الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي جزئي وَهُوَ مجَاز وقرينته عقيلة لَا تنفك عَنهُ وَالْأول أَعم مِنْهُ
فصل
وَأما الْخُصُوص فقد تقدّمت الْإِشَارَة إِلَى تَعْرِيفه ونقول هُنَا الْخَاص هُوَ اللَّفْظ الدَّال على شَيْء بِعَيْنِه لِأَنَّهُ مُقَابل الْعَام فَكَمَا أَن الْعَام يدل على أَشْيَاء من غير تعْيين وَجب أَن يكون الْخَاص مَا ذَكرْنَاهُ فالعام كالرجال وَالْخَاص كزيد وَعَمْرو وَهَذَا الرجل والتخصيص بَيَان المُرَاد بِاللَّفْظِ أَو يُقَال بَيَان أَن بعض مَدْلُول اللَّفْظ غير مُرَاد بالحكم فَقَوله تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} الْمَائِدَة 5 مُخَصص لقَوْله تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} الْبَقَرَة 221 ومبين أَن المُرَاد بالمشركات مَا عدا الكتابيات على التَّعْرِيف الأول أَو يُقَال إِن بعض مَدْلُول المشركات غير مُرَاد بِالتَّحْرِيمِ وَهن الكتابيات على الثَّانِي والمخصص بِكَسْر الصَّاد الأولى مُشَدّدَة يُطلق حَقِيقَة على الْمُتَكَلّم بالخاص ومجازا على الْكَلَام الْخَاص الْمُبين للمراد بِالْعَام وَيَنْبَغِي أَن يعلم الْفرق بَين التَّخْصِيص والنسخ وَهُوَ من وُجُوه
مِنْهَا إِن التَّخْصِيص لَا يكون إِلَّا لبَعض الْأَفْرَاد والنسخ يكون لَهَا كلهَا
وَمِنْهَا إِن النّسخ يتَطَرَّق إِلَى كل حكم سَوَاء كَانَ ثَابتا فِي حق شخص وَاحِد أَو أشخاص كَثِيرَة والتخصيص لَا يتَطَرَّق إِلَّا إِلَى الأول
وَمِنْهَا إِنَّه يجوز تَأْخِير النّسخ عَن وَقت الْعَمَل بالمنسوخ وَلَا يجوز تَأْخِير التَّخْصِيص عَن وَقت الْعَمَل بالمخصوص
وَمِنْهَا إِنَّه يجوز نسخ شَرِيعَة بشريعة أُخْرَى وَلَا يجوز التَّخْصِيص
وَمِنْهَا إِن النّسخ رفع الحكم بعد ثُبُوته بِخِلَاف التَّخْصِيص فَإِنَّهُ بَيَان المُرَاد بِاللَّفْظِ الْعَام
وَمِنْهَا أَن التَّخْصِيص بَيَان مَا أُرِيد بِالْعُمُومِ والنسخ بَيَان مَا لم يرد بالمنسوخ
وَمِنْهَا إِن النّسخ لَا يكون إِلَّا بقول وخطاب والتخصيص قد يكون بأدلة الْعقل والقرائن وَسَائِر أَدِلَّة السّمع
وَمِنْهَا إِن التَّخْصِيص يجوز أَن يكون بِالْإِجْمَاع والنسخ لَا يجوز أَن يكون بِهِ
وَمِنْهَا إِن التَّخْصِيص لَا يدْخل فِي غير الْعَام بِخِلَاف النّسخ فَإِنَّهُ يرفع حكم الْعَام وَالْخَاص
وَمِنْهَا إِن التَّخْصِيص يكون فِي الْأَخْبَار وَالْأَحْكَام والنسخ يخْتَص بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّة
وَمِنْهَا جَوَاز اقتران التَّخْصِيص بِالْعَام وتقدمه عَلَيْهِ وتأخره عَنهُ مَعَ وجوب تَأَخّر النَّاسِخ عَن الْمَنْسُوخ إِلَى غير ذَلِك
وَقد سردنا هَذِه الفروق بَيَانا لَا تَحْقِيقا ثمَّ اعْلَم أَن المخصصات حصرها أَصْحَابنَا فِي تسع أَولهَا الْحسن ومثلوا لَهُ بقوله تَعَالَى فِي صفة الرّيح الْعَقِيم {تدمر كل شَيْء بِأَمْر رَبهَا فَأَصْبحُوا لَا} الْأَحْقَاف 25 قَالُوا فَإنَّا علمنَا بالحس أَنَّهَا لم تدمر السَّمَاء وَالْأَرْض مَعَ أَشْيَاء كَثِيرَة فَكَانَ الْحس مُخَصّصا لذَلِك وَعند التَّحْقِيق تَجِد الْآيَة خَاصَّة أُرِيد بهَا الْخَاص وَذَلِكَ لِأَنَّهَا جَاءَت فِي مَوضِع آخر مُقَيّدَة بِمَا يمْنَع الِاسْتِدْلَال بهَا على الْمُدَّعِي وَهُوَ قَوْله عز وجل {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جعلته كالرميم}
الذاريات 41 42 والقصة وَاحِدَة فَدلَّ على أَن قَوْله {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْء} الْأَحْقَاف 25 مُقَيّد بِمَا أَتَت عَلَيْهِ كَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ تدمر كل شَيْء أَتَت عَلَيْهِ وَحِينَئِذٍ يكون التدمير مُخْتَصًّا بذلك فَتكون الْآيَة خَاصَّة أُرِيد بهَا الْخَاص
ثَانِيهَا الْعقل وَبِه خص من لَا يفهم من عُمُوم النَّص نَحْو {وَللَّه عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} آل عمرَان 97 {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} الْبَقَرَة 21 فَإِن هَذَا الْخطاب يتَنَاوَل بِعُمُومِهِ من لَا يفهم من النَّاس كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُون لكنه خرج بِدَلِيل الْعقل فَكَانَ مُخَصّصا للْعُمُوم الَّذِي بِهِ
ثَالِثهَا الْإِجْمَاع لِأَنَّهُ نَص قَاطع شَرْعِي وَالْعَام ظَاهر لِأَنَّهُ يدل على ثُبُوت الحكم لكل فَرد من أَفْرَاده بطرِيق الظُّهُور لَا بطرِيق الْقطع وَإِذا اجْتمع الْقَاطِع وَالظَّاهِر كَانَ الْقَاطِع مُتَقَدما وَالْحق أَن التَّخْصِيص يكون بِدَلِيل الْإِجْمَاع لَا بِالْإِجْمَاع نَفسه وَجعل الصَّيْرَفِي من أمثلته {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} الْجُمُعَة 9 قَالَ وَأَجْمعُوا على أَنه لَا جُمُعَة على عبد وَلَا امْرَأَة
رَابِعهَا النَّص الْخَاص كتخصيص قَوْله عليه السلام لَا قطع إِلَّا فِي ربع دِينَار لعُمُوم قَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} الْمَائِدَة
38 -
) فَإِن هَذَا يَقْتَضِي عُمُوم الْقطع فِي الْقَلِيل وَالْكثير فَخص بِالْحَدِيثِ مَا دون ربع دِينَار فَلَا قطع بِهِ وَسَوَاء كَانَ الْعَام كتابا أَو سنة مُتَقَدّمَة أَو مُتَأَخِّرَة لقُوَّة الْخَاص وَهُوَ قَول الشَّافِعِيَّة وَعَن أَحْمد رَحمَه الله تَعَالَى يقدم الْمُتَأَخر من النصين عَاما كَانَ أَو خَاصّا وَهُوَ قَول الْحَنَفِيَّة لقَوْل ابْن عَبَّاس كُنَّا نَأْخُذ بالأحدث فالأحدث من أَمر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَإِن جهل التَّارِيخ فَكَذَلِك يقدم الْخَاص على الْعَام عندنَا وَعند الْحَنَفِيَّة يتعارضان وَهُوَ قِيَاس رِوَايَة أَحْمد
وَقَالَ بعض الشَّافِعِيَّة لَا يخص عُمُوم السّنة بِالْكتاب وخرجه ابْن حَامِد قولا أَي رِوَايَة لنا وَالصَّحِيح التَّخْصِيص
خَامِسهَا الْمَفْهُوم فَإِن كل مَفْهُوم مُوَافقَة كَانَ مُخَصّصا اتِّفَاقًا وَإِن كَانَ مَفْهُوم مُخَالفَة فَإِنَّهُ يكون مُخَصّصا عِنْد الْقَائِل بِهِ وَخَالف القَاضِي أَبُو يعلى وَأَبُو الْخطاب أَيْضا والمالكية وَابْن حزم
مِثَال الأول قَوْله عليه السلام فِي أَرْبَعِينَ شَاة شَاة فَإِنَّهُ يعم كل
أَرْبَعِينَ من الشَّاء سَوَاء كَانَت سَائِمَة أَو غَيرهَا وَلكنه خص بقوله فِي سَائِمَة الْغنم الزَّكَاة فَإِن مَفْهُومه يَقْتَضِي أَن غير السَّائِمَة لَا زَكَاة فِيهَا
وَمِثَال الثَّانِي قَوْله صلى الله عليه وسلم خلق المَاء طهُورا لَا يُنجسهُ إِلَّا مَا غير لَونه أَو طعمه أَو رِيحه فَإِنَّهُ عَام وخصص بِمَفْهُوم قَوْله إِذا بلغ المَاء قُلَّتَيْنِ لم يحمل خبثا
سادسها فعل النَّبِي صلى الله عليه وسلم كتخصيص قَوْله عز وجل فِي الْحيض {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} الْبَقَرَة 222 بِكَوْنِهِ عليه السلام كَانَ يُبَاشر الْحَائِض دون الْفرج متزرة فَإِن الْآيَة اقْتَضَت عُمُوم عدم القربان فِي الْفرج وَغَيره وَفعله عليه السلام خص النَّهْي بالفرج وأباح القربان لما سواهُ وَيُمكن حمل القربان على معنى لَا تطأوهن فِي الْفرج وَيكون القربان كِنَايَة ظَاهِرَة عَن ذَلِك فَلَا عُمُوم