المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في الأسئلة الواردة على القياس - المدخل إلى مذهب الإمام أحمد لابن بدران

[ابن بدران]

فهرس الكتاب

- ‌العقد الأول

- ‌رَوْضَة فِي كَلِمَات للْإِمَام فِي مسَائِل من أصُول الدّين

- ‌شذرة أَيْضا فِي كَلَامه فِي الْأُصُول

- ‌العقد الثَّانِي

- ‌فِي السَّبَب الَّذِي لأَجله اخْتَار كثير من كبار الْعلمَاء مَذْهَب الإِمَام أَحْمد على مَذْهَب غَيره

- ‌العقد الثَّالِث

- ‌فِي ذكر أصُول مذْهبه فِي استنباط الْفُرُوع وَبَيَان طَرِيقَته فِي ذَلِك

- ‌العقد الرَّابِع

- ‌فِي مسالك كبار أَصْحَابه فِي تَرْتِيب مذْهبه واستنباطه من فتياه وَالرِّوَايَات عَنهُ وتصرفهم فِي ذَلِك الْإِرْث المحمدي الأحمدي

- ‌شذرة فِي بَيَان طَريقَة الْأَصْحَاب فِي فهم كَلَام الإِمَام أَحْمد وَطَرِيق تصرفهم فِي الرِّوَايَات عَنهُ

- ‌فصل

- ‌فصل أَرَاك أَيهَا النَّاظر قد علمت عَمَّا رقمناه آنِفا

- ‌فصل

- ‌فصل فِي قَول الشَّافِعِي رضي الله عنه إِذا وجدْتُم فِي كتابي خلاف سنة

- ‌العقد الْخَامِس

- ‌فِي الْأُصُول الْفِقْهِيَّة الَّتِي دونهَا الْأَصْحَاب

- ‌مُقَدّمَة

- ‌بسط هَذَا الْإِجْمَال

- ‌فصل فِي التَّكْلِيف

- ‌فصل فِي أَحْكَام التَّكْلِيف

- ‌فصل فِي مَسْأَلَة مَا لَا يتم الْوَاجِب إِلَّا بِهِ

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌تَتِمَّة

- ‌فَائِدَة

- ‌تَنْبِيه

- ‌فصل فِي خطاب الْوَضع

- ‌تَنْبِيه

- ‌فَائِدَة

- ‌فصل فِي اللُّغَات

- ‌فصل اعْلَم أَن الْأَسْمَاء على أَرْبَعَة أضْرب

- ‌فصل فِي الْأُصُول

- ‌الْكتاب الْعَزِيز الَّذِي هُوَ أصل الْأُصُول

- ‌فصل فِي شذرات من مبَاحث السّنة

- ‌تَتِمَّة

- ‌بَاب النّسخ

- ‌تَنْبِيه

- ‌فَائِدَتَانِ

- ‌الْأَوَامِر والنواهي

- ‌فصل وَأما النَّهْي

- ‌فَوَائِد

- ‌الْعُمُوم وَالْخُصُوص

- ‌تَنْبِيه

- ‌فصل

- ‌خَاتِمَة

- ‌فصل

- ‌فصل فِي الْمُطلق والمقيد

- ‌فصل الْمُجْمل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي الْمَنْطُوق وَالْمَفْهُوم

- ‌الأَصْل الثَّالِث الْإِجْمَاع

- ‌الأَصْل الرَّابِع من الْأُصُول الْمُتَّفق عَلَيْهَا اسْتِصْحَاب الْحَال

- ‌الْأُصُول الْمُخْتَلف فِيهَا

- ‌الأَصْل الْخَامِس الْقيَاس

- ‌فصل

- ‌فصل فِي شَرَائِط أَرْكَان الْقيَاس ومصححاتها

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي الأسئلة الْوَارِدَة على الْقيَاس

- ‌فصل

- ‌عقد نضيد فِي الِاجْتِهَاد والتقليد

- ‌تَنْبِيه

- ‌فصل

- ‌تَنْبِيه

- ‌فصل

- ‌عقد نَفِيس فِي تَرْتِيب الْأَدِلَّة وَالتَّرْجِيح

- ‌فصل

- ‌تَنْبِيه

- ‌العقد السَّادِس

- ‌فِيمَا اصْطلحَ عَلَيْهِ المؤلفون فِي فقه الإِمَام أَحْمد مِمَّا يحْتَاج إِلَيْهِ الْمُبْتَدِي وأبرز الْأَسْمَاء الَّتِي تذكر فِي مصنفاتهم

- ‌العقد السَّابِع

- ‌فِي ذكر الْكتب الْمَشْهُورَة فِي الْمَذْهَب وَبَيَان طَريقَة بَعْضهَا وَمَا عَلَيْهِ من التعليقات والحواشي حسب الْإِمْكَان

- ‌الْمُغنِي ومختصرالخرقي

- ‌الْمُسْتَوْعب

- ‌الْكَافِي

- ‌الْعُمْدَة

- ‌مُخْتَصر ابْن تَمِيم

- ‌رُؤُوس الْمسَائِل

- ‌الْهِدَايَة

- ‌التَّذْكِرَة

- ‌الْمُحَرر

- ‌الْمقنع

- ‌الْفُرُوع

- ‌مغنى ذَوي الأفهام عَن الْكتب الْكَثِيرَة فِي الْأَحْكَام

- ‌مُنْتَهى الإرادات فِي جمع الْمقنع مَعَ التَّنْقِيح وزيادات

- ‌الْإِقْنَاع لطَالب الِانْتِفَاع

- ‌دَلِيل الطَّالِب

- ‌غَايَة الْمُنْتَهى

- ‌عُمْدَة الرَّاغِب

- ‌كَافِي الْمُبْتَدِي وأخصر المختصرات ومختصر الإفادات

- ‌الرعايتان

- ‌مُخْتَصر الشَّرْح الْكَبِير والإنصاف

- ‌العقد الثَّامِن

- ‌فِي أَقسَام الْفِقْه عِنْد أَصْحَابنَا وَمَا ألف فِي هَذَا النَّوْع وَفِي هَذَا العقد دُرَر

- ‌فصل وَأما مَا اتَّصل بِنَا خَبره من كتب التَّفْسِير لِأَصْحَابِنَا

- ‌فصل

- ‌فرائد فَوَائِد

- ‌لطائف قَوَاعِد

- ‌رد الْعَجز على الصَّدْر

الفصل: ‌فصل في الأسئلة الواردة على القياس

‌فصل فِي الأسئلة الْوَارِدَة على الْقيَاس

الأسئلة

فِي هَذَا الْمقَام يُرَاد بهَا أحد شَيْئَيْنِ أَحدهمَا كَونهَا من مستفيد يقْصد معرفَة الحكم خَالِصا مِمَّا يرد عَلَيْهِ

وَالثَّانِي كَونهَا من معاند يقْصد قطع خَصمه ورده إِلَيْهِ وَأكْثر المصنفين فِي أصُول الْفِقْه لم يذكرُوا هَذِه الأسئلة فِي كتبهمْ ثمَّ إِن مِنْهُم من اعتذر عَن تَركهَا بِأَنَّهَا لَيست من مبَاحث الْأُصُول وَإِنَّمَا هِيَ كالعلاوة عَلَيْهِ وَأَن مَوضِع ذكرهَا فن الجدل وَهَذَا اعتذار الْغَزالِيّ فِي الْمُسْتَصْفى وَمِنْهُم من ذكرهَا لِأَنَّهَا من مكملات الْقيَاس الَّذِي هُوَ من أصُول الْفِقْه ومكمل الشَّيْء من ذَلِك الشَّيْء ولهذه الشُّبْهَة أَكثر قوم من ذكر الْمنطق والعربية وَالْأَحْكَام الكلامية لِأَنَّهَا من مواده ومكملاته وَنحن نذكرها هُنَا إتماما للفائدة وتكميلا للمقصود فَنَقُول اخْتلف فِي عدد هَذِه الأسئلة الْمعبر عَنْهَا بالقوادح فَقَالَ موفق الدّين الْمَقْدِسِي فِي كِتَابه رَوْضَة النَّاظر وجنة المناظر قَالَ بعض أهل الْعلم يتَوَجَّه على الْقيَاس اثْنَا عشر سؤالا هَذَا كَلَامه وعدها ابْن مُفْلِح فِي أُصُوله وَابْن الْحَاجِب خَمْسَة وَعشْرين وَنحن نسلك فِي كتَابنَا هُنَا مَسْلَك موفق الدّين وَالْأَكْثَر فِي عَددهَا وَإِلَيْك الْبَيَان

ص: 340

أَولهَا الاستفسار وَهُوَ طَلِيعَة للقوادح كطليعة الْجَيْش لِأَنَّهُ الْمُقدم على كل اعْتِرَاض وَحَقِيقَته طلب معنى لفظ الْمُسْتَدلّ لإجماله أَو غرابته لِأَنَّهُ لَا يسمع إِذا كَانَ فِي ذَلِك اللَّفْظ إِجْمَال أَو غرابة وَإِلَّا فَهُوَ تعنت مفوت لفائدة المناظرة إِذْ يَأْتِي فِي كل لفظ يُفَسر بِهِ لفظ ويتسلسل وعَلى الْمُعْتَرض بَيَان إجماله

مِثَاله أَن يَقُول الْمُسْتَدلّ الْمُطلقَة تَعْتَد بالإقراء فَيُقَال لَهُ الْأَقْرَاء لفظ مُجمل يحْتَمل الْحيض وَالطُّهْر فَأَي الْمَعْنيين تَعْنِي فَإِذا قَالَ أَعنِي الْحيض أَو أَعنِي الطُّهْر أُجِيب حِينَئِذٍ بِحَسب ذَلِك من تَسْلِيم أَو منع أَو بَيَان غرابته

أما من حَيْثُ الْوَضع فمثاله فِي الْكَلْب الْمعلم يَأْكُل من صَيْده أَن يُقَال أيل لم يرض فَلَا تحل فريسته كالسيد أَي الذِّئْب فَيُقَال مَا الأيل مَا معنى لم يرض وَمَا الفريسة وَمَا السَّيِّد وَأما من حَيْثُ الِاصْطِلَاح كَأَن يذكر فِي القياسات الْفِقْهِيَّة لفظ الدّور أَو التسلسل أَو الهيولي أَو الْمَادَّة أَو المبدأ أَو الْغَايَة نَحْو أَن يُقَال فِي شُهُود الْقَتْل إِذا رجعُوا عَن الشَّهَادَة لَا يجب الْقصاص لِأَن وُجُوبه تجرد مبداه من غَايَة مَقْصُوده فَوَجَبَ أَن لَا يثبت وَمَا أشبه ذَلِك من اصْطِلَاح الْمُتَكَلِّمين وَإِنَّمَا يكون ذَلِك مَا لم يعرف من حَال خَصمه أَنه يعرف ذَلِك

ص: 341

أما إِذا كَانَ خَصمه عَارِفًا بِهَذِهِ الاصطلاحات فَلَا غرابة حِينَئِذٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ لِأَن الغرابة أَمر نسبي لَا أَمر حَقِيقِيّ وَلَا يلْزم الْمُعْتَرض إِذا بَين كَون اللَّفْظ مُحْتملا بَيَان تَسَاوِي الِاحْتِمَالَات فَلَو الْتَزمهُ تَبَرعا وَقَالَ وهما متساويان لِأَن التَّفَاوُت يَسْتَدْعِي تَرْجِيحا بِأَمْر وَالْأَصْل عدم الْمُرَجح لَكَانَ جيدا وَفَاء بِمَا الْتَزمهُ أَولا

وَجَوَاب الْمُسْتَدلّ عَن الاستفسار إِمَّا بِمَنْع احْتِمَاله للإجمال أَو يبيان ظُهُور اللَّفْظ فِي مَقْصُوده بِنَقْل من اللُّغَة أَو عرف أَو قرينَة أَو تَفْسِيره إِن تعذر إبِْطَال غرابته وَلَو قَالَ الْمُسْتَدلّ يلْزم ظُهُوره فِي أحد الْمَعْنيين دفعا للإجمال وَفِيمَا قصد بِهِ لعدم ظُهُوره فِي الآخر اتِّفَاقًا مني ومنك كفى فِي الْأَصَح بِنَاء على الْمجَاز أولى وَلَا يعْتد بتفسيره بِمَا لَا يحْتَملهُ اللَّفْظ لُغَة

فَائِدَة نقل الطوفي عَن صَاحب كتاب الإفصاح فِي خلق الْإِنْسَان مِثَالا لطيفا لهَذَا النَّوْع فَقَالَ كَمَا حكى عَن الْيَهُود أَنهم سَأَلُوا النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن الرّوح وَهُوَ لفظ مُشْتَرك بَين الْقُرْآن وَجِبْرِيل وَعِيسَى وَملك يُقَال لَهُ الرّوح وروح الْإِنْسَان الَّذِي فِي بدنه ليغلطوه بذلك يَعْنِي إِن قَالَ لَهُم الرّوح ملك قَالُوا لَهُ

ص: 342

بل هُوَ روح الْإِنْسَان

أَو قَالَ الْإِنْسَان قَالُوا بل هُوَ ملك أَو غَيره من مسميات الرّوح

فَعلم الله مَكْرهمْ فأجابهم بِجَوَاب مُجمل كسؤالهم بقوله تَعَالَى {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} الْإِسْرَاء 85 وَهُوَ يتَنَاوَل المسميات الْخَمْسَة وَغَيرهَا وَهَذَا هُوَ سَبَب الْإِجْمَال فِي مُسَمّى الرّوح لَا كَون حَقِيقَتهَا غير مَعْلُومَة للبشر إِذْ قد دلّت قواطع الشَّرْع على جسميتها وَالْحَاصِل أَن سُؤال الْيَهُود عَن الرّوح كَانَ على سَبِيل المغالطة لَا على سَبِيل الِاحْتِيَاط

ثَانِيهَا فَسَاد الِاعْتِبَار وَهُوَ أَن يكون الْقيَاس مُخَالفا للنَّص أَو الْإِجْمَاع وَسمي بِهَذَا الِاسْم لِأَن اعْتِبَار الْقيَاس مَعَ النَّص أَو الْإِجْمَاع اعْتِبَار لَهُ مَعَ دَلِيل أقوى مِنْهُ وَهُوَ اعْتِبَار فَاسد وظلم لِأَنَّهُ وضع لَهُ فِي غير مَوْضِعه

مِثَال مَا خَالف الْكتاب نصا قَوْلنَا يشْتَرط تبييت النِّيَّة لرمضان لِأَنَّهُ مَفْرُوض وَلَا يَصح تبييته من النَّهَار كالقضاء فَيُقَال هَذَا فَاسد الِاعْتِبَار لمُخَالفَته نَص الْكتاب وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {والصائمين وَالصَّائِمَاتِ} إِلَى قَوْله {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} الْأَحْزَاب 35 فَإِنَّهُ يدل على أَن كل من صَامَ يحصل لَهُ الْأجر الْعَظِيم وَذَلِكَ مُسْتَلْزم للصِّحَّة وَهَذَا قد صَامَ فَيكون صَوْمه صَحِيحا

وَمِثَال مَا خَالف السّنة قَوْلنَا لَا يَصح السّلم فِي الْحَيَوَان لِأَنَّهُ عقد مُشْتَمل على الْغرَر فَلَا يَصح كالسلم فِي المختلطات فَيُقَال هَذَا فَاسد الِاعْتِبَار لمُخَالفَته مَا رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه رخص فِي السّلم

ص: 343

وَمِثَال مَا خَالف الْإِجْمَاع أَن يُقَال لَا يجوز أَن يغسل الزَّوْج زَوجته لِأَنَّهُ يحرم النّظر إِلَيْهَا فَحرم غسلهَا كالأجنبية فَيُقَال لَهُ هَذَا فَاسد الِاعْتِبَار لمُخَالفَته الْإِجْمَاع السكوتي وَهُوَ أَن عليا غسل فَاطِمَة وَلم يُنكر عَلَيْهِ والقضية فِي مَظَنَّة الشُّهْرَة فَكَانَ ذَلِك إِجْمَاعًا فَإِذا أَرَادَ الْمُسْتَدلّ الْجَواب عَن فَسَاد الِاعْتِبَار إِمَّا بالطعن بِالنَّصِّ كَأَن يَقُول فِي الصَّوْم لَا نسلم أَن الْآيَة تدل على صِحَة الصَّوْم بِدُونِ تبييت النِّيَّة لِأَنَّهَا مُطلقَة وقيدناها بِحَدِيث لَا صِيَام لمن لم يبيت الصّيام من اللَّيْل أَو يَقُول إِنَّهَا دلّت على أَن الصّيام يُثَاب عَلَيْهِ وَأَنا أَقُول بِهِ لَكِنَّهَا لَا تدل على أَنه لَا يلْزمه الْقَضَاء والنزاع فِيهِ أَو يَقُول إِنَّهَا دلّت على ثَوَاب الصَّائِم وَأَنا لَا أسلم أَن الممسك بِدُونِ تبييت النِّيَّة صَائِم وَكَأن يَقُول فِي مَسْأَلَة السّلم لَا نسلم صِحَة التَّرَخُّص فِي السّلم وَإِن سلمنَا فَلَا نسلم أَن اللَّام للاستغراق فَلَا يتَنَاوَل الْحَيَوَان وَإِن صَحَّ السّلم فِي غَيره وَكَأن يُقَال فِي غسل الزَّوْجَة إِنِّي أمنع صِحَة ذَلِك عَن عَليّ وَإِن سلم فَلَا أسلم أَن

ص: 344

ذَلِك اشْتهر وَإِن سلم فَلَا أسلم أَن الْإِجْمَاع السكوتي حجَّة وَإِن سلم فَالْفرق بَين عَليّ وَغَيره أَن فَاطِمَة كَانَت زَوجته فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة

فالموت لم يقطع النِّكَاح بَينهمَا بِإِخْبَار الصَّادِق بِخِلَاف غَيرهمَا فَإِن الْمَوْت يقطع بَينهمَا

وَإِمَّا أَن يكون الْجَواب بِأَن يبين الْمُسْتَدلّ أَن مَا ذكره من الْقيَاس يسْتَحق التَّقْدِيم على ذَلِك النَّص لكَونه حنفيا يرى تَقْدِيم الْقيَاس على النَّص الَّذِي أبداه الْمُعْتَرض إِمَّا لكَون النَّص ضَعِيفا فَيكون الْقيَاس أولى مِنْهُ أَو لكَون النَّص عَاما فَيكون الْقيَاس مُخَصّصا لَهُ جمعا بَين الدَّلِيلَيْنِ أَو لكَون مَذْهَب الْمُسْتَدلّ يَقْتَضِي تَقْدِيم الْقيَاس على الْخَبَر إِذا خَالف الْأُصُول أَو فِيمَا تعم بِهِ الْبلوى

ومالكا يرى تَقْدِيم الْقيَاس على الْخَبَر إِذا خَالفه خبر الْوَاحِد وَبِالْجُمْلَةِ للمستدل الِاعْتِرَاض على النَّص الَّذِي يبديه الْمُعْتَرض بِجَمِيعِ مَا يعْتَرض بِهِ على النُّصُوص سندا ومتنا

ثَالِثهَا فَسَاد الْوَضع وَهُوَ افتضاء الْعلَّة نقيض مَا علق بهَا وَإِنَّمَا سمي هَذَا فَسَاد الْوَضع لِأَن وضع الشَّيْء جعله فِي مَحل على هَيْئَة أَو كَيْفيَّة مَا فَإِذا كَانَ ذَلِك الْمحل أَو تِلْكَ الْهَيْئَة لَا تناسبه كَانَ وَضعه على خلاف الْحِكْمَة وَمَا كَانَ على خلاف الْحِكْمَة يكون فَاسِدا فَيُقَال هَهُنَا إِن الْعلَّة إِذا اقْتَضَت نقيض الحكم الْمُدعى أَو خِلَافه كَانَ ذَلِك مُخَالفا للْحكم إِذْ من شَأْن الْعلَّة أَن تناسب معلولها لَا أَنَّهَا تخَالفه فَكَانَ ذَلِك فَاسد الْوَضع بِهَذَا الِاعْتِبَار فَمَا علق فِيهِ على الْعلَّة ضد مَا تَقْتَضِيه قَوْلنَا فِي النِّكَاح بِلَفْظ الْهِبَة لفظ ينْعَقد بِهِ غير النِّكَاح فَلَا ينْعَقد بِهِ النِّكَاح كَلَفْظِ الْإِجَازَة فَيَقُول الْحَنَفِيّ هَذَا فَاسد الْوَضع لِأَن انْعِقَاد غير النِّكَاح بِلَفْظ الْهِبَة يَقْتَضِي ويناسب انْعِقَاد النِّكَاح بِهِ لَكِن تَأْثِيره فِي انْعِقَاد غير النِّكَاح

ص: 345

بِهِ وَهُوَ الْهِبَة دَلِيل على أَن لَهُ حظا من التَّأْثِير فِي انْعِقَاد الْعُقُود وَالنِّكَاح عقد فلينعقد بِهِ كَالْهِبَةِ ويلتزم عَلَيْهِ الْإِجَارَة أَو يفرق بَينهمَا وَبَين الْهِبَة وَالنِّكَاح إِن أمكن وَمن أمثلته أَن يَقُول شَافِعِيّ فِي تكْرَار مسح الرَّأْس مسح فَيسنّ فِيهِ التّكْرَار كالمسح فِي الِاسْتِجْمَار فَيُقَال قياسك هَذَا فَاسد الْوَضع لِأَن كَونه مسحا مشْعر بِالتَّخْفِيفِ ومناسب لَهُ والتكرار منَاف لَهُ

وَالْجَوَاب عَن هَذَا النَّوْع يكون بِأحد أَمريْن إِمَّا بِأَن يمْنَع الْمُسْتَدلّ كَون علته تَقْتَضِي نقيض مَا علق بهَا أَو بِأَن يسلم ذَلِك لَكِن يبين أَن اقتضاءها للمعنى الَّذِي ذكره أرجح من الْمَعْنى الآخر فَيقدم رجحانه

مِثَاله أَن يَقُول فِي مَسْأَلَة النِّكَاح بِلَفْظ الْهِبَة لَا نسلم أَن انْعِقَاد الْهِبَة بلفظها أَو كَون لفظ الْهِبَة ينْعَقد بِهِ غير النِّكَاح يَقْتَضِي انْعِقَاد النِّكَاح بِهِ قَوْلكُم انْعِقَاد غير النِّكَاح يدل على قوته وتأثيره فِي الْعُقُود

قُلْنَا إِنَّمَا يدل على تَأْثِيره فِيمَا وضع لَهُ وَهُوَ الْهِبَة أما غَيره فَلَا وَذَلِكَ لوجوه أَولهَا أَن تَأْثِيره إِنَّمَا يُنَاسب أَن يكون مُسْتَعْملا فِيمَا وضع لَهُ لإشعاره بخواصه ودلالته عَلَيْهَا بِحكم الْوَضع وَالنِّكَاح وَالْبيع وَالْإِجَارَة لَهَا خَواص لَا يشْعر بهَا لفظ الْهِبَة فيضعف عَن إفادتها والتأثير فِي انْعِقَادهَا بِهِ

ثَانِيهَا إِن اسْتِعْمَال اللَّفْظ فِي غير مَوْضُوعه مجَاز وَهُوَ ضَعِيف بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحَقِيقَة وَالْأَصْل عدم التَّجَوُّز

ثَالِثهَا إِن قُوَّة اللَّفْظ وسلطانه وَظُهُور دلَالَته إِنَّمَا تكون إِذا اسْتعْمل فِي مَوْضُوعه فاستعماله فِي غير مَا وضع لَهُ تَفْرِيق لقُوته

ص: 346

فَهُوَ كالتغريب لَهُ عَن مواطنه فيضعف بذلك عَن التَّأْثِير سلمنَا أَن انْعِقَاد غير النِّكَاح بِلَفْظ الْهِبَة يَقْتَضِي انْعِقَاد النِّكَاح بِهِ لَكِن اقتضاؤه لعدم انْعِقَاده أقوى من اقتضائه لانعقاده لِأَن انْعِقَاد النِّكَاح بِلَفْظ الْهِبَة يَقْتَضِي أَن اللَّفْظ مُشْتَرك بَينهمَا أَو مجَاز فِي النِّكَاح عَن الْهِبَة وَالْمجَاز والاشتراك خلاف الأَصْل وَمَا ذَكرْنَاهُ يَقْتَضِي نفيهما وَتَخْصِيص كل عقد بِلَفْظ هُوَ وفْق الأَصْل وَمَا وَافق الأَصْل يكون أولى مِمَّا خَالفه وعَلى هَذَا النمط يكون الْجَواب فِي غير هَذَا الْمِثَال

وَاعْلَم أَن بعض الْأُصُولِيِّينَ توهم أَن فَسَاد الْوَضع نقض خَاص وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك وَالتَّحْقِيق أَن فَسَاد الْوَضع يشْتَبه بِأُمُور ويخالفها بِوُجُوه فَمِنْهُ أَنه يشبه النَّقْض من حَيْثُ إِنَّه بَين فِيهِ ثُبُوت نقيض الحكم مَعَ الْوَصْف إِلَّا أَن فِيهِ زِيَادَة وَهُوَ أَن الْوَصْف هُوَ الَّذِي يثبت النقيض وَفِي النَّقْض لَا يتَعَرَّض لذَلِك بل يقنع فِيهِ بِثُبُوت نقيض الحكم مَعَ الْوَصْف فَلَو قصد بِهِ ذَلِك لَكَانَ هُوَ النَّقْض وَمِنْه أَنه يشبه الْقلب من حَيْثُ إِنَّه إِثْبَات نقيض الحكم بعلة الْمُسْتَدلّ إِلَّا أَنه يُفَارِقهُ بِشَيْء وَهُوَ أَن فِي الْقلب يثبت نقيض الحكم بِأَصْل الْمُسْتَدلّ وَهَذَا يثبت بِأَصْل آخر فَلَو ذكره بِأَصْلِهِ لَكَانَ هُوَ الْقلب

وَمِنْه أَنه يشبه الْقدح فِي الْمُنَاسبَة من حَيْثُ يَنْفِي مُنَاسبَة الْوَصْف للْحكم لمناسبته لنقيضه إِلَّا أَنه لَا نقصد هَهُنَا بَيَان عدم مُنَاسبَة الْوَصْف للْحكم بل بِنَاء نقيض الحكم عَلَيْهِ فِي أصل آخر فَلَو بَين مناسبته لنقيض الحكم بِلَا أصل كَانَ قدحا فِي الْمُنَاسبَة

ص: 347

وَاعْلَم أَنه إِنَّمَا يعْتَبر الْقدح فِي الْمُنَاسبَة إِذا كَانَ مناسبته للنقيض وللحكم من وَجه وَاحِد وَأما إِن اخْتلف الْوَجْهَانِ فَلَا لِأَن الْوَصْف قد يكون لَهُ جهتان يُنَاسب بِأَحَدِهِمَا الحكم وبالأخرى نقيضه مِثَاله كَون الْمحل مشتهى يُنَاسب إِبَاحَة النِّكَاح لإراحة الخاطر ويناسب التَّحْرِيم لإراحة الطمع وَمِثَال آخر من العرفيات الْملك إِذا ظفر بعدوه فَإِنَّهُ مُنَاسِب لقَتله نفيا لعاديته وللإبقاء عَلَيْهِ وَالرَّدّ إِلَى ولَايَته إِظْهَارًا للقدرة وَعدم المبالاة بِمثلِهِ وَكِلَاهُمَا مِمَّا يَقْصِدهُ الْعُقَلَاء وَقد تلخص مِمَّا ذكرنَا أَن ثُبُوت النقيض مَعَ الْوَصْف نقض فَإِن زيد ثُبُوته بِهِ ففساد الْوَضع وَإِن زيد كَونه بِهِ وبأصل الْمُسْتَدلّ فَقلب وَبِدُون ثُبُوته مَعَه فالمناسبة من جِهَة وَاحِدَة قدح فِيهَا وَمن جِهَتَيْنِ لَا يعْتَبر

رَابِعهَا الْمَنْع وَهُوَ على أَرْبَعَة أضْرب

أَولهَا منع حكم الأَصْل

الثَّانِي منع وجوب الْوَصْف الَّذِي ادّعى الْمُسْتَدلّ أَنه الْعلَّة فِي الأَصْل

الثَّالِث منع كَونه عِلّة فِي الأَصْل

الرَّابِع منع وجوده فِي الْفَرْع

وَمِثَال ذَلِك فِيمَا إِذا قُلْنَا النَّبِيذ مُسكر فَكَانَ حَرَامًا قِيَاسا على الْخمر

فَقَالَ الْمُعْتَرض لَا نسلم تَحْرِيم الْخمر إِمَّا جهلا بالحكم أَو عنادا

فَهَذَا منع حكم الأَصْل وَلَو قَالَ لَا أسلم وجود الْإِسْكَار فِي الْخمر لَكَانَ هَذَا منع وجود الْمُدَّعِي عِلّة فِي الأَصْل وَلَو قَالَ لَا أسلم أَن الْإِسْكَار عِلّة التَّحْرِيم لَكَانَ هَذَا منع علية

ص: 348

الْوَصْف فِي الأَصْل

وَلَو قَالَ لَا أسلم وجود الْإِسْكَار فِي النَّبِيذ لَكَانَ منع وجود الْعلَّة فِي الْفَرْع فَفِي الأَصْل ثَلَاثَة مَمْنُوع وَفِي الْفَرْع منع وَاحِد

وَاعْلَم أَن الْمُسْتَدلّ لَا يَنْقَطِع بِمَنْع حكم الأَصْل على الصَّحِيح وَإِنَّمَا يَنْقَطِع إِذا ظهر عَجزه عَن إثْبَاته بِالدَّلِيلِ

خَامِسهَا التَّقْسِيم هُوَ احْتِمَال لفظ الْمُسْتَدلّ لأمرين فَأكْثر على السوَاء بَعْضهَا مَمْنُوع وَذَلِكَ الْمَمْنُوع هُوَ الَّذِي يحصل بِهِ الْمَقْصُود وَإِلَّا لم يكن للتقسيم معنى فيمنعه إِمَّا من السُّكُوت عَن الآخر لِأَنَّهُ لَا يضرّهُ أَو مَعَ التَّعَرُّض لتسليمه أَو لِأَنَّهُ لَا يضرّهُ وَهَذَا السُّؤَال لَا يخص الأَصْل بل كَمَا يجْرِي فِيهِ يجْرِي فِي جَمِيع الْمُقدمَات الَّتِي تقبل الْمَنْع وَقد منع قوم من قبُول هَذَا السُّؤَال وَهُوَ وَارِد عندنَا وَعند الْأَكْثَر لَكِن بِشَرْط وَهُوَ أَن يكون منعا لما يلْزم الْمُسْتَدلّ بَيَانه

مِثَاله فِي الصَّحِيح الْحَاضِر إِذا فقد المَاء وجد سَبَب وجود التَّيَمُّم وَهُوَ تعذر المَاء فَيجوز التَّيَمُّم فَيَقُول الْمُعْتَرض مَا المُرَاد بتعذر المَاء أردْت أَن تعذر المَاء مُطلقًا سَبَب أَو أَن تعذر المَاء فِي السّفر أَو الْمَرَض سَبَب الأول مَمْنُوع وَحَاصِله أَنه منع بعد تَقْسِيم فَيَأْتِي فِيهِ مَا تقدم فِي صَرِيح الْمَنْع من الأبحاث من كَونه مَقْبُولًا قطعا وَكَيْفِيَّة الْجَواب عَنهُ

مِثَال آخر لَا يشْتَمل على شَرط الْقبُول وَهُوَ أَن يَقُول فِي مَسْأَلَة الْقَتْل الْعمد والعدوان سَبَب الْقصاص فَيَقُول الْمُعْتَرض مَتى هُوَ سَبَب أمع مَانع الالتجاء إِلَى الْحَرَام أَو دونه الأول مَمْنُوع وَإِنَّمَا لم يقبل لِأَن حَاصله أَن الالتجاء إِلَى الْحرم مَانع من الْقصاص فَكَانَ مُطَالبَته بِبَيَان عدم كَونه مَانِعا والمستدل لَا يلْزمه بَيَان عدم الْمَانِع

ص: 349

فَإِن الدَّلِيل مَا لوُجُود النّظر إِلَيْهِ أَفَادَ الظَّن إِنَّمَا بَيَان كَونه مَانِعا على الْمُعْتَرض وَيَكْفِي الْمُسْتَدلّ أَن يَقُول إِن الأَصْل عدم الْمَانِع

وَاشْترط الطوفي وَغَيره لقبُول التَّقْسِيم شُرُوطًا ثَلَاثَة أَحدهَا أَن يكون مَا ذكره الْمُسْتَدلّ مِمَّا يَصح انقسامه إِلَى مَا يجوز مَنعه وتسليمه مِثَاله أَن يَقُول الْمُسْتَدلّ فِي نذر صَوْم النَّحْر أَنه نذر مَعْصِيّة فَلَا ينْعَقد قِيَاسا على سَائِر الْمعاصِي فَيَقُول الْمُعْتَرض هُوَ مَعْصِيّة لعَينه أَو لغيره

الأول مَمْنُوع لِأَن الصَّوْم لعَينه قربَة وَعبادَة فَكيف يكون مَعْصِيّة

وَالثَّانِي مُسلم لَكِن لَا يَقْتَضِي الْبطلَان بِخِلَاف سَائِر الْمعاصِي

ثَانِيهَا أَن يكون التَّقْسِيم حاصرا لجَمِيع الْأَقْسَام الَّتِي يحتملها لفظ الْمُسْتَدلّ كَمَا ذكر من انحصار الْمعْصِيَة فِي كَونهَا لعينها أَو لغَيْرهَا وانحصار الصَّلَاة فِي كَونهَا فرضا أَو نفلا فَإِن لم يكن التَّقْسِيم حاصرا لم يَصح لجَوَاز أَن ينْهض الْقسم الْبَاقِي الْخَارِج عَن الْأَقْسَام الَّتِي ذكرهَا الْمُعْتَرض بغرض الْمُسْتَدلّ وَحِينَئِذٍ يَنْقَطِع الْمُعْتَرض

ومثاله أَن يُقَال الْوتر لَيْسَ بِفَرْض لِأَنَّهُ إِمَّا فرض أَو نفل فَالْأول بَاطِل فَتعين الثَّانِي فَيَقُول الْمُعْتَرض لَا فرض وَلَا نفل بل وَاجِب

ثَالِثهَا أَن لَا يُورد الْمُعْتَرض فِي التَّقْسِيم زِيَادَة على مَا ذكره الْمُسْتَدلّ فِي دَلِيله فَإِن زَاد فِي التَّقْسِيم على مَا ذكره الْمُسْتَدلّ لم يَصح لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يكون مناظرا لنَفسِهِ لَا للمستدل حَيْثُ ذكر مَا لم يذكرهُ الْمُسْتَدلّ وَجعل يتَكَلَّم عَلَيْهِ وَإِنَّمَا وَظِيفَة الْمُعْتَرض هدم مَا بَينه لَا بِنَاء زِيَادَة عَلَيْهِ

ص: 350

مِثَاله أَن يَقُول الْحَنَفِيّ فِي قتل الْحر بِالْعَبدِ قتل عمل عدوان فَأوجب الْقصاص قِيَاسا على الْحر بِالْحرِّ فَيُقَال لَهُ قتل عمد عدوان فِي رَقِيق أَو غير رَقِيق فَهَذَا تَقْسِيم مَرْدُود لِأَن دَلِيل الْمُسْتَدلّ لم يتَعَرَّض للرقيق

سادسها سُؤال الْمُطَالبَة وَهُوَ أَن يطْلب الْمُعْتَرض من الْمُسْتَدلّ الدَّلِيل على أَن الْوَصْف الَّذِي جعله جَامعا بَين الأَصْل وَالْفرع عِلّة وَهُوَ من أعظم الأسئلة العمومية فِي الأقيسة وتشعب مسالكه وَالْمُخْتَار قبُوله وَإِلَّا لَأَدَّى إِلَى التَّمَسُّك بِكُل طرد فَيُؤَدِّي إِلَى اللّعب فيضيع الْقيَاس إِذْ لَا يُفِيد ظنا وَتَكون المناظرة عَبَثا

مِثَاله أَن يَقُول مُسكر فَكَانَ حَرَامًا كَالْخمرِ أَو مَكِيل فَحرم فِيهِ التَّفَاضُل كالبر لم قلت إِن الْإِسْكَار عِلّة التَّحْرِيم وَإِن الْكَيْل عِلّة الرِّبَا وَلم قلت إِن التبديل عِلّة الْقَتْل فِيمَا إِذا قَالَ إِنْسَان بدل دينه فَقتل كَالرّجلِ وَهَذَا النَّوْع يتَضَمَّن تَسْلِيم الحكم لِأَن الْعلَّة فرع الحكم فِي الأَصْل لاستنباطها مِنْهُ وَالْحكم أصل لَهَا فمنازعته الْمُعْتَرض فِي الْفَرْع الَّذِي هُوَ الْعلَّة يشْعر بِتَسْلِيم الأَصْل الَّذِي هُوَ الحكم ويتضمن تَسْلِيم الْوَصْف فِي الْفَرْع وَالْأَصْل لِأَنَّهُ يسْأَل عَن كَونه عِلّة وَذَلِكَ فرع على الْوَصْف فِي نَفسه فِي الأَصْل وَالْفرع إِذْ لَو لم يكن ذَلِك لَكَانَ مَنعه وجود الْوَصْف أولى بِهِ وأجدى عَلَيْهِ

ثمَّ إِن هَذَا النَّوْع ثَالِث المنوع الْمُتَقَدّمَة وَذَلِكَ أَن قَوْلنَا مثلا النَّبِيذ مُسكر فَكَانَ حَرَامًا كَالْخمرِ يرد عَلَيْهِ أَرْبَعَة منوع منع حكم الأَصْل بِأَن يُقَال لَا نسلم تَحْرِيم الْخمر

ثمَّ منع وجود الْوَصْف كَأَن يُقَال فِيهِ لَا نسلم وجود الْإِسْكَار فِيهِ ثمَّ منع كَونه عِلّة بِأَن يُقَال لَا نسلم كَونه عِلّة

ثمَّ منع وجوده فِي الْفَرْع بِأَن يُقَال لَا نسلم وجود الْإِسْكَار فِي النَّبِيذ

ص: 351

وَاعْلَم أَن الْعَادة بَين عُلَمَاء الجدل أَن الْمُعْتَرض يبتدىء بالمنوع على التَّرْتِيب الَّذِي ذَكرْنَاهُ فَلَا ينْقل إِلَى منع إِلَّا وَقد سلم الَّذِي قبله انْقِطَاعًا أَو تنزلا

سابعها النَّقْض وَهُوَ ثُبُوت الْعلَّة وَهِي الْوَصْف فِي صُورَة مَعَ عدم الحكم فِيهَا كَأَن يُقَال فِي النباش سرق نِصَابا كَامِلا من حرز مثله فَيجب عَلَيْهِ الْقطع كسارق مَال الْحَيّ فَيُقَال هَذَا ينْتَقض بالوالد يسرق مَال وَالِده وَصَاحب الدّين يسرق مَال مديونه فَإِن الْوَصْف مَوْجُود فيهمَا وَلَا يقْطَعَانِ وَاخْتلف فِي بطلَان الْعلَّة بِالنَّقْضِ والأرجح عدم الْبطلَان وَيجب احْتِرَاز الْمُسْتَدلّ فِي دَلِيله عَن صُورَة النَّقْض على الْأَصَح كَأَن يَقُول فِي الْمِثَال الْمَذْكُور سرق نِصَابا كَامِلا من حرز مثله وَلَيْسَ أَبَا وَلَا مديونا للمسروق مِنْهُ فَيلْزمهُ الْقطع وَلَا نزاع فِي اسْتِحْبَاب هَذَا الِاحْتِرَاز وَإِنَّمَا النزاع فِي وُجُوبه وَدفعه إِمَّا بِمَنْع وجود الْعلَّة أَو الحكم فِي صورته مِثَال الأول أَن يَقُول الْحَنَفِيّ فِي قتل الْمُسلم بالذمي قتل عمد عدوان فَيجب الْقصاص كَمَا فِي الْمُسلم بِالْمُسلمِ فَيُقَال لَهُ ينْتَقض بقتل الْمعَاهد فَإِنَّهُ قتل عمد عدوان وَلَا يقتل بِهِ الْمُسلم فَيَقُول لَا أسلم أَنه عدوان فيندفع النقيض بذلك إِن ثَبت لَهُ

وَمِثَال الثَّانِي أَن يُقَال فِي الْمِثَال الْمَذْكُور لَا أسلم الحكم فِي الْمعَاهد فَإِن عِنْدِي يجب الْقصاص بقتْله وَيَكْفِي الْمُسْتَدلّ قَوْله لَا أعرف الرِّوَايَة فِيهَا وَلَيْسَ للمعترض أَن يدل على ثُبُوت الْعلَّة أَو الحكم إِذا منعهما الْمُسْتَدلّ فِي صُورَة النَّقْض لِأَنَّهُ انْتِقَال عَن مَحل النّظر وغصب لمنصب الْمُسْتَدلّ حَيْثُ يَنْقَلِب الْمُعْتَرض مستدلا

ص: 352

وَلَيْسَ لَهُ أَيْضا أَن يبين فِي صُورَة النَّقْض وجود مَانع أَو انْتِفَاء شَرط تخلف الحكم لأَجله فِي صُورَة النَّقْض كَمَا إِذا أورد الْمُعْتَرض قتل الْوَالِد وَلَده على عِلّة الْقَتْل الْعمد الْعدوان فَقَالَ الْمُسْتَدلّ تخلف الحكم لمَانع الْأُبُوَّة

وَمِثَال انْتِفَاء الشَّرْط مَا إِذا قَالَ الْمُسْتَدلّ سرق نِصَابا كَامِلا وَلَا شُبْهَة لَهُ فِيهِ فَقطع فأورد الْمُعْتَرض السّرقَة من غير حرز فَقَالَ الْمُسْتَدلّ لانْتِفَاء شَرط وَهُوَ الْحِرْز وَيسمع من الْمُعْتَرض نقض أصل خَصمه فَيلْزمهُ الْعذر عَنهُ لَا أصل نَفسه نَحْو هَذَا الْوَصْف لَا يطرد على أُصَلِّي فَكيف يلْزَمنِي كَمَا إِذا قَالَ الْحَنَفِيّ فِي قتل الْمُسلم بالذمي إِنَّه قتل عمد عدوان يُوجب الْقصاص قِيَاسا على الْمُسلم بِالْمُسلمِ فَيَقُول الْحَنْبَلِيّ هَذَا ينْتَقض على أصلك بِمَا إِذا قَتله بالمثقل فَإِن الْأَوْصَاف مَوْجُودَة وَالْقصاص مُنْتَفٍ عنْدك فَلهُ أَن يعْتَذر عَنهُ بِأَدْنَى عذر يَلِيق بمذهبه وَلَا يعْتَرض عَلَيْهِ فِيهِ لِأَنَّهُ أعرف بمأخذه كَأَن يَقُول لَيْسَ ذَلِك قتلا وَلَيْسَ عمدا أَو مَا شَاءَ من كَلَامهم وَإِن كَانَ النَّقْض مُتَوَجها من الْمُعْتَرض إِلَى أصل نَفسه لم يقْدَح فِي عِلّة الْمُسْتَدلّ وَلم يلْزمه الْعذر عَنهُ وَذَلِكَ كَمَا إِذا قَالَ الْحَنْبَلِيّ لَا يقتل الْمُسلم بالذمي لِأَنَّهُ كَافِر وَلَا يقتل بِهِ الْمُسلم قِيَاسا على الْحَرْبِيّ فَقَالَ الْحَنَفِيّ هَذَا الْوَصْف لَا يطرد على أُصَلِّي إِذْ هُوَ بَاطِل بالمعاهد فَإِنَّهُ كَافِر وَيقتل بِهِ الْمُسلم عِنْدِي وَإِذا كَانَ وصفك أَيهَا الْمُسْتَدلّ غير مطرد عِنْدِي فَكيف يلْزَمنِي فَهَذَا لَا يسمع مِنْهُ على الصَّحِيح

وَمن الْأَجْوِبَة عَن النَّقْض أَن يبين الْمُسْتَدلّ أَن صُورَة النَّقْض وَارِدَة على مذْهبه وَمذهب خَصمه كَمَا إِذا قَالَ الْمُسْتَدلّ مَكِيل فَحرم فِيهِ التَّفَاضُل فأورد الْمُعْتَرض الْعَرَايَا إِذْ هِيَ مَكِيل وَقد جَازَ فِيهِ

ص: 353

التَّفَاضُل بَينه وَبَين الثَّمر الْمَبِيع بِهِ على وَجه الأَرْض فَيَقُول الْمُسْتَدلّ هَذَا وَارِد عَليّ وَعَلَيْك جَمِيعًا فَلَيْسَ بطلَان مذهبي بِهِ أولى من بطلَان مذهبك وَإِذا نقض الْمُعْتَرض عِلّة الْمُسْتَدلّ بِصُورَة فَأجَاب الْمُسْتَدلّ عَن ذَلِك بِأحد الْأَجْوِبَة الْمُتَقَدّمَة إِمَّا منع الْعلَّة أَو الحكم فِي صُورَة النَّقْض أَو يُورد النَّقْض على المذهبين أَو غير ذَلِك فَقَالَ الْمُعْتَرض الدَّلِيل الَّذِي دلّ على أَن وصفك الَّذِي عللت بِهِ فِي مَحل النزاع عِلّة مَوْجُودَة فِي صُورَة النَّقْض فيلزمك الْإِقْرَار بِثُبُوت الحكم فِيهَا عملا بِوُجُود الْوَصْف الْمُقْتَضى لَهُ لكنك لم تقل بِهِ فيلزمك النَّقْض

ومثاله قَول الْحَنَفِيّ فِي قتل الْمُسلم بالذمي قتل عمد عدوان فَأوجب الْقصاص كَقَتل الْمُسلم فَيَقُول الْحَنْبَلِيّ لَا أسلم أَن قتل الذِّمِّيّ عدوان فَيَقُول الْحَنَفِيّ الدَّلِيل عَلَيْهِ أَنه مَعْصُوم بِعَهْد الْإِسْلَام فَيَقُول الْمُعْتَرض دَلِيل العدوانية فِي قتل الذِّمِّيّ مَوْجُود فِي قتل الْمعَاهد فَلْيَكُن عُدْوانًا يجب بِهِ الْقصاص على الْمُسلم فَهَذَا نقض لدَلِيل الْعلَّة لَا لنَفس الْعلَّة فَلَا يسمع لِأَنَّهُ انْتِقَال وَيَكْفِي الْمُسْتَدلّ فِي رده أدنى دَلِيل يَلِيق بِأَصْلِهِ كَأَن يَقُول إِنَّمَا لم أحكم بالعدوانية فِي الْمِثَال الْمُتَقَدّم لمعارض لي فِي مذهبي وَهُوَ أَن الْحَرْبِيّ الْمعَاهد مفوت للْعهد فالمقتضي لانْتِفَاء الْقصاص فِيهِ قوي مُوَافق للْأَصْل والمقتضي لإثباته ضَعِيف بِخِلَاف الذِّمِّيّ فَإِن الْمُقْتَضِي لقتل الْمُسلم بِهِ قوي لنابذ عَهده وذمته فَصَارَ كَالْمُسلمِ أَو غير ذَلِك من الْأَعْذَار

ثامنها الْكسر وَهُوَ نقض الْمَعْنى وَحَاصِله وجود الْمَعْنى فِي صُورَة مَعَ عدم الحكم فِيهِ

ص: 354

مِثَاله قَول الْحَنَفِيّ فِي العَاصِي بِسَفَرِهِ يترخص لِأَنَّهُ مُسَافر فيترخص كالمسافر سفرا مُبَاحا فَإِذا قيل لَهُ لم قلت إِنَّه يترخص قَالَ لِأَنَّهُ يجد مشقة فِي سَفَره فَنَاسَبَ التَّرَخُّص وَقد شهد لَهُ الأَصْل الْمَذْكُور بِالِاعْتِبَارِ فَيَقُول هَذَا ينكسر المكاري والفيج وَنَحْوهمَا مِمَّن دأبه السّفر يجد الْمَشَقَّة وَلَا يترخص وَحكم الْكسر أَنه غير وَارِد نقضا على الْعلَّة على الصَّحِيح عِنْد الْأُصُولِيِّينَ

تاسعها الْقلب وَهُوَ تَعْلِيق نقيض حكم الْمُسْتَدلّ على علته بِعَينهَا وَهُوَ أَنْوَاع أَولهَا أَن يكون مَقْصُود الْمُعْتَرض بقلب الدَّلِيل تَصْحِيح مَذْهَب نَفسه بِأَن يَقُول الْحَنَفِيّ فِي اشْتِرَاط الصَّوْم للاعتكاف الِاعْتِكَاف لبث مَحْض فَلَا يكون بِمُجَرَّدِهِ قربَة كالوقوف بِعَرَفَة فَيَقُول الْمُعْتَرض الشَّافِعِي أَو الْحَنْبَلِيّ الِاعْتِكَاف لبث مَحْض فَلَا يعْتَبر الصَّوْم فِي كَونه قربَة كالوقوف بِعَرَفَة فَكَمَا أَن الْوُقُوف الْمَذْكُور لَا يشْتَرط لصِحَّته الصَّوْم فَكَذَلِك الِاعْتِكَاف وَهَذَا النَّوْع لَا تعرض فِيهِ لإبطال مَذْهَب الْغَيْر

ثَانِيهَا قلب لإبطال مَذْهَب خَصمه من غير تعرض لتصحيح مَذْهَب نَفسه سَوَاء كَانَ الْإِبْطَال صَرِيحًا بِأَن يَقُول الرَّأْس مَمْسُوح فَلَا يجب استيعابه كالخف فَيَقُول الْمُعْتَرض دليلك هَذَا يَقْتَضِي أَن لَا يتَقَدَّر مسح الرَّأْس بِالربعِ كالخف فَفِي هَذَا الِاعْتِرَاض نفي مَذْهَب الْمُسْتَدلّ صَرِيحًا وَلم يثبت مذْهبه لاحْتِمَال أَن يكون الْحق فِي غير ذَلِك وَهُوَ الِاسْتِيعَاب كَمَا هُوَ قَول أَحْمد وَمَالك أَو كَانَ الْإِبْطَال بطرِيق الِالْتِزَام بِأَن يَقُول الْحَنَفِيّ فِي بيع الْغَائِب مثلا عقد مُعَاوضَة فَينْعَقد مَعَ جهل الْعِوَض أَو مَعَ الْجَهْل بالمعوض كَالنِّكَاحِ فَإِنَّهُ يَصح مَعَ جهل الزَّوْج بِصُورَة الزَّوْجَة وَكَونه

ص: 355

لم يرهَا فَكَذَلِك فِي البيع بِجَامِع كَونهمَا عقد مُعَاوضَة فَيَقُول الْخصم هَذَا الدَّلِيل يَنْقَلِب بِأَن يُقَال عقد مُعَاوضَة فَلَا يعْتَبر فِيهِ خِيَار الرُّؤْيَة كَالنِّكَاحِ فَإِن الزَّوْج إِذا رأى الزَّوْجَة وَلم تعجبه لم يجز لَهُ فسخ النِّكَاح فَكَذَلِك المُشْتَرِي لَا يكون خِيَار إِذا رأى الْمَبِيع فِي بيع الْغَائِب بِمُقْتَضى الْجَامِع الْمَذْكُور فالمستدل لم يُصَرح هَهُنَا بطلَان مَذْهَب الْمُسْتَدلّ لكنه دلّ على بُطْلَانه بِبُطْلَان لَازمه لِأَن ثُبُوت خِيَار الرُّؤْيَة لَازم لصِحَّة بيع الْغَائِب عِنْدهم وَحَيْثُ كَانَ الْأَمر كَذَلِك فَإِذا انْتَفَى اللَّازِم انْتَفَى الْمَلْزُوم

ثَالِثهَا قلب الْمُسَاوَاة كَقَوْل الْمُسْتَدلّ الْخلّ مَائِع طَاهِر مزيل للخبث كَالْمَاءِ فَيَقُول الْمُعْتَرض حِينَئِذٍ يَسْتَوِي فِيهِ الْحَدث والخبث

رَابِعهَا جعل الْمَعْلُول عِلّة وَالْعلَّة معلولا من غير إِفْسَاد لَهَا كَقَوْل أَصْحَابنَا فِي ظِهَار الذِّمِّيّ من صَحَّ طَلَاقه صَحَّ ظِهَاره وَعَكسه فَالسَّابِق مِنْهُمَا عِلّة للثَّانِي فَيَقُول الْحَنَفِيّ اجْعَل الْمَعْلُول عِلّة وَالْعلَّة معلولا

خَامِسهَا قلب الاستبعاد مِثَاله لَو ادّعى اللَّقِيط اثْنَان فَأكْثر للبينة وَلم تُوجد قافة وَقُلْنَا إِنَّه يتْرك حَتَّى يبلغ فينتسب إِلَى من شَاءَ مِمَّن ادَّعَاهُ فيعترض بِأَن يُقَال تحكيم الْوَلَد فِي النّسَب تحكم بِلَا دَلِيل فَيُقَال تحكيم الْقَائِف أَيْضا تحكم بِلَا دَلِيل

سادسها قلب الدَّلِيل على وَجه يكون مَا ذكره الْمُسْتَدلّ يدل عَلَيْهِ لَا لَهُ كَأَن يسْتَدلّ بِحَدِيث الْخَال وَارِث من لَا وَارِث لَهُ

ص: 356

فَيُقَال يدل على أَنه لَا يَرث بطرِيق أبلغ لِأَنَّهُ نفي عَام مثل الْجُوع زَاد لَهُ من لَا زَاد وَالصَّبْر حِيلَة من لَا حِيلَة لَهُ وَلَيْسَ الْجُوع زادا وَلَا الصَّبْر حِيلَة

عَاشرهَا الْمُعَارضَة وَهِي على قسمَيْنِ مُعَارضَة فِي الأَصْل ومعارضة فِي الْفَرْع

أما الأولى فَهِيَ أَن يُبْدِي الْمُعْتَرض معنى آخر يصلح للعلية مُسْتقِلّا أَو غير مُسْتَقل بل جُزْءا

أما المستقل فَيحْتَمل أَن يكون عِلّة مُسْتَقلَّة دون الأول وَأَن يكون جُزْء عِلّة فَهُوَ مَعَ الأول عِلّة مُسْتَقلَّة وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ فَلَا يحصل الحكم بِالْأولِ وَحده

مِثَاله أَن يُعلل حُرْمَة الرِّبَا بالطعم فيعارضه بالقوت أَو بِالْكَيْلِ وَأما غير المستقلة فَيحْتَمل أَن يكون جُزْء الْعلَّة فينفي اسْتِقْلَال الأول

مِثَاله أَن يُعلل الْقصاص فِي المحدد بِكَوْنِهِ قتلا عمدا عُدْوانًا فيعارضه بِكَوْنِهِ بالجارح فَإِنَّهُ لما جَازَ أَن تكون الْعلَّة الْأَوْصَاف الْمَذْكُورَة مَعَ قيد كَونه بالجارح لم يَتَعَدَّ إِلَى المثقل وَالْحق أَن هَذِه الْمُعَارضَة مَقْبُولَة وَهل يلْزم الْمُعْتَرض بَيَان أَن الْوَصْف الَّذِي أبديته مُنْتَفٍ فِي الْفَرْع أَولا وَالْمُخْتَار أَنه إِن تعرض لعدمه فِي الْفَرْع صَرِيحًا لزمَه بَيَانه وَإِلَّا فَلَا

وَجَوَاب الْمُعَارضَة من وُجُوه مِنْهَا منع وجود الْوَصْف مثل أَن يُعَارض الْقُوت بِالْكَيْلِ

ص: 357

فَيَقُول لَا نسلم أَنه مَكِيل لِأَن الْعبْرَة بعادة زمن الرَّسُول صلى الله عليه وسلم وَكَانَ حِينَئِذٍ مَوْزُونا

وَمِنْهَا المطالب بِكَوْن وصف الْمعَارض مؤثرا بِأَن يُقَال وَلم قلت إِن الْكَيْل مُؤثر وَهَذَا إِنَّمَا يسمع من الْمُسْتَدلّ إِذا كَانَ مثبتا لِلْعِلَّةِ بالمناسبة أَو الشّبَه حَتَّى يحْتَاج الْمعَارض فِي معارضته إِلَى بَيَان مُنَاسبَة أَو شبه بِخِلَاف مَا إِذا أثْبته بالسبر فَإِن الْوَصْف يدْخل فِي السبر بِدُونِ ثُبُوت الْمُنَاسبَة بِمُجَرَّد الِاحْتِمَال

وَمِنْهَا بَيَان خفائه

وَمِنْهَا عدم انضباطه

وَمِنْهَا منع ظُهُوره

وَمِنْهَا منع انضباطه

وَمِنْهَا بَيَان أَن الْوَصْف عدم معَارض فِي الْفَرْع مِثَاله أَن يقيس الْمُكْره على الْمُخْتَار فِي الْقصاص بِجَامِع الْقَتْل فَيَقُول الْمُعْتَرض معَارض بالطواعية فَإِن الْعلَّة هِيَ الْقَتْل مَعَ الطواعية فيجيب الْمُسْتَدلّ بِأَن الطواعية عدم الْإِكْرَاه الْمُنَاسب لنقيض الحكم وَهُوَ عدم الْقصاص فحاصله عدم معَارض وَعدم الْمعَارض طرد لَا يصلح للتَّعْلِيل لِأَنَّهُ لَيْسَ من الْبَاعِث فِي شَيْء

وَمِنْهَا أَن يبين كَون وصف الْمعَارض ملغي إِذْ قد تبين اسْتِقْلَال الْبَاقِي بالعلية فِي صُورَة مَا بِظَاهِر نَص أَو إِجْمَاع

مِثَاله إِذا عَارض فِي الرِّبَا الطّعْم بِالْكَيْلِ فيجيب بِأَن النَّص دلّ على اعْتِبَار الطّعْم فِي صُورَة مَا وَهُوَ قَوْله لَا تَبِيعُوا الطَّعَام

ص: 358

بِالطَّعَامِ إِلَّا سَوَاء بِسَوَاء هَذَا إِذا لم يتَعَرَّض للتعميم فَلَو عمم وَقَالَ فَثَبت ربوية كل مطعوم لم يسمع لِأَن ذَلِك إِثْبَات للْحكم دون الْقيَاس لَا تتميم الْقيَاس بالإلغاء وَالْمَقْصُود ذَلِك وَلَا يَكْفِي إِثْبَات الحكم فِي صُورَة دون وصف الْمعَارض وَذَلِكَ لجَوَاز وجود عِلّة أُخْرَى وَلأَجل ذَلِك لَو أبدى فِي صُورَة عدم وصف الْمُعَارضَة وَصفا آخر يخلفه لِئَلَّا يكون الْبَاقِي مُسْتقِلّا وَيُسمى تعدد الْوَضع لتَعَدد أَصْلهَا

مِثَاله أَن يُقَال فِي مَسْأَلَة أَمَان العَبْد للحربي أَمَان من مُسلم عَاقل فَيقبل كَالْحرِّ لِأَنَّهُمَا مظنتان لإِظْهَار مصَالح الْإِيمَان فيعترض بِالْحُرِّيَّةِ فَإِنَّهَا مَظَنَّة الْفَرَاغ للنَّظَر فَيكون أكمل فيلغيها بالمأذون لَهُ فِي الْقِتَال فَيَقُول خلف الْأذن الْحُرِّيَّة فَإِنَّهَا مَظَنَّة لبذل الوسع أَو لعلم السَّيِّد بصلاحيته

وَجَوَابه الإلغاء إِلَى أَن يقف أَحدهمَا وَلَا يُفِيد الإلغاء إِذا كَانَ الْمَعْنى ضَعِيفا إِذا سلم وجود المظنة المتضمنة لذَلِك الْمَعْنى

مِثَاله أَن يَقُول الرِّدَّة عِلّة الْقَتْل فَيَقُول الْمُعْتَرض بل مَعَ الرجولية لِأَنَّهُ مَظَنَّة الْإِقْدَام على قتال الْمُسلمين إِذْ يعْتَاد ذَلِك من الرِّجَال دون النِّسَاء فيجيب الْمُسْتَدلّ بِأَن الرجولية وَكَونهَا مَظَنَّة الْإِقْدَام لَا تعْتَبر والألم يقتل مَقْطُوع الْيَدَيْنِ لِأَن احْتِمَال الْإِقْدَام فِيهِ ضَعِيف بل أَضْعَف من احْتِمَاله فِي النِّسَاء وَهَذَا لَا يقبل مِنْهُ حَيْثُ سلم أَن الرجولية مَظَنَّة اعتبرها الشَّارِع وَذَلِكَ كترفه الْملك فِي السّفر لَا يمْنَع رخص السّفر فِي حَقه لقلَّة الْمَشَقَّة إِذْ الْمُعْتَبر المظنة

ص: 359