الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثَانِيهَا يَنْقَسِم إِلَى مُؤثر وَإِلَى ملائم فَالْأول مَا كَانَت فِيهِ الْعلَّة الجامعة ثَابِتَة بِنَصّ أَو بِإِجْمَاع أَو كَانَ الْوَصْف الْجَامِع فِيهِ قد أثر عينه فِي عين الحكم أَي فِي جنسه أَو جنسه فِي جنس الحكم وَالثَّانِي مَا أثر جنس الْعلَّة فِيهِ فِي جنس الحكم
ثَالِثهَا أَن الْقيَاس إِمَّا أَن يُصَرح فِيهِ بِالْعِلَّةِ أَو بِمَا يلازمها أَو لم يُصَرح بهَا فِيهِ فَالْأول قِيَاس الْعلَّة وَالثَّانِي قِيَاس الدّلَالَة وَالثَّالِث الْقيَاس فِي معنى الأَصْل وَهُوَ مَا جمع فِيهِ بَين الأَصْل وَالْفرع بِنَفْي الْفَارِق
رَابِعهَا إِن طَرِيق إِثْبَات الْعلَّة المستنبطة أما الْمُنَاسبَة أَو الشّبَه أَو السبر أَو التَّقْسِيم أَو الطَّرْد أَو الْعَكْس فَالْأول يُسمى قِيَاس الإخالة وَمَعْنَاهُ أَن الْمُجْتَهد يتخيل لَهُ مُنَاسبَة الْوَصْف للْحكم فيعلقه بِهِ
وَالثَّانِي قِيَاس الشّبَه وَالثَّالِث قِيَاس السبر
وَالرَّابِع قِيَاس الطَّرْد
وَحَيْثُ أَتَيْنَا على تَقْسِيم الْقيَاس إِجْمَالا فلنذكر ذَلِك م
فصل
ا وَرُبمَا ذكر مَعَه مَا لم يذكر هُنَا فَنَقُول
فصل
أَرْكَان الْقيَاس أَرْبَعَة أصل وَفرع وَعلة وَحكم
فَالْأَصْل عِنْد الْفُقَهَاء مَحل الحكم الْمُشبه بِهِ كَقَوْلِنَا النَّبِيذ مُسكر وكل مُسكر حرَام
فالمقيس عَلَيْهِ الْمُشبه بِهِ هُوَ الْخمر والمشبه النَّبِيذ وَالْعلَّة الجامعة بَينهمَا الْإِسْكَار وَالْحكم التَّحْرِيم
وَمن ثمَّ قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أَحْمد بن تَيْمِية الأَصْل مَحل الحكم الْمُشبه بِهِ وَدَلِيل مَحل الحكم
وَقَالَ ابْن عقيل هُوَ الحكم وَالْعلَّة وَالْفرع الْمحل الْمُشبه عِنْد الْفُقَهَاء وَعند الْمُتَكَلِّمين وَابْن قَاضِي الجيل حكمه وَالْحكم
هُوَ الْمُعَلل لَا الْمَحْكُوم بِهِ خلافًا لأبي عَليّ الطَّبَرِيّ الشَّافِعِي وَالْعلَّة فرع للْأَصْل أصل للفرع أما كَونهَا فرعا للْأَصْل فَلِأَنَّهَا مستنبطة من حكمه فَإِن الشَّارِع لما حرم الْخمر استنبطنا مِنْهُ أَن عِلّة تَحْرِيمهَا الْإِسْكَار الْمُفْسد للعقول إِذْ لَا مُنَاسِب للتَّحْرِيم فِيهَا سواهُ وَأما كَونهَا أصلا للفرع فَلِأَنَّهَا إِذا تحققت فِيهِ ترَتّب عَلَيْهَا إِثْبَات حكم الأَصْل كالإسكار لما تحقق فِي النَّبِيذ ترَتّب عَلَيْهِ التَّحْرِيم فالعلة مستخرجة من حكم الأَصْل والمستخرج فرع على الْمُسْتَخْرج مِنْهُ
ثمَّ إِن الِاجْتِهَاد فِي الْعلَّة إِمَّا بِبَيَان مُقْتَضى الْقَاعِدَة الْكُلية الْمُتَّفق عَلَيْهَا فِي الْفَرْع أَو بِبَيَان وجود الْعلَّة فِيهِ
مِثَال النَّوْع الأول أَن يُقَال فِي حمَار الْوَحْش إِذا قَتله الْمحرم مثله وَفِي الضبع أَيْضا يَقْتُلهَا الْمحرم مثلهَا لقَوْله تَعَالَى {وَمن قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} الْمَائِدَة 95 وَالْبَقَرَة مثل حمَار الْوَحْش
والكبش مثل الضبع فَيجب أَن يكون هُوَ الْجَزَاء فوجوب الْمثل مُتَّفق عَلَيْهِ ثَابت بِالنَّصِّ الْمَذْكُور
وَمِثَال النَّوْع الثَّانِي أَن يُقَال الطّواف عِلّة لطهارة الْهِرَّة بِنَاء على قَوْله عليه السلام إِنَّهَا لَيست بِنَجس إِنَّهَا من الطوافين عَلَيْكُم والطوافات وَالطّواف مَوْجُود فِي الْفَأْرَة وَنَحْوهَا من صغَار الحشرات وَلَكِن هَذَا النَّوْع الثَّانِي دون الَّذِي قبله وهما متغايران لِأَن الأول لَيْسَ بِقِيَاس وَالثَّانِي قِيَاس وَكِلَاهُمَا يُسمى تَحْقِيق المناط
لِأَن مَعْنَاهُ إِثْبَات عِلّة حكم الأَصْل فِي الْفَرْع أَو إِثْبَات معنى مَعْلُوم فِي مَحل خَفِي فِيهِ ثُبُوت ذَلِك الْمَعْنى وَهُوَ مَوْجُود فِي النَّوْعَيْنِ وَإِن اخْتلفَا فِي أَن أَحدهمَا قِيَاس دون الآخر فتحقيق المناط أَعم من الْقيَاس وَهَذَا هُوَ النَّوْع الأول من أَنْوَاع الِاجْتِهَاد فِي الْعلَّة الشَّرْعِيَّة وَالنَّوْع الثَّانِي يُسمى تَنْقِيح المناط وَهُوَ إِلْغَاء بعض الْأَوْصَاف الَّتِي أضَاف الشَّارِع الحكم إِلَيْهَا لعدم صلاحيتها للاعتبار فِي الْعلَّة كجعل عِلّة وجوب كَفَّارَة رَمَضَان وقاع إِنْسَان مُكَلّف أَعْرَابِي لاطم فِي صَدره فِي ذَلِك الشَّهْر بِعَيْنِه فَيلْحق بِهِ من لَيْسَ أَعْرَابِيًا وَلَا لاطما وَالزَّانِي وَمن وطىء فِي رَمَضَان آخر وَمعنى هَذَا مَا روى أَبُو هُرَيْرَة قَالَ جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ هَلَكت يَا رَسُول الله
قَالَ وَمَا أهْلكك قَالَ وَقعت على امْرَأَتي فِي رَمَضَان قَالَ هَل تَجِد مَا تعْتق رَقَبَة قَالَ لَا قَالَ فَهَل تَجِد مَا تطعم سِتِّينَ مِسْكينا قَالَ لَا الحَدِيث وَهُوَ صَحِيح وعوام الْفُقَهَاء يذكرُونَ أَن هَذَا الرجل كَانَ أَعْرَابِيًا وَأَنه جَاءَ يلطم وَجهه وصدره وينعي نَفسه فَإِن لم يكن جَاءَ بِهَذِهِ الْأَوْصَاف أثر فلعلهم أخذوها من قَوْله وَفِي بعض الرِّوَايَات وأهلكت لَكِن قَالَ الْخطابِيّ لَفْظَة هَلَكت لَيست مَوْجُودَة فِي شَيْء من رِوَايَات هَذَا الحَدِيث وَأَصْحَاب سُفْيَان لم يرووها عَنهُ إِنَّمَا ذكرُوا قَوْله هَلَكت فَحسب
انْتهى
لَكِن فِيمَا رَوَاهُ الشَّافِعِي من مَرَاسِيل سعيد بن الْمسيب قَالَ أَتَى أَعْرَابِي إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم ينتف شعره وَيضْرب نَحره وَيَقُول هلك الْأَبْعَد
وعَلى كل فلسنا الْآن بصدد بَيَان اخْتِلَاف الْأَلْفَاظ فِي الحَدِيث بل غَايَة الْأَمر إِنَّمَا هُوَ التَّمْثِيل وَبَيَان أَن مَجِيء الْأَعرَابِي على
الصِّفَات الْمَذْكُورَة رُبمَا يخيل للسامع أَن مجموعها مَعَ الوقاع فِي رَمَضَان هِيَ منَاط وجوب الْكَفَّارَة وعلته لَكِن من جُمْلَتهَا مَا لَيْسَ مناسبا لِأَن يكون عِلّة وَلَا جُزْء عِلّة فاحتيج إِلَى إلغائه وتنقيح الْعلَّة وتخليصها بالسبر والتقسيم فَيُقَال كَون هَذَا الرجل أَعْرَابِيًا لَا أثر لَهُ فَيلْحق بِهِ من لم يكن أَعْرَابِيًا كالتركي والعجمي وَغَيرهمَا من أَصْنَاف النَّاس وَكَونه لاطما صَدره وَوَجهه لَا أثر لَهُ فَيلْحق بِهِ من جَاءَ بسكينة ووقار وثبات وَكَون الْوَطْء فِي زَوْجَة لَا أثر لَهُ فَيلْحق بِهِ الْوَطْء فِي ذكر أَو أُنْثَى أَو أمة أَو أَجْنَبِيَّة أَو بَهِيمَة فِي قبل أَو دبر اعْتِبَارا لصورة الوقاع وَكَونه فِي ذَلِك الشَّهْر الْمعِين لَا أثر لَهُ فَيلْحق بِهِ من وطىء فِي رَمَضَان آخر وَإِنَّمَا كَانَت هَذِه الْأَوْصَاف لَا أثر لَهَا لعدم مناسبتها إِذْ الْوَصْف الَّذِي تظهر مناسبته كَونه وقاع مُكَلّف هتكت بِهِ حُرْمَة عبَادَة الصَّوْم الْمَفْرُوض أَدَاء وَمَا سوى ذَلِك من التعيينات والأوصاف فَإِنَّهُ ملغي لَا اعْتِبَار لَهُ وَقد يخْتَلف المجتهدون فِي بعض الْأَوْصَاف نَحْو مَا اعْتَبرهُ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ فِي كَون عِلّة الْكَفَّارَة إِنَّمَا هِيَ الْجِمَاع فِي رَمَضَان وَمَا عدا ذَلِك ملغي فَقَالَا لَا تجب الْكَفَّارَة إِلَّا بِهِ فِي ذَلِك الشَّهْر
وَقَالَ أَبُو حنفية وَمَالك الْعلَّة إِفْسَاد الصَّوْم وَهُوَ وصف عَام فَتجب الْكَفَّارَة فِي إفساده بِالْوَطْءِ وبالأكل وَالشرب
النَّوْع الثَّالِث من الْأَنْوَاع الْمَذْكُورَة تَخْرِيج المناط وَهُوَ إِضَافَة حكم لم يتَعَرَّض الشَّرْع لعلته إِلَى وصف يُنَاسب فِي نظر الْمُجْتَهد بالسبر والتقسيم وَمَعْنَاهُ أَنا إِذا رَأينَا الشَّارِع قد نَص على حكم وَلم
يتَعَرَّض لعلته قُلْنَا هَذَا الحكم حَادث لَا بُد لَهُ بِحَق الأَصْل من سَبَب حَادث فيجتهد الْمُجْتَهد فِي اسْتِخْرَاج ذَلِك السَّبَب من مَحل الحكم فَإِذا ظفر بِوَصْف مُنَاسِب لَهُ واجتهد
وَلم يجد غَيره غلب على ظَنّه أَن ذَلِك الْوَصْف هُوَ سَبَب الحكم
مِثَاله أَن يُقَال حرم الرِّبَا فِي الْبر لِأَنَّهُ مَكِيل جنس أَو مطعوم جنس فالأرز مثله لِأَنَّهُ كَذَلِك أَو يُقَال وَجب الْعشْر فِي زَكَاة الْبر لكَونه قوتا فتلحق بِهِ الأقوات أَو لكَونه نَبَات الأَرْض وفائدتها فتلحق بِهِ الخضراوات وأنواع النَّبَات وَقد أجَاز أَصْحَابنَا التَّعَبُّد بِهَذَا النَّوْع عقلا وَشرعا وسموه الِاجْتِهَاد القياسي وَبِه قَالَ عَامَّة الْفُقَهَاء والمتكلمين خلافًا للظاهرية والنظام وَقد أَوْمَأ إِلَيْهِ أَحْمد وَحمله أَصْحَابه على قِيَاس قد خَالف نصا وَقَالَ أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيَّة وَطَائِفَة من الْمُتَكَلِّمين التَّعَبُّد الْقيَاس وَاجِب شرعا
وَاعْلَم أَن هَذِه الْمَسْأَلَة كثر الْكَلَام فِيهَا كَثْرَة قرب الْمُسَافِر فِي بيدائها أَن يرجع بِلَا طائل وَالْحق أَن الَّذين نفوا الْقيَاس لم يَقُولُوا بإهدار كل مَا يُسمى قِيَاسا وَإِن كَانَ مَنْصُوصا على علته أَو مَقْطُوعًا فِيهِ بِنَفْي الْفَارِق وَمَا كَانَ من بَاب فحوى الْخطاب أَو لحنه على اصْطِلَاح من يُسمى ذَلِك قِيَاسا بل جعلُوا هَذَا النَّوْع من الْقيَاس مدلولا عَلَيْهِ بِدَلِيل الأَصْل مشمولا بِهِ مندرجا تَحْتَهُ وَكَلَام أَحْمد فِي مَنعه يرجع إِلَى هَذَا فَلَا حَاجَة لما تَأَوَّلَه أَصْحَابه وَمِنْه تعلم أَن الْخلاف فِي هَذَا النَّوْع لَفْظِي وَهُوَ من حَيْثُ الْمَعْنى مُتَّفق على الْأَخْذ بِهِ وَالْعَمَل عَلَيْهِ وَاخْتِلَاف طَريقَة الْعَمَل
لَا يلْزم مِنْهُ الِاخْتِلَاف الْمَعْنَوِيّ لَا عقلا وَلَا شرعا وَلَا عرفا على أَنه لَا يخفى على كل ذِي لب أَن فِي عمومات الْكتاب وَالسّنة ومطلقاتهما وخصوص نصوصهما مَا يَفِي حَادِثَة تحدث وَتقوم بِبَيَان كل نازلة تنزل عرف ذَلِك من عرفه وجهله من جَهله فَاجْعَلْ هَذِه الْقَاعِدَة نصب عَيْنَيْك واستغن بهَا عَمَّا أَطَالَ بِهِ أولو الْفضل من الْأَخْذ وَالرَّدّ فِي هَذَا الْمقَام