المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في المنطوق والمفهوم - المدخل إلى مذهب الإمام أحمد لابن بدران

[ابن بدران]

فهرس الكتاب

- ‌العقد الأول

- ‌رَوْضَة فِي كَلِمَات للْإِمَام فِي مسَائِل من أصُول الدّين

- ‌شذرة أَيْضا فِي كَلَامه فِي الْأُصُول

- ‌العقد الثَّانِي

- ‌فِي السَّبَب الَّذِي لأَجله اخْتَار كثير من كبار الْعلمَاء مَذْهَب الإِمَام أَحْمد على مَذْهَب غَيره

- ‌العقد الثَّالِث

- ‌فِي ذكر أصُول مذْهبه فِي استنباط الْفُرُوع وَبَيَان طَرِيقَته فِي ذَلِك

- ‌العقد الرَّابِع

- ‌فِي مسالك كبار أَصْحَابه فِي تَرْتِيب مذْهبه واستنباطه من فتياه وَالرِّوَايَات عَنهُ وتصرفهم فِي ذَلِك الْإِرْث المحمدي الأحمدي

- ‌شذرة فِي بَيَان طَريقَة الْأَصْحَاب فِي فهم كَلَام الإِمَام أَحْمد وَطَرِيق تصرفهم فِي الرِّوَايَات عَنهُ

- ‌فصل

- ‌فصل أَرَاك أَيهَا النَّاظر قد علمت عَمَّا رقمناه آنِفا

- ‌فصل

- ‌فصل فِي قَول الشَّافِعِي رضي الله عنه إِذا وجدْتُم فِي كتابي خلاف سنة

- ‌العقد الْخَامِس

- ‌فِي الْأُصُول الْفِقْهِيَّة الَّتِي دونهَا الْأَصْحَاب

- ‌مُقَدّمَة

- ‌بسط هَذَا الْإِجْمَال

- ‌فصل فِي التَّكْلِيف

- ‌فصل فِي أَحْكَام التَّكْلِيف

- ‌فصل فِي مَسْأَلَة مَا لَا يتم الْوَاجِب إِلَّا بِهِ

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌تَتِمَّة

- ‌فَائِدَة

- ‌تَنْبِيه

- ‌فصل فِي خطاب الْوَضع

- ‌تَنْبِيه

- ‌فَائِدَة

- ‌فصل فِي اللُّغَات

- ‌فصل اعْلَم أَن الْأَسْمَاء على أَرْبَعَة أضْرب

- ‌فصل فِي الْأُصُول

- ‌الْكتاب الْعَزِيز الَّذِي هُوَ أصل الْأُصُول

- ‌فصل فِي شذرات من مبَاحث السّنة

- ‌تَتِمَّة

- ‌بَاب النّسخ

- ‌تَنْبِيه

- ‌فَائِدَتَانِ

- ‌الْأَوَامِر والنواهي

- ‌فصل وَأما النَّهْي

- ‌فَوَائِد

- ‌الْعُمُوم وَالْخُصُوص

- ‌تَنْبِيه

- ‌فصل

- ‌خَاتِمَة

- ‌فصل

- ‌فصل فِي الْمُطلق والمقيد

- ‌فصل الْمُجْمل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي الْمَنْطُوق وَالْمَفْهُوم

- ‌الأَصْل الثَّالِث الْإِجْمَاع

- ‌الأَصْل الرَّابِع من الْأُصُول الْمُتَّفق عَلَيْهَا اسْتِصْحَاب الْحَال

- ‌الْأُصُول الْمُخْتَلف فِيهَا

- ‌الأَصْل الْخَامِس الْقيَاس

- ‌فصل

- ‌فصل فِي شَرَائِط أَرْكَان الْقيَاس ومصححاتها

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي الأسئلة الْوَارِدَة على الْقيَاس

- ‌فصل

- ‌عقد نضيد فِي الِاجْتِهَاد والتقليد

- ‌تَنْبِيه

- ‌فصل

- ‌تَنْبِيه

- ‌فصل

- ‌عقد نَفِيس فِي تَرْتِيب الْأَدِلَّة وَالتَّرْجِيح

- ‌فصل

- ‌تَنْبِيه

- ‌العقد السَّادِس

- ‌فِيمَا اصْطلحَ عَلَيْهِ المؤلفون فِي فقه الإِمَام أَحْمد مِمَّا يحْتَاج إِلَيْهِ الْمُبْتَدِي وأبرز الْأَسْمَاء الَّتِي تذكر فِي مصنفاتهم

- ‌العقد السَّابِع

- ‌فِي ذكر الْكتب الْمَشْهُورَة فِي الْمَذْهَب وَبَيَان طَريقَة بَعْضهَا وَمَا عَلَيْهِ من التعليقات والحواشي حسب الْإِمْكَان

- ‌الْمُغنِي ومختصرالخرقي

- ‌الْمُسْتَوْعب

- ‌الْكَافِي

- ‌الْعُمْدَة

- ‌مُخْتَصر ابْن تَمِيم

- ‌رُؤُوس الْمسَائِل

- ‌الْهِدَايَة

- ‌التَّذْكِرَة

- ‌الْمُحَرر

- ‌الْمقنع

- ‌الْفُرُوع

- ‌مغنى ذَوي الأفهام عَن الْكتب الْكَثِيرَة فِي الْأَحْكَام

- ‌مُنْتَهى الإرادات فِي جمع الْمقنع مَعَ التَّنْقِيح وزيادات

- ‌الْإِقْنَاع لطَالب الِانْتِفَاع

- ‌دَلِيل الطَّالِب

- ‌غَايَة الْمُنْتَهى

- ‌عُمْدَة الرَّاغِب

- ‌كَافِي الْمُبْتَدِي وأخصر المختصرات ومختصر الإفادات

- ‌الرعايتان

- ‌مُخْتَصر الشَّرْح الْكَبِير والإنصاف

- ‌العقد الثَّامِن

- ‌فِي أَقسَام الْفِقْه عِنْد أَصْحَابنَا وَمَا ألف فِي هَذَا النَّوْع وَفِي هَذَا العقد دُرَر

- ‌فصل وَأما مَا اتَّصل بِنَا خَبره من كتب التَّفْسِير لِأَصْحَابِنَا

- ‌فصل

- ‌فرائد فَوَائِد

- ‌لطائف قَوَاعِد

- ‌رد الْعَجز على الصَّدْر

الفصل: ‌فصل في المنطوق والمفهوم

وَمِنْهَا السُّكُوت بعد السُّؤَال عَن حكم الْوَاقِعَة فَيعلم أَنه لَا حكم للشَّرْع فِيهَا

وَهَهُنَا مسَائِل أَولهَا الْبَيَان بِالْفِعْلِ أقوى من الْبَيَان بالْقَوْل

ثَانِيهَا تبين الشَّيْء بأضعف مِنْهُ كالقرآن بِأَحَادِيث الْآحَاد جَائِز

ثَالِثهَا تَأْخِير الْبَيَان عَن وَقت الْحَاجة مُمْتَنع وتأخيره عَن وَقت الْخطاب إِلَى وَقت الْحَاجة جَائِز عِنْد ابْن حَامِد وَالْقَاضِي ابْن الفرا وَأكْثر الشَّافِعِيَّة وَبَعض الْحَنَفِيَّة وَمنعه أَبُو بكر عبد الْعَزِيز وَأَبُو الْحسن التَّمِيمِي والظاهرية والمعتزلة والصيرفي وَأَبُو إِسْحَاق الْمروزِي وَالْحق الأول لقَوْله تَعَالَى {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} الْقِيَامَة 18 19 {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ} هود 1 وَثمّ تفِيد التَّرَاخِي

رَابِعهَا يجوز كَون الْبَيَان أَضْعَف دلَالَة من الْمُبين وَلَا تعْتَبر مساواته فِي الحكم

‌فصل فِي الْمَنْطُوق وَالْمَفْهُوم

اعْلَم أَن الدَّلِيل الشَّرْعِيّ إِمَّا مَنْقُول وَإِمَّا مَعْقُول وَإِمَّا ثَابت بهما

فالمنقول الْكتاب وَالسّنة ودلالتهما إِمَّا من مَنْطُوق اللَّفْظ أَو من غير منطوقه فَإِن كَانَ من الأول سمي منطوقا كفهم وجوب الزَّكَاة فِي السَّائِمَة من حَدِيث فِي سَائِمَة الْغنم الزَّكَاة وكتحريم التأفيف من قَوْله تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ}

ص: 270

الْإِسْرَاء 23 وَالثَّانِي يُسمى مفهوما كفهم عدم وجوب الزَّكَاة فِي المعلوفة من الحَدِيث وَتَحْرِيم الضَّرْب من الْآيَة وَهَذَا الْفَصْل مَذْكُور لبَيَان ذَلِك والمعقول الْقيَاس لِأَنَّهُ يُسْتَفَاد بِوَاسِطَة النّظر الْعقلِيّ وَالثَّابِت بالمنقول والمعقول وَلَيْسَ وَاحِدًا مِنْهُمَا هُوَ الْإِجْمَاع وَسَيَأْتِي الْكَلَام على الْإِجْمَاع ثمَّ على الْقيَاس إِذا تمهد هَذَا فَنَقُول قد علم من هَذَا أَن الْمَنْطُوق مَا دلّ عَلَيْهِ اللَّفْظ فِي مَحل النُّطْق وَالْمَفْهُوم مَا دلّ عَلَيْهِ اللَّفْظ لَا فِي مَحل النُّطْق ففحوى بِاللَّفْظِ بِالْحَاء الْمُهْملَة هُوَ مَا أَفَادَ جِنْسا يتَنَاوَل مَا أَفَادَهُ نطقا وَغير نطق لَا من صيغته لِأَنَّهُ لَو كَانَ مِنْهَا لَكَانَ منطوقا وَبَيَانه أَن تَحْرِيم التأفيف علم من صِيغَة اللَّفْظ فَكَانَ منطوقا وَتَحْرِيم الضَّرْب لم يعلم من الصِّيغَة فَكَانَ مفهوما وَيُقَال

ص: 271

لمثله فحوى الْخطاب وَيُسمى إِشَارَة وإيماء ولحن الْخطاب إِلَّا أَن الْإِشَارَة مُخْتَصَّة بِالْيَدِ والإيماء إِشَارَة بِالْيَدِ وَغَيرهَا فَكل إِشَارَة إِيمَاء وَلَا عكس وَمن ثمَّ قَالَ الْآمِدِيّ أما دلَالَة غير الْمَنْطُوق وَهُوَ مَا دلَالَته غير صَرِيحَة فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون مَدْلُوله مَقْصُودا للمتكلم أَو لَا فَإِن كَانَ مَقْصُودا فَإِن توقف صدق الْمُتَكَلّم أَو صِحَة الملفوظ بِهِ عَلَيْهِ فَهِيَ دلَالَة الِاقْتِضَاء وَإِن لم يتَوَقَّف فَإِن كَانَ مفهوما فِي مَحل النُّطْق فَهِيَ دلَالَة التَّنْبِيه والإيماء وَإِلَّا فدلالة الْمَفْهُوم وَإِن لم يكن مَدْلُوله مَقْصُودا للمتكلم فَهِيَ دلَالَة الْإِشَارَة هَذَا كَلَامه وَأَنت خَبِير فَإِنَّهُ جعل فرقا بَين دلالتي الْإِشَارَة والإيماء وَهَذَا هُوَ التَّحْقِيق ثمَّ اعْلَم أَن مَرَاتِب لحن الْخطاب وفحواه تكون مُتَفَاوِتَة وَذَلِكَ التَّفَاوُت على أضْرب

الأول الْمُقْتَضى بِفَتْح الضَّاد الَّذِي تَقْتَضِيه صِحَة الْكَلَام وتطلبه وَهُوَ الْمُضمر الَّذِي تَدْعُو الضَّرُورَة إِلَى إضماره وَتَقْرِيره وَله وُجُوه أَولهَا مَا تَدْعُو الضَّرُورَة إِلَى إضماره لصدق الْمُتَكَلّم نَحْو لَا عمل إِلَّا بنية أَي لَا عمل صَحِيح إِلَّا بِالنِّيَّةِ إِذْ لَوْلَا ذَلِك لم يكن ذَلِك صدقا لِأَن صُورَة الْأَعْمَال كلهَا كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْم وَسَائِر الْعِبَادَات يُمكن وجودهَا بِلَا نِيَّة فَكَانَ إِضْمَار الصِّحَّة من ضَرُورَة صدق الْمُتَكَلّم

ثَانِيهَا وجود الحكم شرعا نَحْو قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} الْبَقَرَة 184 تَقْدِيره أَو على سفر فَأفْطر فَعَلَيهِ صَوْم عدَّة من أَيَّام أخر لِأَن قَضَاء الصَّوْم على الْمُسَافِر إِنَّمَا يجب إِذا أفطر فِي سَفَره أما إِذا صَامَ فِي سَفَره فَلَا مُوجب للقضا الثَّانِي مِمَّا يتَفَاوَت بِهِ لحن الْخطاب وفحواه تَعْلِيل الحكم بِمَا اقْترب بِهِ من الْوَصْف الْمُنَاسب كَقَوْلِه {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}

ص: 272

(الْمَائِدَة 38){الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا} النُّور 2 أَي لأجل السّرقَة وَالزِّنَا فَإِن الْمَعْقُول من هَذَا الْكَلَام أَن السّرقَة عِلّة الْقطع وَالزِّنَا عِلّة الْجلد لَكِن لَيْسَ هَذَا مفهوما لنا من صَرِيح النُّطْق وَنَصه بل من فحوى الْكَلَام وَمَعْنَاهُ

الثَّالِث فهم الحكم فِي غير مَحل النُّطْق بطرِيق الأولى وَهُوَ فهم الْمُوَافقَة كفهم تَحْرِيم الضَّرْب من تَحْرِيم التأفيف من قَوْله تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا} الْإِسْرَاء 23 فَإِن مَنْطُوق هَذَا تَحْرِيم التأفيف والانتهار وَمَفْهُومه بطرِيق التَّنْبِيه والفحوى تَحْرِيم الضَّرْب وَغَيره من الإيلامات الزَّائِدَة على التأفيف والانتهار بطرِيق أولى وَيُسمى هَذَا مَفْهُوم الْمُوَافقَة لِأَنَّهُ يُوَافق الْمَنْطُوق فِي الحكم وَإِن زَاد عَلَيْهِ فِي التَّأْكِيد بِخِلَاف مَفْهُوم الْمُخَالفَة فَإِنَّهُ يُخَالف حكم الْمَنْطُوق كفهم عدم الزَّكَاة فِي المعلوفة من حَدِيث فِي سَائِمَة الْغنم الزَّكَاة وَحَاصِله أَن مَفْهُوم الْمُوَافقَة تَنْبِيه بالأدنى على الْأَعْلَى وَيُسمى فحوى الْخطاب ولحن الْخطاب وَشَرطه فهم الْمَعْنى فِي مَحل النُّطْق كالتعظيم فِي قَوْله تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} الْإِسْرَاء 23 فَإِنَّهُ

ص: 273

يفهم أَن الْمَعْنى الْمُقْتَضى لهَذَا النَّهْي هُوَ تَعْظِيم الْوَالِدين فَلذَلِك فهمنا تَحْرِيم الضَّرْب بطرِيق أولى حَتَّى لَو نفهم من ذَلِك تَعْظِيمًا لما فهمنا تَحْرِيم الضَّرْب أصلا لكنه لما نفى التأفيف الْأَعَمّ دلّ على نفي الضَّرْب الْأَخَص بطرِيق أولى وَشَرطه أَيْضا أَن يكون الْمَفْهُوم أولى من الْمَنْطُوق أَو مسَاوٍ لَهُ وَمِثَال الأول قد تقدم

وَمِثَال الثَّانِي تَحْرِيم إحراق مَال الْيَتِيم الدَّال عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {الَّذين يَأْكُلُون أَمْوَال الْيَتَامَى ظلما} النِّسَاء 10 الْآيَة فالإحراق مسَاوٍ للْأَكْل بِوَاسِطَة الْإِتْلَاف فِي الصُّورَتَيْنِ وَاشْترط لَهُ كثير من أهل الْأُصُول شُرُوطًا

فَقَالَ فِي جمع الْجَوَامِع وَشَرطه أَن لَا يكون الْمَسْكُوت ترك لخوف وَنَحْوه كالجهل وَأَن لَا يكون الْمَذْكُور خرج للْغَالِب خلافًا لإِمَام الْحَرَمَيْنِ أَو لسؤال أَو حَادِثَة أَو للْجَهْل بِحكمِهِ أَو غَيره مِمَّا يَقْتَضِي التَّخْصِيص بِالذكر هَذَا كَلَامه

ثمَّ إِن مَفْهُوم الْمُوَافقَة قِيَاس جلي فِي الْأَصَح وَإِلَيْهِ ذهب أَبُو الْحسن الخرزي وَابْن أبي مُوسَى وَأبي الْخطاب والحلواني وَالْفَخْر والطوفي

وَقَالَ مجد الدّين ابْن تَيْمِية إِن قصد الْأَدْنَى فَقِيَاس وَإِن قصد التَّنْبِيه فَلَا وَهُوَ حجَّة عِنْد الْعلمَاء ودلالته لفظية عِنْد أَحْمد وَالْقَاضِي وَابْن حمدَان وَشَيخ الْإِسْلَام وَابْن عقيل وَحَكَاهُ عَن أَصْحَابنَا وَالْحَنَفِيَّة والمالكية وَغَيرهم ودلالته تكون قَطْعِيَّة كآية التأفيف وَتَكون ظنية كإذا ردَّتْ شَهَادَة فَاسق فكافر أولى إِذْ الْكفْر فسق وَزِيَادَة وَوجه كَونه ظنيا أَنه وَاقع فِي الِاجْتِهَاد أَن يجوز أَن يكون الْكَافِر عدلا فِي دينه فيتحرى الصدْق وَالْأَمَانَة

الرَّابِع دلَالَة تَخْصِيص شَيْء بِحكم يدل على نَفْيه عَمَّا عداهُ وَهُوَ مَفْهُوم الْمُخَالفَة سمي بِهِ لمُخَالفَته للمنطوق بِهِ وَذَلِكَ كَقَوْلِه تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ}

ص: 274

النِّسَاء 25 فَإِن تَخْصِيص جَوَاز نِكَاح الْإِمَاء بِعَدَمِ الطول يدل على أَن وَاجِد الطول لَا يجوز لَهُ نِكَاح الْإِمَاء وَتَخْصِيص الْمُؤْمِنَات بِجَوَاز النِّكَاح عِنْد عدم الطول يدل على أَن عادم الطول لَا يُبَاح لَهُ نِكَاح الْإِمَاء الكوافر كَمَا هُوَ أحد الْقَوْلَيْنِ فَفِي الْآيَة مفهومان أَحدهمَا أَنه لَا ينْكح إِلَّا أمة مُؤمنَة

وَثَانِيهمَا أَن وَاجِد الطول لَا يجوز لَهُ نِكَاح الْأمة

وَكَقَوْلِه عليه السلام فِي سَائِمَة الْغنم الزَّكَاة

فَإِن مَفْهُومه يدل على أَن لَا زَكَاة فِي المعلوفة فتخصيص السّوم بِحكم وَهُوَ وجوب الزَّكَاة يدل على نفي ذَلِك الحكم عَن غير السَّائِمَة وَمَفْهُوم الْمُخَالفَة حجَّة عِنْد الْجُمْهُور

وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَبَعض الْمُتَكَلِّمين لَيْسَ بِحجَّة وَيُسمى ذَلِك الْمَفْهُوم دَلِيل الْخطاب وَشَرطه أَن لَا تظهر أَوْلَوِيَّة وَلَا مُسَاوَاة فِي الْمَسْكُوت عَنهُ إِذْ لَو ظهر فِيهِ ذَلِك كَانَ مَفْهُوم مُوَافقَة وَأَن لَا يكون مخرجا مخرج الْغَالِب كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} النِّسَاء 23 فَإِن الْغَالِب كَون الربائب فِي حجور الْأزْوَاج أَي ترتيبهم وَأَن لَا يكون خرج لجواب سُؤال عَنهُ أَو حَادِثَة تتَعَلَّق بِهِ أَو للْجَهْل بِحكمِهِ دون حكم الْمَسْكُوت كَمَا لَو سُئِلَ صلى الله عليه وسلم هَل فِي الْغنم السَّائِمَة زَكَاة أَو قيل بِحَضْرَتِهِ لفُلَان غنم سَائِمَة أَو خَاطب من جهل حكم الْغنم السَّائِمَة دون المعلوفة فَقَالَ فِي الْغنم السَّائِمَة زَكَاة مثله أَيْضا جَمِيع مَا يَقْتَضِي التَّخْصِيص بِالذكر كموافقة الْوَاقِع كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤمنِينَ}

ص: 275

آل عمرَان 28 نزلت كَمَا قَالَ الواحدي

وَغَيره فِي قوم من الْمُؤمنِينَ وَالْيَهُود دون الْمُؤمنِينَ وككون الْكَلَام خرج مخرج التفهيم أَو الامتنان نَحْو {لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً} النَّحْل 14 فَإِنَّهُ لَا يدل على منع القديد من لحم مَا يُؤْكَل مِمَّا يخرج من الْبَحْر كَغَيْرِهِ وَإِنَّمَا اشترطوا للمفهوم انْتِفَاء الْمَذْكُورَات لِأَنَّهَا فَوَائِد ظَاهِرَة وَهُوَ فَائِدَة خُفْيَة فَأخر عَنْهَا

ثمَّ إِن دَلِيل الْخطاب بِحَسب الْقُوَّة والضعف يكون على مَرَاتِب سِتّ

أَولهَا الحكم إِلَى غَايَة بحتى أَو إِلَى وَيُسمى مَفْهُوم الْغَايَة نَحْو {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} الْبَقَرَة 230 {ثمَّ أَتموا الصّيام إِلَى اللَّيْل} فيفيدان حكم مَا بعد الْغَايَة يُخَالف مَا قبلهَا

ثَانِيهَا تَعْلِيق الحكم على شَرط نَحْو {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} الطَّلَاق 6 فَإِنَّهُ يُفِيد انْتِفَاء الْإِنْفَاق عِنْد انْتِفَاء الْحمل وَلَا فرق بَين تَعْلِيقه بِشَرْط أَو شرطين أَو أَكثر

ثَالِثهَا تعقيب ذكر الِاسْم الْعَام بِصفة خَاصَّة فِي معرض الِاسْتِدْرَاك وَالْبَيَان نَحْو فِي الْغنم السَّائِمَة الزَّكَاة فالغنم اسْم علم

ص: 276

يتَنَاوَل السَّائِمَة والمعلوفة فاستدرك عُمُومه بِخُصُوص السَّائِمَة وَبَين أَنَّهَا المُرَاد من عُمُوم الْغنم

رَابِعهَا أَن يعلق الحكم على وصف لَا يسْتَقرّ بل يطوي وَيَزُول كالسوم والثيوبة فِي قَوْلنَا فِي السَّائِمَة وَالزَّكَاة وَالْبكْر تستأذن وَالثَّيِّب أَحَق بِنَفسِهَا

خَامِسهَا تَخْصِيص نوع من الْعدَد بِحكم نَحْو قَوْله عليه السلام لَا تحرم المصة وَلَا المصتان يَعْنِي فِي الرَّضَاع وَهَذَا يدل على مُخَالفَة مَا فَوْقه يَعْنِي تَحْرِيم ثَلَاث رَضعَات وَبِه قَالَ مَالك وَدَاوُد وَبَعض الشَّافِعِيَّة خلافًا لأكثرهم وَلأبي حنيفَة

سادسها مَفْهُوم اللقب وَهُوَ تَخْصِيص اسْم بِحكم وَأنكر الْأَكْثَرُونَ هَذَا الْمَفْهُوم مشتقا كَانَ نَحْو لَا تَبِيعُوا الطَّعَام إِلَّا مثلا بِمثل فَإِن الطَّعَام مُشْتَقّ من الطّعْم أَو غير مُشْتَقّ كالحنطة وَالشعِير وَالتَّمْر وَالْملح وَالذَّهَب وَالْفِضَّة

وَقَالَ الدقاق مَفْهُوم اللقب حجَّة وَالضَّابِط فِي بَاب الْمَفْهُوم أَنه مَتى أَفَادَ ظنا عرف من تصرف الشَّارِع الِالْتِفَات إِلَى مثله خَالِيا عَن معَارض كَانَ حجَّة يجب الْعَمَل بِهِ والظنون المستفادة من دَلِيل الْخطاب مُتَفَاوِتَة بتفاوت مراتبه وَمن تدرب بِالنّظرِ فِي اللُّغَة وَعرف مواقع الْأَلْفَاظ ومقاصد الْمُتَكَلِّمين سهل عِنْده إِدْرَاك ذَلِك التَّفَاوُت وَالْفرق بَين تِلْكَ الْمَرَاتِب وَالله الْمُوفق

ص: 277