخص الْوَاحِد فَلَا يتَعَلَّق بِهَذَا التّرْك ذمّ لِأَنَّهُ لَيْسَ تركا مُطلقًا بِمَعْنى خلو مَحل التَّكْلِيف عَن إِيقَاع الْمُكَلف بِهِ
وَالْوَاجِب مرادف للْفَرض عندنَا على الْأَصَح من أَقْوَال الْأُصُولِيِّينَ
أَن الْوَاجِب الشَّامِل للْفَرض يَنْقَسِم إِلَى معِين وَإِلَى مُبْهَم فِي أَقسَام محصورة
وتلخيص القَوْل فِيهِ أَن الْوَاجِب إِمَّا أَن يكون معينا كَأَن ينذر عتق هَذَا العَبْد الْمعِين أَو عتق سَالم من عبيده فَيكون مُخَاطبا بِعِتْقِهِ على التَّعْيِين وَكَذَا لَو نذر الصَّدَقَة بِمَال بِعَيْنِه كهذه الدَّنَانِير أَو الْإِبِل وَنَحْو ذَلِك وَإِمَّا أَن يكون مُبْهما فِي أَقسَام محصورة كإحدى خِصَال الْكَفَّارَة ككفارة الْيَمين الْمَذْكُورَة فِي قَوْله تَعَالَى {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} الْمَائِدَة 89 وَهَذِه الْمَسْأَلَة تعرف بِمَسْأَلَة الْوَاجِب الْمُخَير
وَأما وَقت الْوُجُوب فإمَّا أَن يكون مُقَدرا بِقدر الْفِعْل بِحَيْثُ ضيق على الْمُكَلف فِيهِ حَتَّى لَا يجد سَعَة يُؤَخر فِيهَا الْفِعْل أَو بعضه ثمَّ يتداركه إِذا بل من ترك شَيْئا مِنْهُ لم يُمكن تَدَارُكه إِلَّا
قَضَاء وَذَلِكَ كَالْيَوْمِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الصَّوْم وَيُسمى هَذَا بِالْوَاجِبِ الْمضيق
وَإِمَّا أَن يكون وَقت الْوُجُوب أقل من قدر فعله كإيجاب عشْرين رَكْعَة فِي زمن لَا يسع أَكثر من رَكْعَتَيْنِ وَهَذَا فَرد من أَفْرَاد التَّكْلِيف بالمحال الْمُسَمّى بتكليف مَا لَا يُطَاق وَفِي جَوَازه خلاف بَين الْعلمَاء وَالصَّحِيح مَنعه
وَأما أَن يكون وَقت الْوَاجِب أَكثر من وَقت فعله وَهَذَا يُقَال لَهُ الْوَاجِب الموسع وَذَلِكَ كأوقات الصَّلَوَات وَهَذَا مَا فِيهِ خلاف
فعندنا وَعند الْمَالِكِيَّة وَالشَّافِعِيَّة وَالْأَكْثَر للمكلف فعل الْوَاجِب من الصَّلَوَات فِي أَي أَجزَاء الْوَقْت شَاءَ فِي أَوله أَو آخِره أَو وَسطه وَمَا بَين ذَلِك مِنْهُ وَأوجب أَكثر أَصْحَابنَا والمالكية الْغرم على الْفِعْل إِذا أخر إِلَى آخر الْوَقْت وَيتَعَيَّن آخِره وَهُوَ قَول الأشعرية والجبائي وَابْنه من الْمُعْتَزلَة وَلم يُوجِبهُ من أَصْحَابنَا أَبُو الْخطاب ومجد الدّين بن تَيْمِية وَجمع وَمن الْمُعْتَزلَة أَبُو الْحُسَيْن
وَأنكر أَكثر الْحَنَفِيَّة الْوَاجِب الموسع وَقَالُوا وَقت الْوُجُوب هُوَ آخر الْوَقْت وَإِذا فعل قبل الآخر فَقَالَ بَعضهم هُوَ نفل يسْقط بِهِ الْفَرْض وَتردد الْكَرْخِي مِنْهُم فَتَارَة قَالَ يتَعَيَّن الْوَاجِب فِي أَي أَجزَاء الْوَقْت كَانَ وَتارَة قَالَ إِن بَقِي الْفَاعِل مُكَلّفا إِلَى آخر الْوَقْت كَانَ مَا فعله قبل ذَلِك وَاجِبا وَإِلَّا فَهُوَ نفل انْتهى
قلت وَالْمُخْتَار قَول الْجُمْهُور الْمُتَقَدّم وَهُوَ الَّذِي تدل عَلَيْهِ السّنة
وَإِذا مَاتَ الْمُكَلف فِي أثْنَاء وَقت الْوَاجِب الموسع قبل فعله وضيق وقته مثل أَن مَاتَ بعد زَوَال الشَّمْس وَقد بَقِي من وَقت الظّهْر مَا يَتَّسِع لفعلها وَلم يصلها لم يمت عَاصِيا لِأَنَّهُ فعل مُبَاحا
وَهُوَ التَّأْخِير الْجَائِز بِحكم توسيع الْوَقْت
أما لَو أَخّرهُ حَتَّى ضَاقَ الْوَقْت عَن فعله مثل أَن مَاتَ وَلم يبْق مَا يَتَّسِع إِلَّا لأَقل من أَربع رَكْعَات فَإِنَّهُ يَمُوت عَاصِيا هَذَا مَا قَالَه الْأَكْثَر وَالتَّحْقِيق أَن عصيانه يكون مُقَدرا بِقدر مَا أَخّرهُ حَتَّى ضَاقَ الْوَقْت عَنهُ فَإِن ضَاقَ عَن رَكْعَة أَو رَكْعَتَيْنِ أَو ثَلَاث كَانَ عَاصِيا بِحَسب ذَلِك وَلَا يَجْعَل فِي مَعْصِيَته كمن أخر الْوَاجِب كُله