المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌شذرة في بيان طريقة الأصحاب في فهم كلام الإمام أحمد وطريق تصرفهم في الروايات عنه - المدخل إلى مذهب الإمام أحمد لابن بدران

[ابن بدران]

فهرس الكتاب

- ‌العقد الأول

- ‌رَوْضَة فِي كَلِمَات للْإِمَام فِي مسَائِل من أصُول الدّين

- ‌شذرة أَيْضا فِي كَلَامه فِي الْأُصُول

- ‌العقد الثَّانِي

- ‌فِي السَّبَب الَّذِي لأَجله اخْتَار كثير من كبار الْعلمَاء مَذْهَب الإِمَام أَحْمد على مَذْهَب غَيره

- ‌العقد الثَّالِث

- ‌فِي ذكر أصُول مذْهبه فِي استنباط الْفُرُوع وَبَيَان طَرِيقَته فِي ذَلِك

- ‌العقد الرَّابِع

- ‌فِي مسالك كبار أَصْحَابه فِي تَرْتِيب مذْهبه واستنباطه من فتياه وَالرِّوَايَات عَنهُ وتصرفهم فِي ذَلِك الْإِرْث المحمدي الأحمدي

- ‌شذرة فِي بَيَان طَريقَة الْأَصْحَاب فِي فهم كَلَام الإِمَام أَحْمد وَطَرِيق تصرفهم فِي الرِّوَايَات عَنهُ

- ‌فصل

- ‌فصل أَرَاك أَيهَا النَّاظر قد علمت عَمَّا رقمناه آنِفا

- ‌فصل

- ‌فصل فِي قَول الشَّافِعِي رضي الله عنه إِذا وجدْتُم فِي كتابي خلاف سنة

- ‌العقد الْخَامِس

- ‌فِي الْأُصُول الْفِقْهِيَّة الَّتِي دونهَا الْأَصْحَاب

- ‌مُقَدّمَة

- ‌بسط هَذَا الْإِجْمَال

- ‌فصل فِي التَّكْلِيف

- ‌فصل فِي أَحْكَام التَّكْلِيف

- ‌فصل فِي مَسْأَلَة مَا لَا يتم الْوَاجِب إِلَّا بِهِ

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌تَتِمَّة

- ‌فَائِدَة

- ‌تَنْبِيه

- ‌فصل فِي خطاب الْوَضع

- ‌تَنْبِيه

- ‌فَائِدَة

- ‌فصل فِي اللُّغَات

- ‌فصل اعْلَم أَن الْأَسْمَاء على أَرْبَعَة أضْرب

- ‌فصل فِي الْأُصُول

- ‌الْكتاب الْعَزِيز الَّذِي هُوَ أصل الْأُصُول

- ‌فصل فِي شذرات من مبَاحث السّنة

- ‌تَتِمَّة

- ‌بَاب النّسخ

- ‌تَنْبِيه

- ‌فَائِدَتَانِ

- ‌الْأَوَامِر والنواهي

- ‌فصل وَأما النَّهْي

- ‌فَوَائِد

- ‌الْعُمُوم وَالْخُصُوص

- ‌تَنْبِيه

- ‌فصل

- ‌خَاتِمَة

- ‌فصل

- ‌فصل فِي الْمُطلق والمقيد

- ‌فصل الْمُجْمل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي الْمَنْطُوق وَالْمَفْهُوم

- ‌الأَصْل الثَّالِث الْإِجْمَاع

- ‌الأَصْل الرَّابِع من الْأُصُول الْمُتَّفق عَلَيْهَا اسْتِصْحَاب الْحَال

- ‌الْأُصُول الْمُخْتَلف فِيهَا

- ‌الأَصْل الْخَامِس الْقيَاس

- ‌فصل

- ‌فصل فِي شَرَائِط أَرْكَان الْقيَاس ومصححاتها

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي الأسئلة الْوَارِدَة على الْقيَاس

- ‌فصل

- ‌عقد نضيد فِي الِاجْتِهَاد والتقليد

- ‌تَنْبِيه

- ‌فصل

- ‌تَنْبِيه

- ‌فصل

- ‌عقد نَفِيس فِي تَرْتِيب الْأَدِلَّة وَالتَّرْجِيح

- ‌فصل

- ‌تَنْبِيه

- ‌العقد السَّادِس

- ‌فِيمَا اصْطلحَ عَلَيْهِ المؤلفون فِي فقه الإِمَام أَحْمد مِمَّا يحْتَاج إِلَيْهِ الْمُبْتَدِي وأبرز الْأَسْمَاء الَّتِي تذكر فِي مصنفاتهم

- ‌العقد السَّابِع

- ‌فِي ذكر الْكتب الْمَشْهُورَة فِي الْمَذْهَب وَبَيَان طَريقَة بَعْضهَا وَمَا عَلَيْهِ من التعليقات والحواشي حسب الْإِمْكَان

- ‌الْمُغنِي ومختصرالخرقي

- ‌الْمُسْتَوْعب

- ‌الْكَافِي

- ‌الْعُمْدَة

- ‌مُخْتَصر ابْن تَمِيم

- ‌رُؤُوس الْمسَائِل

- ‌الْهِدَايَة

- ‌التَّذْكِرَة

- ‌الْمُحَرر

- ‌الْمقنع

- ‌الْفُرُوع

- ‌مغنى ذَوي الأفهام عَن الْكتب الْكَثِيرَة فِي الْأَحْكَام

- ‌مُنْتَهى الإرادات فِي جمع الْمقنع مَعَ التَّنْقِيح وزيادات

- ‌الْإِقْنَاع لطَالب الِانْتِفَاع

- ‌دَلِيل الطَّالِب

- ‌غَايَة الْمُنْتَهى

- ‌عُمْدَة الرَّاغِب

- ‌كَافِي الْمُبْتَدِي وأخصر المختصرات ومختصر الإفادات

- ‌الرعايتان

- ‌مُخْتَصر الشَّرْح الْكَبِير والإنصاف

- ‌العقد الثَّامِن

- ‌فِي أَقسَام الْفِقْه عِنْد أَصْحَابنَا وَمَا ألف فِي هَذَا النَّوْع وَفِي هَذَا العقد دُرَر

- ‌فصل وَأما مَا اتَّصل بِنَا خَبره من كتب التَّفْسِير لِأَصْحَابِنَا

- ‌فصل

- ‌فرائد فَوَائِد

- ‌لطائف قَوَاعِد

- ‌رد الْعَجز على الصَّدْر

الفصل: ‌شذرة في بيان طريقة الأصحاب في فهم كلام الإمام أحمد وطريق تصرفهم في الروايات عنه

‌شذرة فِي بَيَان طَريقَة الْأَصْحَاب فِي فهم كَلَام الإِمَام أَحْمد وَطَرِيق تصرفهم فِي الرِّوَايَات عَنهُ

أَظُنك أَيهَا السَّامع لما علمت أَن فَتَاوَى الإِمَام أَحْمد كَانَت هِيَ وفتاوى الصَّحَابَة كَأَنَّهَا تخرج من مشكاة وَاحِدَة حَتَّى إِن الصَّحَابَة إِذا اخْتلفُوا على قَوْلَيْنِ جَاءَ عَنهُ فِي الْمَسْأَلَة رِوَايَتَانِ وَقد يكون لَهُ فِي الْمَسْأَلَة الْوَاحِدَة رِوَايَات ثمَّ إِنَّك تنظر فِي كتب الْأَصْحَاب فتجد غالبها مَبْنِيا على قَول وَاحِد وَرِوَايَة وَاحِدَة أخذك الشوق إِلَى أَن تعلم كَيفَ كَانَ تصرف الْأَصْحَاب فِي ذَلِك وَمَا هِيَ طَريقَة المرجحين لإحدى الرِّوَايَات على الْأُخْرَى وَكَيف كَانَت طريقتهم فِي الْمسَائِل الَّتِي لَيْسَ فِيهَا رِوَايَة عَن الإِمَام فَإِذا سما بك الشوق إِلَى هَذَا فاستمع لما أتلو عَلَيْك لتتجلى لَك الْحَقَائِق ولتكون من أَمرك على يَقِين

لَا يخفاك أَن الْأَصْحَاب أخذُوا مَذْهَب أَحْمد من أَقْوَاله وأفعاله وأجوبته وَغير ذَلِك فَكَانُوا إِذا وجدوا عَن الإِمَام فِي مَسْأَلَة قَوْلَيْنِ عدلوا أَولا إِلَى الْجمع بَينهمَا بطريقة من طرق الْأُصُول إِمَّا يحمل عَام على خَاص أَو مُطلق على مُقَيّد فَإِذا أمكن ذَلِك كَانَ الْقَوْلَانِ مذْهبه وَإِن تعذر الْجمع بَينهمَا وَعلم التَّارِيخ فَاخْتلف الْأَصْحَاب فَقَالَ قوم الثَّانِي مَذْهَب وَقَالَ آخَرُونَ الثَّانِي وَالْأول وَقَالَت طَائِفَة الأول وَلَو رَجَعَ عَنهُ

وَصَحَّ القَوْل الأول الشَّيْخ عَلَاء الدّين المرداوي فِي كِتَابه تَصْحِيح الْفُرُوع وَتبع غَيره فِي ذَلِك فَإِن جهل

ص: 126

التَّارِيخ فمذهب أقرب الْأَقْوَال من الْأَدِلَّة أَو قَوَاعِد مذْهبه ويخص عَام كَلَامه بِخَاصَّة فِي مَسْأَلَة وَاحِدَة

قَالَ ابْن مُفْلِح فِي الْأَصَح والمقيس على كَلَامه مذْهبه فِي الْأَشْهر فَإِن أفتى فِي مَسْأَلَتَيْنِ متشابهتين بحكمين مُخْتَلفين فِي وَقْتَيْنِ قَالَ بَعضهم وَبعد الزَّمن فَفِي جَوَاز النَّقْل والتخريج وَلَا مَانع وَجْهَان وَقَوله لَا يَنْبَغِي وَلَا يصلح أَو استقبحه أَو هُوَ قَبِيح أَو لَا أرَاهُ يحملهُ الْأَصْحَاب على التَّحْرِيم قَالَه ابْن مُفْلِح فِي فروعه ثمَّ قَالَ وَقد ذكرُوا أَنه يسْتَحبّ فِرَاق غير القفيفة وَاحْتَجُّوا بقول أَحْمد لَا يَنْبَغِي أَن يمْسِكهَا وَسَأَلَهُ أَبُو طَالب عَن الرجل يُصَلِّي إِلَى الْقَبْر وَالْحمام والحوش فَقَالَ لَا يَنْبَغِي أَن يكون لَا يُصَلِّي إِلَيْهِ قَالَ أَبُو طَالب قلت فَإِن كَانَ قَالَ يجْزِيه وَنقل عَنهُ أَبُو طَالب فِيمَن يقْرَأ فِي الْأَرْبَع كلهَا بِالْحَمْد وَسورَة أَنه قَالَ لَا يَنْبَغِي أَن يفعل وَقَالَ فِي رِوَايَة الْحُسَيْن بن حسان فِي الإِمَام يقصر فِي الأولى وَيطول فِي الثَّانِيَة لَا يَنْبَغِي هَذَا قَالَ القَاضِي أَبُو يعلى كره ذَلِك لمُخَالفَة السّنة انْتهى

هَذَا يدل على أَنه لَيْسَ جَمِيع الْأَصْحَاب يحملون قَول الإِمَام لَا يَنْبَغِي وَنَحْوه على التَّحْرِيم بل فِي ذَلِك الْحمل خلاف فَإِن بَعضهم حمل قَوْله لَا يَنْبَغِي فِي مَوَاضِع من كَلَامه على الْكَرَاهَة كَمَا رَأَيْته آنِفا وَقدم فِي الرِّعَايَة أَن قَوْله لَا يَنْبَغِي يحمل على الْكَرَاهَة وَقَوله أكره أَو لَا يُعجبنِي أَو لَا أحبه أَو لَا أستحسنه للنَّدْب وَاخْتَارَ هَذَا المسلك شيخ الْإِسْلَام أَحْمد بن تَيْمِية الْحَرَّانِي وَجعل غَيرهمَا فِي ذَلِك وَجْهَان وَجعلُوا قَوْله للسَّائِل يفعل كَذَا احْتِيَاطًا للْوُجُوب قدمه فِي الرِّعَايَة وَالْحَاوِي الْكَبِير

ص: 127

وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الْكَبِير وآداب المستفتي الأولى النّظر إِلَى الْقَرَائِن فِي الْكل فَإِن دلّت على وجوب أَو ندب أَو تَحْرِيم أَو كَرَاهَة أَو إِبَاحَة حمل قَوْله عَلَيْهِ سَوَاء تقدّمت أَو تَأَخَّرت أَو توسطت قَالَ فِي تَصْحِيح الْفُرُوع وَهُوَ الصَّوَاب وَكَلَام أَحْمد يدل على ذَلِك انْتهى

وَقَالَ الإِمَام ابْن الْقيم فِي كِتَابه أَعْلَام الموقعين قد غلط كثير من الْمُتَأَخِّرين من أَتبَاع الْأَئِمَّة على أئمتهم حَيْثُ تورع الْأَئِمَّة من إِطْلَاق لفظ التَّحْرِيم وأطلقوا لفظ الْكَرَاهَة فنفى الْمُتَأَخّرُونَ التَّحْرِيم عَمَّا أطلق عَلَيْهِ الْأَئِمَّة الْكَرَاهَة ثمَّ سهل عَلَيْهِم لفظ الْكَرَاهَة وَخفت مُؤْنَته عَلَيْهِم فَحَمله بَعضهم على التَّنْزِيه وَتجَاوز بِهِ آخَرُونَ إِلَى كَرَاهَة ترك الأولى وَهَذَا كثير جدا فِي تصرفاتهم فَحصل بِسَبَبِهِ غلط عَظِيم على الشَّرِيعَة وعَلى الْأَئِمَّة

وَقد قَالَ الإِمَام أَحْمد فِي الْجمع بَين الْأُخْتَيْنِ بِملك الْيَمين أكرهه وَلَا أَقُول هُوَ حرَام ومذهبه تَحْرِيمه وَإِنَّمَا تورع عَن إِطْلَاق لفظ التَّحْرِيم لأجل قَول عُثْمَان يَعْنِي بِجَوَازِهِ

وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم الْخرقِيّ فِيمَا نَقله عَن الإِمَام أَحْمد وَيكرهُ أَن يتَوَضَّأ فِي آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة ومذهبه أَنه لَا يجوز

وَقَالَ فِي رِوَايَة أبي دَاوُد يسْتَحبّ أَن لَا يدْخل الْحمام إِلَّا بمئزر وَهَذَا اسْتِحْبَاب وجوب وَقَالَ فِي رِوَايَة إِسْحَاق بن مَنْصُور إِذا كَانَ أَكثر مَال الرجل حَرَامًا فَلَا يُعجبنِي أَن يُؤْكَل مَاله وَهَذَا على سَبِيل التَّحْرِيم

ص: 128

ثمَّ إِن ابْن الْقيم أَطَالَ النَّفس فِي هَذَا الْمَوْضُوع فَنقل رِوَايَات كَثِيرَة عَن الإِمَام أَحْمد جَاءَت بِلَفْظ الْكَرَاهَة وَالْمَقْصُود التَّحْرِيم ثمَّ حُكيَ عَن مُحَمَّد بن الْحسن أَنه قَالَ إِن كل مَكْرُوه فَهُوَ حرَام إِلَّا أَنه لما لم يجد فِيهِ نصا قَاطعا لم يُطلق عَلَيْهِ لفظ الْحَرَام

وروى مُحَمَّد أَيْضا عَن أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف أَنه إِلَى الْحَرَام أقرب انْتهى

قلت وَمرَاده بذلك مَا وَقع فِي كَلَام الْأَئِمَّة من أَن هَذَا مَكْرُوه لَا بِالنّظرِ إِلَى مَا اصْطَلحُوا عَلَيْهِ من بعدهمْ من التقسيمات الَّتِي يذكرونها فِي كتب الْأُصُول وَالْفُرُوع فَإِن هَذَا اصْطِلَاح حَادث لَا ينزل عَلَيْهِ كَلَام الْأَئِمَّة

وَأما الْمَالِكِيَّة فقد حملُوا قَول مَالك أكره كَذَا وَشبهه على جعله مرتبَة متوسطة بَين الْحَرَام والمباح وَلَا يطلقون عَلَيْهِ اسْم الْجَوَاز على أَن مَالِكًا قَالَ فِي كثير من أجوبته أكره كَذَا وَهُوَ حرَام فَمِنْهَا أَن مَالِكًا نَص على كَرَاهَة الشطرنج وَهَذَا عِنْد أَكثر أَصْحَابه على التَّحْرِيم وَحمله بَعضهم على الْكَرَاهَة الَّتِي هِيَ دون التَّحْرِيم وَأما الشَّافِعِي فَإِنَّهُ قَالَ فِي اللّعب بالشطرنج إِنَّه لَهو شبه الْبَاطِل أكرهه وَلَا يتَبَيَّن لي تَحْرِيمه فقد نَص على كَرَاهَته وَتوقف فِي تَحْرِيمه فَلَا يجوز أَن ينْسب إِلَيْهِ وَلَا إِلَى مذْهبه أَن اللّعب بهَا جَائِز وَأَنه مُبَاح فَإِنَّهُ لم يقل هَذَا وَلَا مَا يدل عَلَيْهِ وَالْحق أَن يُقَال إِنَّه كرهها وَتوقف فِي تَحْرِيمهَا فَأَيْنَ هَذَا من أَن يُقَال إِن مذْهبه جَوَاز اللّعب بهَا وإباحته وَمن هَذَا أَيْضا أَنه نَص على كَرَاهَة تزوج الرجل ابْنَته من مَاء

ص: 129

الزِّنَا وَلم يقل قطّ إِنَّه مُبَاح وَلَا جَائِز وَالَّذِي يَلِيق بجلالته وإمامته ومنصبه الَّذِي أحله الله بِهِ من الدّين إِن هَذِه الْكَرَاهَة مِنْهُ على وَجه التَّحْرِيم وَأطلق لفظ الْكَرَاهَة لِأَن الْحَرَام يكرههُ الله وَرَسُوله

وَقَالَ تَعَالَى {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً} الْإِسْرَاء 38 وَفِي الصَّحِيح إِن الله عز وجل كره لكم قيل وَقَالَ وَكَثْرَة السُّؤَال وإضاعة المَال فالسلف كَانُوا يستعملون الْكَرَاهَة فِي مَعْنَاهَا الَّذِي اسْتعْملت فِيهِ فِي كَلَام الله تَعَالَى وَرَسُوله وَلَكِن الْمُتَأَخّرُونَ اصْطَلحُوا على تَخْصِيص الْكَرَاهَة بِمَا لَيْسَ بِمحرم وَتَركه أرجح من فعله ثمَّ حمل من حمل كَلَام الْأَئِمَّة على الِاصْطِلَاح الْحَادِث فغلط وأقبح غَلطا مِنْهُ من حمل لفظ الْكَرَاهَة أَو لفظ لَا يَنْبَغِي فِي كَلَام الله وَرَسُوله على الْمَعْنى الاصطلاحي الْحَادِث وَقد اطرد فِي كَلَام الله وَرَسُوله اسْتِعْمَال لَا يَنْبَغِي فِي الْمَحْظُور شرعا أَو قدرا وَفِي المستحيل الْمُمْتَنع كَقَوْلِه تَعَالَى {وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً} مَرْيَم 92 وَقَوله {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} يس 69 وَقَوله {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ} الشُّعَرَاء 210 211 وَقَوله على لِسَان نبيه كَذبَنِي ابْن آدم وَمَا يَنْبَغِي لَهُ وَشَتَمَنِي ابْن آدم وَمَا يَنْبَغِي لَهُ وَقَوله صلى الله عليه وسلم إِن الله لَا ينَام وَلَا

ص: 130

يَنْبَغِي لَهُ أَن ينَام وَقَوله فِي لِبَاس الْحَرِير لَا يَنْبَغِي هَذَا لِلْمُتقين وأمثال ذَلِك وَالْمَقْصُود من ذَلِك أَن الْمُجْتَهد إِذا رأى دَلِيلا قَطْعِيا بِحل أَو حُرْمَة صرح بِلَفْظ الْحل أَو التَّحْرِيم وَإِذا لم يجد نصا قَاطعا فاجتهد واستفرغ وَسعه فِي معرفَة الْحق فأداه اجْتِهَاده إِلَى استنباط حكم تحاشى إِطْلَاق لفظ التَّحْرِيم وأبدله بقوله أكره وَنَحْوه ويقصد بذلك مَعْنَاهُ الْمَفْهُوم من الْكتاب وَالسّنة لَا مَعْنَاهُ الَّذِي اصْطلحَ عَلَيْهِ الْمُتَأَخّرُونَ وَكَذَلِكَ لَا يجوز تَنْزِيل كَلَام الله وَرَسُوله على الاصطلاحات الْحَادِثَة وَإِنَّمَا تنزل على مُقْتَضى مَا كَانَ يفهمهُ الصَّحَابَة من الْمَعْنى اللّغَوِيّ لَا غير وعَلى الْحَقِيقَة الشَّرْعِيَّة فَافْهَم هَذَا فَإِنَّهُ هِدَايَة واستبصار وَبَيَان لمن كَانَ لَهُ قلب أَو ألْقى السّمع وَهُوَ شَهِيد

وروى أَبُو عمر بن عبد الْبر أَن مَالِكًا كَانَ إِذا اجْتهد فِي مَسْأَلَة واستنبط لَهَا حكما يَقُول إِن نظن إِلَّا ظنا وَمَا نَحن بمستيقنين

ص: 131